الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف - أمر مرفوض إنسانياً

باسم محمد حسين

2016 / 2 / 10
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


"لا تكن ليناً فتنعصر ولا تكن يابساً فتنكسر" . كلمات جميلة سمعتها عام 1962 عندما كنت في الصف الثالث الابتدائي من معلم اللغة العربية والتربية الدينية حيث كان يحثنا على عدم التطرف في كل ألأمور ورسخت في ذهني هذه الكلمات عندما توسع والدي في شرحها لي وكما أعتقد من منظور سياسي (كونه كان يتعاطى السياسة آنذاك) . وبعد ذلك أصبَحَتْ قانوناً بالنسبة لي أمشي على هداه ، فالذي يرى العالم من حوله بهذا المنظار سيجد ذاته في جميع الميادين ويرى صورة جميلة لمن حوله ويستطيع التفاهم مع الجميع وبعد كل هذا وذاك سيكون شخصاً متميزاً مُرَحَباً به ويحتاجه الآخرين .
قال الله تعالى في القرآن (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أَن لهم جنات تجري من تحتها ألأنهار البقرة 25 ). كما قال في ذات السورة في الآية 62 (إن الذين آمنوا والذينَ هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) . لم يشترط الخالق اعتناق الاسلام لدخول الجنة في العالم الآخر بل اشترط في كلتا الآيتين الإيمان به وعمل ما هو صالح وشمل حرفياً الأديان الموجودة في مجتمعاتنا الآن . وهناك عبارة في الإنجيل (إنَّ الله محبة) والجميع يعرف ما هي المحبة ولا تحضرني مما قيل في الكتب المقدسة الأخرى . هذه الأمثلة الصريحة الواضحة تدعونا الى التأمل قليلاً في فحواها وأهدافها ، سنجد أن أساسيات جميع الأديان السماوية هو واحد وهو الإيمان بالرب والدعوة الى السلام بين البشر للتعايش معاً وخلق وبناء أجيال متعاقبة تعيش وتنمو وتُنَمِّي مجتمعاتها في جميع المجالات . وكما هو الحال في أفكار وطوائف أخرى كالبوذيين والهندوس والسيخ ومئات الطوائف الأخرى في العالم اليوم كلهم يدعون التعايش السلمي ويتفقون في أغلب التفاصيل وهناك اختلافات نسبية لا تصل لحد الخلاف كونها غير جوهرية وليس لها تأثير مباشر على التعايش نظراً لنسبتها الضئيلة أمام المشتركات الأساسية . إذن دعوات المحبة والتسامح وقبول الآخر والاهتمام بالغير وحق الجوار وحق الغرباء والفقراء والمحرومين وتحريم القتل والسرقة موجودة في جميع الايديولوجيات تقريباً ويتبقى تطبيقها وفق قوانين وضعية توضح تفاصيل وآليات التطبيق الملائم لكل منطقة وطائفة . هناك مقولة سومرية تنصح بما تقدم "الشمس لا تفارق قلبي أبداً" بمعنى وجوب استخدام الوضوح في التعامل مع الآخرين لأن الشمس تعني ذلك الوضوح والقلب يعني مركز الاسترشاد والتنفيذ .
الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أقرته الأمم المتحدة بقرارها ذي العدد 2017/د/3 في 10/12/1948 ساوى بين البشر جميعاً، ففي مواده الثلاثين يؤكد على ولادة الجميع أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق دون تمييز بين العرق واللون والجنس واللغة والدين والمولد والوضع الاجتماعي والاقتصادي وحظر استرقاق البشر بكافة صنوفه وأكد على حرية التنقل والإقامة والتعبير عن الرأي والتملك كما منع التجريد من الملك وحق الانسان في الحصول على عمل وحقه في الضمان الاجتماعي والصحي والتعليم الأساسي . كما أكد الاعلان على واجبات الانسان أمام المجتمع في ممارسة حقوقه بموجب القوانين النافذة لضمان حرية الآخرين ولتحقيق العدالة والمصلحة العامة وأغلب هذه التفاصيل جاءت بها الأديان السماوية والأيديولوجيات الأخرى.
بعد كل هذا نسمع في صلوات وأدعية بعض أئمة المساجد في دولنا العربية وأقليمنا الشرقي خصوصاً ذماً لمعتنقي الأديان السماوية غير الاسلام دون ذكر الذنب أو العمل القبيح المرتَكَبْ .
في أوربا طَحَنَ الخلاف الديني بين المكونات المسيحية في القرنين السادس عشر والسابع عشر وما بعده الكثير من البشر بالإضافة الى تكبد المعنيين خسائر مادية ضخمة على مدى عشرات السنين ، ولكنهم وعوا لأنفسهم وتداركوا الأمور وأسسوا لعلاقات انسانية طيبة وفصلوا بين الدين والسياسة . في عصرنا الحاضر وتحديداً أواخر القرن الماضي ظهرت مبادرات كثيرة للتوفيق بين الأديان والثقافات ووصلت بعضها الى نتائج ناجحة نسبياً ولكنها تحتاج الى جهودٍ أكثر وبشكلٍ مستمر وتعكرها بعض الأحيان تصرفات مرفوضة من قبل المتطرفين فهناك من يسيء للدين الاسلامي برسومات وأفلام سينمائية وهناك من يسيء للمسيحية بأحاديث عن حرق القرآن والصهيونية تسيء للدين اليهودي بتطرفها المرفوض وتعاليها عن بقية البشر .
التطرف في جميع الأمور نتائجه سلبية وتصل الى حد الكارثية في أمور الأديان لأنها تتعلق بالمقدسات عموماً فتكون ردود الأفعال قوية منطلقة من هذا الأساس، وما وجود القاعدة وداعش إلاّ استثماراً لهذا التطرف بغية الوصول لنتائج لا تستحق كل هذه الدماء والدموع .
يتوجب على القائمين على أمور الناس تدارك الأمور والبدء أولاً بتصحيح المناهج المدرسية وتنقيتها من (شوائب) الأيديولوجيات وزرع ما يخدم البشر عموماً وصولاً لرسائل الدراسات العليا ومن ثم اعداد برامج ثقلفية توضح للمتلقين فوائد التعايش السلمي بين البشر والتعاون في تنمية الاقتصاديات والعلوم النافعة والفنون على مختلف أشكالها ، لأن بالثقافة والفنون نرتقي بإنسانية الانسان وهو ما يبعدنا جميعاً عن الشرور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في