الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في عيد الحب

شاهين خليل نصّار

2016 / 2 / 19
الادب والفن


في عيد الحب عرضت نفسها عليه، لكنها لم تكن من أو ما يريد أو يرغب في تلك اللحظة…

بعد سنين من انقطاع الإتصال قررت أنه حان الوقت لتعطيه ما كان يسعى لأجله طوال الوقت الذي كانا فيه على نوع من العلاقة، ويقصد القول “نوع من”، لأن لتعريف العلاقة لا بد من علامات تميّز هذه العلاقة، لا بد من أحداث مشتركة يمكن الإشارة إليها بالتفصيل، أو على الأقل بعض النهفات التي قد تكون لطيفة…

علمت أنه في القرية، جاء ليزور أقاربه هناك، خافت أن تتصل به ويرفض الرد عليها كما فعل في الماضي، أرادت أن تضعه “تحت الأمر الواقع” كما يقال. ارتدت أجمل فستان لديها، أزرق سماوي قصير بعض الشيء، ووضعت الماكياج على وجهها، وتعطّرت. نظرت الى نفسها في المرآة، “أحلى من كاتي بيري” والتي كان أشقاءها يشبهونها بها. وأضافت “بده يقدر يقاوم هالجمال كله؟ صرله سنين بيستنى بهاللحظة… بعده بيحبني أكيد”.

اللحظات الوحيدة كانت في حفلات الزواج. في عرس هذا وتلك من الأقارب، والأصدقاء من القرية التي كانت له علاقات قرابة بأهلها وهي منها. وقد تكون علاقة النسب هي العلاقة الوحيدة بينهما، وعدا عن ذلك مجرد أوهام.

ذهبت الى بيت قريبته، قريبتها، التي كان يزورها، وجدته كما توقعت في الخارج، يجلس مدخنا مع رفاقه يحتسي القهوة.

اقتربت منهم سلّمت عليهم، “سلام.. كيف حالكوا؟ زمان ومدة”. لم يرد عليها، رمقها بنظرة غير مهتمة، غير معبر إياها. نظرت اليه بطريقة تتساءل عن سبب تجاهله لها، استأذنت منهم ودخلت لتسلم على بقية أفراد العائلة في الداخل. سألت رفيقتها “ماله؟”، “بعرفش”… ثم أضافت “بعده زعلان مني؟”، لم ترد عليها قريبتها، فهي كانت على دراية بالماضي الحزين.

سأله صديقه الذي كان يجلس بجانبه، “مالك؟ ليش مسلمتش عليها؟”، فرمقه نظرة غير مبالية أخرى. “بتعرف إنها محلوة”؟ لم يكترث بكلامه. رغم أنه كان يعي ذلك، تنبه الى جسدها الممشوق، الى طول ساقيها الناعمتين كالحرير، الى عينيها اللتين تدعوان العاشق دون أن تبوح بالسر فيها دون أن ينتبه لذلك الآخرون، أعجبه فستانها الأزرق، لونه المفضل، ويحتمل أنها هي أيضا كانت تعي أنه كذلك فسعت لإغراءه. لم يرق له فتحة الفستان عند نهديها المترفين، المشعان بالأنوثة والاغراء، بدا له وكأنهما يغمزانه. كغزالين يتراقصان مع كل خطوة، وتتراقص معهما أشعة الشمس المنعكسة منهما في دربهما نحو عينيه. أغرقته بأنوثتها وجمالها، لكنه لم يكن ليفصح عن ذلك لأحد، لن يُظهر نقطة ضعفه.

كانت تعرف ما تريد. أو بالأحرى من تريد في هذه اللحظة!

مرات عديدة زار القرية عندما كانا على “نوع من”، وطلب لقاءها ولكنها لم تكترث حينها، أو خشيت أن تكترث، فماذا سيقول الناس عنها بهذه القرية الصغيرة الوادعة التي يعرف فيها الكل شؤون الكل، وكل النسوة “تحشر أنفها” في شؤون الأخريات والآخرين، غير مدعوة، فقط لملئ حياتهم الفارغة بشأن من الأهمية، فحين لا توجد مواضيع للحديث يسهل الحديث عما فعل هذا أو ذاك او هذه أو تلك… ولربما كانت ترغب بلقاءه ولكن أسباب شتى منعت خطيّ حياتهما من الالتقاء خارج إطار الاحتفالات الرسمية. ولربما فشل في استغلال هذه الاحتفالات ليتخذ الخطوة، رغم علمه بأنه عليه أن يتمتع ببعض الجرأة. ولربما الرسائل التي كانت تبعثها له لم تكن مقنعة كفاية بأنه حان الوقت!

ربما لم يفت الأوان…

بعد لحظات قليلة، خرجت تحمل كوبا من الشاي، وضعت شفتيها على الكوب، لامسته بحنية واستشفت قطرات قليلة من المشروب الساخن، فاحمرت شفاهها زيادة، وامتلأت ببريق النجوم المنحني ليعطف على المصابين في أسوأ داء. “بنفع أنضملكوا؟” سألت بلطف، وأجابها بجفاصة “تفضلي”.

استمر المجلس بتبادل أطراف الحديث دون أن يوليها الكثير من الاهتمام لكن عينيه وعينيها التقوا في لحظة غير محسوب لها، فكشفت عن سبب مرورها الذي قد يبدو لوهلة “اعتياديا”! لم يكن يوما يشعر بهذا الضيق والاختناق كتلك الزُمنة المعتبرة. لبرهة كاد يتفوه بالكلام المبهم على قول الشاعر، لكنه تمالك نفسه لكونها متزوجة.

عندما كانا يتحاكيان، كانت تطلعه على أحلامها، وتقول إنها ترغب بالزواج من شخص من المدينة، أن تسكن في مدينته، وكان قد عرض عليها أن تأتي وأنه سيكون لها عونا في انتقالها، رفضت، كما قاطعت العديد من العروض…

لكنها لم تعد تكترث بنميمة بنات القرية ورجالها الذين قد يزيد تناوبهم على تناقلها عن زوجاتهم المفرغات من الأحاديث المحنكة والأحداث المثيرة على أفعالهم المعججة.

“بدك تضلك هيك”؟

أمسكها بيدها وذهبا على جنب لبضعة أمتار: “شو القصة؟”

هاجمته “سنين مبتحكيش معي؟ وبدك تضلك هيك تعاملني بجفاوة؟”، وردّ عليها بغضب “شو متوقعة مني؟ قدحتيلي مليون مرة، ولما حكيت، قطعتي، واتزوجتي هذا الحمار… شو بدك مني اسا”؟؟

“مبديش اشي”.. ولوت حاجبها، وثنت شفافها على بعض…

“عندك شي تحكيه؟ تفضلي… هيانا عمنحكي… شو المفروض فيي أعمل اسا؟ بتيجي هيك فجأة لهون، قاعدين احنا وملناش بشي، وانت عالبارد المستريح بتيجي بتسأليني +بدك تضلك هيك+ كيف هيك؟ شو هيك؟ شو قصدك؟ ولا كأنه صار اشي.. فعلا ما صار شي.. مهون المشكلة، ما صار شي.. ما اعطيتي فرصة يصير شي”…

فصاحت به بهدوء “كنك طبل؟”

كالفارس المغوار أجش بجرأة لم يكن يعهدها، اندفع نحوها، أمس بيدها، وشعر بحرارة جسدها وبلهيب السيروتونين يستعر في أوردتها، وضع يديه على لِمّتها وعطف بيده الاخرى على العنق، قبل أن يرسلهما بعد هنيهات الى الأرداف.. وهي ردت له القبلة، أمام الجميع، لم تكترث بأحد، صعدت الى سيارتها وجرّته خلفها، قبلته من جديد. واستمرت القبل بتوطيد الروابط وتحويل “نوعا ما” الى “علاقة”، مدّ يده الى يدها، واصل تبادل السوائل معها باحتراق المشاعر، ومرر أنامله على جسدها الأرّق، ارتعشت، وما إن بلغ النهد الأيمن، اقشعر بدنها، ولم ترنو بشيء من الاعتراض، شدّت على يده… سارت الى منزلها الجديد الذي يبعد أمتار عن بيتها القديم الذي زاره في أكثر من مناسبة وعرفه خير معرفة. ترجلا من السيارة، مدت يدها “تعال وولا كلمة”…

إستفاق من الحلم، فتح الحاسوب وجهّز لنفسه فنجان قهوة.. مرّت لحظات قليلة قبل أن يفتح الفيسبوك ويتفحص آخر المستجدات على صفحات أصدقاءه، لكنها جميعها لم تكن تعنيه… كتب اسمها ذهب الى صفحتها ونظر الى الصورة “فعلا الأحلام زهرية وأحلى بكثير من الواقع”!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع


.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي




.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????