الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالم اللادينيين الحالم

سمر محسن

2016 / 3 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الملحد أو اللاديني أو حتى الربوبي هو شخص أما كان مشككاً بالدين منذ الصغر وغير متقبل لتناقضاته وغير مرتاح لنمط التلقين الذي يُطبق عليه لدرجة جعلته يقرأ ويسمع ويتفحص بعمق بنفسه حتى تأكد من صدق شكوكه، أو هو شخص تعمق بالدين لدرجة إستطاع بعدها رؤية حقيقته وبشاعته وأدرك إنه كان موهوماً ومُستغفلاً من قبل منظومة واسعة تشمل رجال الدين وجلاوزتهم من المستفيدين من الدين والذين يستمرون بقيادة عامة الشعب الجاهل المُتبِع لنهج (هذا ما وجدنا عليه إباؤنا)، وبكلتا الحالتين اللاديني توصل إلى حقيقة إن دينه كان أكذوبة ولإنه مُبصِر وذكي إستطاع رؤيتها، ولكن ماذا بعد الإلحاد أو اللادينية؟
بعض اللادينين وربما غالبيتهم سيشعرون براحة نفسية كبيرة بعد أن تخلصوا من عبادة ذلك الإله السادي الغامض الغاضب الغير راضٍ مهما بذلوا من جهود لكسب رضاؤه، وبعضهم سيشعر بغضب لضياع جهوده وتعبه لمدة سنين وهو يحاول إرضاء ربه بينما كان يرضي رجال الدين ويزيدهم سطوة وثروات على حساب راحته الشخصية.
ولكن سواءاً كان الشعور الذي يلي اللادينية هو فرح أو غضب سيليهما بالتأكيد رغبة عارمة بالحياة والتعويض عما فات والإستمتاع بهذهِ الحياة من بعد حرمان عظيم، فنجده يستمتع بيومه ويشعر بالغبطة لأبسط الأمور مثل إدراكه بعدم حاجته إلى إداء بعض الحركات الرياضية من سجود وركوع وتلاوة بعض الكلمات التي لا تنفع في حاضرنا شيئاً والدعاء لإله أصم، مجرد إدراكه بأنه غير محتاج لإداء هذه المهزلة التي لم تنفعه يوماً والمسماة (صلاة) سيجلب له راحة نفسية، وسيبدأ برؤية الأمور من منظار الإنسانية، مثل إنه لا يجب عليّ ضرب المرأة حتى لو كانت زوجتي فهذا ليس بحق لي كما قال لي الإسلام مهما أشتد عنادها ونقاشها معي، بل يجب أن أعاملها كإنسان سوي متساوٍ معي بالقدرة الذهنية فهي ليست ناقصة عقل.
وكذلك المرأة اللادينية ستفرح بفهمها إنه لم يتم ظلمها من خالقها فهي ليست مُبطِلة للصلاة كالكلب والحمار والغائط وإنها ليست بعورة واجبها إرتداء الحجاب وإلا عُلِقت من شعرها وأثدائها بالآخرة لكون رجل أحمق نظر إليها وإشتهاها.
كما ويجب عليّ أن لا أتدخل في خصوصيات الآخرين بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب عليّ أن لا أعادي اليهود وغيرهم لمجرد أن القرآن وصفهم بالقردة والخنازير وغيره.
يجب عليّ أن أطور وأبني نفسي ولا أضيع حياتي بالدعاء على من ظلمني وتمني النار له والإتكال على ربي بحجة كونه سيأخذ حقي في الآخرة بل يجب أن أعدّل من قوانين دولتي كي إخذ حقي بيدي ولا أسمح للظالم بأن يظلم من الأساس، يجب أن أفهم بأني كلما كددت وتعبت سأنال ما يرضيني ولن ينفعني بعض الصلوات والكلمات والإستغفارات بحجة أنها سترضي غرور الله ويعطيني ما لا أستحقه لمجرد كوني دغدغت عظمته بعبادتي له.
الكثير والكثير من المفاهيم ستبدأ بالتغيّر والنضوج داخل عقل اللاديني، فهو كطفل تم حبسه في غرفة مظلمة لسنين وإقناعه بأن هذهِ الغرفة هي ملجأه الآمن وإن خرج ستنال منه الوحوش، ولكن ولحسن حظه كان شجاعاً وقرر الخروج وصُدِم بروعة الألوان والحياة المدنية والتطور الإنساني الذي كان محروماً منه.
ولكن هذهِ المفاهيم الجديدة وهذهِ الرغبة القوية بعيش الحياة والتي قد يفكر اللاديني بوهبها لناسه المقربين إلى قلبه لكونه يحب لهم أن يعوا مثلما وعى هو سترتطم بحائط كونكريتي عظيم سببه إستمرارية وجود تلك المنظومة الدينية القوية التي كان يغوص في ظلامها لسنين فرغم كونه قد تحرر فكرياً منها ولكنه مازال يعيش بين معتنقيها والذين هم بالحقيقة جنود مطيعون حد العمى تم تدريبهم منذ الصغر على رفض وإضطهاد وحتى قتل كل من يخرج عن عقيدتهم، كيف سيعيش وسط هؤلاء؟ كيف سيستمتع بحياته وسط الحرام والعيب واللازم والمفروض؟
على هذا اللاديني أن لا يستهين أبداً بقوة هذه المنظومة ويستهتر، فرغم كونها عارية عن الصحة والمنطق ولكنها تستمر بقوة الكثرة، تستمر بآيات الترهيب والتهديد لكل من يفكر تركها تستمر بقوة تلك الفتاوى التي يُصدرها رجال الدين وتسمعها الملايين من تابعيهم كي يقمعوا جماح معارضيهم, ومثلما هو معروف فالعدد يغلب الشجاعة.
كحال ذلك الشاب الذي أراد الدفاع عن فتاة يتم التحرش بها أو ضربها من قبل عشرة شباب، فقاموا بضربه وإسالة دمه هو الآخر لكونهم يفوقوه عدداً ولم تنفعه شجاعته.
يتباهى المتدين بعدد معتنقي دينه وينسى إن هذهِ الكثرة جاءت بسبب التلقين والبرمجة، كأن يتم التكبير وقول الشهادتين في آذانهم اليسرى واليمنى بعد دقائق من ولادتهم أو يتم تعميدهم وغيره، هذهِ الجموع الغفيرة لم يختاروا ديانتهم بأنفسهم عن طواعية وفهم وبحث.
وسط هذهِ القيود والكثرة العددية الغالبة والتي تكبل اللاديني وتمنعه من عيش حياته مثلما يريد, سيبدأ اللاديني بمحاولته لنشر فكره وتبيان كل الأمور التي أدت إلى لادينيته عسى ولعل أن يستنير به بعض النائمين فيكسبوا حياتهم ويكسب هو حريته بتغييره للفكر العام، وطبعاً سيبدأ حملته هذهِ مع محاولته قدر الإمكان عدم تعريض حياته للخطر، وغالباً سيلجأ للكتابة في صفحات التواصل الإجتماعي والمنتديات وغيرها، وستجيئه نتيجة لذلك مختلف أنواع المسبات والشتائم والتهديد بالقتل والدعوى باللعنات والسخط من معتنقي تلك المنظومة, ولكونه إنسان له من الطاقة والصبر قدرة بشرية محدودة سنجده يخرج عن طوره أحياناً ويقوم برد الصاع صاعين والسباب على من يسبه ويبدأ بحذف من يختلف عنه فكرياً ويتجنبهم وهو يقول (طبكم مرض فهمتو او ما فهمتو = لا يهمني إن فهمتوا أو لم تفهموا), وسيدخل في فترة يائسة وهو يشعر باللاجدوى, قد تطول وقد تقصر على حسب شخصيته, ولكونه لازال مقيداً بالفكر العام ولكونه لا يستطيع عيش حياته مثلما يريد سيعاود الكرة ويعود لمحاولة إفهام الآخرين وإزالة غمامة الدين عن عيونهم, وتتوالى الحماسة وخيبات الأمل في حياة اللاديني الذي يعيش وسط تلك الكثرة, ومن بين مئات المعارضين يخرج له شخص يشكره ويقول (لقد أدركت حقيقة الدين على يديك فشكراً لجعلي أصحو من نومي), حينها يشعر اللاديني بالفرح والسرور والأمل, وينسى إنه في تلك اللحظة التي تم شكره بها من شخص واحد ترك الدين قد ولِد العشرات أو ربما المئات من الأطفال لتلك الكثرة الغالبة الذين مازالوا يتبعون الدين وتم التكبير والتأذين في آذانهم وتجنيدهم لدحره هو وغيره!
ولهذا أسميتُ مقالي هذا بعالم اللادينيين الحالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا