الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حُكم الدولار ،بين القذّفىّ وبشّار

رائد حسين

2016 / 2 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


وقفتُ طويلا على مشهد التلاعب بالعقيد الليبى مُعمر القذَّافىّ ،أثناء عملية القبض عليه، بدا القذافىّ نازفاً، مُهلهلاً ، اعزلاً ،وحيداً ،يتوسلُ الشباب بذُل ذليل ،يطلب الرحمة لكبر سنهِ ،
بينما تتلاعب بهِ الايدى وتهينه ،تسبهُ الالسنة وتركله الاقدام ،كيف إنفضَّ المُولد من حول "ملك ملوك افريقيا "حتى إستلمه المسلَّحون فى هذا الوضع ..؟
وكيف تمَّت تصفيةُ الرجل دون محاكمة ،ليتم إخلاء سبيلهُ بعد مسلسل طويل من النقض والتأجيل كما حدث مع المصرى حسنى مبارك، او إعدامه كما حدث مع العراقى صداَّم حسين ؟
الوضع القائم فى ليبيا يشبهُ كثيراً ما تنبأ به القذافىّ فى خطابهِ الكوميدى الطويل ،فقد قال مخاطباً شعب بنغازى : من يحركون أولادكم ينعمون بالأمان هم وأولادهم ،يريدون تحويل ليبيا الى إمارة ارهابية كى يجلبون اليكم الاستعمار من جديد .
هذا ما قاله القذافى بين كثير من الغثاء والشتائم والتهديدات ، تحركت قوافل الاغذية والمواد الطبية من الإمارات وقطر ،بجانب تصريحات الإدانة لما تعرضّ له الشعب الليبى ،وسُرعان ما تحركت فى الفضاء الليبى طائرات الناتو بقيادة فرنسا لتمهد الطريق للمسلحين الذين لا يعرف أحد من اين حصلوا على السيارات رباعية الدفع ،وقذائف الأر بى جى والمدافع الرشاشة.
فهل فعل القذافى بشعبه اقل مما فعل بشَّار ؟
طلَّق القذافى العرب منذ زمن ،فقد ساءت علاقتهُ بآل سعود ،فمن الطبيعى أن يتخلّى عنه العرب ،ليس لزدرائهِ التحرك الشعبى الذى نشب ضده ،ليس لأنه واجه التظاهرات الأولى بعنف مُفرط كما فعلت السعودية فى البحرين ،
ولكنه ثأر آل سعود الذينَ أهانهم القذافى وحطَّ منهم .
الموقف ذاته تلعبه السعودية وحلفائها فى الخليج ضد بشَّار الاسد ،لكن الموقف الغربى لا يتماشى مع أهواء السعودية هذهِ المرة ، فالعقيد الليبى لم يتوجه لقبلة امريكا او روسيا او ايران وانما ولىّ وجههُ شطر اتحاد افريقى ،ثم انه خسف بالشركات الأمريكية النفطية الارض ،فانتزع الـ %90 التى كانت تقبضها الشركة الامريكية للمواد البترولية فى ليبيا ،ومنحهم الـ %10 التى كانت نصيب الشعب الليبى من نفط ارضه .
كما أنَّ فرنسا ،قائدة الضربات الجوية ضد القذافى ، كانت لها دوافعها المسبقة لإستثمار الفرصة ،
صفقة طائرات الرافال التى لم تنجح كل محاولا ت ساركوزى فى اتمامها مع الجانب الليبى رغم ما قدمهُ ساركوزى من تنازلات "كلامية" واستقباله القذافى فى باريس بعد زمن من القطيعة على خلفية تفجير الطائرة المدنية الفرنسية ،
وباستخدام الرافال الفرنسية تهدم فرنساً نظاماً لا يروق لها وتكسب المجلس الوطنى الليبى الذى من المفترض أن تؤل اليه السلطة بكل صفقاتها المستقبلية ،
ثم تكون فرنسا راعية للحريات فى ليبيا ،حيث إنتفضت "ياولداه" من أجل إيقاف سفك دماء الشعب الليبى .
ربما المخاوف الغربية من قيام اتحاد افريقى حقيقى تحت رعاية القذافى الذى لا ينقصهُ المال والغطرسة ،عجَّلت من التحرك العسكرى ضده ،وقتلهِ ودفنه مع أسرار كثيرة كان من المُفترض أن يُفشيها فى محاكمة علنية عادلة ،
البهجة التى حلَّت على وزيرة الخارجية الامريكية "هيلارى كلينتون" ،عند إستقبالها خبر مقتل القذافى ،تدعو للدهشة الى اى مدى كان تهديد القذافى لمصالح الغرب فى افريقيا حقيقياً ؟
بينما على الساحة السورية ، ظلَّ التمطعُ الغربى طويلا بما يكفى لتكوين جبهات مسلحة داخل سوريا من خارج سوريا ،كجبهة النصرة وداعش وغيرهما ،لتكون الحجج التى تعيق التحرك الغربى ضد بشار ،
فـ بشَّار على كل حال أفضل من ارهاب لا يعترف بالنظام العالمى ،ورغم الدمار الكامل الذى تعرضت له مدن سورية ،والهجرات والتهجير الذان يطاردان الشعب السورى فى كل مكان ،
رغم آلآف الاطفال و العجائز الذين قضوا نحبهم ،رغم ايلان الغارق ومضايا الجائعة ،لم يفرض الغربُ حظراً جوياً على النظام السورى ،وجاء التدخل الروسى سريعاً عندما تم تحجيم بشّار الاسد وكان سقوطه قاب قوسين او ادنى ،
ذالك التدخل الذى كان متوقعاً فى ليبيا لنجدة القذافى ،لكنه ظلَّ غائباً لتعارضه مع مصالح الغرب فى ليبيا النفطية خاصة وافريقيا عموما .
خلاصة القول : إن الغرب يُرسى دعائم الحرية الكاملة والاستقرار فى ارضهِ ،لكن تحرك القوات العسكرية (الذى يقوم بالدولارات ) لا يكون من أجل حريات الشعوب المهضومة وحقن دماء ضحايا الارهاب فى الشرق الحزين ،
وانما من أجل المزيد من الدولارات ،وفى سبيل الدولار ،نتوقع من الغرب أن يدعم المنظمات الارهابية بطرق غير مباشرة ،ونتوقع منه ضربات جوية ضد نفس الجماعات الارهابية ،
لكنها لن تكون كتلك التى مُنى بها القذافى بحيث تُنهى الامور ،لكنها ستكون مزيفة بقدر الزيف فى حديث اوباما عن الحريات فى الشرق الاوسط ،وحديث ساركوزى عن نعومة شعر القذافى كى تتم صفقة الطائرات بنجاح،
صارت سوريا ساحة حرب تستهلك فيها الاسلحة والبتروليات ،لتدر الارباح على صنّاع السلاح وشركات النفط،
وها هى ليبيا بعد هزيمة القذافى وتصفيته ،بلا سلطة حقيقة تمنع رفع لواء داعش الذى يُتوقع من الغرب أن يسلِّط الضوء عليه فى الوقت المناسب لمصالحه ،ومن ثمّ يتدخل بالقدر المناسب لمكاسبه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا


.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟




.. سيارة جمال عبد الناصر والسادات تظهر فى شوارع القاهرة وسط أكب