الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعريف الامبريقى للقيمة

رمضان الصباغ

2016 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التعريف الامبريقى للقيمة
وليمون هنرى شنايدر
ترجمة د. رمضان الصباغ

مامعنى القيمة ، وما الدور الذى تلعبه القيمة فى العالم الحقيقى ؟
هذا هو السؤال الذى تسعى الفلسفة للاجابة عليه تحت عنوان نظرية القيم أو الاكسيولوجيا .ولقد قدمت أجوبة متنوعة ومتناقضة – كما هو الحال – فى معظم المشكلات الفلسفية . الحلقات التى نشأت فى الانطولوجيا قد انتقلت الى مجال الاكسيولوجيا .
ففى احدى وجهات النظر من يعتربها خاصية غير قابلة للنعريف الموضوعى ، ولا علاقة لها بالعالم الحالى ، فى حين أن وجهة نظر أخرى تعتقد بأن كل القيم تعتمد على الشعور بها من قبل شخص ما ، وأن وجهتى نظر أخريين تنكران على الأقل احدى هاتين الوجهتين ، بالاضافة الى انكار كل منهما للأخرى ؛ ولكن تتفقان على أن القيمة تعد مقولة نهائية اكثر من الحقيقة ، وتعرفان الحقيقة بمصطلحات القيمة : وهى النظريات الوسيلية والفيختية "1".
وما زال هناك من يعارض موقف " رويس " القائل بأن القيمة هى موضوع تقدير وليست موضوع تعريف ، ورأى " بوزانكيت " الذى رفض فصل القيمة عن العقلانية والحقيقة حتى لا يكاد يميز بينهما . هذه ببساطة الواقعية الحديثة ، والذاتية ، والارادية والبراجماتية ، ووجهات النظر المثالية مطبقة على هذه المشكلة الخاصة بالذات .
اذا كان فى مجال الانطولوجيا انعدم الاتفاق بين المختصين ، فان ما كان عندهم نراه بالكاد هنا ( عند دارسى القيم ) . وهكذا منذ البدء يبدو من المستحيل أن نضع بعين الاعتبار القيمة التى تلقى أدنى احتمال للقبول العام .
فى مثل هذه الحالة يكون من واجبنا البحث عن أسباب الخلاف . فاذا درسنا تفسيرات القيمة المعروضة يتضح أن أيا منها لا يتضمن أو يقوم على تعريف لا لبس فيه ، وغير دائرى . على سبيل المثال ، نفترض أن القيمة تم تعريفها بمصطلحات الذاتية ، باعتبارها – دعنا نقول – مانحة للمتعة . هذا ليس تعريفا حقيقيا لأنه لا يضع فى اعتباره القيمة ( النفاسة valuableness ) .
لماذا يجب على المتعة اضفاء القيمة ؟ . من الواضح بما فيه الكفاية أن هنا تكمن الحلقة المفرغة . او لنفترض ان القيمة هى كل ما ينمى الحياة . قد يكون هذا التصريح صحيحا ، الاانه لا يحدد أى مبرربالنسبة للخير ، وفيما يتعلق ب "لماذا يجب أن يكون نمو الحياة خيرا "؟ . يجوز تقديم انتقاد مماثل لوجهات النظر التى تجعل القيمة أولية وتعرفها بمصطلحات القيمة .
فهى لا تزيد معرفتنا بما تكون عليه القيمة ؛ بل انها تتخلى عن المشكلة الحقيقية بالجهر بمقولة عدم القابلية للتعريف .فأولئك الذين يزعمون عدم القابلية للتعريف – مع ذلك – وبقدر ما أمكننى معرفته ، لا يقدمون أية محاولة جذرية ( معمقة ) للنظر فى جميع هذه التعريفات الممكنة . هذه، وبشكل عام ، لا يمكن اثبات مصطلح عدم القابلية للتعريف المفترض ؛ هذا النفى الشامل يمكنه فقط ان يسمح بالاستقراء .
يمكننا القول انه فى الغالب لايوجد تعريف محدد كاف . وحيث لاوجود لمصطلح كاف فان الصراع يندلع بسبب الحرية فى التفسير التى تعد بلا قيود بدرجة أكثر او اقل . والطريقة الوحيدة للتعامل مع هذا الوضع هى المزيد من البحث ، حتى نستطيع تقديم تعريف غير دائرى وايجابى . ولهذا ليست هناك طريقة مرضية ، بل تعقب البنية المشتركة لكل الموضوعات ذات القيمة المعروفة لخبراتنا ، اى معالجة القيمة باعتبارها " شاملة وملموسة " بدلا من اعتبارها مجردة ، والحصول على تعريف القيم الموجودة فى حالات محددة . من هذا التعريف وحده نتعلم شيئا عن وضع القيمة فى الحقيقة .
مما لاشك فيه ، من العبث محاولة بحث مشكلة بهذا الحجم والأهمية فى مقال مختصر الى حد ما . يمكن فحسب تقديم نوع غير سلس لرسم تخطيطى مع العديد من الثغرات فى الأدلة . وينبغى أن تكون المقالة الأولى فى هذا الاتجاه ناقصة ، ولكن دعنا نأمل فى أن اخطاءنا سيتم تصحيحها ، وتكون قد أشارت الى طريق مزيد من النتائج .
الموضوعات التى تعد ذات قيمة جيدة أو سيئة ، وتستحق الموافقة او الرفض ، من المسلم به عموما أنها تنتمى الى فئة من الفئات الست التالية :
( 1 ) تلك التى تلبى بشكل مباشر ميل احساس غريزى للكائن الحى . ( 2 ) السلع الاقتصادية . ( 3 ) القيم الجمالية والموضوع الجميل . ( 4 ) السلوك الأخلاقى . ( 5 ) الموضوعات الدينية . ( 6 ) القيم الثقافية ( العقلانية ) . يختلف هذا التصنيف مع وجهة نظر " اربان " ، على الرغم من أنه ليس – فيما اعتقد – مختلفا معها ، فتحليلها ( اى من وجهة نظر اربان ) سيكولوجية ووراثية او تاريخية ، فى حين ان وجهة نظرنا موضوعية وليست سيكولوجية ، وتتبع مخطط " ج. فونسجريف G. Fonsegrive ""2" . دعونا نتأمل هذه الفئات فيما يلى :
( 1 ) تحتوى الفئة الأولى فى معظم الأحوال موضوعات المتعة الحسية ، وتعتمد فى قيمتها للوهلة الأولى على بعض الكائنات الحية .ونحن قد نقول – الى حد ما – بان المتعة تشير ضمنا الى ما يعد طبيعيا ، ويتم اداؤها دون عوائق للكائن الحى . فاذا كانت قيمة هذه الموضوعات تكمن فى المتعة التى تقدمها ، حينئذ تكمن قيمتها فى حقيقة أنها تسهم فى الاداء الطبيعى دون عوائق للكائن الحى .
مثل هذا السلوك الخاص بالكائن الحى يعد جزءا أساسيا من حياته المتواصلة . تعريف الحياة لم يقدم بعد من قبل البيولوجيا ، ولكن تم الاتفاق على بعض خصائصها ، واحدى هذه الخصائص هى أن الكائن الحى يميل الى تمديد حياته الخاصة واطالتها . وان الكائن الحى يميل الى تكريس الطبيعى بالنسبة له ، والعمل دون عوائق .
عندما تتحقق موضوعات الرغبة الحسية تساعد على انجاز هذا الاتجاه . وعندما يعيها الكائن الحى ، فانه يشعر أنها خير ( واذا كانت تميل الى الالم والاحباط ، فانها تعد سيئة ) وحتى لو لم يكن واعيا ، باعتبار أنه ربما ربما بعض الكائنات الأدنى لا تعى ، وأى موضوع يدل على رد الفعل المتفق مع ميل هذا الكائن يعد خيرا لهذا الكائن . ماتبتلعه الاميبا يعد خيرا للاميبا ، على الرغم من أن الاميبا لا تستغرق فى البهجة الواعية بذلك . الكيفية المحددة لهذا النوع من القيمة تكمن فى تحقيق الميل الأساسى المحدد المتوطن فى الكائن الحى .
( 2 ) القيم الاقتصادية ؛ فى مجال الاقتصاد ، القيمة هى فقط القدرة على السيطرة على الأشياء المرغوبة للاخرين فى التبادل السلمى والطوعى . وتتميز القيمة عن الفائدة . فهذه الأخيرة – الفائدة – لها نوع معين من القيمة لأنها مفيدة لمن يريدها ، الا أنها مفيدة فحسب لأنها مطلوبة ، وليس باعتبارها قوة فى التبادل مع منافع الآخرين .
من هنا تأتى الفائدة ضمن الفئة الأولى من القيم " قيم حالة " ، فى حين أن القيمة كما تستخدم فى الأشكال الاقتصادية تعد نوعا مميزا ، نظرا لامكانية تبادلها مع ممتلكيها . ويوجد الآن اثنان من القوانين ينطبقان على القيمة فى هذا المجال – قانون بداية ( عتبة ) القيمة ، وقانون القيم المتناقصة . وهما قانونان هامان ، على الرغم من أنهما يبدوان – مع ذلك – غير جوهريين بالنسبة لأهدافنا .
ينص قانون البداية على أن هناك قدرا معينا أقل ، وكمية كبيرة من سلعة معينة ، تختفى بعدها القيمة .كما أثبت " اربان " هذا قانون سيكولوجى خالص وبسيط ، يشبه قوانين " فيبر " "3"و " فخته " وينطبق على الفائدة كما ينطبق على القيمة . و " هذا المبدأ يعبر عن حقيقة أن قوة الموضوع لمناداة الشعور بالقيمة لا تعتمد على الموضوع وحده ، بل تعتمد على الشعور أو الميل الفطرى للذات أيضا ..
المفاهيم المألوفة عن الحد الادنى و " المنفعة الحدية " ، والمجال الكامل لهذا القانون ، تشكل حينئذ جزءا من التفرقة بين القيم . ويمكن قول الشىء ذاته عن قانون القيم المتناقضة . فهو أيضا لديه أصل سيكولوجى على الرغم من عدم اختزاله الى مصطلحى التحفيز والحساسية . " انها. ظاهرة الحد من القدرة على الحكم بدلا من القدرة على التحفيز " . ليس لأن القيم الاقتصادية قيما ، وليست منافع ( فوائد ) ، وان هذه القوانين مسيطرة ، ولكن لأنها مثل قيم المنفعة ، ذات صلة بالتقدير الانسانى . من ثم ما الفرق الايجابى للقيم الاقتصادية ؟ .
احدى الخصائص المحددة للقيمة هى امكانية التبادل ، وخاصية أخرى هى أن القيمة تعد دالة على الندرة . فوجود القليل من الذهب يعد الأعظم قيمة ، فاذا وجدت كمية لا نهائية منه يصير بلا قيمة . بعبارة اخرى توجد القيمة فقط عندما تكون كمية السلعة ذات القيمة محدودة ، واذا كانت محدودة جدا ، كانت قيمتها أكبر ( وتصل الى العتبة السيكولوجية ) .
واذا استدعينا المقارنة لمساعدتنا على تفسير هذه الحقيقة ، فان هذا مثل ضغط الغاز . والذى يوجد فحسب عندما يكون الغاز حبيسا ويزداد عندما يتقلص حجمه . فى الواقع التشابه بين القيمة وضغط الغاز بالأحرى هو الأقرب . اذا كان كتابا معينا ذا قيمة كبيرة بالنسبة لى ، وأنا على استعداد لدفع أعلى سعر بالنسبة له ، فانه يزيح من حافظة نقودى مبلغا من المال يتناسب مع قيمته .
وبالتالى فان حجم الغاز يقاس بكمية الكتلة المزاحة . مرة أخرى كما يعنى ضغط الغاز الميل الى التوسع واحتلال مساحة تشغلها بعض الموضوعات المادية ، كذلك فان القيمة الاقتصادية لسلعة ما تعنى الميل الى اتخاذ المكان عن طريق الشراء أو التبادل مع السلع الأخرى . حقيقة ان هذه السلعة التى تعد قيمتها مطلوبة من قبل شخص ما مما يجعل هذا الميل ليس مجرد شكل من الكلام ، بل ميلا سيكولوجيا ، أو حتى ماديا ، وحقيقة .
حينئذ تبدو القيمة هنا تعنى احتمالا حقيقيا أو ميلا حقيقيا للموضوع الاقتصادى فى المستقبل ، من خلال الاستبدال بموضوع آخر فى حوزة شحص يرغب فى ذلك . اذا كان كل شخص لديه هذه السلعة ، وان لم تكن هناك ندرة ، فلا يمكن أن تكون هناك رغبة او ميلا ، لانهما متحققان فعلا ، ولا وجود لهما ؛ وبالتالى تعد الندرة ضرورية للقيمة .
ويترتب على ذلك الان ان القيم الاقتصادية تميل الى أمربن : تميل الى تحسين حياة المشترى المحتمل بتحقيق رغباته ، وتميل الى اثراء الحياة الاقتصادية للجميع من خلال تشجيع التجارة . الميل الأول ليس غريبا على القيمة ، فالمنافع تفعل نفس الشىء ، اما الميل الثانى فيعد غريبا على القيمة ، ويجب ان يشكل نتيجة نحن نبحث عنها .
للسلع قيمة اقتصادية لانها تميل الى التبادل ، وبالتالى ترسخ وتنعش الحياة الاقتصادية فى المجتمع . فتصبح من وجهة نظر الحياة الاقتصادية خيرا لاسهامها فى هذه الحياة . هذه النتيجة تعد مماثلة لتلك التى وصلنا اليها من دراسة الفئة الاولى ، والبسيطة ، و" قيم الحالة " . فقيمة الموضوع ذى القيمة تتمثل فى المساهمة فى النزعة القائمة بالفعل ، ومجموعة من الميول .
( 3 ) القيم الجمالية أو الموضوعات الجميلة . تعد مشكلة تعريف الجمال المشكلة الأصعب للغاية ، ويوجد حل مقبول عموما . فهناك مع ذلك ، بعض السمات الراسخة عن الجمال ،ويجب علينا العمل ببساطة بكل ما فى وسعنا مع هذه السمات . تبدو الموضوعات الجميلة فى نوعين ، وتميز تقريبا باعتبارها كلاسيكية ورومانتيكية . الاول – الكلاسيكى – لديه جمال الشكل والبنية ، ويتم عرض عناصره فى انسجام واقتصاد ،او فى عبارة ذات مغزى اكبر من السذاجة ، والوحدة والتنوع . كان هذا هو النمط الأكثر اثارة للاعجاب فى العصور الكلاسيكية القديمة .
الثانى ؛ الجمال الرومانتيكى ، يمكن تعريفه على أنه يؤكد على أهمية فكرة التعبير ، التعبير عن كل ماتتضمنه الحياة بشكل عام ، وهذا يعنى فى مفهوم هذه الخاصية ؛ " انها مصاحبة للرغبة فى التحرر والتعبير العاطفى " . هذا الفن الحديث بصفة خاصة ، مرتبط بالاهتمام الحديث بالشخصية ، والانسان والذاتية عموما . وحافز اللعب ، " والاسايب مماثلة " ، والخيال والحرية ، وتعبيرات من هذا النوع .
تتصل الفئتان نوعا ما بما هو ثابت وديناميكى . ولا يقتصر التمييز على الأعمال الفنية ، بل يمتد الى الموضوعات الطبيعية أيضا . فالجمال البشرى – على سبيل المثال – كما رآه افلاطون ، ينقسم بشكل تقريبى الى نوعين : الجمال الانثوى ، وهو بشكل رئيسى ثابت ، وجمال الاسترخاء ، وتماثل التكوين ؛ اما الجمال الذكورى فيعد بالاحرى ديناميكيا ، وتعبيرا نشطا عن الفعالية الداخلية فى الافعال والمروءة . دعونا ننظر الآن فى طبيعة كل نوع .
تبدو الوحدة فى التنوع على أنها من أكثر العبارات عديمة المعنى . فكومة من الحصى لديها وحدة ، وتكون كومة واحدة ، ومتنوعة ، وتوجد بها حصوات عديدة من مختلف الاحجام والأشكال ، ولكنها ليست جميلة . مع ذلك ، فهذه ليست وحدة فى التنوع . بل وحدة وتنوع . حرف الجر ( فى ) يدل على أن الكل يتضمن الآخر . القضية الصحيحة ستكون واحدة حيث ان كل عنصر محدد يساهم بشكل واضح فى الوجود وطبيعة الدعم المتبادل والمساهمة المميزان للنمط الكلاسيكى .
على الرغم من ثبات النوع ، الا أنه ليس خاملا ، ولكل عنصر تأثير ايجابى ومتميز عن العناصر الأخرى . كما هو الحال فى علم توازن السكون فهو لا يعنى مجرد غياب الحركة ، بل بالاحرى توازن الضغوط والتجاذبات والتنافرات ؛ حتى من ثم يكون الشىء أكثر مما لو كان ديناميكيا . ونحن قد نشيد بهذه الحقيقة لهؤلاء الفلاسفة الذين يميلون الى ادانة الثابت باعتباره لاحياة فبه وعقيما ، وبذلك يستخدمون" الثابت المطلق " كمصطلح لوم رافضين الاعتقاد فى المؤثرات أو اى شىء سوى المنهج .
المذهب القديم للسكون كان فى الواقع ، بعيدا عن كونه نصيحة للموت . الآن هو فى الدعامة المشتركة التى نجد السبيل الى وصفها بالقيمة . كل جزء فى الموضوع الجمالى متضمن من قبل كل الأجزاء الاخرى ، وبالتالى تحقيق المعنى الذى تميل الأجزاء الأخرى الى التعبير عنه ، ولكن لا يمكن فى حد ذاتها التعبير بشكل كامل.
كل موضوع يعد تحقيقا للميول الكامنة فى كل اجزائه ، من وجهة نظر تلك الأجزاء ، ومن ثم ،يكون الموضوع لديه قيمة أو قيما . هذا يماثل النتيجة التى تم الحصول عليها فى القيم الاقتصادية والقيم الحسية . ولكن بما ان القيمة هنا كلية بين جميع أجزاء الموضوع الخاصة ، فانها تصبح جوهرية وجمال الموضوع الجميل يكمن بشكل كلى داخل ذاته . وبالتالى فهو مستقل عن الملاحظ الخاص للنتائج العملية او الميل المجرد .
يبدو الجمال الرومانتيكى مختلف تماما . التحديد المتبادل لجزء بجزء ، مثلما فى التمثال او اللوحة ، يخضع الى " التعبير العاطفى " . وعلى النقيض من ذلك مشابه لما بين الحرية والحتمية . يقاس الفن الرومانتيكى بالعمق ، والصدق وكثافة الجاذبية العاطفية ؛ وليس البنية ، بل الدور والجانب الديناميكى هو الاكثر ظهورا .
لست أعنى – بالطبع – أن البنية والشكل غير متواجدين ، بل – كما راينا فى الفن الحديث والرومانتيكى بشكل اساسى فى الموسيقى – ( الشكل والبنية ) كانا موجودين باعتبارهما خلفية أساسية بدلا من ان يكونا مصدرا مباشرا للاثارة الجمالية . ما الذى يدفعنا حينئذ الى القول بأن الفن الرومانتيكى جيد ؟ . أليس لانه يكشف الاعماق داخل الشخصية التى تناضل طوال الحياة من أجل التعبير ؟ . لا اعتقد أننا ينبغى ان نعتبر الموسيقى والرواية والدراما ، أكثر من مجرد متعة اذا لم تبين لنا – مع ذلك دون بلاغة – طبيعة حياتنا الشخصية .
تسعى الحياة الشخصية للتعبير عن نفسها ، والجمال الرومانتيكى يساعد على – ويحقق - هذا المسعى . ولكن هذا المسعى لا يلزم ان يكون شخصيا دائما . الجمال الجامح من عاصفة شتوية ، ومن انفجار بركانى ، او من حدث ديناميكى جليل فى الطبيعة يكشف عن القوة الخفية والمكبوتة للطبيعة باعتبارها حرة طليقة .
ونحن من ثم نغامر لتحديد الجمال الرومانتيكى ليكون تصويرا للموضوع كما ندركه ، دون كبت أو تقييد ما يميل اليه بطبيعته الداخلية لتحقيقه تحقيقا يعد جيدا من وجهة نظر الموضوع . لان القيمة تكمن فى علاقة الموضوع بنزعاته الداخلية الخاصة به ، فان الجمال يعد جوهريا ومستقلا .
فى هذه المرحلة قد يكون جيدا ان نواجه انتقادا طبيعيا محددا . وسوف نكون متهمين – على الأرجح – بالحديث بتعبيرات اسطورية . هل توجد مثل هذه " الطبيعة الداخلية " ، و " الميل الى التعبير عن نفسه " و " والمسعى " وما الى ذلك باعتبار ماتكلمنا عنه ؟ . انصار المذهب الاسمى لا تعجبهم هذه الكلمات . لكن ليس من الضرورى اثبات أنهم موضوعيون حقا . " نحن لانميز الحقيقة من المظهر فى الاستمتاع الجمالى " .
يصور الموضوع فى الفن الرومانتيكى على اته تعبير عما نشعر به من الطبيعة الداخلية للموضوع . ومسألة الوهم ليست ذات صلة . فى الحقيقة هذا الاعتراض هو بمثابة شكل من اشكال الاعتراضات المبتذلة على قراءة الرواية على اساس أن الرواية مجرد خيال .
على الجانب النفسى للجماليات نجد التماثل الذى يؤكد ما سبق . تعميم التحفيز وتوازن الدوافع ، وتعزيز الحياة من خلال السكون – هذه هى الخبرة الجمالية . او كما يقول " فونسيجريف " ؛ " جميع القيم الجمالية مناظرة للازدهار ، وجميع القيم ليست معتمة ( خافتة ) ، وهى مفاهيم حيوية داخلية " . وعند النظر فى الأمر بشكل وراثى أو تاريخى ، يرى " اربان " أن الموضوع الجيد للفن المتحضر يجب – فى الواقع – أن يكون مساعدا لهذا التوازن من الدوافع وسكونا للميول الفطربة ،والا فانه لن يكون متطورا .
فى حالة عدم وجود هذا السكون ، سيكون هناك دافع يسود ويتبع ذلك موقف عملى ورغبة أو حكم . العنصر الشكلى للأمر يعد ذا مغزى فحسب باعتباره يعنى تأمين السكون فى الموضوع أو المحتوى الذى عندما يختبر جماليا يكون موضوعا للرغبة الصريحة والحكم . فى الواقع – كما يرى - " اربان " هذا التنظيم والتوازن يعدان حلة لقانون سيكولوجى عام ، ومن القيم المكملة . والآن هذا يعنى ببساطة أن الدوافع تتحد فى كل هذا ويؤثر كل عضو ويتفاعل مع الدوافع الأخرى . والدوافع الأخرى مماثلة تماما للتعريف الوارد فى الجمال الكلاسيكى على الرغم من صياغتها فى مصطلحات الدوافع والمشاعر .
( 4 ) القيم الأخلاقية ؛ احكامنا الأخلاقية تعد احكام قيمة فى التحليل الاخير ؛ ونحن نعنى بالقيمة الاخلاقية عموما نوعا خاصا من القيمة التى نعزوها الى صاحب الشخصية الخيرة . وعلى الرغم من الكم الهائل من الصراع والخلاف بين الأنساق الاخلاقية ، نحن نتعامل مع هذا المجال بايجاز . بالنسبة للخلافات لاتتعلق كثيرا بوصف ملموس للشخصية الخيرة باعتبارها الصياغة الميتافيزيقية النهائية لها . وهناك اتفاق معقول فى الممارسة على أنها الشخصية التى تميل الى المحافظة بقدر الامكان ، والاعتراف بقيم الحياة بالنسبة للفرد والمجتمع .
ان قيمتها الخاصة تكمن – من ثم – فى المساهمة فى الحياة الشخصية ككل . وقد وجد أن من المستحيل ان نعرف الشخصية الخيرة فى تجريد من القيم الملموسة لحياة الفرد ؛ حتى الارادة الذاتية عند "كانط " يجب أن تتصرف بحيث يمكن ان يستطيع القول المأثور- فى الحياة العقلية - أن يصبح قانونا عاما . ويصبح ذلك ممكنا فحسب من خلال المساعدة على رفاهية المجتمع والفرد .
( 5 ) الدين والاخلاق بالكاد محددان – فيما اعتقد – على الرغم من أنهما لم يكونا منفصلين على المدى الطويل ، غير أن القيم الدينية تبدو لى ذات طابع مماثل للقيم الأخلاقية . ولعل تعريف الدين الذى يفترض أنه ل "هوفدنج Hoffding " – " البديهية الأولية للدين ، التى تعبر عن النزعة الأعمق لكل الأديان ، وهى بديهية الحفاظ على القيم " . وفى حين يجوز للمرء أن يعتقد شخصيا بأن الدين يمكن أن يكون أكثر بكثير من هذا ، فانه لا يبدو من الممكن أن يكون اقل اهمية اذا كان يمثل موقفا قيميا وليس موقفا انطولوجيا .
لكن حتى فى هذا الحد الأدنى للطابع قد يكون السبب فى أن الدين نفسه يعد بالنسبة للمتعصب أسمى من كل القيم . هذا لانه يبدو مساهما فى الحفاظ على كل القيم ، سواء فى هذه الحياة أو الحياة الأخرى . هناك يبدو أنه لا فرق بين القيم الدينية والاخلاقية ، ما عدا درجة واحدة ؛ فتعد القيم الدينية الأعظم وتستند الى قوة أسمى من ارادة الانسان . وكلاهما – القيم الدينية والقيم الاخلاقية – يساعدان فى تعزيز الخير النهائى الذى يسعى الاشخاص اليه للاطمئنان .
( 6 ) القيم الفكرية ؛ تعد الحقيقة حول الاشياء – بالنسبة لمعظم البشر – قيمة . والبرهان على ذلك أن البشر يحاولون جاهدين الحصول عليها . وقد اختلف الفلاسفة – كما يمكننا أن نتوقع - حول طبيعة هذه القيمة . يرى الطرف الأول انها ذات صلة بالقيم الأخرى والقيم العملية ؛ بينما يرى الطرف الثانى أنها قيمة جوهرية ، وأنها الخير فى ذاته .
اذا كان الراى الاول صحيحا ، فان قيمة الحقيقة تعد مماثلة لتلك التى للأخلاق ؛ وتتشكل فى المساعدة على نمو الحياة . أما اذا كان الرأى الثانى صائبا ، فان الحقيقة تعد مماثلة للقيمةا الجمالية . وهنا نلتقى بوجهتى نظر متصارعتين . الاتجاهات غير البراجماتية عموما اما مثالية أو واقعية . يعلن المثاليون ان الحقيقة تمثل نسقا متماسكا من الافتراضات ، ويعتقد الواقعيون بان جوهرها يكمن فى تناظره مع الواقع الخارجى .
نجد فى وجهة النظر المثالية فى قيمة الحقيقة نفس البنية التى فى الجمال الكلاسيكى ؛ نظام الاجزاء المحددة المتبادل ، والانسجام والاقتصاد . وتتكون الحقيقة – فى وجهة النظر الواقعية – فى التعبير عما يعد حقيقيا فى تعبيرات المعرفة الانسانية . تكمن قيمة الحقيقة فى الصدق ، أى فى حقيقة انها تعبر لنا عن طبيعة الحقيقة . وهذا مماثل للجمال فى الرومانتيكية التى وجدنا أنها تتشكل فى التعبير عن الطبيعة الداخلية للموضوع .
البحث عن الحقيققة من جانبنا نحن البشر هو بحث للحصول على هذه الحقيقة المعبرة عن خبرتنا . الحقيقة هى تحقيق هذا السعى بعد التعبير ، وقيمتها يجب أن تكون – من ثم – قابلة للتعريف فى نفس المصطلحات مثل الجمال الرومانتيكى . ومن الغريب أن الرأى المعتاد هو أن المثالية هى الاقرب الى الرومانتيكية من الواقعية ؛ لكن هذا يعنى – فيما اعتقد – أنه ليس صحيحا أن المثالية الموضوعية الحديثة هى الاقرب الى الكلاسيكية ، من حيث النسق والنظام ، ففى حين تسعى الواقعية الى الميل للتعبير عن الاستقلال والحرية ، وبالتالى تعد رومانتيكية بشكل أساسى .
المواد اللازمة لتعريف القيم هى الآن فى متناول اليد ، ولقد وجدنا فى كل الحالات أن قيمة الموضوع تتشكل فى مساعدته لاكمال أو تحقيق بعض الميل الموجود بالفعل . فى معظم الحالات التى يضع فيها الانسان القيمة بعين الاعتبار ، هى تحقيق الميول فى الكائن البشرى الحى ، مادية وشعورية . وبالتالى تعتمد القيم بشكل عام على الشخصية . الا أن هذا يعد تعميما متسرعا .
تميز الدليل الدقيق لتكوين الجمال الكلاسيكى فى اقتصاد بنيته والتحديد المتبادل لأجزائه ، واستمراره باعتباره متميزا عندما لا يقرؤه أحد ، ليتم تشكيله من خلال تضمينات موضوعية منطقية . جمال البرهان صالح بشكل شامل ومستقل عن التغيرات فى المدرك ، وهو ماتعنيه الموضوعية لأصحاب المذهبين الذاتى والمثالى على حد سواء . انه الاتفاق اللاواعى مع تعريفنا غير الشخصى الذى يقول بان ضوء الشمس يعد خيرا للنبات ، أو ضارا للنسخة السالبة ( النيجاتيف ) للتصوير الفوتوغرافى .
اذا كنا نتحدث هكذا عن الطبيعة غير العضوية ، فذلك لأن الميول الثابتة والمهيمنة ، مثلما تبدو فى الكائنات الحية ، لا توجد متطفلة على اهتماماتنا . ونحن اعتدنا على التفكير فى الطبيعة باعتبارها نظاما منفصلا وموضوعيا ، وذلك للترهيب ( هل أقول هذا ؟ ) من خلال انتصارات الموقف العلمى الحصرى ، واننا لا نجرؤ على الحصول على التناظر بين قيمنا الخاصة ولعمليات المدروسة فى الفيزياء .
لكن هناك – على ما اعتقد – تماثلا وثيقا راينا ذلك فى القيم الاقتصادية ، وحالات اخرى أظهرت نفس البنية المنطقية . بالنظر فى اى ميل ، وفى الطبيعة الميتة ، وفى الكائنات الحية وفى العقول الواعية التى تضغط تجاه غاية معينة ؛ اى ميل آخر يعزز هذا يعد خيرا ، وأى مقاوم له يعد سيئا .
هل ندعى هنا أننا نستنتج مفهوم القيمة من مقولات واقعية بحتة ؟ . الصفة المحددة للخير والشر تم العثور عليها امبريقيا لتكون تعزيزا او عرقلة للميل . تمت صياغة هذا التصريح بالكامل الآن فى مصطلحات اخرى غير مصطلحات القيمة ، ولكننا قد نكون متهمين بالوقوع فى حلقة مفرغة معينة . ففيما يتعلق بالقول بأن تعزيز الميل يعد نزوعا للخير متضمنا تحقيق الخير . ولماذا بعد كل شىء ، ينبغى أن يكون ذلك ؟ .
يبدو هذا الاتهام معقولا ، ونحن نلتمس مفهوم الخير ببساطة ، ونترك القيمة ، أو على الأقل جوهر القيمة بدون تعريف . والآن حتى لو كان هذا هوالحال ، فان تعريفنا مازال له الكثير من الفائدة لأنه يكشف جوهر الخاصية المحددة للقيمة ، وهذه المعرفة لاغنى عنها لأى ميتافيزيقا عن الذات . وفى غضون هذه السمات قد نقع على عدم امكانية تعريفها ، ولا يمكن الوصول الى الجوهر ، ولا يمكن تجريد التعريف من الحقيقة أو الفائدة لأنه لا غنى عنهما .
لكن بالنسبة لى ، اعترف بأنه سابقا كانت تبدو الصيغة وقد وضعت مجردة من الجوهر الأعمق للغاية للقيمة ؛ وذلك للسببين الآتيين :
( 1 ) ليس هناك بقدر ما استطيع أن ارى المزيد من امكانية التسمية وكيفية التعريف ، ويبدو الادعاء بالنسبى لى غموضا لامبرر له واقامة مجهول لا يمكن تعلم شىء منه. "الخير " مفهوم مختلف بلا شك عن " التحقق " ، وبالتالى يبدو أنه يتضمن شبئا غير مصرح به فى محتوى المفهوم الأخير .
( 2 ) لكن ذلك لأن " الخير " هو العلاقة بين التحقق ( مواصلة التعزيز ) والميل ، علاقة فريدة محددة ، ومحددة بما يكفى من خلال الاثنين التحقق والميل . وبسبب هذه العلاقة الفريدة من نوعها والتحديد بما فيه الكفاية – فيما اعتقد – فان لدينا الحق فى القول بأن مفهوم " الخير " ليس توسلا بل استنتاجا .
وفقا لهذا أنا أجرؤ على تقديم التعريف السابق نظرا لانه غير دائرى ، فهو التعريف الايجابى الذى أراه حتى الآن .
الاعتراضات التى ربما يشعر بها الحس السليم ، بالنسبة لأى ادعاء من هذا القبيل لاستنتاج القيمة من الواقع ، سوف يكون الاستنتاج السليم تماما ، ألا تتضمن الحقيقة مقولة الميل او الامكانية . بدون امقولة ، نحن قد نعترف بوجود هوة بين القيمة والواقع . العالم الوحيد الذى يؤكد تلك المصطلحات الموجودة فعلا والعلاقات سواء كانت دائمة أو متغيرة ، سيكون العالم الذى يمكن ان تنشأ فيه القيم .
بوسعنا القول بأن كذا وكذا موجودان ، وكانا أو سيكونا ن ولكن ليس بوسعنا القول أكثر من ذلك . لكن الامكانية تنطوى على الغاية ، وان لم تكن بالضرورة فى المعنى الغائئ . والامكانية هى مقولة فى الاستخدام الجيد فى مجال السكون ، نظرية الحرارة وغيرها من فروع الفيزياء . الان فى هذا المجال الواقعى ، وفى هذا وحده ، يمكن أن ينشأ مفهوم الخير أو الشر أو القيمة. .
مع ذلك ، هناك اعتراض آخر على أن تعريفنا مستمد من نتائجه ، ليترك دون تنويه ما قد يبدو تسترا على نقطة ضعف قاتلة . تظهر صيغتنا ( واعتقد بان هذا الاظهار حقيقة ) التزامنا بوجهة النظر الكمية المجردة . اذا كانت القيمة تتشكل فى المساهمة فى تحقيق ميل معين ، فمن ثم فان المعنى الوحيد الذى تكون فيه القيمة أكبر ، وأفضل وأسمى من غيرها ، هو المساهمة بقوة أكبر لميل معين ، او المساهمة فى عدد كبير من الميول .
يبدو هذا للكثير وسيلة لاثبات أن النتيجة المنطقية متناقضة ، لأنه يعتقد على نطاق واسع أن مذهب المتعة سقط أمام اعتراض مماثل ، وأن القيم مثل الملذات أسمى او أدنى من الناحية الكيفية . لكن فى المقام الاول يمكن أن تتم الجاذبية بالكاد فى الفلسفة لاى مذهب ، فى المقام الاول يمكن أن يتم الطعن بالكاد فى الفلسفة على أى مذهب من اجل الخلط بمذهب آخر . الراى الكيفى ، مثل أغلب الآراء الفلسفية لا يمكن اعتباره على النحو المقرر من خلال توافق الخبراء ، واذا تصارعت الأدلة الامبريقية مع ذلك ، وبينت أن القيمة كمية ( تعد شأنا كميا ) ، ويبدو الافتراض ضد الرأى الكيفى .
لكن أبعد من ذلك ، مناشدة الصفات ، تعد بشكل عام مناشدة لعدم امكانية تعريفها ( أى تعريف القيمة ) . ليس هذا مصدر قوة بل مصدر ضعف ، التخلى عن ا لمشكلات ورفض التحليل . ونحن نود ان نعرف السبب فى أن حسن الخلق أفضل من عشاء جيد . يشير رأينا الى أن السبب هو أن الخلق الجيد يساهم فى عدد كبير من الميول لدى الكائنات الحية أكثر مما يمكن ان يقوم به العشاء ا لجيد فى حد ذاته .
الاكثر شمولا ، و الأكثر كثافة يعد الأسمى والافضل ، فى حالة تساوى العوامل الاخرى . هذا النوع من التقدير يفسر درجة القيمة بينما التقدير النوعى لا يفسر شيئا . لكن العمل التفصيلى عن نتائج هذا التصريح لا يعد ممكنا هنا بالنسبة لنظرية سلم القيم .
من ثم ، هل القيم موجودة ؟ نعم ، اذا تم الشعور بها ، بنفس القدر الذى نشعر فيه بالجاذبية والضغط ووجود الاصطدامات . ويمكن أن تكون الميول المادية أو أى نوع آخر ، طالما انها قابلة للتحقق باعتبارها مساعدة أو معوقة للميول الاخرى من اى نوع كانت . لا توجد هوة بين القيمة والحقيقة . دعونا لا نعترض على ماجعلناها قيمة كلية الوجود وذلك حتى لا تفقد المغزى . ويمكن القول كذلك بان الجاذبية لا معنى لها لأنها تطبق على جميع الأجسام .
بالطبع ، ليست كل القيم المتصورة تعد ميولا حقيقية . تعد ثروة الانسان الخاصة قيمة تخيلية ، ولكن من دون دليل ملموس على فعاليتها . ولكن على الرغم من ذلك تبقى قيمة خاصة اقل ، انها القدرة المتناقصة بالقيم الكبرى والاكثر شمولية . هنا نأتى قريبا من نتيجة ميتافيزيقية لتعريفنا التى يبدو أنها موجودة – واعتقد – انها نتيجة مثمرة وموجبة .
بعض القيم أسمى واكثر شمولا من غيرها . وهكذا تكون لدى شخص ما قيمة كبيرة ، لأنه من خلال التبصر يكون قادرا على مواصلة العديد من الميول ؛ التى لدى الكائن المادى عن الفكروالأخلاق والفن وما الى ذلك . ونحن قد نتصور شخصية فائقة القيمة ستشتمل على امكانيات اكبر بكثير من هذا النوع ، وحتى الشامل لكل ا القيمة التى من شانها تلبية جميع الميول فى الكون . تترك هذه القيم الأكثر شمولية والاقل ميولا خارج ما يتعارض مع تحققها الكامل لذاتها .
اذا كانت شاملة فلن يكون هناك شىء يمنع مرورها من الامكانية الى الفعالية . القيمة المثالية أو الكينونة المثالية يجب أن تكونا فعليتين ، كما جاء فى البرهان الانطولوجى . ولكن يظل السؤال ، هل توجد اية أدلة امبريقية على على هذه القيمة الشاملة للكل او المثالية ، حتى باعتبارها مجرد امكانية ؟ . هل يظهر المثل الاعلى للكمال نفسه على أنه ميل حقيقى ، ويعمل فى الخبرة ؟ .
يزعم الاناس المتدينون انهم يفعلون ذلك فى تجربتهم الشخصية الخاصة بهم . وهذا خارج مجال مناقشتنا . الا أنه – فيما اعتقد – خبرة امبيريقية بالكامل . تعريف القيمة الذى حصلنا عليه سابقا يبدو لاظهار أنه اذا كان مثل هذا المثل الأعلى يمكن تحقيقه باعتباره ميلا للعمل فى حياتنا ، فان البرهان الانطولوجى يمكن أن يتم .
دحض " كانط " لهذا البرهان يقوم على افتراض – ورثه من ديكارت – عن الهوة الثابتة بين الذات والموضوع ، والقيمة والحقيقة . لكن تعريفنا عبر عن هذه الهوة ، واظهر بالأحرى انه لا توجد هوة . شىء من خصوبة التعريف يكمن فى – فيما اعتقد – اغلاق باب الخلل القائم منذ امد بعيد .
يمكن ان يتم اكثر من تطبيق للتعريف . يستند النطق والتفكير والبرهان والمعرفة فى الأساس على مبادىء معينة تحمل ادلتها الخاصة . هذه هى بديهيات المنطق ، بديهية أن الحقيقة يمكن الوصول اليها بالخبرة فقط ، الخ . وقد تم قبول هذه المبادىء لأنهاتعتبر ذات قيمة . فهى وحدها التى تجعل المعرفة ممكنة ، وبالتالى تساهم فى رغبتنا فى المعرفة .
لمعرفة ماذا يكون الاله بالنسبة للمتدين المتعصب : انه القيم المعرفية الشاملة للكل ، والمؤسسة لكل الأحكام وصلاتها . لأنها اساس كل المعرفة ولا يوجد ما يتعارض معها ، ومجرد مظهرها يضمن حقيقتها ؛ وهى بالنسبة لنا وسائل تبصر مباشرة .
من ثم ، فقيمتها اكثر من الامكانيات ، وتصبح حقائق . هذا ليس هو الحال مع الافتراضات الاقل جوهرية ، وان كانت ذات فائدة ، بالنسبة لهذا الأخير ، لا اساس لكل معرفة وبعض الافترضات قد تتعارض معها . تشكل البديهيات لكل المعارف حالة خاصة ، مثل الكائن المثالى ، حيث تعنى القيمة التحقق الموضوعى .


***********************************************

هوامش

1- المقصود هو الفيلسوف : جون جوتلب فخته Johann Gottlieb Fichte ( 1762-1814 ) .
2- جورج فونسجريف George Fonsegrive – ( 1852- 1917 )- فيلسوف فرنسى وروائى – نشر عدة روايات تحت الاسم المستعار : George Fonsegrive .
3- ماكس فيبر (كارل إميل ماكسيميليان "ماكس" فيبر ) Karl Emil Maximilian "Max" Weber ( 1864-1920 )- عالم الاجتماع والفيلسوف، والاقتصاد السياسي الألماني أثرت أفكاره بعمق في النظرية الاجتماعية والبحث الاجتماعي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا