الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والرق ... وجهان لعملة واحدة

زاهر نصرت

2016 / 1 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


الرق ليس ظاهرة تاريخية بل هو ظاهر انسانية متلازمة للحياة حيث اننا نتحدث عادة عن الرق بمعناه القانوني متناسين ان جوهره هو ما يمارسه السادة على العبيد من تسلط وتحكم واستغلال وان هذه المظاهر من التسلط والتحكم والاستغلال لا تزال تملأ الدنيا من حولنا .
ان المجتمع الدولي والسياسي قد افحم حياتنا بنصوص ومواثيق تدافع عن الحرية والعدل وتنهي عن الاستعباد والظلم ويصوغ لنا العديد من وسائل تصفية الرق بصوره كلها لكن هذه التصفية ما تزال مطمعاً بعيد المنال والدليل على ذلك ما يظهر في مكتشفات العلم الحديث التي وضعت بيد الاقوياء مختلف انواع اسلحة الظلم والقهر والاستغلال ما خلق الواناً من ( القهر الجماعي ) لم تكن معروفة في ايام الرق الاولى . فالاستعمار السياسي والاقتصادي والتفرقة العنصرية التي تمارسها بعض الحكومات على الاقليات قد وضعت ملايين البشر في مركز من " الدونية " القانونية والسياسية والاجتماعية يقترب بهم من حالة الارقاء .
ان القفزة الهائلة للعلم في العقود الخمسة الماضية قد فتحت الباب لانواع من الرق لم تكن تخطر ببال احد فالدولة الحديثة حين تمتلك وسائل الاعلام او تحتكر استعمالها فانها تملك في الحقيقة مفاتيح العقول والنفوس ، وهناك شران لا يختلف العقلاء على موضع الشر فيهما ومع ذلك فقد طبعا تاريخ البشرية ولازماه ( الحرب و استعباد واستغلال الانسان للانسان ) اذ ينتقل الناس من البداوة الى الحضارة ومن الترحال الى الاستقرار ومن الزراعة الى الصناعة ومع ذلك تبقى الحروب ويستمر استغلال الانسان للانسان كما لو كان ذلك سنة جارية او قدراً الهياً مقدوراً .
ان الرق وهو من ابشع صور الانسانية ، لم يكن من صنع الانسان البدائي المتوحش وانما كان من صنع الانسان المتحضر ... فالجماعات البدائية التي كانت تعيش في العصر الحجري وتتغذى من الصيد والقنص وجني الثمار الطبيعية لم تعرف الرق ، فقد كان يشيع فيها التعاون الجماعي والمساواة وتعمل مشتركة في تحصيل غذائها ... لكن بعد التحضر حصل شيء خارقاً ورهيباً لعقولنا حيث اصبحنا نحن البشر الوحيدين المتميزين بين جميع الكائنات الحية وهو الخوف من الموت ومن خسارة المستقبل هذه هي الانعطافة المريرة لمأساة البشرية الكبيرة وفي نفس الوقت الفرصة العظيمة لتدجين الانسان من قبل الانسان .
ان خوف الانسان من الموت ومن السجن ومن التعذيب اصبح السيطرة عليه ممكناً وعملاً ذو منفعة بعكس الحيوان الذي يخاف من الالم وبشكل وقتي ولا نستطيع ان نخيفه بأن نهدده في سلب حريته بالتعذيب والسجن في المستقبل لان الحيوانات ليس لديها شعور عن الغد فلا نستطيع ان نهدد الحصان او الخروف بالقتل والتعذيب وكذلك لا نستطيع ان نلوح بالمنشار القاطع اوالصراخ على شجرة لدفعها في انتاج المزيد من الثمار ولا نستطيع ايضاً الحصول على المزيد من البيض بترهيب الدجاجة .
ان جذور الرق تنمو في الفقر وفي مستنقعه يلد ويترعرع ولا بد من القضاء على الرق بأشباع الجائعين ليتحرروا من مذلة الخوف فليس للانسان ان يحظى بحريته الا اذا اطعم من جوع وأمن من خوف ، واذا كانت الحروب لم تعد مصدراً للرق فان القوى الاستعمارية قد استبدلت الاسترقاق بالتبعية الاقتصادية والسياسية ، فبالتبعية الاقتصادية تمارس الاستعمار بالتجويع وبالتبعية السياسية تمارس الاستعمار بالتخويف وكلاهما الوجه الثاني لاسترقاق الشعوب .

ومن حقنا ان نردد :

ما اقرب اليوم من أمسه
ما أشبه الليلة بالبارحة


زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات