الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنقيط القرآن تنزيل أم اجتهاد

حسين سميسم

2016 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتنقيط القران تنزيل ام اجتهاد ؟
اتفق معظم الباحثين على ان عملية تنقيط القران الكريم تمت ايام الدولة الاموية ( فترة حكم عبد الملك بن مروان ) ، وقد نفذت في العراق تحت اشراف الوالي الاموي الحجاج بن يوسف الثقفي (40 -95 ه ) ، وقام ابو الاسود الدؤلي (ت 69 ه) قبل ذلك بضبط الحركات من همزة وضمة وفتحة وكسرة وتنوين وتشديد ومد وسكون لكي يتم ضبط معاني الكلمات وتسهيلها على القارئ ، متبعا في ذلك طريقة التنقيط الارامي المعبرة عن الحركات بالنقط ( كل حركة عبارة عن نقطة مختلفة الموضع ) . واتم الخليل بن احمد الفراهيدي ( 100 - 173 ه) فيما بعد عمل ابي الاسود مستبدلا النقاط بالحركات بشكل مقارب للذي نعرفه اليوم . وقد حصرت عملية تنقيط الحروف ( الاعجام) بين اثنين من علماء اللغة العربية هما نصر بن عاصم بن ابي سعيد الليثي ( ت 86 ه) وهو من تلاميذ ابي الاسود الدؤلي ، ويحيى بن يعمر العدواني البصري ( ت 129 ) وقد ذكرت المصادر بانه من تلاميذ ابي الاسود الدؤلي ايضا . لكن الروايات لم تحدد دور نصر بن عاصم ولا حجم دور يحيى بن معمر كل على حدة ولا منهجهم في كيفية التنقيط ولا دور الحجاج بن يوسف في تفضيل رأي او مخالفته أو تأثيره في اتباع منهج سياسي ما ، خاصة وان الحجاج له رأي معادٍ لصيغة قرآن عبد الله بن مسعود الذي كان منتشرا في الكوفة ويحمل موقفا معاديا من الشيعة وتراث الامام علي النصي ( خطب وآراء)في الكوفة ايضا ، وهل استثمرت قضية التنقيط سياسيا ام لا ؟ فقد كان زيد بن علي يقرأـ اني جاعل في الارض خليقة وليس خليفة ( البقرة 30 ) ، ولا يخفى على القارئ الفرق السياسي بين القراءتين ، ونستنتج من الروايات بأن نصر ويحيى اتما عملهما بين سنة 75 ه وهي سنة تولي الحجاج بن يوسف حكم العراق لغاية وفاة نصر بن عاصم عام 86 ه ، وانجزت هذه العملية خلال فترة الحكم الاموي وقبل ظهور المذاهب الفقهية ( جعفرية ، حنفية ، مالكية ، شافعية ، حنبلية ) ولم اطلع على اعتراضات مذهبية على صحة عملية تنقيط القرآن عدا بعض الروايات القليلة التي لا تزيد على عدد اصابع اليد الواحدة . وتسالمت المذاهب فيما بعد على صحة تنقيط القران مع وجود روايات عند كل طرف تنص على زيادة النص القرآني او نقصانه ، والروايات في ذلك كثيرة ولا داعي لذكرها . لقد استقرت عملية تنقيط القران فترة ليست بالقصيرة ثم خضع النص القرآني بعد قرون للتفسير ، فتم تدوين التفسير في اواخر الدولة الاموية واوائل الدولة العباسية ، وكان ضمن كتب الحديث ، وانفرد التفسير بالتأليف على يد ابن جرير الطبري المتوفي عام 310 ه ، ونلاحظ البون الشاسع بين مرحلتي التنقيط ( بين عامي 75 وعام 86 ه ) ومرحلة التفسير في بداية القرن الهجري الرابع ، حيث استقر التنقيط على صيغة القران الرسمي الحالي ، ومن هذا نفهم بأن التفسير انجز على اساس القران المنقوط وليس على اساس المصاحف التي كتب في زمن الخليفة عثمان عفان ، ومن الجدير بالذكر ان المصاحف السبعة التي كتبت في زمن عثمان اختفت بشكل غريب ، ولم نحصل على رواية تنص على استشهاد احد المفسرين بقرآنٍ من تلك الفترة ، ولا نعرف مصيرها لحد الان ، هل تم حرقها لتوحيد القران كما حدث وقت عثمان أم اخفيت بطريقة ما ؟ ، وتم منذ ذلك الزمن توحيد القران الرسمي عدا ما بقي فيه من قراءات مختلفة ( مالك يوم الدين تقرأ ملك يوم الدين ...الخ) وكذلك موضع النقاط في القران المغربي ، ولم يجر الاجتهاد او التفكير باعادة النظر في تنقيط القران منذ تلك الفترة ، وأصبح التنقيط مسألة مسكوت عنها . لقد لاحظ السيوطي بعض المشاكل التي تعترض عملية التفسير الناتجة من مشكلة التنقيط ، وافرد بابا لغريب مفردات القران وما ورد فيه من كلمات غير عربية مشيرا الى اصولها ، لكنه لم يبحث بشكل مفصل عن معاني الكلمات التي استعصى على المفسر شرحها بشكل مقنع ، ولم يتطرق الى احتمالية ورود خطأ غير متعمد من الناسخ او خطأ في قراءة النص غير المنقوط من قبل يحيى بن معمر أو نصر بن عاصم او خطأ في اجتهادهما . وظل علم التفسير اسيرا للنص الموجود ، وعانى المفسر بسبب ذلك من مشاكل استعصت على الحل ، فقام بتفسير الكلمات مثلما هي دون اجتهاد او تفكير في احتمالية وجود خطأ في النسخ ، فاستعان بالشعر والامثال والكلمات القريبة ليجد مخرجا تفسيريا لورطة غياب المعنى من جمل كاملة ، وساهم فشل معركة خلق القران التي انهزم فيها التيار العقلاني ( المعتزلة ) وانتصر فيها التيار الحنبلي والاشعري في مزيد من عزلة النص القراني عن المعامله العقلانية ، وتوقفت امكانية تطوير علوم القران والحصول على فهم لايتناقض مع الواقع . ولو رجعنا الى مرحلة صدر الاسلام او بالاحرى مرحلة كتابة النص القراني لرصدنا عددا من الاعتراضات تخص اخطاء النساخ النحوية والاملائية ، فقد اعترض عدد من كبار الصحابة على تلك الاخطاء كالخليفة عثمان بن عفان الذي توقع تصحيح العرب للأخطاء النحوية فيما بعد ، واعترضت عائشة وابن عباس وابن مسعود وعدد من الصحابة ، وظل القران الرسمي عصيا على التغيير او التصحيح ، وتوهم علماء الدين بأنهم لو دافعوا عن المشاكل الكتابية وبرروها كأنهم يدافعون عن كلام الله الذي لايقبل الخطأ ، والاحرى بهم تنزيه الله من اخطاء النساخ . ان مهمة بهذا الحجم لا يقدر القيام بها الاشخاص العاديون مهما بلغ علمهم لان كتابة نسخة واحدة في ذلك الوقت تحتاج الى مال وفير ( وزن قران المشهد الحسيني بالقاهرة حوالي 80كلغ وعدد صفحاته 1087 صفحة بحجم 57سم * 68سم ، ومساحة الجلود المستخدمة حوالي 421 متر مربع ، ويحتاج الى اكثر من الف جلد شاة مدبوغة ومعاملة لكي تكون جاهزة للكتابة ) ، ليس هذا فقط وانما هو بحاجة الى سلطة سياسية ودينية ، كما ان الاعتراض على مفردة واحدة يعني الاعتراض على السياسة الرسمية للسلطة ، فالممانعة تتمتع بجبهة عريضة قوامها السلطة ورجال الدين ومؤسسة الجامع وجماهيرها .لقد رصدت الكاتبة التونسية الفة يوسف في اطروحتها جملة من التجاوزات اللغوية التي قام بها كل المفسرين ( يحبذ مراجعة كتاب تعدد المعنى بالقرآن ) ، وسوف يكتشف القارئ موقف المفسر ازاء الكلمات المتقطعة في بدايات السور القرآنية حيث يقوم بتفسيرها مع جهله الواضح بها ، ولو ذهبنا الى بعض الايات نرى مدى الجهد الكبير الذي صرفه المفسر في تفسير بعض الكلمات غير المفهومة في سياق النص مثل( ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب )(سورة ص 16) فهو يضع كلمة قطنا تحت المجهر ويفتش قواميس اللغة والشعر والامثال وجميع الكلمات القريبة ويصل في النهاية الى كلمة قريبة يقول ان المعنى كامن فيها ، ولا يتبادر الى ذهنه ان الكلمة الواردة بالنص تشكو من مشكلة في النسخ او التصحيف او التنقيط على اعتبار ان ما بين الدفتين هو كلام الله النهائي الخالي من اي خطأ في النسخ ، ولا يحتمل المفسر ان الله لم يقل كذلك كما لم يحتمل ان الله قال تلك بعض المفردات بلغة غير عربية ، والقرآن يحتوي على كلمات عديدة وردت بلغات غير عربية . كما توجد مشكلة اخرى هو تعدد المعنى فان المصلي مثلا يكرر ( الله الصمد ) مرتين في كل صلاة لكنها غير مفهومة له وللغالبية العظمى من المصلين او أئمة الصلاة ، ونكتشف حيرة المفسر امامها ، فقد فسرها المفسر بأكثر من 12 معنى مختلف لا يتساوق مع السياق العام للسورة مثلا ( الصمد الذي لاجوف له ، الذي لا يحتاج الى طعام او شراب ، الذي تتضرع اليه الخلائق ، السند الدائم ، شريف القوم المطاع ، المعتمد عليه ..... الخ ) ، ولا يعرف المصلي على اي معنى يعبد ، ولو ان شخصا من خارج المؤسسة الدينية أراد توضيح المعنى لجوبه بصرخات من هنا وهناك تمنعه من التجديف بالدين وتحظر عليه الاقتراب من هذه المنطقة لانه ليس من اصحاب الاختصاص !! ، فقد جوبه الشاب السعودي لؤي شريف بجملة من الاعتراضات عندما قال بأن اصل كلمة ( الصمد ) سرياني ويعني الطريق الواضح ، والمشكلة ان اصحاب الاختصاص لم يصارحونا ولم يتحدثوا عن المشاكل اللغوية في النص القراني ، ولم يحاولوا تصحيح الاخطاء النحوية ولا الاملائية التي ارتكبها النساخ والروايات في ذلك موثقة وعديدة ، وهم يعلمون بها علم اليقين ، فهم لا يعملون ولا يسمحون للآخرين بالعمل ، وما الضجة التي اثيرت على محاضرة الدكتور يوسف زيدان حول سورة الاسراء والمعراج الا من ذلك الموقف ، فقد قال في محاضرته بأن المسجد الاقصى بني في زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان وليس في زمن نزول السورة المكية ، والقضية تحتاج الى اعادة تفسير . ومما يؤسف له ان البعض اتهموه بعدم الاختصاص وهو دكتوراه فلسفة اسلامية وطالبوا بمحاكمته ، والمشكلة لا تتعلق بالنص القرآني بل بالتفسير ، والظاهر ان التفسير الرسمي بنى اسورا من المحرمات اسوة بالمحرمات والمحظورات المفروضة على تصحيح اخطاء الناسخ . ان اقتصار عملية تنقيط القران على عالمين لغويين فقط وتخلي المؤسسة الدينية ( مؤتمر اسلامي ، الازهر ، الحوزات العلمية ....) عن مراجعة عملهما ، وصم اذانها عن البحوث العديدة التي تظهر بين الحين والاخر لا يمت الى الروح العلمية ، ويسمح للآخرين بالاجتهاد في هذا المورد ، حيث ان نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر لم يدعيا العصمة ، كما ان مراجعة عملهما ليس مراجعة للوحي بل يمكن من خلال ذلك وبإتباع المنجزات اللغوية التي تحققت في العقود الماضية الاسهام في فك طلاسم الكلمات التي اوكلها المفسر الى عالم الغيب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تنقيط القرآن
شاكر شكور ( 2016 / 1 / 2 - 21:03 )
الحقيقة بمجرد اعتراف المؤسسة الدينية بإضافة التنقيط والحركات على كلمات القرآن فهذا اقرار بإشتراك الفكر البشري لتسهيل قراءة القرآن الذي بدون تنقيط تعد كلمات القرآن قاصرة عن فهمها ، ولو علمنا ان القرآن بعد جمعه وتدوينه كان الناس تقرأه وتفهمه في زمن قبل التنقيط دون الحاجة الى النقاط فعليه نستنتج بأن اللغة الأصلية التي كتب بها القرآن لم تكن عربية ، فعندما ترجم القرآن من لغة كتابته الأصلية الى العربية استعصت الترجمة لكثير من كلمات اللغة الأصلية فوضعوها المترجمين كما هي في لغتها الأصلية ككلمة صمد مثلا او ترجموا بعض العبارت في القرآن القديم خطأً كعبارة (زوكوهوم حورو عينو ) التي تعني بالآرامية الزبيب الأبيض عند عين ماء ، ترجموها الى العربية (زوجناهم بحور عين) وبسبب هذه الترجمة يقتل كثير من الأبرياء لنيل المجاهدين جنة الحوريات الوهمية ، هذا وأن اعطاء عدة احتمالات لتفسير كلمة قرآنية معينة ككلمة صمد مثلا يؤدي ذلك الى التشوش في العبادة الصحيحة ، ارى ان مشروع السيد لؤي شريف سينجح ما لم تطيله يد دواعش الوهابية ، تحياتي


2 - بلغ
Almousawi A. S ( 2016 / 1 / 7 - 17:21 )
التفاته جد هامه
لجدل سيستمر
ما دام هناك غموض
وعدم وضوح
واجتهاد خاطئ ومدمر
لك فائق التقدير
https://www.youtube.com/watch?v=rBY_o7-iRIw

اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا