الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو لم تكن داعش موجودة لاخترعوها

يعقوب بن افرات

2016 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو وسائل الإعلام (الأربعاء 23/4) ليدلي بتصريح مهم للرأي العام الإسرائيلي والعالمي عقب تفجيرات بروكسيل. لا يفوّت نتانياهو فرصة ثمينة كهذه ليستغلها بكل وقاحة من أجل أهدافه السياسية الضيقة، فما قامت به داعش في بروكسيل "هو نفسه ما يقوم به الفلسطينيون في القدس"، إن داعش تريد بسط الخلافة الإسلامية على أوروبا بينما يريد الفلسطينيون محو إسرائيل والعودة إلى فلسطين. المقارنة تافهة ومكشوفة ولكن الغريق يتمسك بكل قشة وداعش قشة غليظة تمنح لليمين الإسرائيلي كل مبررات رفضه المطلق للاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة ويحاول من خلالها أن يفك العزلة الدولية التي فرضت على حكومته بسبب سياسة الاستيطان والحصار والممارسات القمعية بحق الفلسطينيين.
ولكن نتانياهو ليس وحده في هذا السياق، فأول من تمسك بقشة داعش كان بشار الأسد الذي أغرقته الثورة السورية بمظاهراتها السلمية، بمطالبها العادلة بالديمقراطية وإنهاء الطائفية تحت شعار "واحد واحد واحد الشعب السوري واحد". فقد فتح بشار الأسد أبواب السجون أمام المجموعات السلفية وهو يعرف تماما أنها ستحرف مسار الثورة السلمية نحو التسلح والعنف وستكون القوى الديمقراطية أول ضحية لها. وقد استخدم الأسد داعش فزاعة لكي يخيّر العالم بين داعش أو الأسد وفي نفس الوقت يتعاون النظام وداعش في قمع المعارضة السلمية الديمقراطية.
لم يضطر أبو بكر البغدادي لمقاتلة النظام من أجل الإستيلاء على الرقة، لأن إقامة دولته الإسلامية كانت أكبر خدمة للنظام الذي يعرف تماما أن عدوه الحقيقي هي المعارضة السياسية التي تعمل على إسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطي تعددي.
وقد جاء فلاديمير بوتين ليحتل الشام بحجة محاربة داعش وهو يتذرع بأن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لم ينجح في القضاء على داعش بسبب سياسة الولايات المتحدة الواهنة. فبعث بجيشه وطياراته ليبني لنفسه موطئ قدم ثابت على سواحل الأبيض المتوسط وبموافقة النظام السوري الذي باع سورية في مزاد علني. وقد قام بوتين بقصف عنيف على "المنظمات الإرهابية" التي لم تكن سوى المعارضة السياسية المتواجدة في حلب وريفها وادلب بينما امتنع عن قصف المناطق التي تسيطر عليها داعش. إنه ومثلما اعترف الروس الذين استعملوا داعش فزاعة لكي ينقذوا النظام الدموي وليضيفو دماراً على الدمار وبعد أن قتلوا أكثر من 2000 مدني وتسببوا بتهجير عشرات الآلاف ممن فقدوا بيوتهم، قد اعلنوا انسحابهم المزعوم، فبقى النظام وبقىت معه داعش وفقدت المعارضة مساحات من الأرض المحررة ليعيد النظام سيطرته عليها بفضل المذبحة التي ارتكبها الغزاة الروس.
أما الرئيس أوباما فقد كان صريحاً منذ البداية عندما قال بأن على بشار الأسد أن يرحل ولكنه امتنع عن منح يد العون العسكري للجيش الحر وهو يستخدم أيضا فزاعة داعش. فلم يتسلم الجيش الحر مضادات الطيران بحجة الخوف من أن تقع في يد المتطرفين الأمر الذي سمح لبشار أن يحرق البلد مثلما توعّد وأن يقتل مئات الآلاف من السوريين. ولم يبال أوباما وحلفاءه في الغرب بما يحدث في سورية إلى أن احتلت داعش الموصل في حزيران 2014، عندها أعلنوا الحرب عليها. ولكن منذ هذه اللحظة وصاعداً فقد تبنى أوباما المعادلة الأسدية ورفض بأي شكل من الأشكال أن يحارب النظام بل اشترط دعم المعارضة بأن توّجه سلاحها ضد داعش وتوقف ثورتها على النظام. وبعد أن رفضت المعارضة أن تكون عميلة للغرب فقد استغل الأكراد الفرصة وبحجة محاربة داعش وتلقوا الدعم الأمريكي والروسي لكي يعلنوا مؤخرا عن إقامة حكم ذاتي في ما يسمونه "روج آفا" على امتداد الحدود مع تركيا.
وهنا لا تنتهي قصة داعش وخدماتها ليس لإسرائيل ونظام الأسد، وروسيا والاكراد والامريكان فقط، بل إنهم يخدمون أيضا ما يسمى باليسار العربي الذي ما زال يتمسك بالبرنامج الشيوعي الماركسي اللينيني الذي قسم العالم إلى معسكرين، اشتراكي وامبريالي. حسب هذه الرؤية فإن روسيا، إيران وحزب الله، كوريا الشمالية، كوبا وفنزويلا ونظام الأسد نفسه يمثلون المعسكر التقدمي بينما تمثل إسرائيل، السعودية وأمريكا المعسكر الرجعي. وداعش ينتمي إلى المعسكر المضاد ومن هنا فإنهم يمنحون لأنفسهم كل المبررات لدعم النظام الدموي في سوريا حتى لو لم يكن هو الأفضل بالنسبة لهم فإنه أفضل بكثير من داعش ومن هنا جاء شجب الحزب الشيوعي الاسرائيلي وحزب التجمع لقرار الجامعة العربية الذي وصف حزب الله كمنظمة إرهابية.
وقد يذكّر الشيوعيين السعودية وأمريكا بالخطيئة الأصلية عندما اخترعوا الجهاد العالمي لمكافحة الكفار السوفيات في أفغانستان، وقد شارك في ذلك أنور السادات المصري وضياء الحق الباكستاني وجميعهم أوجدوا للشباب المسلم الراديكالي المحبط مكاناً لتفجير طاقتهم ومنحوا لهم الأيديولوجية الوهابية السلفية التي أثّرت على خيالهم وإلهامهم في بناء المجتمع المثالي المبني على الحق والعدالة. ولكن النجاح كان فوق المتوقع فانقلب السحر على الساحر وتحوّل صديق الأمس إلى ألدّ خصم من اليوم وبالعكس فالسلفيون لا مبدأ لهم وهم مستعدون لأن يخدموا كل من يمهّد طريقهم، فمن المعروف أن قيادات من تنظيم القاعدة قد لجأوا إلى إيران ومن بينهم شقيق أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي الذيي تمتعوا بحماية الحرس الثوري الإيراني. أما وبعد الغزو الامريكي الى العراق فقد تعاون تنظيم القاعدة مع الإستخبارات السورية تارة لضرب الأمريكان في العراق وتارة أخرى لزعزعة الاستقرار في لبنان كما في أحداث مخيم البداوي الفلسطيني.
نعم داعش يتعاون مع كل من هو مستعد لهذا التعاون، فمرّة يخدم إيران ضد الأمريكان في العراق ثم يعود ليخدم السعودية ضد نوري المالكي بعد خروج الجيش الأمريكي في حين تتمتع جبهة النصرة في سوريا بالدعم القطري في الوقت الذي يغضّ فيه أردوغان الطرف عن آلاف الجهاديين الذين يتوافدون إلى سوريا عبر الحدود التركية. ولكن ليس أردوغان وحده فما قام به كان بموافقة ضمنية من قبل الدول الأوروبية التي لم تعرف كيف تتعامل مع الآلاف من مواطنيها الشباب من أصل مغربي والذي يعانون من معاملة عنصرية وهم عاطلون عن العمل. فمثلما قامت مصر، وتونس والسعودية في الثمانينيات عندما تخلصت عن هؤلاء الشباب الذين لم يجدو مستقبلاً لهم فلا تمانع بلجيكا أو فرنسا من هجرة هؤلاء للقتال في سبيل الله في سوريا ما دام الضحايا هم من العرب المسلمين.
نعم داعش هي اختراع متعدد الجنسيات ليس بمقاتليه فقط بل أيضا بكل الدول التي بطريقة أو بأخرى تتعاون أو بالحد الأدنى لا تبالي بوجودها. فقد أعلن الرئيس أوباما في مقابلته المشهورة لمجلة "اتلانتيك" مؤخراً بان داعش لا تشكل تهديداً على الأمن القومي الأمريكي. نعم، قد تحدث بين الفينة والأخرى عمليات إرهابية ولكن عدد المصابين من حوادث الطرق يفوق بكثير ضحايا الإرهاب. داعش هي إذن مخلوق العولمة، هي تجمع كل المهمشين من المسلمين وقد وجدت حاضنة آمنة في العراق والشام المحكومتين من قبل نظامين طائفيين أعلنا حربهما الطائفية على المسلمين السنّة لمصلحة الطغمة الفاسدة الحاكمة. داعش إذن هي مخلوق يخدم كل أعداء الربيع العربي إن كان امريكا أو روسيا، إيران أو السعودية، حزب الله أو السلطة الفلسطينية أو إسرائيل أو الشيوعيين المتحجرين.
ملحوظة: عندما شجب الحزب الشيوعي والتجمع قرار الجامعة العربية الذي يرى في حزب الله منظمة إرهابية، استغل نتانياهو الفرصة ليتهجّم كعادته على الأحزاب العربية في الكنيست للرفع من شعبيته الأمر الذي جلب انتقادات من كل جانب مؤيد ومعادي في آن واحد. وقد اضطر الحزب الشيوعي للخروج بتفسير لموقفه مفاده أن الدعم لحزب الله جاء من باب محاربة داعش، نعم مرة أخرى داعش، لأنه حسب قولهم داعش موجودة داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل والدليل على ذلك هو سلسلة من الأحداث مثل منع ماراثون نساء في مدينة الطيرة، فصل معلمٍ على خلفية عرض فيلم فلسطيني في المدرسة في باقة الغربية، منع مسرحيات وكل مظهر ثقافي بحجة المسّ في العادات والتقاليد. وكان تفسيرهم مقنعاً كون الظاهرة مقلقة وحقيقية، غير أن ما نسي هؤلاء أن يكشفوه -أو تناسوا- هو أنهم تحالفوا مع هؤلاء "الدواعش" عندما تم انتخاب الرفيق الشيوعي العريق محمد بركة رئيسا للجنة المتابعة بأصوات كتلة الشيخ رائد صلاح السلفي ومن دعاة الخلافة في القدس والذي فضّل أن يرجح الكفة لصالح بركة الشيوعي على حساب منافسه الشيخ كامل ريان الذي ينتمي إلى الجناح المعتدل للحركة الإسلامية. ومن هنا نعود ونؤكد بأنه لو لم تكن داعش موجودة لاخترعوها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا