الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قانون القيمة

محمد عادل زكي

2016 / 1 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كشكل تاريخي لأحد أنماط الإنتاج، فأياً ما كانت شرور الرأسمالية، وهي بلا ريب بغيضة، كثيرة ظاهرة، فيجب علينا، إن أردنا الفهم؛ ومن ثم التغيير، أن نقدر كل حضارة تقديراً موضوعياً بعيداً عن الأهواء وادعاء امتلاك ناصية الحقيقة الاجتماعية، ونبحث في الوقت ذاته عن القانون الموضوعي الحاكم لعمل النظام ككل. والقانون العام الذي افترض أنه يحكم عمل النظام الرأسمالي، وكل تنظيم اجتماعي يعتمد على العمل الإنساني هو قانون القيمة؛ ومن هنا؛ ومن هنا فقط، قد نتمكن من فهم النظام بل والقضاء على شره، ومن ثم رسم المشروع الحضاري لمستقبل آمن لأجيال لم تأت بعد، ونتحمل أمامها المسئولية التاريخية كاملة. عليه، يتعين أن نفرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للكلمة. وبطبيعة الحال فإن ما ننشغل به في أبحاثنا الراهنة هو المعنى الاصطلاحي. فالقيمة هي خصيصة. هي مقولة مجردة/معنوية. هي صفة يكتسبها الناتج بمجرد احتواءه على هذا القدر أو ذاك من العمل البشري، أياً ما كانت طبيعته وأياً ما كان شكله. القيمة هي روح تسكن جسد الناتج. فكل ناتج بفضل العمل يكون له قيمة، كصفة مجردة، حتى إذ لم يكن معداً بالأساس للمبادلة. ولكي ينتقل الناتج من مرحلة أنه ذو قيمة فحسب إلى مرحلة كونه ذا قيمة مبادلة، أي من مرحلة الناتج غير المعد للتبادل إلى مرحلة السلعة المنتجة بقصد المبادلة، يشترط أن يكون نافعاً اجتماعياً، فإذ لم يكن نافعاً فهو لا يفقد قيمته، إنما فقط لا يكون له قيمة في المبادلة. ولذا، لا يستقيم تعريف أستاذي د. محمد دويدار للقيمة بأنها:"خصيصة اجتماعية في السلعة تجعلها محلاً للمبادلة". محمد دويدار، علم الاقتصاد السياسي، ص211. لأنه تعريف يخلط بين القيمة في ذاتها وبين شرط قيمة المبادلة، فطبيعة السلعة نفسها، أي مدى منفعتها، هي التي تجعل منها محلاً للمبادلة، وليس العمل المبذول في إنتاجها. فشرط القيمة هو العمل الضروري اجتماعياً المبذول في إنتاجها. أما شرط قيمة المبادلة، أي الشرط الذي يحدد هل للسلعة صلاحية/ قدرة على التبادل بسلعة أخرى أم لا فهو، كما سيقول ريكاردو، مدى منفعتها. وحينما نقول أن المنفعة هي شرط القيمة، فمن المتعين أن يكون المقصود هو أن منفعة السلعة هي التي تحدد قيمة مبادلتها، وليس قيمتها؛ فقد تحددت القيمة سلفاً بمجرد اتصال العمل الإنساني بموضوع العمل. والقيمة على هذا النحو تنقسم إلى: قيمة استعمال، والتي تعني قدرة/صلاحية الناتج لإشباع حاجة معينة. وقيمة مبادلة، التي تعني قدرة/صلاحية الناتج للمبادلة بسلعة أخرى. وهذه الصلاحية شرطها، كما ذكرنا، المنفعة، وتعتمد، وفقاً لريكاردو كذلك، على أمرين: مدى ندرة الناتج، وكمية العمل المبذول في إنتاجه. هنا يجب الوعي بالفارق بين القيمة في ذاتها والمظهر النقدي الذي تتخذه حين التداول، المعبر عنه باصطلاح الثمن. تحديداً ثمن السوق. كما يتعين الوعي بالفارق بين القيمة النسبية للسلعة، كنسبة بين قيميتين، وبين ثمنها الطبيعي المكون من مجموعة أثمان (الأجر، والربح، والريع، والفائدة). وأخيراً نفرق بين القيمة والثروة. فالثروة بالمعنى الواسع للكلمة، التي هي محل انشغال الاقتصاد السياسي، هي:"المنتجات المادية النافعة التي أنتجها العمل بالتعاون مع الطبيعة، وتتميز بقدر من الندرة". ومن ثم يستبعد الاقتصاد السياسي قوى الطبيعة، وكل ما هو غير مادي من حقل اهتمامه، وذلك من الأمور المبررة في القرن السابع عشر والثامن عشر، فلم يكن قطاع الخدمات ليحتل تلك المكانة المركزية في مجمل الهيكل الاقتصادي التي يحتلها في عالمنا المعاصر. ومن جهة أخرى، فالثروة تكون نافعة من خلال أمرين: إما أن تستعمل، وهنا تبدو قيمة الاستعمال، وإما أن تبادل. وحينما نكون بصدد التبادل تثور مسألتين أساسيتين: أولهما: ما هو الأساس الذي تتم وفقاً له عملية التبادل، أي ما هو منظم هذا التبادل. ثانيهما: ما هو المقياس الذي سيتم التبادل وفقاً له؟ ولسوف ينشغل الاقتصاد السياسي بتقديم الإجابات المختلفة على المسألتين. الثروة إذاً ليست، كما يقول د. دويدار:"مجموع ما يوجد تحت تصرف المجتمع من قيم استعمال... ومنتجات يعاد استخدامها في عملية الإنتاج". دويدار، نفسه، ص176. فأولاً: إن المعنى المقبول فهمه من هذا التعريف هو أننا بصدد إنتاج زراعي بسيط! محصول يستخدم جزء منه في الإشباع المباشر، والجزء الآخر، كبذور مثلاً، في سبيل تجديد الإنتاج الاجتماعي. ومن ثم نصبح أمام تعريف ما قبل رأسمالي للثروة! وابتداءً من الخلط، ثانياً، بين القيمة (الصفة/ الخصيصة/ المقولة المجردة) وشرط قيمة المبادلة (المنفعة) والقيمة النسبية (مقارنة بين نسبتين) يجرد التعريف المذكور جميع منتجات العالم ما قبل الرأسمالي من القيمة. على الرغم من أن القيمة تثبت للمنتج بمجرد اتصال العمل الإنساني به. فهب أن فلاحاً يزرع قمحاً بقصد الإشباع المباشر، ثم عن له مبادلته. فهل كان القمح في الفرض الأول بلا قيمة، ثم فجأة هبطت عليه القيمة حين أراد الفلاح مبادلته؟ ومن جهة أخرى فليس معنى أن الأوكسجين لم يكن معروفاً، علمياً، قبل لافوازييه أن العالم كان بدون الأوكسجين! وابتداءً من الخلطـ، ثالثاً، بين الثروة كمنتج غير معد للتبادل، كما في أوروبا القرون الوسطى. أي الثروة كمظهر مادي تتخذه القيمة، وبين المنتج كسلعة معدة للمبادلة مع النظام الرأسمالي. أي المنتج كمظهر مادي لقيمة المبادلة، يتم الانتصار، عبثاً، للمركزية الأوروبية التي تؤرخ للرأسمالية ابتداءً من تاريخها هي، وتسعى جاهدة لنفي ظاهرة القيمة عن جميع المجتمعات السابقة على هيمنة الرأسمال في أوروبا الغربية، ويتبدى ذلك بوضوح حينما نقرأ ما استكمل به د. دويدار تعريفه، وهو ذاته الذي حذر من الوقوع في المركزية الأوروبية! (المصدر نفسه، ص122، هامش) :"أما القيمة فهي ظاهرة مرتبطة بإنتاج المبادلة، وإنتاج المبادلة فقط، وتتمثل في خصيصة اجتماعية تجعل الناتج، الذي أصبح سلعة، قابلاً لأن يكون محلاً للمبادلة...". دويدار، نفسه، ص177. فقبل اقتصاد المبادلة إذاً، أي قبل النظام الرأسمالي ذي المركزية الأوروبية، لم تكن المنتجات سلعاً، ولم تكن بالتالي ذات قيمة! ولكننا نعرف أن حمورابي نظم أثمان (السلع)، وأن الحرفيين في مصر القديمة كانوا ينتجون (سلعاً من أجل السوق). كما أن المصانع السلطانية في القرن العاشر كانت تنتج من (أجل التصدير إلى السوق العالمية). ومن ثم لا بد وأن ثارت مشكلات القيمة. تحديدها. منظمها. مقياسها. ولكن حال الانشغال الفكري بالعديد من الظواهر الأكثر هيمنة على الصعيد الاجتماعي دون الانشغال ببحث تلك المشكلات التي ثارت بمناسبة النشاط الاقتصادي. ولكن، ولأن المركزية الأوروبية تهيمن على علمنا؛ فالنتيجة هي: النظر إلى العالم ابتداءً من تاريخ أوروبا الاستعمارية! فلا رأسمالية قبل رأسمالية أوروبا الغربية! ومنتجات العالم بأسره هي منتجات مجردة من القيمة (خلطاً بين القيمة وقيمة المبادلة) لأن جميع منتجات العالم (الهمجي!) لم تعد من أجل التبادل! لم تعد من أجل السوق! لم تعد من أجل البيع والربح! والواقع أن منتجات أوروبا الغربية فقط هي التي كانت منتجات بهذه الأوصاف حين ساد الإقطاع، ومعه الظلام والجهل، أرجاء إمبراطورية شارلمان كما سترى روزا لوكسمبورج، ومن قبلها ماركس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا