الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (14 / 29): دعوى الإجتهاد الجزء 5

انور سلطان

2016 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (14 / 29): دعوى الإجتهاد الجزء 5

الأدلة الأخرى على مشروعية الاجتهاد

قدم الشافعي, كما رأينا, ستة أدلة على وجوب الإجتهاد منها ثلاثة مباشرة وثلاثة غير مباشرة توجب العمل بالقياس حسب زعمه, ولأن الإجتهاد منحصر في القياس فهي أدلة على الإجتهاد أيضا من وجهة نظره. وهناك من استدل على الاجتهاد في الدين بحديثين جاءا في القضاء. وكما حرفوا كلمة الاستنباط التي وردت في القران حرفوا كلمة اجتهاد التي وردت في الحديثين.
الحديث الأول: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله أجر).
الحديث الثاني: عن معاذ: أن النبي لما بعثه إلى اليمن قال له: (كيف تقضي إذا عرض عليك قضاء؟ قال أقضي بما في كتاب الله، قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: بسنة رسول الله. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: فضرب رسول الله صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله).
هل كان النبي يعني بكلمة اجتهاد الاستدلال على حكم ما لا نص فيه؟
وهل كان معاذ يعني ذلك المفهوم؟ وهل يجوز لأحد الاجتهاد لمعرفة أحكام الله في عهد النبي؟
وقد أمر النبي بعض أصحابه أن يقضي في وجوده, فهل كان اجتهاد الصحابي في القضاء لمعرفة الحق في المسألة المعروضة عليه في وجود النبي عملية اكتشاف لحكم الله الذي لا نص فيه؟
لقد عمد مخترعوا نظرية الاجتهاد في الدين إلى الخلط بين القضاء والعملية التشريعية.
إن إيكال الرسول القضاء لأحد أصحابه لا يعني جعله مجتهدا يستنبط أحكام الله الغائبة. وقضاء القاضي ليس تشريعا، أو اجتهاد في وضع تشريع، ولا يُتصور هذا في وجود الرسول.
اجتهاد القاضي هو اجتهاد لمعرفة وجه العدل في الخصومة، وليس اجتهاد لوضع حكم ديني. وقضاء القاضي لا ينسب لله، وهو عمل دنيوي بحت. والقاضي مأجور ليس لأنه يكتشف أحكام الله، ويستدل عليها، بل لأنه يفصل في النزاعات ويقوم بوظيفة إجتماعية خطيرة وحيوية، وهذا عمل صالح. فالقاضي يقوم بمهمة عامة ضرورية لتماسك المجتمع ولضمان سلمه، ولذلك فإن أصاب الحق وتحراه له أجران، وإن اخطأ فله أجر. فحسبه أنه أخلص النية، وقام بمهمة جليلة، تتمثل في إنهاء النزاعات قضائيا.
لقد تم تحريف كلمة الاجتهاد عن معناها اللغوي وهو بذل الجهد والوسع. وتعني في النصوص السابقة: بذل الجهد في تحري الحق ومعرفة وجه العدل في نزاع قائم عند القضاء. فحُرفت إلى معنى الاستدلال على حكم الله فيما لا نص فيه، بعد افتراض وجود حكم لله في كل مسألة. وتحولت الكلمة إلى مصطلح جديد لم يكن له وجود في عهد الرسول. ولم يعط القران ولا الرسول حق الاجتهاد لأحد في وضع أحكام الله تحت دعوى الاستدلال عليها. وإسناد الرسول القضاء إلى بعض أصحابه، وأحيانا في حضوره، لا يعني أنه خولهم اكتشاف أحكام الله والاستدلال عليها في حضوره أو في غيابه, في عهد الرسالة أو بعدها.
إن حديث معاذ كان في القضاء والاجتهاد في معرفة العدل ووجه الحق في الخصومة القائمة، وليس اجتهاد في معرفة حكم الله في مسألة لا نص فيها. والقاضي لا ينسب قضاءه لله، ولا يزعم أن حكمه هو حكم الله لا قطعا ولا ضنا ولا ظاهرا ولا باطنا.
إن القاضي عندما يقضي لا يشرع، كما يفعل المجتهد، ولكن قضاء القضاة إن تكرر قد يتحول إلى عرف، ويصبح عندها تشريعا، ولا ينسب في هذه الحالة لله، كما يفعل المجتهد بنسبة رأيه إلى الله، بالقول أن لديه آلية لمعرفة حكم الله.

كما أن النبي لم يكن يرسل قضاة، وكان الناس قبائل يتحاكمون إلى زعمائهم وضلوا إلى قيام الدولة الحديثة، ما خلا في الحواضر التي توجد فيها سلطة الدولة بعد قيام الدولة العربية على يد بني أمية.
لقد أرسل النبي معاذا داعية ومعلما، ولم يرسله قاضيا، وهذا ما يظهر من الجمع بين معاذ السابق وحديث ابن عباس الذي روى أن النبي قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم أن يشهدوا ألا إله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياءهم فترد على فقراءهم. فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).
وهذه المهمة ستجعل لمعاذ مكانة عند المؤمنين، أو حتى عند غيرهم، وقد يتحاكمون إليه, كما تحاكم اليهود إلى النبي. فقد يعرض لمعاذ قضاء، ولذلك أراد النبي أن يستوثق من معاذ كيف سيقضي، ولم يقل له أن مهمته القضاء، وأن يجبر الناس على التقاضي عنده. ولم يكن للرسول أن يفعل هذا وهو لم يجبر المنافقين على التقاضي عنده. (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا). (النساء: 60 – 61).
كما أن الواقع التاريخي القائم حينها يكذب الزعم أن الرسول بعث معاذا قاضيا، فالرسول لا يمكن أن يبعث إلى قوم على دين آخر قاضيا من عنده.
ثم إذا افترضنا أن الرسول أرسل معاذا قاضيا، فإنه سيكون قاضيا في المنطقة التي هو فيها، وهي محدودة مكانا وسكانا. أما المناطق الأخرى سيبقى القضاء فيها لدى زعماء الناس وعقلاءهم كما كان عبر العصور.
لم يعين الرسول قضاة، ومن المستحيل فعل ذلك، لأن ذلك يتطلب مئات بل آلاف العلماء لمليء جميع نواحي الجزيرة العربية بقبائلها المتعددة. ذلك أنه يفترض حسب، مقولة الاجتهاد، أن يكون القضاة علماء مجتهدون، وأن القضاء سلطة مستقلة عن المجتمع، يعينه السلطان. وهذه النقطة تلقي الضوء على كيفية فهم الإسلام. لقد فهم الإسلام من خلال الدولة الإمبراطورية القائمة التي ظهرت في ظلها مقولة الاجتهاد، وافترض أن القضاء سلطة مستقلة يتولاها مجتهدون في الدين يعينون تعيينا.

ما يدل عليه حديث الإجتهاد في القضاء
أهم ما يمكن استخلاصه من هذين الحديثين, وما فعله النبي من إسناد القضاء إلى بعض أصحابه في وجوده, هو أن أمور الدنيا موكولة للإنسان. وهما, مع فعل النبي, دليل مؤكد لنصوص القران التي أمرت الإنسان بإقامة العدل. والأمر بإقامة العدل يدل أولا على أن الإنسان يعرف العدل بعقله ويميزه عن الظلم، ويدل ثانيا على إيكال أمر العدل إلى الإنسان، بما وهبه الله من عقل وجعله من أخص خصائصه ومن صفاته الجوهرية.
وإسناد الرسول القضاء إلى بعض أصحابه وهو حاضر يعني أن الرسول سيلتزم بما يقضي به الصحابي مهما كانت النتيجة. مما يدل أنه لا يوجد حكم لله في كل مسألة. فلو كان لله حكم في كل مسألة, فإما أن الرسول يعلمه بوحي, وعندها لا يجوز أن يحيل ألامر إلى غيره للقضاء, أو يخبر الرسول الشخص الذي ولاه الحكم بحكم المسألة ويأمره بالقضاء به, وعندها لا فائدة من جعله قاضيا.

لقد أحال الله أمر الدنيا إلى عقل الإنسان. غير أنه في عهد الرسول جعل للرسول ميزة ليست لغيره, هو أنه أحال الأمر إلى الرسول, يحكم بما يراه حقا, وجعل طاعة الرسول في حياته من طاعته. وهذا ليس لأحد إلا للرسول فقط. ومن حق الرسول أن يحيل أمر القضاء إلى غيره من أصحابه, وطاعة الصحابي هنا, الذي جعل الرسول الأمر إليه, طاعة واجبه, ليس لأنه مجتهد يكشتف أحكام الله أو لأنه ولي أمر, بل لأنه طاعته طاعة للرسول الذي ولاه, والرسول طاعته طاعة لله بنص القران. وهذا هو معنى الآية: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم...) (النساء: 59). الذين ولاهم الرسول. فهذه الآية خطاب للصحابة في حياة الرسول الذين شكلوا جماعة قائمة بنفسها لها ولي أمرها الذي طاعته في شؤون الدنيا دين, لأنها طاعة لله, وليس لأحد بعد الرسول هذه المكانة إطلاقا. فإن حدث نزاع مع من ولاه الرسول, مثل نزاع أفراد سرية مع قائدها وهو سبب نزول الآية, فيجب رد الأمر إلى الرسول (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول).

وعندما جعل الله طاعة الرسول دينا, وهي مكانة خطيره, ضمنها ضمانة كاملة: فالرسول عاقل وحكيم بل في ذرى العقل والحكمة, والرسول عادل ولن يظلم أحدا, ولن يجير هذه المكانة لمصحلته الشخصية ومصلحة أسرته, ولن يدفع بأصحابه إلى المعاطب ليجني مصالح دنيوية أو ليبني ملكا له ولابنائه. و فوق هذا فالرسول, مع عدله ورجاحة عقله, تحت رعاية الوحي, يسدده إن أخطأ, ونزلت عدة آيات تعاتب الرسول.

فمن يدعي هذه المكانة, ويدعي أنه يقوم مقام الرسول في أمته سواء كان حاكما أو مفتيا, وأنه ولي أمرها في أمر الدين أو الدنيا, وأن طاعته واجبه ومن الدين, بدون هذه الضمانات فليس إلا افاكا كبيرا.

تحريف معنى الآية 59 من سورة النساء:
(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول ...).
لقد حُرف معنى النزاع في الآية المشار إليها إلى معنى اختلاف المجتهدين في حكم مسألة, وحُرف معنى (الله ورسوله), رغم أنهما اسمي علم, إلى الكتاب والسنة. وحسب هذا المعنى المحرف, إذا وقع خلاف بين المجتهدين فيجب أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة, أي إلى للنص. وحمل الآية على هذا المعنى يجعلها في غاية العبث والهذيان الذي لا يصدر عن عاقل.
الاختلاف الذي يقع بين المجتهدين, وفق نظرية الاجتهاد, لا يقع في مسألة جاء فيها نص ثابت قطعي الدلالة على الحكم. وإنما يقع في مسألة فيها نص ظني (غامض) أو لا نص فيها. وإذا كان الإختلاف في فهم النص نفسه فكيف يمكن الرجوع للنص, وأيضا, إذا كان الإختلاف بسبب انعدام النص فكيف يمكن الرجوع للنص.
ومعنى الرد إلى الكتاب والسنة أن هناك حكم في الكتاب والسنة في محل النزاع, وإلا لا معنى للرد إلى الكتاب والسنة. وهذا يعني أن الآية جعلت شرط العمل بالكتاب والسنة وجود نزاع, فإذا انعدم النزاع وتم الاتفاق على ما يخالف الكتاب والسنة فلا مشكلة.
وإذا تجاهلنا هذا التفسير المغرض الذي يحول الآية إلى هذيان, فالآية إذا كانت خطابا للمجتهدين فهي خطاب للصحابة, أو مجتهدي الصحابة, قبل غيرهم عند نزولها, ومعنى هذا أنه يحق للصحابة الاجتهاد في حياة النبي لمعرفة حكم ما لا نص فيه. وهذا معنى لا يقول به أحد. وإذا كان هذا المعنى غير جائز وقت نزول الآية فلن يكون جائزا بعد ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظة
انور سلطان ( 2016 / 4 / 14 - 02:32 )
ورد أعلاه أن لفظي الله ورسوله اسمي علم, والحقيقة أن لفظ الله اسم علم, بينما لفظ رسوله اسم معرف بالاضافة في حكم اسم العلم لأن المقصود به شخص بعينه هو النبي محمد

اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر