الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قنطار الذهب...ذهب إلى فلسطين ومنها عاد… ثم إليها عاد ذهب

مريم الحسن

2015 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك أرقى من السلام على روحك كلاماً نبتدئ به متواضع الكلام.. و ليس هناك أصدق من الصمت سلاماً يُهدى إلى روحك وهي في حضرة الشهادة و رفعة المقام.. فسلام على روحك حين وُلدتَ وحين قاومتَ.. وحين أُسرتَ وحين حُرّرتَ.. وحين استُشهد جسدك على أرض سورية الحبيبة.. و بقيت فيها روحك كالشمس عالية في سماء جولانها.. تُشرق منها على أرض فلسطين السليبة.. كي لا تغيب عنها مقاومتك في يوم.. و لا عن تحرير أراضيها عيون من استلموا عنك الراية تنام.

سلام عليك كسلام الصابرين على ُرسل الصبر.. و سلام عليك كسلام الموقنين بالنصر على أهل الصدق و الفلاح في عصر الأكاذيب و زمن الفُجر.. و سلام عليك كسلام المقاومين.. رجال الله.. أحباب الله.. على رفقاء دربهم الشهداء السابقين.. و على قادة نهجهم حَمَلة ألوية مقاوماتهم الصادقين قولاً و عملاً و فعلا...و على إنسانيي العقيدة و الإنتماء و الفكر.

ما أثقل الكلام على الأقلام حين تتشح الأفكار بسواد صمت الحزن.. و ما أصعب الصمت على الكلمات حين ُيأسر غضبها.. فيكاد صبر حروفها من طول صمت حزنها في الأسر يجن.. أين صبر الصابرين من صبر سمير القنطار.. و أين عشق عشاق فلسطين من عشق عميد الأسرى و الثوّار.. و أين بلاغة المتكلمين إذا ما تحدثت الشهادة عن الشهادة بنفسها.. و إذا ما انساب يقينها من فمها و من عذب صدقها.. و إذا ما نطقت بلغة العزيمة الماضية في خطِّها تضحية و إيثار.. و إذا ما حدّثت بنبرة الثبات و الإصرار و شجاعة الأبطال المُحررين و الأحرار.. و إذا ما أعلن سمير صبر لياليها الثلاثينية في سجون البُغاة و المحتلين.. أنه ما عاد من فلسطين إلا ليعود إلى فلسطين.

قد يتساءل البعض عن سبب هذا الحزن الشديد على استشهاد و فقد المقاوم المجاهد سمير القنطار كأنه أول الشهداء في خطه رغم أن الشهداء كثر من قبله, وقد استشهد معه في نفس اللحظة شهداء آخرون, و قافلة شهداء المقاومة طويلة جداً و عميقة جداً في الزمن، و أن مَن ارتفعوا مثله من على هذه الدرب من شهداء مدنيين مظلومين او من شهداء صامدين و ممانعين كثر, و ربما أعدادهم و أسماؤهم باتت خارج إمكانيات الحصر و العد.. نعم هم كثر و هم أعزاء و هم غوالي, وهم كما قال فيهم سيد الشهداء الشهيد القائد السيد عباس الموسوي "شهداؤنا عظماؤنا" لكن سمير القنطار و من مثله هم كالدر المكنون الذي اذا اكتشف و ظهر وَجب على كل من نذر نفسه للمقاومة و خاصة إذا كان في خط حزب الله أن يحافظ عليه و يفتديه بالروح و يبذل الغالي و النفيس في سبيل الإبقاء عليه حياً ما أمكن و ما استطاع حتى لو أراد هو الشهادة و سعى لها بكل جوارحه لأنه كالنور المتلألئ في ظُلمة نفق ضياع الهوية العربية و كخارطة الطريق لمن ضَلّوا في متاهات غزو القيم و الثقافة و تشويه الحقائق البديهية.

عشاق خط حزب الله و من نشأوا على عقيدته توارثوا عشق الشهادة فيما بينهم منذ ما يقارب الأربعة عشر قرن, هم نشأوا على حب الشهادة و على الإقتداء بنهج إمامهم و حبيبهم أبي عبدالله الحسين عليه و على أصحابه منا السلام . هم كبروا و يقينهم في كل عاشر من مُحرم من كل عام يذكرّهم بأنهم ما ولدوا لهذه الحياة بل لما بعدها , و ما محط إقامتهم في هذه الحياة إلا الإمتحان لولائهم و الإختبار لصبرهم في خدمة الإنسانية و الإسلام و المسلمين و في خدمة ما بُعث الإسلام لإتمامه : صون شهادتي أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله, و الدفاع عن الحق و نصرة المظلوم بغض النظر عن طائفته أو عرقه, و نشر مكارم الأخلاق بالسلوك الحسن و الكلمة الطيبة من دون أي اعتداء على احد لا في الثقافة و لا في الدين و لا في المذهب و لا في العقيدة و لا في الحرية ... لذا أن ترى الشيعي من أبرز المتقدمين في العمل المقاوم للصهيونية و للإستكبار العالمي و في أول صفوف المقاتلين لإسرائيل (طبعاً بعد استثناء المتطرفين الحاقدين و الجاهلين بأخلاق و سلوك آل بيت محمد عليهم السلام) فهذا لأن مقاومة الظالم و المحتل جزء من عقيدة أي مؤمن شيعي و هو تربى و نشأ على العمل المقاوم من قبل أن تكون مقاومته جزءً من دفاعه عن أرضه و عن هويته أو عن مقدساته الإسلامية و عن قراه إذا ما احتُلت حتى و لو كان من يسكنها من غير الطائفة الشيعية. ففي لبنان مثلاً, حتى لو لم تكن القرى الجنوبية التي احتلت في أغلبها شيعية كان حزب الله سيولد ليدافع عن لبنان و عن حقوقه و ليطرد من قراه المحتل حتى لو كان أهل هذه القرى من غير طائفته لأن عقيدة الدفاع عن الوطن و عن المظلوم و عن الحقوق هي جزء لا يتجزأ من عقيدته فكيف إذا كان المظلوم لبنانياُ أو عربياً و كان الظالم مستكبراً صهيونياً أو باغياً لا يخجل و لا يرتدع لا بالكلمة الطيبة و لا بالحسنة و لا بالموعظة و لا حتى بالرجاء و التوسل.

إذن و عطفاً على ما تقدم, عندما يستشهد شهيد حزب الله.. فإن حزب الله و عائلة الشهيد و رفاقه و أحبابه و عقلاء بيئته لا ينتظرون التهنئة من أحد, و لا ينتظرون العزاء من أحد, و أكاد أجزم أيضاً أنهم لا ينتظرون التعاطف من أحد رغم أنهم يتمنون هذا التعاطف من أخوتهم في المواطنة و في العروبة و يسرّهم جداً حضوره إذا وُجد. هم يقدمون شهداءهم قرابين أيمان و وطنية و عزة و كرامة رفضاً للذل على مذابح الوطن و الإسلام المحمدي و الدفاع عن القيم الأخلاقية الإنسانية, و ذلك عبر دعمهم السياسي لكل مظلوم يسعى لنيل حقوقه و تواجدهم المعنوي في صفه, و عبر إيثارهم و تضحيتهم بأرواحهم في سبيل الدفاع عن النفس التي حرم الله قتلها و أمر بحفظها. و هم لا يفعلون ما يفعلون منتظرين الشكر من أحد, بل يتقربون إلى الله بالعمل الصالح المجاهد الخالص لوجهه فقط من دون أي غايات دنيوية سوى غاية العيش بسلامة و عدالة و كرامة في أوطانهم بين مواطنيهم من دون أي ذل أو ظلم اجتماعي كان أم حقوقي. تماماً كما هو حال المجاهد المقاوم سمير القنطار و أمثاله من لبنانيين على مختلف مشارب طوائفهم، و مثلهم من عرب أو مسلمين من مختلف جنسياتهم و مختلف أعراقهم. هؤلاء اللذين التقوا مع أهداف و فكر مقاومة حزب الله من دون أي عقيدة دينية أو طائفية جامعة فيما بينهم. اجتمعوا معه لبنانياً تحت خيمة حب الوطن و الدفاع عن حقوق المواطن اللبناني و اجتمعوا معه عربياً تحت خيمة العروبة و الدفاع عن حقوق المواطن العربي و رفض الإحتلال و إعادة تقسيم الوطن العربي و اجتمعوا معه إسلامياً تحت خيمة اللُحمة الإسلامية و الدفاع عن حقوق و مقدسات المسلمين، ثم التقى الجميع انسانياً تحت خيمة القيم الإنسانية الجامعة المدافعة عن حقوق الإنسان و قضاياه العادلة و لو بالكلمة أو بالموقف الصادقَين.

و الدليل على ذلك, أنه حين نفذ الشهيد القائد سمير القنطار مع رفاقه عملية نهاريا في نيسان عام 1979 لم يكن حزب الله قد وُلد بعد, و حين أسر القنطار لم يكن ينتمي إلى مقاومة حزب الله , بل كان إنساناً مقاوماً لبنانياً عشق فلسطين لأنها صاحبة حق مظلومة و سعى إلى تحريرها لأنها ارض عربية سُرقت من حضن وطنها العربي, و حين انضم القنطار إلى منظمة جبهة التحرير الفلسطينية لم يكن يفكر حينها لا كفلسطيني و لا كلبناني بل كان يفكر كإنسان قومي عربي يدافع عن أرضه العربية. لكن في اللحظة التي قرر فيها سمير القنطار أن يختطف سنوات عمره الستة عشر من حضن طفولتها و من حضن مغريات الحياة و اختار درب المقاومة و التحرير و نهج الإستشهاد سبيلاً إلى ذلك من دون أن أية عقيدة جهادية دينية مسبقة و من دون أن يكون قد تربى مثل مقاومي حزب الله على ثقافة نبذ بهارج الحياة و غواياتها ابتغاءً لمرضاة الله, و من دون أن يكون حسيني المنشأ و العشق و الإيثار, لم يكن الفتى سمير القنطار حينها مجرد مقاوم عربي بل كان ايضاً مشروع مناضل أممي ينتمي إلى منظمة القيم الإنسانية و إلى أخلاقها الفطرية السليمة ,فكان من حيث لا يدري حسيني الفطرة والهوى و العقيدة تماماً كحزب الله .. و على هذه القيم الإنسانية التقى مع مقاومة حزب الله, فكان بحق ذهبها المقاوم و دُرّتها المكنونة, و كان رفيقاً لمقاوميها من قبل أن يولد حزب الله ...لأن سمير القنطار الإنسان القومي العربي الصادق المناضل المضحي من أجل نصرة الحق و استرداد الحقوق المسلوبة من دون أي مآرب شخصية أو منافع حزبية أو طائفية او مذهبية في قيمه هذه يلتقي مع قيم حزب الله, و حزب الله مثله مقاومة صادقة تعشق الصدق و الصادقين و تعشق المناضلين المُضحين, لأن قيم الصدق و التضحية و الإيثار هم من أوائل لُبنات تكوينها و من بين مكونات أسس نشأته. لهذا السبب التقى القنطار و حزب الله عن بعد, و لهذا السبب سعى حزب الله إلى تحريره بأي ثمن حتى لو كلفه الأمر حرباً فرضها العدو عليه و خطط لها مسبقاً, و بفضل هذا اللقاء على هذه القيم ختم سمير القنطار نضاله مجاهداً مقاوماً في صفوف حزب الله و كان فيه قائداً و واحداً من جنود محور المقاومة و الممانعة المدافع عن الحق و عن فلسطين و عن سوريا و عن لبنان و العراق و عن كل بلد عربي يتعرض للغزو الصهيوني, أمريكياً و إسرائيلياً كان أم تكفيرياً وهّابي.

إذن, سمير القنطار ليس مجرد مقاوم انخرط في صفوف المقاومة دفاعاً عن مقدساته و عن أرضه و عن مقاومته أو عن وجوده و إسلامه أو لأنه ورث ثقافة المقاومة عن بيئته و عن أهله .. سمير القنطار كان هذه الجوهرة الثمينة التي خاض المقاومون حرباً ضروساً لأجل تحريرها و إيفائها حقها بتحريرها من أسرها فصار بذلك أيقونة من أيقونات ملاحم و انتصار تموز 2006 . كان رمزاً لتضحيات المقاومين في تلك الحرب و تجسيداً حياً لانتصارهم و كان بعد تحريره يتنقل مقاوماً بين لبنان و سوريا وعينه على فلسطين و الجولان و كانت تظلله أرواح المقاومين الذين استشهدوا في سبيل ما أُسر هو لأجله و ذاق لأجله عذاب و مرارة الأسر لثلاثين سنة و ناضل لأجله على مدى ثلاثين سنة ما انحنى فيها لعدوه و لا استسلم له و لا أقر له بحق و لا صافح يده و لا تاب عن عشقه لفلسطين و لا تبرم أو ندم على خياراته.. لهذا السبب خسارته أتت أليمة بحجم فرحة تحريره... لكن العزاء في استشهاده انه هو من طلب الشهادة و هو من سعى لها و هو من أرادها تتويجاً لقصة نضاله و خاتمة لفصولها ... والعزاء الأكبر لمحبيه و لجمهور المقاومة في ما كان أعلنه هو بلسانه حين قال في مقابلة معه أن المقاومة السورية انطلقت و لن يستطيع العدو إيقافها او تقويضها لا باغتياله و لا باغتيال رفاقه القادة لأن ما كان بذرة قد نبت و ما كان نبتة قد نمى, و نبتة المقاومة خضراء و سريعة النمو لأن سقياها من دم الشهادة و من عرق و تضحيات القادة المجاهدين المناضلين أمثال سمير القنطار و أمثال القادة الشيخ راغب حرب و السيد عباس الموسوي و الحج رضوان عماد مغنية رضوان الله تعالى عليهم جميعاً.

تليق بسمير القنطار و بنضاله كل الكلمات الصادقة و الصور الرائعة في قصائد محمود درويش لأنه كان مثله فلسطينياً و كان مثله يفقه لغة حوار القدس مع السماء و كان مثله يتحدث لغة حجارة فلسطين و لغة أشجار الزيتون و البرتقال و كان أيضاً مثله شاعراً لكنه فاقه بلاغةً حين نظم لفلسطين أطول قصيدة عشق بطول ثلاثين سنة من الصبر و النضال و المقاومة و التغرب عن حضن أهله و الحنين إلى خبز أمه و قهوة امه و لمسة أمه... و تليق بسمير القنطار كل نوتة موسيقية مناضلة صادقة كتبها و عزفها الفنان مارسيل خليفة و غزل لها حكاياها من قصص الأسرى و الشهداء و المناضلين المقاومين كسمير القنطار و رفاقه ... و تليق بسمير القنطار أغاني السيدة فيروز و صباحاتها لأنه كان مثلها أرزة من لبنان و كان مثلها نقى الروح شامخاً مقاوماً بصمت و بحِلم ..و يليق بسمير القنطار حب الشباب الفلسطيني المنتفض اليوم في ساحات القدس العتيقة و لو ما عرفوه و لا عاصروه إلا أنه كان مثلهم و كان في مثل عمرهم حين بدأ مشوار مقاومته و نضاله و هو مثلهم انتفض لفلسطين فتى من قبل أن يولدوا... و يليق بسمير القنطار عنفوان الياسمين الدمشقي و لغة الحب و الأساطير في أشعار نزار قباني لأنه كان مثلهما سوري الإنتماء و و كان مثل المقاومين السوريين ممانعاً حد الشهادة و التضحية بكل غال و نفيس و كان مثل سورية قلعة مقاومة صامدة في وجه الحرب على الحضارة و القيم و الأخلاق و الثقافة .. و يليق بسمير القنطار نسبه الذي حمله معه إلى ديار الخلد نسب شهيد حزب الله و ما أجمله و أروعه و أشرفه من نسب يختتم به مسيرة نضاله و جهاده ... فاز سمير القنطار و فازت به المقاومة اللبنانية و السورية و الفلسطينية ...و فزنا نحن جمهورها و محبيها بأننا رأيناه بيننا مُحرراً و رأيناه ببيننا رمزاً حياً على قوة المقاومة اللبنانية و صوابية خياراتها و على وفاء و صدق سيدنا و قائدنا أدام الله ظله بيننا و حماه... الشهيد القائد المجاهد سمير القنطار هنيئاً لك الشهادة و مبارك لك الخلود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية