الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعة اللامي ..رائد النصوص المفتوحة في الأدب العربي المعاصر

سلام كاظم فرج

2016 / 2 / 7
الادب والفن


جمعة اللامي رائد النص المفتوح...
سلام كاظم فرج


في مجلة الكلمة النجفية التي كانت تصدر منذ عام 1967 واستمرت لغاية منتصف السبعينات.. تعرفت كقاريء متابع على جمعة اللامي قاصا..لفت نظري في كتاباته اختلافه في الأسلوب والمضامين عن سرب جميع الشعراء والكتاب الذين طرحوا أنفسهم مجددين مختلفين ثائرين استثنائيين.. لم يكن الأكثر شهرة بينهم... فقد ذاع صيت عبد الرحمن الربيعي كمجدد مرموق. كذلك محمد خضير... .. في مرحلة الستينات العراقية التي وسمت الحداثة في الشعر وفي السرد بشكل مميز لافت وشهدت فورة في التجريب غير مسبوقة برز اسم جمعة اللامي كأحد الذين استهوتهم الموجة..لكن ذلك التجريب وذلك التغريب لم يكن متطرفا بل مختلفا وحسب و زاهدا بكل الأساليب السردية القديمة مستغنيا عنها.. دون أن يقع في مطب السذاجة المفتعلة التي وقع فيها مجايلوه اغلبهم.
.في الشعر الحداثوي الذي يعتمد التغريب والشذوذ والخروج على المألوف كانت الزعامة لفاضل العزاوي من خلال بيانه الشعري وقصائده الغريبة. في الذاكرة نص لفاضل العزاوي.. سماه إن لم تخني الذاكرة (القصيدة المتآكلة).(او القصيدة التي تأكل نفسها ) كان النص عبارة عن جملة شعرية طويلة واحدة.. يكررها الشاعر وفي كل سطر يحذف كلمة منها.. حتى إذا بقيت كلمة واحدة عمد الى تقطيعها إلى حروف تتآكل هي الأخرى لتنتهي هكذا..
أما حميد المطبعي فقد بدأ شاعرا يعتمد الغموض المفرط الذي يحتاج إلى دزينة من النقاد يفككون ويشرحون... أتذكر بيتا من احدى قصائده يقول فيه.
يستعبدون بكارة الليل.. وحين سألت احد أساتذتي عن معنى البيت..أجابني ببساطة.. (جيب ليل وخذ عتابة !!). بدأ هجوم السريالية علينا والستر من الله..!!
لكن الأستاذ المطبعي هجر هذه المحاولات. إلى البحث العلمي في التراث فصار شيخا من شيوخه المرموقين.
وفي نص لفاضل العزاوي يقول..
يرتلون قصائد هند رستم وفي الخيمة صدى صوت
درويش. درويش.
محمود درويش..
فشعرت ان الرجل يلعب بنا.. ويسخر منا !!
ومن معطف مجلة الكلمة خرج المجدد سركون بولص.أيضا...أو على الأقل تعرفنا على تجربته بشكل جيد..
أما جمعة اللامي فأمره مختلف جدا.. طرحه نقاد تلك المرحلة كقاص جيد في تناوله لموضوعة البطل المهزوم سياسيا..لكنه ومنذ (من قتل حكمت الشامي؟)كان يؤسس بصمت ودون ضجيج مفتعل لما عرف فيما بعد بالنص المفتوح غير القابل للتجنيس..
في نص له منشور في نهاية الستينات في مجلة الكلمة والموسوم ب( اهتمامات عراقية..).تجد أن جنس النص قد حسم كقصة قصيرة. وتناوله النقاد في حينها كقصة قصيرة. وامتدحه زميله عبد الرحمن الربيعي باعتباره خير من يمثل البطل المأزوم المهزوم..
لكني وجدت فيه ما اجد في أيامنا هذه ما يسمى بالنص المفتوح..

يبدأ النص كقصة قصيرة..عابرة للسرد التقليدي الذي ألفناه عند عبد الملك نوري وفؤاد التكرلي.. مجموعة جمل متقطعة. . تفتقد للحبكة الشائعة.. مقاطع متفرقة. كل مقطع له عنوان يختلف عن العنوان الرئيس... لكنها تجمع السرد والشعر والتناص والاقتباس.... ربما عليك ان تبحث في تأريخ السارد نفسه.لكي تعرف الكثير عن إحالات الجمل... هناك بعثرة في تسلسل الأحداث. بعثرة مقصودة.. هناك تعمية على عقيدة القاتل وعقيدة القتيل..او هويته.. نعم. هناك إشارات للإمام الحسين ومقتبسات من موروث مآتم النساء. كاللدم على عبد الله الرضيع.طفل الإمام الحسين عليه السلام...
الذي يهمني في هذه المقالة تصميم النص الذي ابتكره اللامي.
في نصوصه تلك.. حيث تغيب الحبكة والمقدمة والخاتمة المتوقعة.. تفاجئك الخاتمة لا بمضمونها بل بسردها المختلف.. بتصميمها..
المضمون لم يعد مهما. المهم هذا التجريب غير المألوف في السرد.. في منتصف النص. وبدون مقدمة . وبدون مبرر موضوعي نجد السارد يثبت نصا مقتبسا من الموروث الشعبي غير المكتوب..
(( سودة شلهاني .. ما رحت ويا. هواي..
الحر يزاني... طحت بدياي الماي...))..
وهذا النص موغل لمن لا يعرف لهجة اهل جنوب العراق الريفيين في التغريب. وغربته وغرابته تأتي في انقطاعه عن مضمون النص..اولا.. وفي صعوبة ترجمته..
لنجرب التعريف بمعنى الاقتباس.
سودة شلهاني ما رحت ويا هواي... ترجمته.. يالسواد يومي. من الذي جعلني ألهو فأنسى موعد رحيلي مع حبيبي. !!!.
الحر يزاني.. الحر هنا نوع من الطيور اعتاد اهل الهور اصطيادها..
يزاني.. جازني.. اي فاتني. ولم الحق باصطياده..
طحت.. وقعت..
بدياي الماي... دجاج الماء. وهو نوع من الطير يصطاد غالبا بواسطة الشباك
هنا يحتاج القاريء الى ناقد يدله على انزياحات هذا الاقتباس المنقطع عن النص الغائر فيه.. رغم مابدا عليه من فضول ودخول مفتعل..
وجدت فيه . بعد اكثر من قراءة ما وجدت في غمغمات احد شخوص الصخب والعنف لفوكنر..غمغمات مبعثها الحيرة والألم ..والضياع (والخوف ربما ..)
في النص ايضا جمل شعرية فيها شجن والم وحسرة.. هي للسارد نفسه تختبيء بين ثنايا النص.
(هي نفس الطرق الموحلة يا سيدي،
وقلبي هزه الشوق اليك.
المستقبل أنا،
ولكي أدخل بردتك الواسعة دعني أمارس ضعفي القديم
فليل الكوابيس والجدران
وشتاءات البرد وعواصف الرمل الخريفية
ما تزال تعيش في دمي.))
في نص غريب آخر وجدت تشكيلا غريبا.. يشي بإيحاءات ايروسية.للمؤلف نفسه. والتشكيل يشبه الدوائر الفلكية في كتب السحر يذكرنا بابي معشر الفلكي او السيوطي. ولكن تجد هنا عبارات ايروسية تحيط برسم تخطيطي لجسد إمرأة مكشوف ..عنوان النص ربما كان(الليل في غرفة الانسة ميم...) الشخصية الرئيسية سكرتيرة في احدى الدوائر الحكومية. وفي النص اضطراب سردي متعمد .. وجاء التشكيل ليزيد النص غرابة لم نعهد مثلها في تلك الايام.. وفي النص ايضا تجد شرحا عن الطيور والقطب الجنوبي..
وقد يفاجئك في احد نصوصه بجملة تعترض النص..(لماذا يتعب جمعة اللامي نفسه هكذا؟؟!!)). او لماذا يتعب القراء؟؟. وقد تجد سؤالا خارج سياق السرد.. عن رجل ملثم في ادغال بوليفيا؟؟ وعلاقته.. بمجموعة من الاقتباسات من الموروث الحسيني؟؟.
وتجد حوارات فكرية بحتة عن الموقف من التراث... تقطع السرد عنوة لتدخل في حديث عام عن قضية فكرية كطقوس إستذكار قضية الامام الحسين ببعديها الشعبي والنضالي وببعدها الفلسفي الفكري.. وجدلية علاقتها بالحداثة مثلا.. من خلال حوار بين شخصين طارئين على اصل النص.
وقد تجد محاكمة للمؤلف نفسه من خلال احد شخوص نصه!!!.
في نص له.. مقدمة بسيطة.. يقول فيها في 14 ــ 3ـ 63 قرر حكمت الشامي . كذا. وكذا.. ثم يبدأ النص .. لاشك ان القاريء يحتاج ان يعرف ما جرى للسارد لا لشخصية النص في ذلك اليوم من عام ثلاثة وستين وتسعمائة والف... وليحيلك عنوة الى ((مايعرفه من عايش تلك الايام وحسب) فيما سمي ببيان رقم 13 الصادر من الحاكم العسكري العام بإبادة اليساريين !!!..وتلك من بين اهم خطرات جمعة اللامي التجريبية الزاهدة في الانتماء لجنس بعينه..
كل تلك النصوص اعتبرت في حينها قصصا قصيرة مجددة. واعتبرها بعين اليوم. بدايات لما يسمى بالنص المفتوح العصي على التجنيس..
في الختام. لا بد من التنويه ان الكاتب الكبير الأستاذ جمعة اللامي
قد انصرف فيما بعد الى كتابة الرواية فصار من اعلامها الكبارالمجددين..ولن أبالغ أو انحاز جزافا إن قلت أني وجدت أيضا بذور الواقعية السحرية في نصيه اهتمامات عراقية او الليل في غرفة الآنسة.. ولكن في نصوص قصيرة.جدا. كانت في حينها تحمل أعلى ما يمكن أن يتحمله الابتكار في السرد وفي الشعر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - !
11b ( 2016 / 2 / 7 - 17:58 )
-?

اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف