الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاساطير المؤسسة للاسر الحاكمة في الشرق الاوسط

قاسم الجميلي

2016 / 2 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الاساطير المؤسسة للاسر الحاكمة في الشرق الاوسط

قاسم الجميلي- دراسات تاريخية وسياسية شرق أوسطية

قلما نجد اسرة او سلالة حاكمة في تأريخ الشرق الاوسط ليس لديها اسطورة او رواية اسطورية تحمل نبوءة التكوين الاستهلالي للسلطة وتحولها اللاحق الى امبراطورية مترامية الاطراف. والنماذج التي التي لدينا ادناه تُخبر عن حقيقة ذلك بوضوح.

(بداية أمر بنى بويه)
اختلف المؤرخون في نسب البويهيين واصولهم. ويعتقد المؤرخ الشهير ابن مسكويه ان شجرة نسبهم في مجملها مجهولة. لقد نسب مؤرخي البلاط البويهي الى مؤسس الدولة البويهية أبا شجاع، الذي كان فقيرا معدما، أنه رأى في منامه أنه يبول نارا عظيمة اضاءت الدنيا فاستطالت وارتفعت إلى السماء ثم افترقت ثلاث شُعب. ثم خرجت من تلك الشُعب شُعبا اخرى استضاءت الدنيا بها والناس خاضعون لتلك النيران. وقد عبر المفسر لابي شجاع الرؤيا بأنه سيُرزق بثلاثة أولاد يملكون الأرض ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت النار، وانه سيولد لهم ملوك بقدر الشُعب. ويذكر ابن خلدون ان أبا شجاع نفسه قد استبعد ذلك واستنكره لما كان عليه من توسط الحال. لكن المفسر وكان منجما قد اصر بأن يقضى لبني بويه جميعا بالملك.

(بداية امر آل سلجوق)
وعلى غرار اسطورة عميد اسرة آل بويه، يجد سلجوق بن دقاق، الجد الاعلى للسلاجقة، نفسه هو الآخر في رؤياه يتبول نارا يتطّاير شررها في كل بقاع الارض. وفي سياق مماثل، كان هناك ايضا من فسر لسلجوق الرؤية بانها بشارة خير وطالع سعد له بانه سيؤسس سلالة حاكمة ودولة يزدهر شأنها وتتحول الى امبراطورية واسعة تحكم اقاليما وشعوبا مختلفة . وهو ما تحقق لاحقا عندما هيمن السلاجقة على العراق وايران والاناضول ومناطق اخرى.

(بداية امر آل عثمان)
وفي سياق اسطوري مغاير قليلا في التفاصيل، لكنه يتوافق مع الخطوط العامة للروايتين البويهية والسلجوقية في النبوءة الإمبراطورية، يرى عثمان بن أرطغرل مؤسس السلالة العثمانية قمرا منيرا يطلع من صدر راعيه الروحي الشيخ الصوفي إده بالي ليغوص في بطنه فتنمو من سرته شجرة تظلل الأرض. وبحسب الأسطورة تستقر في فيء الشجرة الغادي ثلاثة جبال، يجرى نهر عظيم من سفح كل منها (دجلة، الدانوب، والنيل)، بينما تنقلب أوراق الشجرة الى رماح تشير رؤوسها إلى الدولة البيزنطية. وكالعادة نجد في الأسطورة معبّرا يعطي تفسيرا امبراطوريا للرؤية، وهنا الشيخ اده بالي كان جاهزا للمهمة ليقدم البشرى لعثمان بان الله سينعم عليه بدولة يأتي قادتها من صلبه لتعلي كلمته في جنبات الأرض.

وفي حقيقة الامر ان البويهيين كانوا قوة قبلية شرق أوسطية قليلة الِشأن قبل ان تستلم زمام السلطة في ايران في القرن العاشر الميلادي. اما الامبراطوريتين الاخرتين، السلجوقية والعثمانية، فقد نشأتا من مجموعات بدوية صغيرة متنقلة جاءت من خارج الشرق الأوسط في القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادين طلبا للزرع والكلأ لها ولقطعانها في اعقاب موجات جفاف وقحط واضطراب سياسي في مناطق سكنها الأصلي في آسيا الوسطى. وان فقط عوامل دينية وسياسية واقتصادية هي التي أعطت تلك المجموعات الفرصة في التكوين والتحول التاريخي لاسر حاكمة. وهذا يعني ان تلك المجموعات القبلية البائسة -وبالأخص الاتراك السلاجقة والعثمانيين- التي انحدرت نحو سفوح الشرق الأوسط الخصيب لرفع غائلة الجوع عنها وعن ماشيتها، لم يكن لدى مؤسسيها يومذاك، بل ولم يكن حتى ليتجاسروا في ان تكون لديهم، رؤى او نبوءات امبراطورية. ان هذه النبوءات والاساطير المؤسسة خُلقت في الواقع لاحقا من قبل مؤرخي البلاطات البويهية والسلجوقية والعثمانية لتناسب الهيبة والمكانة الامبراطورية الجديدة للبويهيين والسلاجقة والعثمانيين، ولتعطيهم شرعية في حكم امم وشعوب مختلفة.

ويبقى هناك ما يثير التساؤل في الذهن أيضا. فحقا لم اجد جوابا تاما لمسألة إصرار مؤرخي الاسر والسلالات الحاكمة البويهية والسلجوقية على ان يجعلوا من بول الأجداد، وليس نثر الزهور او الرز مثلا، العلامة الفارقة لتوسيع السلطة وتشييد امبراطوريات في التاريخ؟. ولست ادري أيضا اية فائدة او جدوى او ذوق حضاري يمكن ان يُجنى من ان يستند حكم سلالي على فرضية اسطورية مقترنة بالبول!؟ ويلاحظ هنا في هذا الصدد، ان مؤرخي البلاط العثماني كانوا -على مايبدو- اكثر وعيا وتهذبا وترفعا من نظرائهم البويهيين والسلاجقة عندما لم يجعلوا امبراطورية عثمان تأتي من قناة بوله، بل اخرجوها من سرته! وهي رواية تبدو اكثر استساغة نسبيا. لكن (ربما) ان سر البول الناري الامبراطوري يكمن في الاعتزاز الشرقي بالذكورة وما يمثلها من رموز. لذلك كان على مؤرخي البلاطات البويهية والسلجوقية ان يستعيروا الأعضاء التي تعبر عن الذكورة للمؤسسين لينثروا من خلاله "البول المقدس". فحيثما يضيء البول الناري لابي شجاع، او يتطاير شرر بول سلجوق بن دقاق تنبت الارض سلطة ونسبا ومجدا. وهكذا فأنه من سخريات القدر ان هؤلاء الذين حكمونا لقرون، بال مؤسسي حكمهم على اصقاعنا في رؤى منام لم تستغرق فبركتها سوى بضع دقائق!.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات