الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في إحياء الذكرى ال 72 -يوم نفي الشعب الشيشاني-!

أمين شمس الدين

2016 / 2 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في إحياء الذكرى الـ 72 "يوم نفي الشعب الشيشاني"!
المصادف 23 شباط 2016

يبذل العلماء والباحثون والمسؤولون في جمهورية الشيشان وجمهوريات شمال القوقاز جهودا مستمرة فيما يتعلق بمسألة النفي الذي تعرضت له شعوبها، ودراسة هذا الحدث وتحليله على جميع المستويات بأساليب وطرق علمية ووثائقية لمعرفة أسبابه الحقيقية ووضع حلول مناسبة، وسن قوانين لعدم تكراره مستقبلا.
وجاء في دراسة (2014) للبروفيسور واخيت أكاييف/ دكتوراه عليا في العلوم الفلسفية، أستاذ، رئيس باحثي مجمّع معهد البحوث العلمية، المسمّى باسم خ. إ. إبراهيموف، والتابع لأكاديمية العلوم الروسية ورفاقه:
بعد انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي حلّت نقطة تحول في سياسة الدولة تجاه الشعوب المنفية. وعادت كل الجموع تقريبا إلى مناطق عيشها السابقة، وتم إعادة بنيانها السيادي- القومي، وإيجاد الظروف لتطورها الاجتماعي– الاقتصادي، والثقافي. ولا شك بأنها واجهت صعابا ومشاكل في المسكن وإيجاد فرص العمل، وارتُكِبت أخطاء في السياسة التنظيمية والكوادر.. الخ.
وقبل فترة وجيزة أصدر رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين مرسُوما "عن الاجراءات بخصوص إعادة اعتبار شعوب الأرمن، البلغار، اليونان، تتار القرم، الألمان، ودعم الدولة في إحيائها وتطورها". وهكذا، اتُّخِذت الخطوة التاريخية التالية المهمة في إعادة اعتبار هذه الشعوب.
وعلى هذا النحو، من الضروري، كما نعتقد، تحليل نتائج تطبيق قانون جمهورية روسيا الفيدرالية الاشتراكية، على مستوى الدولة، والذي ينص على "إعادة اعتبار الشعوب المنفية"، وبالخصوص الشعب الشيشاني.
ومن الضروري تعميق الأسس المدنية والديمقراطية للعلاقات بين القوميات، والمهمة لدرجة كبيرة لوحدة وتقارب عامة الشعوب. ويجب الاعتراف، بأن في جمهورية الشيشان اليوم، وفي شمال القوقاز، وفي البلاد كلها تجري تغيرات اجتماعية- اقتصادية و روحية - ثقافية إيجابية، تُوطّدُ قواعد لنمو وازدهار ناجح بين مختلف قوميات وثقافات شعوب روسيا الاتحادية.
وهكذا، أتمنى، والكلام هنا لي، أن تعقد هذه الذكرى دائما بشكل سلمي يتناسب وكل التطورات العالمية الحاصلة اليوم، أعني، أن لا يُترك لأحد أي مجال للنقد في تنظيمها أو الشك في أهدافها. نتمنى التوجه الحقيقي لإحياء هذه الذكرى، أي التذكير بتاريخنا وقضيتنا وبيوم النفي تحديدا. وأن لا تكمن وراء إحيائها غايات وأهداف غير المخصوصة لها، وغير المقبولة من الشعب الشيشاني على أرضه ومن الكثيرين من خارجها، وفي الأردن كذلك الأمر. لقد تعودنا طوال السنوات الماضية على نقل الصورة العامة لموضوع النفي بشكل لا يتوافق مع رؤى أهلنا في بلادهم، والذين ذاقوا الويلات من جراءه. وبشكل أوضح، فإن تحريك الذكرى بالمناسبة والمسيرات والاعتصامات، بما يتوافق مع توجهات الانفصاليين والمتطرفين الدخلاء، ورفع أعلام الإيتشكيريين، كما سبق وحصل، والخطابات التي تبث الكراهية ضد روسيا، يتعارض مع رؤى أهلنا تماما في الوطن وخارجه، وكثيرٍ من فئات مجتمعنا الشيشاني الأردني. كما ولا يتماشى مع تطورات الأحداث في جمهورية الشيشان. وأنشطة إحياء هذه الذكرى والمسيرات التي لم ولا تتماشى مع الأحداث باتت كافية لتوضح بأن هؤلاء النشطاء أخفقوا (على الأقل من وجهة نظري)، وللأسف الشديد، بإيصال رسالتنا إلى من يهمه الأمر.
مختصر القول، أرى بأن نَسلُك وشبابُنا المندفع، الغيور، الطريقَ في الاتجاه الصحيح، بمعنى، عدم بث روح العداوة والحقد والكراهية في مجتمعنا ضد روسيا الاتحادية، والذي قد ينعكس على وضع جمهورية الشيشان ومواطنيها سلبا، وحفاظا على أنفسنا من التطرف بشتى أنواعه، اليوم ومستقبلا؛ وبأن يفهم شبابُنا قضيتَه بالشكل اللازم، وبعقلانية. وأهم ما في الأمر أن يتجه صوب العلم والتعلم. إن المثقفين والمهتمين بالتاريخ في العالم على اطلاع جيد بقضايا الشعوب، ويعرفون كنهَها وغاياتها. لذا، فكلما كنا موضوعيين أكثر، ودبلوماسيين ومسالمين، وكلما أخذنا الدروس والعبر من التاريخ، وكنا غير منجذبين لأي نوع من التطرف، أو لأي نوع من الأجِنْدة.. سيستمع لنا الجميع، وسنكسب أكثر في دعم قضيتنا.
علينا الانتباه إلى المرحلة التي حصلت فيها المأساة وإلى المسؤولين المباشرين عنها، أي عن المرحلة الستالينية من العهد السوفييتي، وعلى جوزيف ستالين نفسه وحاشيته من الصهاينة المعروفين، وأهمهم رئيس جهاز الأمن آنذاك، لافرنتي بيريا، الذي يعود إليه التخطيط والإعداد وتنفيذ عملية النفي. حصل هذا رغم اعتراف التشريعات السوفييتية بأنها مخالفة للدستور، واعتبرتها جرائم. واتّهم نيكيتا خروشوف، السكرتير الأول للحزب الحاكم السوفييتي آنذاك في خطابه، اتّهم جوزيف ستالين، بخرق فظّ للمبادئ اللينينية في السياسة القومية للاتحاد السوفييتي، والذي تجلّى في نفي شعوب بأكملها، وإلغاء بنية جمهورياتهم وأقاليمهم القومية.
وقوانين دولة روسيا الاتحادية اليوم، تشمل تقييم موضوعي وأخلاقي- إنساني في النفي، الذي طال ملايين الناس وشعوبا بأكملها. نرجو أن يتم العمل بها، رغم بعض التصرفات السلبية لبعض السياسيين المغامرين.
وحسب الباحث الشيشاني واخيت أكاييف، من معهد الدراسات الاستراتيجية للقوقاز*- ففي 26 من شهر نيسان/ عام 1991م، تبنّت الدولة قانونا لجمهورية روسيا الفيدرالية الاشتراكية عن "إعادة اعتبار الشعوب المنفية". وفي مقدّمة هذا القانون، وللمرة الأولى في التطبيق العملي للتشريع السوفييتي تمت الإشارة إلى أن هذه الشعوب تعرّضت لـ "الإبادة بالجملة والحَمَلات الاتهامية الباطلة". وفي البند الأول من القانون ثُبِّت "إن التصرفات والأفعال التي نُفِّذت بحق هذه الشعوب المنفية معترف بكونها غير قانونية، وبأنها جنائية".
وبدون أدنى شك، كان لهذا القانون أهمية سياسية، وحقوقية، ومادية، ومعنوية كبيرة. وكَفِعْل تشريعيّ وحياتيّ ضروريّ، ساعد على عودة العدالة التاريخية. ولا ريب، في أنه لعب دورا مهما في إعادة كامل اعتبار الشعوب المنكّل بها.
نعم، يجب إحياء هذه الذكرى الأليمة على كل واحد منا، وفي كل سنة، وتذكر المآسي التي ألمّت بالشعب الوايناخي.
لا بأس من تذكر الماضي وما عاناه الشعب الشيشاني والإنجوشي من مظالم ومآسي خلال حقب مختلفة من تاريخه السياسي، إذا كان الهدف منه التذكير بأهوال النفي ومآسيه، وكذلك الحرب وما تتركه وراءها من ويلات وتشريد وبكاء أمهات؛ والدعوة إلى تضافر الجهود من قبل جميع الأطراف المعنية في سبيل ألا تتكرر؛ وأن توضع فورا حلولا للمشاكل الملاحَظَة المعوِّقة لتفاهم الشعوب وتقاربها في روسيا الاتحادية، ومحاسبة من يؤجّجها (وهذا الأمر يعود إلى روسيا وجمهورية الشيشان). وهذا يتفق معه باحثو الشيشان كما سيرد ذلك فيما بعد. وإن تَطَلّب الأمر تحديد المصير، فبالطرق السلمية والتفاهم حسب ما يراه الأهل في وطنهم. أما إذا كان القصد من وراء التذكير بهذه المناسبة السير على مبدأ (لن نغفر- لن نرحم- لن نسامح)، كما نلاحظه في كل مرة، والذي يعني الاستفزاز، والتحريض، والدعوة إلى الكراهية والصراع مع الجار، وإتباع المُغرِضين، ولا يخلو الأمر من دسائس من الخارج، والذي غالبا ما ينتهي بخلق نزاعات مفتعلة بين الطرفين، نتيجتها قتل وتشريد ودمار- فهذا أمر لا يمكن لعاقل أن يرضاه ويتمناه لشعبه وأهله ووطنه. كما أن هذا التوجه لا يتقبله الشعب الشيشاني في أرضه، والذي يُفترض أن يكون موقفنا داعما ومؤيدا له. ولا تتقبله كذلك الأكثرية في خارج جمهورية الشيشان. علينا توخي الحيطة والحذر من مروّجي الإشاعات والشعارات الكاذبة، التي تخفي وراءها أجِنْدة لا تصب في مصلحة الشيشانيين..
أرجو المعذرة، قد لا أكون مخطئا كثيرا إن قلتُ بأن الغالبية العظمى من شيشان المهجر غائبون عن النشاطات المتمثلة بالدراسات والأبحاث والمؤتمرات التي تجري في جمهوريات شمال القوقاز في موضوع النفي، ومعظمها يشير إلى: "أن دراسة مسائل النفي وإعادة الاعتبار للشعوب المنفية لم تنته بعد. وواضح بأن أول شيء يجب القيام به هو توسيع قاعدة المصادر (الأرشيفية- الوثائقية)، وتحليلها بشكل عميق وشامل". (جاء ذلك عن معهد الدراسات الاستراتيجية للقوقاز/ القوقاز والعولمة. مجلة الدراسات الاجتماعية- السياسية والاقتصادية، الجزء الثامن، الإصدار 1-2، 2014، CA&CC Press)
وحسب معهد الدراسات المذكور- "يُبدي لأمر النفي ممثلو النخبة القومية، والباحثون الذين ينتمون إلى الشعوب المنفية اهتماما في مختلف الندوات العلمية- التطبيقية، التي تعقد على المستويين الإقليمي والاتحادي. وهذا تم التأكيد عليه في المؤتمر العلمي - التطبيقي الدولي، المنعقد في خريف عام 2013 في مدينة إليستا، المكرّس لدراسة المسائل المتعلقة بالنفي وإعادة اعتبار الشعوب المنفية، وذلك بمناسبة مرور 70 عاما على نفي شعب الكالميك وإلغاء إقليمهم القومي الذاتي".
فعلى سبيل المثال، أشار روسلان فيروف، نائب رئيس حكومة جمهورية قباردينو- بلقاريا في الاجتماع التأبيني في ذكرى مرور 70 عاما على نفي الشعب البلقاري، والذي انعقد في الثامن من شهر آذار/ مارس عام 2014م، أشار إلى أن ذكرى الصفحات المأساوية لتاريخ نفي الشعب البلقاري "جمعت صفوف جميع مواطني الجمهورية مدركين بأن هذا الأمر يجب ألا يتكرر أبدا".
أما القائم بأعمال رئاسة جمهورية قباردينو- بلقاريا، يوري كوكوف، والذي خطب أيضا في ذلك الاجتماع، أكّد أن "قبل 70 عاما ارتُكِب خطأ كبير- بناءً على قرار جنائي لحكومة ذلك الوقت تم نفي الشعب البلقاري".
إن التعاطف مع الشعوب المنفية، ومعالجة المشاكل المنبثقة عن النفي على مستوى الدولة- شرط أساس لتذليل سلبيات ما طُبع بالرَّشَم، وضمان التقارب والوفاق بين القوميات، وخلق الثقة في مستقبلٍ لن تتكرر فيه مثل هذه الفواجع والمآسي.
أما علماء التاريخ الشيشان من معهد البحوث العلمية، المسمّى باسم خ. إ. إبراهيموف، والتابع لأكاديمية العلوم الروسية (غروزني- روسيا)، وهُم: واخيت أكاييف/ دكتوراه عليا في العلوم الفلسفية، أستاذ، رئيس الباحثين في المعهد؛ عبدالله بوغاييف/ دكتوراه في فلسفة العلوم التاريخية، أستاذ مساعد، رئيس قسم الدراسات الإنسانية؛ مجاميد دادُوييف/ دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية، كبير باحثي معهد البحوث العلمية (غروزني- روسيا)، فيقولون*: "إن دراسة المسائل المتعلقة بنفي الشعوب، وكذلك إعادة اعتبارها لم تُستَكمَل بعد. ولا بد من تنشيط أعمال العلماء، واستخدام أساليب حديثة، ووضع حلول لمسائل عملية محدَّدة، تهدف إلى حماية الشعوب في المستقبل من مآسي مشابهة. ويجب معرفة كل الحقيقة عن نفي الشعوب، وتفهّم ما يتمخض عنها من عواقب".
وعلى لسانهم أيضا: "من المهم توحيد جهود أجهزة السلطة، في الأقاليم والاتحاد عموما، والمنظمات الاجتماعية، والعلماء، من أجل الوصول إلى تقارب راسخ، وتعزيز الوحدة، وتطوير العلاقات المتسامحة بين شعوب وديانات وثقافات روسيا الاتحادية".
ويتابع علماؤنا، قائلين: "ومن الضروري تعميق الأسس المدنية والديمقراطية للعلاقات بين القوميات، والمهمة لدرجة كبيرة لوحدة وتقارب عامة الشعوب. ويجب الاعتراف، بأن في جمهورية الشيشان اليوم، وفي شمال القوقاز، وفي البلاد كلها تجري تغيرات اجتماعية- اقتصادية و روحية - ثقافية إيجابية، تُوطّدُ قواعدَ لنمو وازدهار ناجح بين مختلف قوميات وثقافات شعوب روسيا الاتحادية".
إن هذا التطور، حسب واخيت أكاييف ورفاقه كان سيسير بخطى أنجح، لو أن الدولة والمجتمع قاموا بتلاحمهم معا بتحقيق الأمور التالية:
1) إدانة شديدة للتصاريح (على أي مستوى كان) القادرة على زيادة حدة التوتر والاستفزاز وبث الفرقة بين القوميات، وتقويض وحدة شعوب روسيا الاتحادية.
2) دراسة عميقة وموضوعية لـما يسمى بالبقع البيضاء للتاريخ، ومن ضمنها كذلك الأوجه الإقليمية.
3) المراقبة الدورية لما يتم نشره ويلقي الضوء على ما يخص القوميات.
4) إجراءات مخصوصة على المستويين الاتحادي والمحلي تتناول الدعم المادي والمعنوي الموجه للشعوب المنفية.
5) إنشاء نصب ومجمع تذكاري في مركز كل عاصمة من عواصم الجمهوريات التي تم نفي شعوبها.
إذا، فمن أي منطلق نحن من هنا (من أي مكان خارج جمهورية الشيشان) منطلقون؟! هل هو قائم على أساس محدد أو دراسة موضوعية؟! هل يتفق وتطلعات شعبنا على أرضه؟! أم نحن أكثر منهم دراية لتحقيق طموحات جمهورية الشيشان! ألا يستدعي هذا شيئا من التفكر والتأمل؟!
إن إيصال صوتنا للعالم، يحتاج إلى نظرة دقيقة وصائبة، دائما، تراعي المصلحة الشيشانية من هُوية ووجود وكيان، والذي برأيي لن يتحقق إلاّ بالتعاون والتفاهم مع الجار الكبير روسيا الاتحادية.
-----------------------------------------------------------------------------
* نفي الشعب الشيشاني/ معهد الدراسات الاستراتيجية للقوقاز/ القوقاز والعولمة. مجلة الدراسات الاجتماعية- السياسية والاقتصادية، الجزء الثامن، الإصدار 1-2، 2014، CA&CC Press








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع