الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ومضات قصصية للقاصة ايمان قاسم اللامي

كاظم اللامي

2016 / 1 / 14
الادب والفن


قراءة في ومضات قصصية
للقاصة ايمان قاسم اللامي
كاظم اللامي
اثار انتباهي واهتمامي الشديدين مجموة قصصية جميلة للكاتبة العراقية الميسانية ايمان قاسم اللامي تحت عنوان (حرائق الاسئلة) التي اشرعت بها سفن الكلم نحو مرافيء القصة الومضة , ومصدر اهتمامي وانتباهي هو ما تحلت وتجلت به القاصة ومجموعتها من تحد ومغامرة واصرار في اقتحام هذا الفن الادبي الصعب علاوة على جهرها بالصوت العالي امام اعتى الاصوات الادبية التي ركنت لكل ما هو جامد لا يتزحزح الا في الاتجاه المكرر الخامل كما انها تحدت جنسها كامراة في مجتمع ذكوري مقيت يكاد ان يكون منغلقا بحدة على نفسه حيث لم نجد من نون النسوة من تصدت لهذا اللون الادبي المييز كل ذلك يقودنا للقول بان انطلاقة الكلمة الرصاصة وجهتها الكاتبة للتماهي مع خيال القاريء ليعلن عن كاتبة يداعب نزيف قلمها القلوب والعيون مع الامتاع البصري الذي يزيدها رونقا وجمالا .
يعتقد البعض ان الومضة القصصية سهلة التناول ممكن لها ان تزاحم بقية النصوص وتاخذ محلها الطبيعي ببضع كلمات بلا دراية لماهية هذا اللون القصصي الحساس ,وهذا غبش اقتحم عيون الكثير ممن اتى مهلهلا لا يحمل ادواته الابداعية في جبته الادبية لذلك عرفت الكاتبة من اين يكتب الحرف اشعاعا فوظفت جميع عناصر الابداع لديها في هذه المجموعة المميزة لتنتج لنا علامة قصصية فارقة .
((حرائق الاسئلة))
عنوان موفق يعكس بصدق وجدية عديد تساؤلات القاصة المكتنزة بالرفض للواقع المخجل للانسان باسلوب ملغم متفجرا اجوبة متشظية تهز القاريء تنفعل بمتابعته ويتفاعل معها باسترجاع ذاكراتي يعوم على بحر من القهر والجوع والالم لتنتهي الحكاية الى خلق حكاية مغايرة تعمل بترميم ما مضى ولسان حال الكتاب يقول ان للاسئلة حرائق تفعل فعل النار في الهشيم وان من الكلمة نار تلهب ظهور الجميع بسياط من تساؤلات.
(قمامة)
(اتهمتها الشرطة بسرقة الخبز مع سبق الاصرار... ردت .... ولكن حاوية القمامة ليست ملكا لاحد ..)
قال القاص الفنزويلي لويس بريتو غارسيا
(نمر بسرعة من دراما الكتاكالي التي يدوم عرضها ثلاثة أيام إلى التراجيديا الإغريقية التي تستمر ليلة كاملة إلى الأوبرا التي تستغرق خمس ساعات إلى الفيلم الذي يدوم ساعة ونصف إلى حلقة المسلسل من عشرين دقيقة إلى الفيديو كليب من خمس دقائق إلى الوصلة الإشهارية من عشرين ثانية ثم القصة القصيرة جدا من ثانية واحدة) .
هنا تكمن مقدرة الكاتبة في التاثير بالمتلقي بثانية واحدة اذن كم من الجهد الخيالي الروحي قد بذلته من اجل الايتاء بكل مقومات القصة وهذا ما سارت عليه اللامي في جميع ومضاتها إلى التكثيف والمفارقة والإيحاء والنهاية المفاجأة الصادمة لتستحوذ على اهتمام واطراء القاريء بشكل لقطات سينمائية سريعة وجيزة مختلفة الزوايا والاتجاهات.
(عبيد)
(قطع الحاكم ايديهم .. صفقوا له بارجلهم)
القصة الومضة وسيلة غايتها النقد المفضي الى مس الجروح واشعال الحرائق بطريقة نووية تعيد للانسان بعض حرارته في الانتباه لما هو فيه مشاكل ومعضلات من خلال نصوص ملغمة محملة باشعاع جمالي ومؤشرات أيقونية وبصرية وعلامات سيميائية تشكيلية مغلفة بجراة واثقة في مواجهة السلبيين من ساسة وحكام ورجال تخلوا عن مسؤولياتهم الاخلاقية كل ذلك لنقل رسائل اجتماعية وفكرية و سياسية تستمد مادتها من الواقع المعاش , وفي هذه الومضة اعلنت القاصة عن توجهاتها في فضح الحكومة العرجاء الظالمة وتحميلها مسؤولية الفقر والجريمة في المجتمع مع تحميل افراد المجتمع لمسولية اكبر في زحزحة البسطاء والفقراء باتجاه الانحراف نتيجة عدم التكافل وتنكر الكل للفرد دون مد يد العون لانتشاله مما هو فيه.
(فوز)
(فشل بحثها بنيل دكتوراه الكيمياء ... لكنها فازت بجائزة نوبل عن قصة حياتها)
تنوعت فضاءات الكاتبة البصرية في رسم قصصها بتشكيل بنيوي ابتعد عن القبح الترهلي واجتنب قدر الامكان الفضلات القائمة على التوسعة الغير مجدية فكانت لحروفها اناقة تنساب بطريقة السهل الممتنع اطربت نفوسنا التائقة للكلمة النار نعم الكلمة النار التي حركت فيزيائيا وكيميائيا كل هذا السكون الذي اعترانا بعد موجة من قصص البعض التي تؤكد وتمعن في بلادة الانسان بتجنب الخوض في قضاياه المصيرية علاوة على التعكز على الاسلوب الكلاسيكي الباعث للملل .. حيث وجدناها في هذه القصة باقتصادها اللفظي تسرد رواية طويلة لنضال نون النسوة في صراعها مع الحياة لاكمال زوايا المربع الكوني بجهدها الكبير في اشعال شمعة وعدم لعنة الظلام , ومرد عديد فضاءات الصورة الحكائية للقاصة هو هذا الانتظام الفيموني للقصة بانتقالات يستشعرها القاري دون ان تذكر في متن الحكاية وهنا اسجل بلاغة منقطعة النظير في التلويح بالايقونة وسيميائياتها لتصوير عوالم متشابكة تنطلق انطلاقة واحدة في مضمار سردي لا خاتمة له بل مشرع الابواب نحو انطلاقات متناسلة تأخذ بالحدث الى مرابع تتواطىء مع ميكانيزمات القاريء السيسيولوجية.
(متحرر)
(احكم قفل باب بيته قبل ذهابه لاقاء خطابه عن تحرر المراة)
قامت البنية العاملية في القصة بوظيفة جوهرية تجلت في بيان نوع العلاقات بين مختلف الأطراف في النص من خلال السرد المكثف والحدث الواحد المتشظي حيث كشفت هذه البنية العاملية عن حقيقة البطل الكروتيسكي ومحيطه المجتمعي بانه انسان وحش منفرد يسير لوحده على غير هدى في طريق موحش وبان الحرب افضل اشكال سيرته الذاتية انسان خسر كل شيء ولا يملك ما يخسره بالاخير لذا تراه يقتحم الموغل من جهنم غير مكترث بشدة هسيسها وهي تلهب جلده الممزق على اعتاب ذاته الآمرة بالسوء والسلطان المشبع بكل قذارات الكون وهو يمعن بكي ظهور سكان عشوائيات تحمل تجاوزا اسم بيت بسياط تبعث الذلة في هذا الانسان وتركس رأسه في وحل زلق حتى تصيح الساعة ليتحرى مكامن وجود الرذيلة والذلة والانحدار ... البطل هنا فقد الانتماء فقد الشعور بفاعليته نتيجة تكالب القوى وطبيعة المجتمع في فت عضده وانزياحه نحو التراخي والتلاشي حتى اصبح هشيما تذروه الرياح وهذا موت مؤدلج يروي النهايات بماء العدم يترجم علامة سيميائية كأقصى تعبير عن الغجر الإنساني ورغم هذا وذاك اضفت هذه الحقيقة أثرا جماليا فاعلا في تحريك الأحداث وتسهم في علائقية التطور الدرامي للقصة وكل ذلك عبر عمليات تفاعلية بين البطل وذاته ومحيطه البيئي والمجتمعي وتطلعاته وانكساراته ليتلون الخط البياني للحدث بالادهاش والابهار والارباك والمفاجأة المؤدية الى الذروة البنائية عند قمة الايقونة او ما يسمى بالحيرة الدلالية.
ارملة))
(في عيد زواجها مسحت صورته..فأخرج يده ومسح لها دمعتها)
تميزت قصص اللامي بسرعة وتوتر معينين توثقتا كلازمة زمنية في البناء التكويني للحدث وتعاقبه مفضيا الى تتابع الاحوال والحالات ببنية موجزة معمقة في توظيف ايقاع سردي استوجب من المتلقي استعمال الخيال والعقل ليتأكد لديه ولدينا مدى الجهد المميز للكاتبة في المعمارية الذوقية المذهلة في البناء المحكم للقصة مع التسامي بالوحدة الموضوعية في رص صفوفها بالاتساق المذهل والانسجام التشكيلي الملفت للنظر والمنفتح على عوالم تتجلى بارتباط العنوان بالنص وارتباط البداية بالنهاية وظفتها القاصة ببنيوية انسجامية تبعث على الالتفاف بالكلية حول شذرات ترشقها حروف القصة .
(اهداء)
(بكت الثكالى..ازهرت المقابر)
اعتمدت القاصة على التركيز في انتقاءالكلمة المتوهجة فقادت خيالنا إلى فكرة أو موقف إنساني شديد الصدق يدل على المغزى او الهدف او الدرس الذي من اجله قامت ببناء معمارية قصتها لتصل عند هذه الحدود متحكمة برسمها من خلال مجموعة افعال ووقائع مرتبة ترتيبا سببيا دارت وتدور حول موضوع معين مصورة الشخصية وهي تقتحم الصراع تلو الاخر مع الشخصيات الاخرى فكان للسخرية الدرامية الدلالية مكون بلاغي يتشكل فنا جماليا يقود للقراءة المسترسلة والتقبل كل ذلك من خلال نزف مجموعة من الكلمات الشديدة الإمتلاء باستعمال لغة تعتمد الإيحاءات و الدلالات فتقود القارئ إلى التفطن لينتهي المطاف بالقصة بإستخدام المفارقة والتناقض في اللقطة التصويرية بصيغة بلاغية ذات شحنة درامية فيها تشويق و اثارة او نهاية مفتوحة على عدة احتمالات وهي ليست نتيجة للسرد و إنما هي احدى مفرزاته .
(قدر)
(عاشت تقتفي اثره..ماتت قبل ان تصله)
اخيرا وليس اخرا نبارك لاهل القلم ولادة قاصة عراقية بهذا النضج الابداعي في تطويع الكلمة لتشع انوارا تضاهي الشمس لمعتها .. ومن خلال هذه السطور اجد لزاما على الدولة باحتضان هكذا مبدعات لترسيخ البوح وبلورة شخصية المرأة لتاخذ دورها المييز في تهذيب ذائقة المجتمع .
كاظم اللامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي