الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرام النوعي للحارس والسجين

محمد لفته محل

2016 / 3 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقترن السجن في بالنا بعصيان الحكومة وبالتعذيب الذي يمارس به، والمسجون تكون سمعته سيئة غالبا وتبقى حادثة سجنه ملصقة به، وللسجن قيمة رجولية لان السجن للرجال كما يقال، وهي نزعة بدوية في رفض الانقياد للحكومة، وقد يفتخر بالسجن الأشقياء للدلالة على صلفهم وجرأتهم حتى يرهبوا بها أعدائهم، ثم تطورت وأصبح السجين السياسي دلالة على شجاعة الشخص في مواجهة طغيان الحكومة، أما سجن المرأة فهو تشويه لسمعتها اي كان السبب وهو يتناقض مع القيم العربية التي تعفي المرأة من العقوبة القانونية، وربما هذا الرفض نابع من اختلاف الأدوار الجنسية التي تجعل السجن للرجال فقط؟ والسجين حين يفرج عنه تقوم الناس بزيارته تبارك له مع تقديم الهدايا.
إن السجان غالبا ما يكون قاسي في التعامل مع النزيل وهذه صورة نمطية ربما نشأت عن الاستبداد السياسي في مجتمع لم تتجذر فيه ثقافة حقوق الإنسان ويماهي بالأدوار بين السلطة والتسلط، لذلك يرتدي السجان الزي العسكري رغم أن وزارته (العدل) مدنية! بحجة أن لها (هيبة) ويسخر من الزي الرسمي المدني للحراس فهو يتصرف وفق الحياة العسكرية مع النزلاء من ضرب وعقوبات وشتم الخ، والنزيل في ذهن السجان إنسان سيء، لعوب، ماكر، ولا يجب التهاون معه (ما أنطي مجال حتى لاتطلع عينه) لان العلاقة بينهم هي علاقة السيد بالعبد، والنزيل يلتزم الأدب والمجاملة لكسب ود الحارس الذي يعتبر مهنته قذرة لأنه يخالط النزلاء (أولاد الحرام) الذين يعتبرهم حثالة المجتمع فيكون نجسا مثلهم،(من عاشر قوم السوء أربعين يوما صار منهم) فينظر إلى مهنته بدونية واحتقار ويردد عبارة (إحنا سجانة، بايعين ومخلصين) أي عاشرنا كل المجرمين وجربنا ألاعيبهم وحيلهم، ويعتبرون عائلته قد تكون مثله غير منضبطة لان السجين (عرضه ﺻ-;-ﮕ-;-ط) وهذا راجع للنظرية الوراثية للمجتمع العراقي التي تعتبر الأصل هو من يورث كل الصفات السلبية والايجابية لخلفه فنقوم بشتم الأب دائما حين نرى إنسانا سيئ الأخلاق(1). فيقوم الحارس بالتحرش بنساء أفراد عائلته (النزيل) إذا وجد فرصة أثناء الزيارة، وهذا تبريره ليكون فاسدا، أما النزلاء فيتضخم لديهم الشعور بالذنب وتتسلط عليهم الأنا الأعلى، غير أن الأنا لا يستسلم بهذه السهولة فهي ستبرر السجن بأنه اختبار من الله على ذنب قديم أو كي يراجع نفسه أو يحميه من شر، وانه برئ من هذه التهمة المظلوم فيها، وهذا ذاته قد يكون عقابا على ظلم اقترفه، بالتالي السجن فرصة ليتوب الإنسان وليتطهر بالعبادة والندم، أو قد يكون السجن حماية من انفجار بالشارع! غير أن السجن كمكان للمجرمين أي أولاد الحرام (بمنطق المجتمع) يجعل النزيل نجسا كونه يخالط مرتكبين الحرام، والحرام في فرضية الحرام النوعي سلوك يحول تصنيف الإنسان إلى حيوان نجس وملعون، وللحرام قدرة على الانتقال بين الأفراد كالعدوى إذ ينتقل باللمس والأكل والكلام فيتنجس الإنسان، والنجاسة تدفع الإنسان لارتكاب الحرام إذا لم يتطهر، فينقسم النزلاء إلى قسمين قسم يبتعد عن مخالطة النزلاء ويتوجه للعبادة كالصلاة وقراءة القرآن والدعاء وكما قال احدهم (هم مسجون وهم ما صوم)، أي يستعيد طهارته، وقسم يعاشر النزلاء ويتنجس مثلهم فيرتكب كل المحرمات من لواط وتعاطي الحبوب المخدرة (كبسلة) وضرب الآخرين بالأمواس والاعتداء والسرقة، فكونه مسجون فلا عقاب عليه أسوأ من السجن، وبهذا فهو ليس لديه ما يخسره، وبما انه نجس فلا عتب ولا حرج عليه، بل هو ما متوقع منه. وهذا وكون العقاب ذاته وسيلة للتطهر أي بما أن العقاب هو قصاص على ذنب ارتكبه، فهو قد وفى ما عليه من دين (ذنب أو جرم)،
إن البناء الاجتماعي للسجن قائم على التكتل وفق نظام المحافظات والداشية، حيث تتكتل الجماعة في لحظات القتال الجماعي بحسب الحافظات (جماعة بغداد في مواجهة جماعة الحلة مثلا) أما في أوقات العادية فإن الروابط تكون على أساس (الزاد والملح) التي تسمى (داشية=مجموعة نزلاء تأكل وتشرب سوية) وهذا النظام الاجتماعي ما هو إلا تكيف مع الوضع الجديد بالسجن الذي تكون قراراته الرسمية لا تفي بالحد الأدنى لسلامة النزلاء من بعضهم البعض وتنظيم علاقاتهم بينهم بما يضمن السلم والضبط والعدل، أو ضمان حقوقهم المعيشية والصحية والنفسية، حيث هناك شيوخ (راس=رأس) تتولى حل المشاكل بين النزلاء أشبه بشيوخ العشائر لها الكلمة الفصل بالموضوع، وهذا النظام كونه غير رسمي يتصف بالسرية واللغة المرمزة المشفرة التي لا يفهمها الحراس لضمان استمرارية النظام الجماعي. وفيما يلي مفردات مرمزة من عالم السجن.
سابقلي: وتعني أن صاحبها قد دخل السجن عدة مرات.
أبو حبسه: يعرف بأمور السجن.
يخصني: صديقي أو أبن ولايتي.
ﭼ-;-اقة: أخذت منه شيئ أو مشيته عليه (خداع).
فتوى: فصل أو جلسة لحل المشكلة.
طابع عندي: واحد يحب واحد (خاله براسه) كما يقال بلغة السجن.
جرو: شخص لوطي.
باكة: حركة غدر المراد بها ضرب خصم.
تجحيش: ضرب خصم بالنعال على الرأس.
بندرﭼ-;-ﻲ-;-: يبيع الحبوب المخدرة.
فلاح: يبيع حبوب ليست له.
عنصرية: التمسك بأبن الولاية أو الداشية.
عنقرﭼ-;-ﻲ-;-: استغلال شخص بمقابل أو بدون مقابل أو استصغاره.
عنقرة: منفضة أو مكان للأوساخ.
بدّل: أبو وجهين.
راس: شخص يمثل كبير المحافظة.
وكيل أو بازوف: جاسوس على النزلاء لدائرة الإصلاح.
طرقة: شريط من النايلون اسطواني بحجم السيجارة يحمل 10حبات مخدرة (كبسلة).
تك: حبة مخدرة واحدة.
شخص مضمام: يقوم بإخفاء الممنوعات.
ابن دعوى: شريك في الدعوى المسجون بها.
الحلو مالته: المستخنث الذي يكون خاص بكبير الرأس.
محبابش: شاذان جنسيان بنفس العمر.
راجع يمي: اللوطي (الحلو) خاصتي.
لورنس: يعرف كل أمور السجن.
مضارب: العراك بالآلات الجارحة أو باليد.
جندي: دفع واحد لضرب شخص آخر.
لاتشلع وراية: لا تتكلم خلف ظهري بالسوء.
يشخص: ينظر إليه بتمعن وتركيز.
عليوي: أي شيء بلا قيمة.
بسمار: إشارة لدخول الحراس للزنزانة وتغيير الحديث بين النزلاء.
كانه: أي شيء عائد لدائرة الإصلاح.
أن السجن كونه مؤسسة مخولة برفع التصنيف النوعي بين الإنسان والحيوان وضعتها الجماعة لضبط السلوك، وكون السجن يشبه قفص الحيوان هي تطبيق فعلي لرفع التصنيف النوعي. فمن الطبيعي أن يعود أفرادها إلى حالة المجتمع البدائي الحيواني حين يقودهم ذكر قوي يسيطر على بقية المجموعة وهذا الذكر القوي يسمى بالسجن (سرسري) أي الشقي، وهو لا يقمع فقط بل يدافع كما يدافع الذكر الحيواني عن قطيعه (الداشية) لذلك يحبه السجناء ويخافوه بنفس الوقت، لكن الإنسان كونه في مكان للحيونة (السجن) يسعى لنيل الطهارة لعودته لإنسانيته وهذا ما يفعله التدين والابتعاد عن الاختلاط بالبقية حتى لا يتنجس منهم.
ـــــــــــــــ
1_استفضت في شرح الموضوع في مقالي (النظرية الشجرية للبشر في المجتمع العراقي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ