الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألبير كامو

كلكامش نبيل

2016 / 4 / 7
الادب والفن


تبدو الرواية غريبة هي الأخرى مثل عنوانها تماما، وهي تطرح برود ولامبالاة شخصٍ فرنسي يقيم في الجزائر يدعى مارسو في يوم تلقيه لنبأ وفاة والدته التي أودعها دار العجزة بسبب عجزه عن تلبية متطلباتها وشعوره بأنها تحتاج لمن يشاطرها الإهتمام والذكريات. مما لا شك فيه أن كامو يصور لنا شخصا يتعامل مع كل شيء بكثير من البرود أو أنه مصاب بالعجز عن التعبير عن مشاعره وإبداء إهتمامه بكل ما قد يهم شخصا طبيعيا. لا يبكي الرجل في جنازة والدته ولا يرغب في إلقاء نظرة أخيرة على الجثمان، كما يحجم عن الركوع قرب قبرها، وفي ذات اليوم يتعرف إلى ماري ويستحم معها في البحر ويذهبان لمشاهدة فيلمٍ كوميدي. يبدي الرجل برودا تجاه أي تغييرٍ محتمل في حياته، وحيال رغبته في أن يتقدم في العمل، وبرودا في مواساة جاره الذي أضاع كلبه المسن، والذي يبدي إنزعاجه منه على الدوام ولكنه يحبه في قرارة نفسه ويرفض مجرد فكرة إستبداله بكلبٍ آخر. يتعرف الرجل، في غمرة بروده، على جاره الآخر، الذي يعمل سمسارا للنساء، والذي يبدأ علاقته معه بالكذب حيال شجاره مع أحد العرب قبل أن يتضح كل شيء فيما بعد. يكتب مارسو بلا مبالاة رسالة لصديقة ريمون العربية، وهي الصدفة التي ستوقعه، كغيرها من الصدف، في مشاكل مهلكة.

يسهب كامو في وصف البحر، والطبيعة، والإحتفاء بها كعادته في أعماله الأخرى، ولكن جريمة القتل تبدو مبهمة وغريبة للغاية، وغير مقنعة بعض الشيء. في الفصول اللاحقة، نقرأ عن تأملات الرجل، ومحاكمته، وإنعدام شخصيته وحلولها في المحامي الذي يترافع عنه، وأفكاره حيال عدم إهتمام المرء بما لا يبدو مهما له لأنه لا يتوقع حصوله له قبل أن يقع ذلك حقا، ومثال ذلك أحكام إعدام الآخرين. وتصور الرواية الصراع بين الواقعية والمباديء الإنسانية، فبالنسبة لمارسو يبدو عدم حزنه على والدته أمرا طبيعيا لأنها عاشت حياتها ولأن الموت مصير الجميع، فيما رأى المدعي العام بأن عدم إحساس المجرم بالحزن يدل على مدى قسوته وفراغ قلبه الذي يمثل هوة تجر المجتمع للسقوط، وشبه فعله ذلك بجريمة قتل أبوي أخرى سيتم النظر فيها لاحقا، حيث إعتبر المدعي العام جريمة القتل المعنوي لوالدة مارسو تمهيدا للجريمة التالية المنفصلة. لكن المرء يفكر في كون المدعي العام، معميا بقسوة العدالة، يتكلم بكل قوة وهو يطالب بإعدام شخصٍ آخر.

تنخرط الرواية في نقاشاتٍ وجودية في موضعين، الأول في التحقيق عندما رفض مارسو الإعتراف بأنه يبصر آلام المسيح وتضحيته من أجل خلاص الإنسان، وهو الأمر الذي لم يستطع المحقق المؤمن تصديقه، لأنه لم يتصور وجود شخصٍ لا يؤمن بذلك، وبدأ بإعتباره معاديا للمسيح Anti-Christ. وفي الفصل الأخير، نقرأ الحوار الذي دار بين مارسو والكاهن، والذي رفض لقاءه طويلا، حيث رفض الإعتراف بالرجاء والأمل في حياةٍ أخرى، وقال بأن زمان وطبيعة الموت لا يهمانه في شيء ما دام هو بحد ذاته المصير المحتوم للجميع، وقال بأنه حتى إذا ما تصور وجود حياةٍ أخرى فإنه يريدها أن تكون إنعكاسا أو تذكارا لهذه الحياة، وإستغرب الكاهن لذلك وإندهش من فرط تعلقه بهذه الأرض. قال مارسو بأنه قد لا يعرف ما يهمه على وجه التحديد، ولكنه متأكد بشكلٍ دقيق مما لا يهمه على الإطلاق، وأنا شخصيا أرى في هذه العبارة تعبيرا مثاليا عما أردده على الدوام وأؤمن به بشكل كبير. وقد قال مارسو بأنه عاش اللحظة واللذة وأن الكاهن على يقينه لم يعش هذه الحياة، وأنه يعتقد بأنه يخبرها أكثر منه، ولا يأمل – لذلك – بشيءٍ آخر يعوضه حياته المفقودة، ولهذا السبب ما كان ليحزن إن نسته ماري أو غيرها، أو إن كان أحدا لن يبكيه، بل لم يرَ ضرورة للبكاء على من فارقنا ما دام الجميع سيرحل. أعتقد بأن هذه الخلاصات الوجودية هي أروع ما في هذا العمل القصير والذي ينساب بسرعة في القراءة، ففي هذا العمل يتجسد تناقض غريب للغاية هو التمسك بالحياة واللامبالاة حيالها في الوقت ذاته، فنحن ههنا نتعامل مع شخصٍ غريب الأطوار عدمي حد عدم المبالاة بموت الآخرين وموته، ومتمسك بالحياة في الوقت ذاته لأنه لا يرجو بديلا عنها، إنها رواية تجسد غرابة العدمية في أفضل أشكالها وضوحا وغرابة.

إقتباسات:

ليس للمرء إلا أم واحدة.

المساء، في هذا البلد، لا بد أنه كان أشبه بهدنة كئيبة. واليوم ها هي الشمس الطاغية، التي تحيل المنظر لا إنسانيا ومنحطا.

كل شيء صحيح، وليس ثمة ما هو صحيح.

إن ما لا يستطيع أن يحوزه لا يسعنا أن نشتكي من إفتقاره إليه. ولكن القضية بالنسبة لهذا المكان هي أن الفضيلة السلبية للتسامح يجب أن تتحول إلى فضيلة أصعب، ولكنها أسمى، للعدالة، لا سيما حين يصبح فراغ القلب، كما نكتشفه لدى هذا الرجل، هوة يمكن للمجتمع أن يسقط فيها.
إن من ينظر إلى القضية ببرود، يجد كل شيء طبيعيا.

إن المرء يتصور دائما أفكارا مبالغا فيها عما لا يعرف.

كيف يموت المرء ومتى، هذا لا أهمية له ما دام سيموت.


ربما لم أكن متأكدا مما كان يهمني حقا، ولكني كنت متأكدا تماما مما لم يكن يهمني.

حياة أستطيع فيها أن أتذكر هذه الحياة.

إن أي يقين لديه لم يكن يساوي شعرة إمرأة. بل هو لم يكن متأكدا من أنه في الحياة، ما دام يعيش كالميت، أما أنا، فقد كنت أبدو ويداي فارغتان. ولكنني كنت متأكدا من نفسي، متأكدا من كل شيء، أكثر تأكدا منه، متأكدا من حياتي ومن ذلك الموت الذي سيجيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي