الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الشعراء الصعاليك في الادب العربي

ماجد عزيز الحبيب

2016 / 4 / 17
الادب والفن


ظاهرة الشعراء الصعاليك في الادب العربي

الصعلوك هو الفقير الذي لا جاه عنده ولا مال يعتمد عليه والذي يواجه الحياة بمفرده بقسوتها في جميع حالاتها. والصعلوك تأتي بمعنى اخر هو المتسكع الذي يعيش على الهامش او المحتال وقولهم صعاليك العرب في الجاهليه اي لصوصهم ومعنى قولهم عرفته صعلوكاً اي رذيلاً و لصاً. اي ان المعنى الاكثر انطباقاً عليهم هو الاشخاص الخارجون على القانون والاعراف فيصبحون غير مسيطر عليهم يعملون بما يحلو لهم.
التسكع والتشرد هي صفة من صفات الصعاليك .يعود الصعاليك لقبائل عربيه مختلفه ظهرت حركتهم في الجزيره العربيه في عصر ما قبل الاسلام نتيجه الفقر والجوع الذي كان ينتشر في ارجاء الجزيره العربيه فخرجت هذه الفئه بحركه تمرديه على هذا الحال الموجود فنفرتهم قبائلهم وحتى ان الكثير من هذه القبائل لم تعترف بهم واعتبرتهم اناس غير سويين حتى ان بعضا من هذه القبائل اباحت دمائهم وتم مطاردت الكثير منهم فأخذوا التلال والجبال مسكنا لهم مما اطكرهم الى التشرد فعاشوا حياة تحارب الفقر والاضطهاد.
الصعاليك اناس اقوياء جسدياً لم يجاريهم احد بعدوهم وهم اناس شجعان وواسعي الخيال ولهذا امتهن الصعاليك مهنة غزو القبائل بقصد الاخذ من هذه القبائل واعطاء الفقراء والمحتاجين والمضطهدين والمنبوذين ما تجود به غزواتهم ورغم فقرهم هذا لم يكن هؤلاء الصعاليك ببخلاء فيسعون دائما لتقديم المساعده الى كل من يعرفون انهم بحاجه .الغالبيه من الناس ترى ان الصعلكه انها قائمه على السلب والنهب وسرقه الغير ولكن بمفهوم هؤلاء الصعاليك وحسب مفهومهم ان للفقير حق بمال الاغنياء والبخلاء فهم اي الصعاليك لم يتعرضوا يوما للاسياد او الاشراف بل كانت غزواتهم موجه فقط الى الاغنياء والبخلاء الذين يروا في الفقير وكأنه عاله على هذه الدنيا ولم يعرفوا بأن الحياة هي من افرز هذا على هؤلاء الناس فأصبحوا دراويش وفقراءفليس ذنبهم بل ذنب الحياة التي جارت عليهم ومن هنا جاءت الثورة او التمرد للصعاليك ضد الفقر والعوز وضد جشع الاغنياء.
ومن خصائص الصعاليك غير التي ذكرتها ايضاً هو الكبرياء واعتزازهم بالنفس وهم يمجدون بما يفعلونه بل انهم على قناعة تامه بما يفعلون. اغلب الشعراء الصعاليك قد نفرتهم قبائلهم الا الشاعر الصعلوك عروه بن الورد الذي ظل يحتل مكانة كبيره في قبيلته بالرغم من انه كان يغزو القوافل والقبائل ليس بقصد النهب والسلب لمنفعته الخاصه ولكن من اجل اطعام الفقراء والمساكين .كانت رؤية الصعاليك للحياة رؤية تختلف عن رؤية غيرهم فقد جاءت قصائدهم تحاكي عن شجاعتهم وبطولاتهم وتحديهم للمجتمع الذي كان مقصراً بحقهم فكانوا يمتازون بعاطفه شديده وسعة الخيال فجاءت قصائدهم تحاكي واقعهم وحملت كلمات قصائدهم الحكمه والمعنى الغزير ورصانة الكلمات.
هل كان الصعاليك يحملون روح الانتقام نتجه خلعهم من قبائلهم واصبحوا مشردين انا اعتقد غير ذلك وانا اعتبر ان ظاهرة الصعلكه هي عبارة عن اولى ثورات العرب في العصر الجاهلي او اولى حركات التمرد ولكن هل كانت ثورة نقيه مئه بالمئه فالجواب لا.ورغم ان الصعاليك جميعاً وهذا ما عرفناه من بطون الكتب يعترفون بأن سلبهم ونهبهم للاغنياء لا يعود عليهم بالمنفعه الشخصيه ولكنه لمنفعة الفقراء فهذا ليس بالسبب الكافي لتبرير ظاهرة النهب والسلب لديهم.
نبذ الواقع المزري المحيط بهؤلاء اي الصعاليك هو السبب في ظهور هذه الحركه او هذا التمرد.
يعد شعر الصعاليك في الادب العربي ظاهرة متميزه فهو شعر يدعو الى نبذ الواقع المحيط وفيه دعوه الى الثوره على الاغنياء والمستغلين وفيه تبرز ايضا ظاهره الشجاعه والبطوله والقوة وكذلك القسوة ولكنه حمل جمال القدرة الفنيه والاحساس المرهف كذلك تجد في اشعارهم نغمه الحزن والفقر والجوع والحرمان ورغم كل ذلك فهم عرفوا اايضا بالصبر والتحمل وقوة البأس وان اشعارهم ولغتهم الشعرية اتسمت بالترفع والسمو والشعور بالكرامه والكبرياء في الحياة.
يروا الصعاليك بان لهم واجبات فلا يستطيعوا القعود والسكينه عن الغزوات لان هناك من ينتظر منهم مد يد العون له الا وهم الفقراء والمحتاجين والنساء المعوزات. الصعلكة لا تعني الضعف بالضروره فهي قد تكون التمرد او الثورة على سلطه القبيله والثأر على الظلم والقهر والاستبداد الذي تمارسه القبيله بسلطه شيوخها واغنيائها.
ذؤبان العرب اسم اخر اطلق على الصعاليك لما تميزوا به من سرعه الجري والعدو.حمل الصعاليك نمطاً فكرياً واجتماعياً مغايراً لما كان سائداً في العصر الجاهلي فأصبحوا بنظر ابناء جلدتهم حالة شاذه. ونتيجه لهذا التسلط القهري القبلي ونتيجه الفقر الموجود ونتيجه للظروف البيئيه التي احاطت بهم كونهم يعيشون في الصحراء وقسوه هذه الصحراء عليهم وشحة الغذاء والماء وعدم ترتيب الحياة فقد ولدت هذه الحركه الفكريه والنفسيه والاجتماعيه من رحم المأساة واخرجت ما يعرف بالصعلكه.
ان الكثير من الصعاليك هم من ابناء الحبشيات والذين كان يأتون بالمرتبه الثالثه او الرابعه حسب تصنيف القبيله لأبنائها فالاسياد والاغنياء بالمرتبه الاولى والداخلين على القبيله من غير القبائل الاخرى بالمرتبه الثانيه وابناء الحبشيات والذين يطلق عليهم بغربان العرب لسواد بشرتهم وتشبيها لهم بالغربان السود ومنهم الصعاليك بالمرتبه الثالثه والرابعه.
في شعر الصعاليك واضافة لما ذكر من فلسفه والفكرة التي حملتها قصائدهم فقد كانت قصائدهم خروجا من نمطية بناء القصيده العربيه فقصائدهم لم تكن طويله بل كان اغلبها قصير ولكن كانوا يعرفوا ما يريدون توصيله في هذه القصائد والابيات الشعريه اي مختصر مفيد والتي كانت تحمل في طياتها مناصره الفقير والعطف عليه والرفق به.لم تكن قصائدهم تتغزل بجسد المرأه او بوصف الناقه او الاطلال كما كانت قصائد الجاهليه بل كانت قصائدهم ترتكز على ما ذكرناه سابقاً.
من الشعراء الصعاليك الشنفرى وتأبط شرا وعروه بن الورد والسليك بن السليكه وقيس بن الحداديه وحاجز بن عوف الازدي والحارث بن ظالم المري وابو منازل السعدي والخطيه بن نويره والقتال الكلابي وفضاله بن شريك الاسدي والاعلم الهذلي .
ان شعر هؤلاء الشعراء الصعاليك كان شعرا صادقا صافيا ملتزما وقويا ورصينا وهو وجه اخر يضاف الى الشعر الجاهلي ويزيده قوة واثراء وجمالاً وعمقاً ادبياً كبيراً لانه شعراً صادقاً نابع من قلوبهم.
اذا اردنا ان نقرأ شعر الصعاليك يجب ان نقرأ النص وحده وفهمه جيداً لا ان نكون سلبيين يحددنا اتجاه واحد نحوهم ونفكر بانه شعر غايته الحث على النهب والسرقه والتعرض للاخرين والقتل .اغلب الشعراء الصعاليك واخص منهم الشنفرى كواحد من ارادوا ان يسموا الحقائق باسمائها هذا الشاعر من حبه للحياة وللحريه كان يرفض وبشكل قاطع تسلط القبيله بكل شئ كان الشنفرى شاعرا بارعاً له مكانته بين شعراء العصر الجاهلي.
ظاهرة الصعاليك في الادب العربي ظاهرة فريده تحتاج الى دراسات موسعة بعيده عن التزييف .حين التركيز في قصائد الشعراء الصعاليك كعروه بن الورد والشنفرى وتأبط شرا والسليك بن السليكه وغيرهم فاننا تقف امام عظمة اشعارهم وامام ادب عميق ومؤثر وكبير ولهذا بقيت اشعارهم يداولها الناس منذ ذلك الزمان ولهذه الساعه.
لنأخذ واحد من الشعراء الصعاليك الا وهو عروة بن الورد الذي كان طموحاً يحب الغنى والكسب ويحب الزعامة لكن كان يحلم بأن تكون العداله هي السائده وان الناس كلهم سواسيه لا فرق بين ابيض واسود بين غني وفقير هذا كله جعل الخليفه عبد الملك بن مروان يستشهد به وبصفه الكرم فقد كان عروه كريما جداً يحب الفقراء ويعطيهم كل ما يريدون وكان عروه ايضا يحب التنظيم ويحب القياده فكانت غزواته منظمه ومرتبه وكان عادلاً حتى جعلوه الصعاليك اميرا لهم لما يمتاز بالحكمه والذكاء فكان يحل خلافاتهم ونزاعاتهم .هو فارس من فرسان العصر الجاهلي لقب بعروة الصعاليك لقوله
لحى الله صعلوكاً اذا جنَ ليلهُ مضى في المشاشِ الفا كل مجزرِ
يعدُ الغنى من دهرهِ كل ليلةِِ اصاب قراها من صديقِِ ميسرِ
وللهِ صعلوك صفيحة ةجههِ كضوء شهاب القابس المتنورِ
اضفى عروه على الصعلكه نوع من الاحترام والتقدير فقد تحلى بمكارم الاخلاق وبالسخاء واعانه الفقير ولقد قال عنه الخليفه عبد الملك بن مروان مستذكرا عروه من زعم بأن حاتم ويقصد هنا حاتم الطائي اسمح الناس فلقد ظلم عروة بن الورد.كما قال فيه معاويه بن ابي سفيان لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت ان اتزوج اليهم كما ان الاصمعي وقد وصفه بالشاعر الكريم وكريم الجود .كانت اشعار عروه بن الورد توحي بالتضحية والجود والفداء في سبيل اسعاد الفقراء.
وكان عروة بن الورد يكره الكسل والقعود ويعتبره ليس من صفات الرجال وكان يشجع الناس للخروج والسير في الارض والنعم من خيراتها وجاءت في الاخبار بأن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب قال لمعلم ولده لا تروهم قصيده عروه بن الورد التي يقول فيها ..
دعيني للغنى اسعى فأني رأيتُ الناس شرهمُ الفقيرُ
كان لعروة بن الورد امرأه اسمها سلمى وهي ابنة المنذر وكانت تلومهُ على الاخطار بنفسه والتعرض للمهالك وادمانه الغزوات فرد عليها قولها بأنه انما ينبغي من وراء كل ذلك المجد والعزه وجمع المال لها ليكفيها بعد موته ثم انه يرسم سياسه للصعاليك فهو لا يريد للصعلوك ان يبقى كسولاً لا يسعى لالتماس المال وانا يريده قوياً شجاعا جسوراً يخشاه الناس ,كانت لعروه بن الورد غريزة وهي رغبه الجود والكرم والبذل في سبيل الفقراء والمضطهدين وقد وفق في ذلك فكان الجود والكرم والسخاء من صفاته.
ومن قصيدته التي يرد على زوجته سلمى هذه الابيات التي فيها من المعنى والعبر ودقة التصويب الكثير..
أقِلِّي عَلَيَّ اللِّـوْمَ يـا ابْنَـة َ مُنْـذِرِ**ونامِي، فإنْ لم تَشْتَهي النَّومَ فاسْهَرِي
ذَرِيني ونَفسـي أُمَّ حَسَّـانَ، إننـي**بها قبل أن لا أملك البيـع مشتـري
أحاديثُ تَبْقَى والفَتـى غيـرُ خالـدٍ**إذا هو أمسـى هامـة فـوق صيـر
تُجَاوِبُ أحْجَـارَ الكِنَـاسِ وتَشْتَكِـي**إلـى كـلِّ معـروفٍ تـراهُ ومُنْكَـرِ
ذَرِيني أُطَـوِّفْ فِـي البـلادِ لعلَّنِـي**أخَلِّيكِ أو أغْنِيكِ عن سُوءِ مَحْضَـرِ
فإن فـاز سهـم للمنيـة لـم أكـن**جَزُوعاً، وهَلْ عن ذاكِ مـن مُتَأخَّـرِ
وإن فاز سهمي كفكم عـن مقاعـدلكم **خلـف أدبـار البيـوت ومنظـر
تقول لك الويلات هـل أنـت تـارك**ضَبُـوءَاً بِرَجْـلٍ تـارة ً وبِمنسـرِ
ومستثبت فـي مالـك العـام إننـي**أرَاكَ عَلَـى أقْتَـادِ صَرْمـاءَ مُذْكِـرِ
وفي قصيده اخرى معنونه بعنوان ومن يسأل الصعلوك اجاد فيها عروه اجاده كافيه في الوصف والدقه والقصيده حوت الكثير من الحكمه والموعظه وهي من البحر الطويل الذي لبدع فيه عروه بن الورد فهو يقول..


إذا المرء لم يبعث سواما ولم يرح

عليه ولم تعطف عليه أقاربه

فللموت خير للفتى من حياته

فقيرا ، ومن مولى تدب عقاربه

وسائلة : أين الرحيل ؟ وسائل

ومت يسأل الصعلوك أين مذاهبه

مذاهبه أن الفجاج عريضة

إذا ضن عنه ، بالفعال ، أقاربه

فلا أترك الإخوان ما عشت للردى

كما أنه لا يترك الماء شاربه

ولا يستضام ، الدهر ، جاري ، ولا أرى

كمن بات تسري للصديق عقاربه

وإن جارتي ألوت رياح ببيتها

تغافلت حتى يستر البيت جانبه .

وهناك شاعر اخر من شعراء الصعاليك لا يقل عن عروة بن الورد في نظم القصائد الكبيره هو الشاعر تأبط شرا شاعر في شخصيته الكثير من العفويه والسذاجه الصادقه وفيها كما غيره من الشعراء الصعاليك نزعة القوه والتحدي وهو ثابت بن جابر الفهمي من تهامه لقب بتأبط شرا لانه رأى كبشاً كبيراً في الصحراء فحمله تحت ابطه فبال عليه طوال الطريق فلما قرب من الحي ثقل عليه الكبش فرمى به فأذا هو الغول فقال له قومه ما تأبط يا ثابت فقال الغول قالوا لقد تأبطت شرا فسمي بذلك.له قصائد كثيره غايه في الروعه والجمال ومنها قصيدته التي مطلعها..

يا عيد يالك من هم وإيراق ومر طيف على الأهوال طراق
يمشي على الأين والحيات محتفيا نفسي فداؤك من سار على ساق
إني اذا خلة ضنت بنائلها وأمسكت بضعيف الوصل أحذاق
نجوت منها نجائي من بجيلة،إذ ألقيت،ليلة خبت الرهط أوراقي
ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم بالعيكتين لدى معدى ابن براق
كأنما حثحثوا حصا قوادمه أو أم خشف،بذي شث وطباق
لا شيء أسرع مني،ليس ذا عذر وذا جناح،بجنب الريد خفاق
وهناك الكثير من الشعراء الصعاليك كما ذكرت قد اثروا الادب العربي بقصائدهم المعبره والجميله التي حملت لنا ما كان يجول في فكر هؤلاء الشعراء الكبار...

ماجد عزيز الحبيب
السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف