الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التسلط والغزو عقدة جاهلية متأصلة

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2016 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


يعاني الكثير من الحكام العرب من عقدة جاهلية مستحكمة في نفوسهم وتصرفاتهم, تدفعهم إلى التسلط على شعوبهم , والسعي في السر والعلن لغزو إخوانهم العرب ممن هم في جوارهم , كلما شعروا بأن ثمة قوة لديهم وثمة ضعف لدى جيرانهم , دون حياء أو إكتراث لما سيحل بشعوب تلك البلدان من ويلات ومصائب يسببونها لهم من قتل وتدمير وسلب ونهب لممتلكاتهم , وحتى سبي نسائهم وبيعهن في أسواق النخاسة, وربما إغتصابهن من منطلق أنهن أصبحن رهائن لا حقوق لهن , بمعنى أنهن فقدن كرامتهن الإنسانية بوصفهن غنائم حرب يحل للغزاة التصرف بهن كيفما شاءوا, وهم بهذا التصرف كأنهم يعيدون تصرف القبائل الجاهلية في شبه الجزيرة العربية يوم كانت القبائل تغزو بعضها البعض الآخر لسلب ممتلكاتها وسبي نسائها, وهي لا ترى في ذلك أية غضاضة.
ولعل ما تقوم به عصابات داعش وأخواتها من تصرفات مشينة في سورية والعراق اليوم يندرج تماما في هذا السياق , ولا عجب في ذلك فهي تطلق على عملياتها الأرهابية الكبرى بالغزوات , كغزوة نيويورك عام 2001 وما تلاها من غزوات لندن ومدريد وباريس وغيرها , ناهيك عن غزوتها الكبرى في الموصل عام 2014التي أعلنت فيها قيام "دولة خلافتها الإسلامية " المزعومة. يلاحظ هنا أن الكثير من قادة هذه المجاميع الإرهابية ومنظريها , هم من حملة الجنسية السعودية ممن تربو في بيئتها وتعلموا في مدارسها وتثقفوا بثقافتها التي ما زال الغزو يمثل نمط حياة موروث لديها , ومنها إنطلقت المجاميع الإرهابية لغزو العالم بأسره.
ولا عجب في ذلك , فلو راجعنا تاريخ المملكة العربية السعودية لوجدنا أنها قد تأسست أساسا نتيجة غزوات مؤسسها عبد العزيز آل سعود حاكم نجد في مطلع القرن العشرين بمساعدة الحكومة البريطانية التي سهلت لقواته غزو بقية مناطق شبه الجزيرة العربية التي يحكمها أمراء آخرون تحت سلطة الدولة العثمانية التي كانت آيلة للسقوط حينذاك , ليكوّن فيما بعد ما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية. ولو لم يكن للبريطانيين مصالح واسعة في منطقة الخليج العربي , لما كان بالإمكان صد الغزو السعودي لهذه المنطقة , حيث أخضعت بريطانيا ساحل الخليج العربي بمجمله لحمايتها المباشرة , فيما كان يعرف بالمحميات العربية التي شملت الكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة , تحكم كل منها مشايخ لتصريف شؤونها الداخلية. ولم تسلم اليمن من الغزو السعودي حيث تمكن السعوديون من إحتلال مدينتي نجران وجيزان وضمهما إلى مملكتهم , فضلا عن ضمهم بعض المناطق التي ما زالت كل من قطر والإمارات العربية المتحدة تدعيّ بعائديتها حتى يومنا هذا.
ولو سنحت الظروف لأي حاكم عربي آخر كائنا من يكون إحتلال بلد عربي آخر , لما تردد لحظة بذلك تحت ذرائع شتى , قومية تارة ودينية تارة أخرى , أو أية ذريعة كانت لتبرير الإحتلال. ولا عجب في ذلك فالكثير منهم يتحدثون عن حدود وهمية تفصل بلدانهم , أقامها المستعمرون الذين قيل أنهم قسموا الوطن العربي إلى كيانات هزيلة في إطار سياستهم المعروفة بسياسة فرق تسد وفقا لخرائط سايكس بيكو. وما غزو النظام العراقي السابق وإحتلاله دولة الكويت عام 1991 إلاّ خير دليل وشاهد.
وحديث الحكام عن الحدود الوهمية كلام حق يراد به باطل في الغالب لتبرير أطماعهم في بلدان الآخرين, وإلاّ لو كانوا حقا من دعاة الوحدة والتوحيد والتقارب بين هذه البلدان , لأتخذوا إجراءات وإتبعوا سياسات رشيدة تقرب بين هذه البلدان من منظور التكامل الإقتصادي والثقافي وتبادل المنافع التي تضمن لكل بلد صغيرا كان أم كبيرا , غنيا أم فقيرا حقه المشروع بالعيش الكريم , بالإستفادة من ثروات الأمة ومواردها.
ولعل ما يثير السخرية حقا أن بعض الكيانات العربية , ما كان لها أن تكون لولا هذه الحدود الوهمية التي رسمها المستعمرون بدواعي تأمين مصالحهم , إذ أن الكثير منها لم تكن سوى قرى صحراوية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف من البدو الرحل وصيادي الأسماك وغواصي اللؤلؤ, جعل منها إكتشاف النفط والغاز في أراضيها دولا , باتت البعض منها يصول ويجول ويوظف ما تراكم لديه من بلايين الدولارات , بتمويل الجماعات الإرهابية المسلحة لزعزعة أمن وإستقرار البلدان العربية الأكبر حجما والأكثر ثقافة وعلما والأعرق حضارة, بدعاوى الدفاع عن حقوق الإنسان ونشرالديمقراطية في تلك البلدان ,التي هم أبعد ما يكونوا عنها حيث يمارسون أبشع أساليب الإستبداد والتسلط في بلدانهم.وبات البعض من هذه الكيانات النفطية الهزيلة تتصرف وكأنها قوى عظمى كما يخيل لها ,تطبل وتزمر لها قنواتها الإعلامية التي وضعت تحت تصرفها ملايين الدولارات وجندت لها إعلاميون محترفون مرتزقة من شتى بقاع الأرض.
ولو دققنا مليا بسجل علاقات الحكام العرب منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية الذي تمخض عنه قيام الكيانات السياسية العربية الراهنة , لوجدنا أن الحكام العرب كانوا في أغلب الأحيان في خلافات ونزاعات مستمرة فيما بينهم, وخشية وريبة إزاء بعضهم البعض الآخر. ففي مطلع القرن العشرين كان الملوك السعوديين والهاشميين على طرفي نقيض بسبب إزاحة السعوديين الشريف الحسين بن علي من إمارة الحجاز, تحسنت بعدها العلاقات فيما بينهم بعد أن واجهوا عدوا مشتركا ممثلا بمصر عبد الناصر وتصاعد المد القومي العربي في منتصف عقد الخمسينات من القرن المنصرم, الذي مثّل خطرا داهما لكياناتهم المصطنعة.
وبسقوط النظام الملكي الهاشمي في العراق وإعلان نظام الحكم الجمهوري عام 1958, تجدد العداء بين مصر عبد الناصر وعراق النظام الجمهوري الجديد, بسبب محاولات النظام المصري المستميتة لضم العراق إلى ما كان يعرف بالجمهورية العربية المتحدة التي تشكلت من مصر وسورية عام 1957. شهد العراق خلال الفترة الممتدة بين الأعوام ( 1958 – 1963) صراعا سياسيا داميا بين مؤيدي النظام المصري وبين دعاة الحفاظ على الكيان العراقي المستقل. شهد العام 1962 تفكك الجمهورية العربية المتحدة لتعود كل من مصر وسورية كيانين مستقلين, بسبب تسلط النظام المصري على مقدرات الشعب السوري ومصادرته لحرياته في إطار نظام الحزب الواحد.
شهدت اليمن في عقد الستينات صراعا دمويا حادا , طرفاه الجيش المصري المساند لقوات النظام الجمهوري الجديد في اليمن , والنظام السعودي المساند لقوات النظام الملكي المباد الساعية لعودة الحكم الملكي , ولم يحسم هذا الصراع إلاّ بعد إنسحاب القوات المصرية في أعقاب هزيمة مصر في الخامس من حزيران عام 1967من قبل إسرائيل في حرب الأيام الخمسة , لمواجهة تداعيات إحتلال إسرائيل لكامل الأراضي الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية التي ما زالت محتلة حتى يومنا هذا .
وفي مطلع العام 2015 تعود السعودية بالتدخل في شؤون اليمن الداخلية وغزوه ثانية بهدف ترتيب أوضاعه بما يخدم مصالحها على حساب مصالح اليمن وشعبه, دون أن تلوح في الأفق بارقة امل بحسم هذا الصراع الذي مضى عليه قرابة عام, برغم توظيف السعودية مواردها المالية الضخمة لشراء الذمم وتجنيد المرتزقة من مختلف أصقاء العالم , وتشكيلها تحالف من بعض دول المنطقة لمشاركتها في حرب اليمن واليمنيين دون هوادة, وإستخدامها كافة أنواع الأسلحة الفتاكة التي لم تستخدمها يوما في حروب العرب في فلسطين برغم الظلم الفادح الذي لحق بفلسطين والفلسطينيين من قبل الكيان الصهيوني الغاصب .
وبرغم كل أعمال الحكام العرب المشينة وما لحق ببلدانهم من كوراث , فأنهم ما إنفكوا يتحدثون بمناسبة أو بإخرى عن التحديات المصيرية التي تواجهها الأمة وما تتعرض له من مؤامرات هم طرفا أساسيا فيها ,وعن ضرورة حشد القدرات وتفعيل التضامن العربي لمواجهة هذه الأخطار والتحديات , بتعزيز منظومة الدفاع العربي المشترك التي اصابها الكثير من الضعف والوهن وعدم القدرة على حماية أي بلد عربي , لاسيما بعد توقيع مصر كبرى الدول العربية معاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل عام 1977 ,وطرد مصر من جامعة الدول العربية التي نقل مقرها من القاهرة إلى تونس وإستبدال أمينها العام المصري الجنسية بآخر تونسي الجنسية.
شهد عقد الثمانينات الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت ثمان سنين إحترق فيها الأخضر واليابس, إستشعرت خلالها دول الخليج العربي الخطر الذي قد يتهددها من جراء هذه الحرب , لذا قامت بتشكيل تجمع لها بإسم مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ضم كل من السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية وسلطنة عمان. وبإنتهاء الحرب العراقية الإيرانية تشكل مجلس آخر بإسم مجلس التعاون العربي , ضم كل من مصر والعراق والأردن واليمن,لم يستمر هذا المجلس طويلا إذ سرعان ما إنهار بغزو العراق للكويت عام 1991. وتشكل مجلس ثالث بإسم مجلس تعاون دول المغرب العربي , ضم كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا تحت مسمى الإتحاد المغاربي. يأتي تشكيل هذه المجالس وكأنه إقرارا من الدول العربية بفشل جامعة الدول العربية التي تشكلت عام 1946 بمشورة بريطانية. وعلى أية حال لم تحقق هذه المجالس أية إنجازات تذكر ولم تدم طويلا بسبب تضارب مصالح دولها وإختلاف توجهاتها وإرتباطاتها الخارجية , ربما بإستثناء مجلس التعاون الخليجي الذي حقق بعض الإنجازات المتواضعة التي ابرزها أن هذا المجلس ما زال قائما ومتماسكا حتى يومنا هذا بصورة أو بأخرى.
وبسبب الثراء الفاحش الناجم من تراكم مبيعات النفط والغاز على مدى العقود المنصرمة ,فقد بعض أمراء ومشايخ الجزيرة العربية والخليج العربي صوابهم وتوازنهم ,وباتوا يتدخلون بشؤون الدول العربية الأخرى,بتشجيع من الدول الإستعمارية الساعية لتفتيت البلدان العربية بكل السبل المتاحة , فضلا عما تحققه هذه الدول من أموال طائلة من مبيعات الأسلحة المتراكمة لديها ,وذلك بتأجيج الفتن والصراعات بين أبناء تلك البلدان بدعوى حرصهم على حريات شعوب تلك البلدان ورغبتهم بتحريرها من قيود الإستبداد , في الوقت الذي يمارسون هم فيه أقسى أنواع القهر والإستبداد تجاه شعوبهم المبتلاة بهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا