الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَن يتذكر (رجل من العراق) أسمه وصفي طاهر ؟

حسين كركوش

2016 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


(وصفي) الذي أعنيه و يظهر في عنوان المقال هو العقيد وصفي طاهر (مرافق) الزعيم عبد الكريم قاسم ، قائد ثورة 14 تموز 1958 ورئيس حكومة ما بعد الثورة.
و وضعت عنوان المقال بصيغة سؤال لثلاثة أسباب.
أولها أن الغالبية العظمى من الفئات العمرية الأكثر حضورا في النشاط الحياتي حاليا ، أي الأجيال العراقية التي ولدت بعد 3 شباط 1963 ، لا تعرف شيئا عن وصفي طاهر ولا عن ضباط آخرين قريبين منه فكريا وسياسيا كانت لهم أدوار مهمة في اسناد ثورة تموز.
السبب الثاني، الذي قد يكون له علاقة بالأول ونتيجة له ، هو أن الكتب التي صدرت حتى الآن عن ثورة 14 تموز 1958 لم تتحدث، رغم كثرتها، بإسهاب ولا بإنصاف عن هذا الرجل. وحتى إذا تحدث مؤلفوها عن وصفي طاهر فيتحدثون عنه باعتباره (مرافق) الزعيم عبد الكريم قاسم بعد الثورة ، أو يتحدثون عنه باعتباره (همزة وصل) بين الضباط الأحرار ، ليس ألا ، ولا يتوقفون عند دوره بعد تلك الثورة بل وقبلها ، رغم محورية ذاك الدور وأهميته ، كما سنرى في السطور القادمة.


والسبب الثالث الذي دفعني أن أصيغ عنوان هذه السطور عن وصفي طاهر بصيغة سؤال ، هو التذكير بحقبة التمسك بالقيم وبالمبادئ التي عاش فيها وصفي ، ومقارنتها بالفترة الحالية من تاريخ العراق التي أصبح فيها الظفر بمنصب وظيفي هو الغاية الكبرى المبتغاة ، وهو الوسيلة التي تحقق المزيد من المال والجاه والشهرة ، دون أي اعتبار للقيم وللمبادئ.
فقد قبل وصفي طاهر ، بفضل نكران الذات و الزهد الاستثنائي عنده ، و التمسك بالمبادئ والاحترام المبالغ فيه للقيم ، أن يظل (مرافق) لقائد الثورة ، رغم أن رتبته العسكرية (عقيد) لا تقل كثيرا عن رتبة عبد الكريم قاسم (عميد) ، و ظل يرفض أن يمنحه قاسم رتبة عسكرية دون استحقاق قانوني ، و اكتفى وصفي حتى يومه الأخير بدار مستأجرة لا يملكها ، وبراتب يكفي بالكاد لتسديد نفقات معيشة عائلته ، هو الذي كان بإمكانه ، لو أراد استغلال موقعه ، الحصول على الكثير من المكاسب والامتيازات الشخصية.
أعرف جيدا أن ذاك الزهد والتمسك بالقيم وبالمبادئ ، الذي يكاد أن يكون مثاليا وأسطوريا ، عند وصفي طاهر ، ما كان حكرا على وصفي وحده وليس ماركة مسجلة بأسمه ، أنما هو سمة مشتركة عند غالبية مجايليه ، العسكريين منهم والمدنيين ، اليساريين منهم واليمينيين ، التقدميين والرجعيين. وهذا سبب آخر يجعل التذكير بهذه الخصال مهما وضروريا حتى تبقى تلك الخصال هي القاعدة وما يحدث الآن هو الاستثناء ، ولكي يبقى أولاءك الرجال مثالا يجب أن يُحتذى للأجيال العراقية الناهضة.

وربما بسبب هذا الإهمال المتعمد بادرت عائلة وصفي طاهر (تحديدا بناته الأربع، وعلى نفقتهن الخاصة) لإصدار كتاب عنه بعنوان:

( وصفي طاهر .. رجل من العراق. وقائع وشهادات عن التهيئة لثورة 14 تموز 1958 ونجاحها ، واغتيالها ) ، كتابة وتوثيق : رواء الجصاني و نضال وصفي طاهر. دار بابيلون ، تموز 2015.

عنوان الكتاب ، كما يجد القارئ ، بسيط ومتواضع ولا يضفي توصيفات بطولية خارقة أو استثنائية على وصفي طاهر : (رجل من العراق) ، أو شخص من أشخاص ، أو مواطن عراقي من ملايين المواطنين العراقيين.
ويبدو أن مُعدي الكتاب أرادا، باختيارهما هذه الصيغة اللغوية للعنوان، أن يحققا غرضين. أولهما أن يكون الكتاب ترجمة أمينة لحياة وصفي طاهر كما عاشها، ببساطة وبتواضع وبزهد وبنكران ذات، بعيدا عن الأضواء و بعيدا عن أي أبهة أو بهرج.
والغرض الآخر هو أن الكتاب لا يسعى لتقديم ( أراء واستنتاجات وتقييمات) لوصفي وعنه ، بل يقدم ( شهادات واستذكارات ) كما يقول رواء الجصاني في المقدمة .
والشهادات التي نجدها في الكتاب مستلة من كتب كانت قد صدرت عن ثورة 14 تموز يتحدث فيها مؤلفوها ، عرضا ، عن وصفي طاهر.
بالإضافة لذلك ، وهو أمر مهم ، يضم الكتاب مذكرات كانت قد دونتها عقيلة وصفي طاهر ، وتحظى بأهمية لأنها ترد على لسان سيدة قريبة جدا منه وتكاد ان تكون أمينة أسراره الخاصة ، لكنها أسرار لها علاقة بحياته العامة وبمواقفه قبل الثورة ، وخصوصا بعدها.

نعرف من الشهادات التي نجدها في الكتاب ، نقلا من كتب صدرت عن الثورة ، بأن وصفي طاهر هو الذي فاتح عبد الكريم قاسم في نيسان 1956 أن ينضم لتنظيم الضباط الأحرار.
ونعرف كذلك أن وصفي طاهر ليس مجرد ضابط (مسلكي) استهوته روح المغامرة فانضم لتنظيم الضباط الأحرار ليحقق (بطولة) شخصية يحلم بها. فقد كان وصفي يملك وعيا سياسيا يساريا ربما كّونه بتأثير الوسط العائلي ، وخصوصا قريبه زكي خيري الناشط الشيوعي المعروف ، والذي كان وصفي يتصل عن طريقه بالحزب الشيوعي ، ويقدم له المعلومات التي تخص الإعداد لثورة ضد النظام الملكي.
و يبدو صحيحا ما يقال عن وصفي طاهر بأنه كان (داينمو) تنظيم الضباط الأحرار ، بدليل أن وصفي واحد من ضباط قلائل اخبرهم عبد السلام عارف بساعة الصفر عشية تنفيذ الثورة.
ولرجاحة عقل وصفي طاهر، وكذلك أخلاصة للثورة ومبادئها فأن الزعيم قاسم كان يأخذ في الأيام الأولى للثورة برأي وصفي في جميع القرارات والبيانات التي يصدرها. وهذا يعني أن وصفي لم يكن مجرد (مرافق) للرجل الأول في البلاد ، إنما كان مستشاره ومعتمده وأمين أسراره.

لكن هذه الثقة المتبادلة بين الرجلين كانت قد اهتزت في السنوات اللاحقة ، خصوصا بعد محاولة البعثيين الفاشلة لاغتيال الزعيم. فبعد تلك الحادثة شرع قاسم بالشك بكل ما يقدمه وصفي من نصائح ، بل شرع يحذر منه. وهذا أمر غريب، حقا !
وقد كشفت الأيام اللاحقة ، بما في ذلك ، بل وقبل ذلك ، النهاية المأساوية لوصفي و لقاسم ولثورة تموز ، أن قاسم كان ضحية معلومات فاسدة تُقدم إليه من أعدائه لكنه كان يصدقها.
تكتب السيدة بلقيس عبد الرحمن، عقيلة وصفي طاهر، في مذكراتها بأن زوجها وصفي قال لها بأن أحد ( الضباط المخلصين "لم تكشف أسمه" ، القريبين منه ، طلب أن يسمح له بالدخول إلى غرفة الزعيم في المستشفى "بعد نجاته من الاغتيال" وينهي حياته، لأنه السبب في انتكاسة الأوضاع، فرد عليه وصفي بشدة : " إن من يقوم بهذا العمل، أي قتل جريح، وزعيم ثورة وطني، ما هو ألا نذل.)
وتضيف السيدة بلقيس بأن زوجها وصفي (كان يّحذر الزعيم دائما بأن معاديه من الرجعيين لا يمكن أن يكونوا بجانبه، ويخلصوا للثورة فلم يستمع له، وكان يعمل العكس بعد أن ادخلوا في رأسه ان الشيوعيين بدأوا يتأمرون عليه، وكان يردد هذا الكلام أمام وصفي ويقول له: "أقول لك أن الشيوعيين يتأمرون ضدي" ... وكان وصفي يجيبه بشدة : "مستحيل مثل هذا الكلام، فالشيوعيون مصيرهم مرتبط بمصيرك، وما دمت تقف ضد الاستعمار فهم يساندونك، وأنا كذلك، ومجرد ان أعرف انك صرت على جانب الاستعمار، فسأعمل واحمل السلاح ضدك" ).
ولأن قاسم لم يهادن ولم يضح بمبادئ الثورة فأن وصفي طاهر ظل وفيا له، أو بالأحرى وفيا لثورة تموز ، حتى الرمق الأخير، رغم أنه يعرف جيدا أن أعداء الثورة كانوا يواصلون ، بإصرار، حفر قبر الثورة، ومعه قبور قادتها.

تروي السيدة بلقيس عبد الرحمن ان الزعيم قاسم اتصل هاتفيا ليلة الأربعاء 6/2/1963 بزوجها وصفي طاهر وطلب منه الحضور لوزارة الدفاع، وبقي وصفي هناك إلى صباح 7/2/1963 وعندما عاد اخبر زوجته بأن قاسم أطلعه على قائمة بأسماء الضباط الذين يدبرون مؤامرة ضد الثورة وأكثرهم من البعثيين. وقد أجابه وصفي: "وماذا تريدني أن أعمل وأنا ليس لي غير مسدسي ؟ ! ليكن في علمك ان المعادين للثورة من الرجعيين وغيرهم التفوا حول البعثيين ، ومعهم أذناب الاستعمار، والقوة كلها سلمتها لهم، في ذات الوقت الذي جرى فيه ابعاد المخلصين من الضباط، وحتى الجنود، عن المراكز المهمة، وأنا –وصفي- وغيري من محبيك، نتوقع كل ساعة ان تحدث مؤامرة، ولكنها ستكون هذه المرة حالة كبيرة لا نعرف نتائجها.)

وهذا ما حدث بعد ساعات عندما تحققت توقعات وصفي طاهر وحلت الكارثة صباح 8 شباط 1963.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الله يرحم الايام الخوالي
بولس اسحق ( 2016 / 2 / 8 - 10:55 )
يرحم اهلك ذكرتني بوصفي طاهر وانا كنت صغير وكنا نلعب كرة القدم في الشارع وامام بيته ولم يعترضنا احد ابدا....اين العراق من هؤلاء النبلاء...تراهم اليوم وبالامس القريب حتى العربنجي في مجلس النواب او المراسل لدى عدي له حماية خاصة معه وحماية امام منزله واياك ان تمر بالشارع الذي يسكنه....تحياتي.


2 - دناءة الغدر
ابن بغداد ( 2016 / 2 / 9 - 23:49 )
الكلام لاينفع’حين يؤشر السلوك على نوعية الانسان ’ وصفي طاهر كان المرافق الاقدم لرئيس وزراء العراق المغدور نوري السعيد ’وخانه ’ يعني انه - خائن’ - تلك مسألة لاتنفع معها اي تبريرات’كان عليه ان يستقيل ان كان غير راضي عن سلوك السعيد’لا ان يغدره’لذلك ولهذا السبب تجرأ ذلك الذي طلب منه السماح له بالاجهاز على عبد الكريم قاسم’اذ مالفرق؟الغادر يمكن ان يكرر غدره’وصفي طاهر وزعيمه قاسم وغريمهم عارف وكل الضباط اللااحرار هم سبب نكبة العراق ,والحضيض الذي لازال يسحب العراقيين الى قعره’ويقينا ان الحقيقة لايمكن طمسها,ووجه الوحش لايمكن ان يتحول الى حسناء’حتى وان صرف عليه طنا من الميكياج


منقول عن الفيسبوك


3 - انقلاب شبط الأسود في العراق
ابو احمد ( 2016 / 10 / 4 - 03:33 )
لعنات الله على كل من تأمر على الزعيم عبد الكريم قاسم


4 - - احد المساهمين باغتيال الزعيم - خالد على الصالح
على عجيل منهل ( 2016 / 10 / 4 - 11:09 )
خالد علي الصالح باقتراب منيّته، فسارع الى تدوين سيرته، تلك التي ظلّ يروي فصولاً منها عبر عشرات السنين بصورة مباشرة إلى الناس على حدّ قوله. ويضيف في مقدمة كتابه: على طريق النوايا الطيبة الصادر عن دار رياض نجيب الريس في تشرين الأوّل/ أكتوبر عام -2000

غيّب القدر خالد علي الصالح، وحيداً ومكسوراً ومنسيّاً، على ساحل من سواحل الإسكندرية في مصر. هكذا تمكن «الذئب» الذي يترصد الضحية من افتراسها بعد طول مطاردة.

اخر الافلام

.. البنتاغون: البدء في إنشاء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يوافق على المبادرة الأميركية لتوسيع دخول ال




.. -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت


.. دعوات دولية لحماس لإطلاق سراح الرهائن والحركة تشترط وقف الحر




.. بيان مشترك يدعو إلى الإفراج الفوري عن المحتجزين في قطاع غزة.