الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقي والمال

محمد لفته محل

2016 / 4 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


علاقة العراقي بالمال متناقضة فكريا ونفسيا واجتماعيا، ما بين الزهد به أخلاقياً، والطمع به عملياً، فالمال يحدد المنزلة الاجتماعية ما بين الغني والفقير، ويرتبط المال بالثقافة كالكرم والجود والبخل والحسد وبالروحانيات كالنعمة الإلهية، هذه التناقضات هي موضوع المقال، أي المال ما بين الأخلاق والواقع والدين وما بين نظرة الفقير والغني له لان المال كما يقول الدكتور (أكرم زيدان) (لا يمثل بالنسبة إلى الفرد والجماعة مظهرا من مظاهر الحياة الاقتصادية فقط، بل يمثل أيضا كل مظاهر الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية التي تعكس سيكولوجية الفرد والجماعة.)(1).
كثيرا ما يدّعي العراقي في كلامه زهده بالمال واحتقاره له قائلا (الفلوس وصخ دنية) أو (آني ما دور ماديات) وهي تسمى (مادة) انتقاصا منها باعتبار كل ما هو مادي دنيوي زائل في مقابل كل ما هو أخروي خالد، لهذا يقول العراقي (الغنى غنى النفوس، مو غنى الفلوس) وإن (الفقر مو عيب) واكبر اهانة للعراقي أن يلقى المال بالأرض ليأخذه، ومن يعلن حبه للمال أو يبيع نفسه بالمال سيكون مستهجنا محتقراً من الآخرين وهذه هي النظرة الأخلاقية المثالية له، لان الزهد بالمال من علامات الأخلاق والدين، وان الجنة هي مكافئة الزهاد والفقراء، وإن أغلب الأغنياء يدخلون النار، ويقابلها نظرة أخلاقية عملية مناقضة لها تعترف بقيمة المال الاجتماعية، حيث يكون المال كل شيء (كل شي بفلوس) وإن (الفلوس تجيب العروس) كما يقال بالمثل الشعبي لأنها تجلب السعادة والرفاهية، وهناك مثل آخر (صيت الغنى ولا صيت الفقر) لان مكانة الغني الاجتماعية أعلى من الفقير، وهذه النظرة الأخرى الواقعية شعبيا مناقضة للنظرة الأخلاقية المثالية، فالمال هنا هو الذي يحدد المنزلة الطبقية للشخص ما بين الغنى والفقر، حيث الأول محترم مقدر من الآخرين الذين يسعون للتودد والتملق له، بينما الفقير مستصغرا تعطف عليه الناس وتشفق، حتى أصبح الفقر شتيمة معروفة تطلق عليهم (ﻔ-;-ﮕ-;-ر، ﻔ-;-ﮕ-;-رية، ﻔ-;-ﮕ-;-وره، ابن اﻟ-;-ﻔ-;-ﮕ-;-ر) وهي تعني الفقير! وتتسع لتدل على النحس والشؤم والبلاء! وهنا نتجاوز الأسباب الاجتماعية إلى الأسباب الإناسية فالفقر يصبح قوة غيبية تجلب النحس والسوء والبلاء والفشل والخسارة لصاحبها والآخرون، أما الغني فيسمى (أبن خير) ولا يقال (ابن مال) مثلا لان المال وساخة كما يقال، والخير أيضا قوة سحرية تخص الشخص وتجلب له السعادة والمال والتوفيق والربح والنجاح مثلما نستعملها صباحاً (صباح الخير، اللهم اجعلها خير، الله بالخير، خير شكو؟)الخ كما لاحظ (مارسيل موس) (فإن الرجل الغني هو رجل له "مانا" في بولينيزيا، وهو الرجل الذي يملك السلطة والنفوذ في روما، وهو الرجل "الواسع" (Walas) لدى هذه القبائل الأمريكية)(2). ولأن الخير يأتي من الله كقولنا (خير من الله) فهو يعني أن الغنى عناية ونعمة إلهية، فهل الفقر من الله إذا كان الغنى منه؟ لكن الفقير لا يقول (فقر من الله) بل يحمد الله على حاله (الحمد لله والشكر على كل حال) دون ذكر للفقر؟ ألا تعني هذه العبارة ضمنا احتجاجا عاجزا على الظلم الذي يحسه من الله؟ وإلا لقال (الحمد لله عالفقر)؟ هل هذا الصبر هو عزاء الفقير في استمالة الله بعطفه، بالضبط كما نشكر من هو أقوى منا على ظلمه؟ لكننا نستخدم كلمة (فقير) أيضا للدلالة الإنسان المسالم وغير اللعوب وتشير أيضا للساذج في مقابل الصلف واللعوب؟ وان عبارة (الفقر مو عيب) ما هي إلا رد على أن الفقر عيب، ونحن نرادف بين الفقير والحقير كقولنا (عبد فقير، أو عبد حقير؟) هكذا يُسفل الفقير ويرفع الغني على عكس الموقف الديني الذي يرفع الفقير حبيبا لله ويتوعد الغني بالنار إذا لم يزكي ويساعد الفقراء، وإذا كان التقسيم بيد الله لماذا يشتم الفقير؟ وكيف استطاع المجتمع أن يجمع التصورين المتناقضين؟ إذا انتبهنا سنجد أن الفقر كشتيمة يلفظ بالعامية باستبدال حرف القاف بحرف ال(ﮒ-;-) بحيث لا ينتبه إليها احد، وإذا أردنا مدح الفقير فإننا نلفظه بالفصحى، وبهذه الحيلة اللغوية توازى التصورين جنبا إلى جنب دون أن يصطدم التصور المثالي بالواقعي، وبهذا التسفيل للفقير يصبح فاصل طبقي بينه وبين الغني يحول دون التواصل الإنساني الطبيعي لأنه يخلق ثقافة عنصرية بينهما حيث لا يمكن الزواج بينهما أو الصداقة أو السكن في مناطقه، فالغني ينظر بدونية للفقير، يتباهى بغناه ويستهزء ببساطة الفقير، بينما الأخير يرى الغني متكبرا عليه محترم اجتماعيا فينظر بحسد أو حقد أو كبرياء له، لأن الغنى علامة نجاح الفرد اجتماعيا، فيكون رد فعل الفقير بالطعن بشرعية مال الغني باتهامه بالبخل والكسب الحرام وانه (الفقير) اشرف من الغني بماله الحلال الذي حصله بكده وتعبه، جاعلا هذا الكدح هو مقياس شرفه وحلاله! وهو تأبيد لوضعه بدل تغييره، وبدل الخجل من وضعه يتفاخر به! أما الغني فينظر للفقير كطامع وحاسد لماله فيحذر منه، والمثل يعترف بتأثير المال الطبقي والنفسي (الفلوس تغير النفوس) وإن قيمة الإنسان يساوي ما في جيبه من مال! والمثل الانجليزي يقول (إذا أردت أن تعرف حقيقة إنسان فأعطه مالا أو سلطة) فاوجد فقراء يدعون الغنى لتجاوز الإحساس بالدونية الاجتماعية، واوجد أغنياء يدعون الفقر خوفا من الحسد والطمع بمالهم، فالفقير بين نارين حين يجمع المال يخشى أن ينظر إليه أقرانه نظرتهم للغني، فيقوم بإخفاء ماله والتظاهر بالبساطة والتقشف والعوز، رغم انه يتمنى أن يعيش مثل الغني مرفها سعيد محترم اجتماعيا، ولأنه يعجز عن الوصول إلى مكانته فانه يتمنى سلبها أو فقدانها منه ليكون بمستواه، أو يحاول التقرب والتودد له لحاجته له ولمصلحته أحيانا، أو تعزية نفسه بالفقر كوسيلة للجنة. ودونية الفقر تبقى تلاحق الفقير حتى لو اغتنى (ﭼ-;-ان حافي وطگ) أما الغني حين يفلس يظل يقال عنه (ﭼ-;-ان أبن خير)!. وتأثير المال يتسرب في لغتنا اليومية وفي المواضيع التي لا علاقة لها بالمال فإذا أردنا رفع قيمة بعض الأشياء نشبهها بقيمة المال كقولنا (كنوز حضارية، يملك ثروة معرفية، رأسمال ثقافي، بنك المعلومات) وهناك مثل شهير يشبه الكلام بالمال وما يعادله (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) وحتى الحبيب نقول له (غالي) والشيء الفاخر نقول عنه (لا يقدر بثمن) وحتى الدين يسمي الثواب (أجر)، وربما أن ضمير التملك باللغة الدارجة (مالتي، او مالي) هي من جذر كلمة مال؟ وللمال تأثير روحي أيضا حيث يعتقد العراقي إن هذا المال هو نعمة من الله عليه نتيجة إيمانه به، فيحرص على العبادة أو الشكر أو التصدق على الفقراء أو الدعاء بدوام الثروة (النعمة)، ومن هنا فإن تقبيل المال عند بيع أول بضاعة صباحا (استفتاح) هو ليس تقبيل المال بذاته، بل لأنه هبة (رزق) من الله له كما يعتقد وكما يقال (خير من الله)، ولهذا يردد الشحاذ (ساعدوني من مال الله) وحين نعتذر عن مساعدته نقول له (الله ينطيك) أو نعطيه (هالقاسمة الله) ويرد علينا الفقير (الله يزيدك) ولذلك البائع يقول (على باب الله) كون الله مصدر المال، والمثل الشعبي العراقي يقول (المال مال الله، والسخي حبيب الله) إن عبارة (الرزق على الله) هي وسيلة ضبط اجتماعي للحد من التنافس والتحاسد بين الناس للحؤول دون دخولهم في نزاعات عنيفة، فما دام الله هو الذي يقسم المال على الناس فلا داعي للتنافس بين البشر، وهي وان حققت عدم التصادم لكنها فشلت في تنظيم التنافس على العمل فبقي التغالب والاحتيال والحسد بين الناس. وما دام المال مال الله فيجب عدم جمعه بدون توزيع جزء منه للفقراء ثمناً لدفع البلاء (دفعة بلى=بلاء) وهي وسيلة تكافل اجتماعي، فالله/الجماعة المالكة الحقيقية للمال تقسم الحصص كل حسب حصته (رزقه) فإذا حصل بعض على حصص كبيرة يجب أن لا يكنزوها وإنما يعطون جزءا منها للفقراء واجباً لتدوير المال بين أفرادها لأنه ملك الجماعة/الله كلها لتحقيق العدل والتكافل وعلى الفرد أن يقبل بهذه (القسمة) وهذا هو التفسير الاجتماعي. وللمال علاقة وثيقة بالحسد فحين يخسر الفرد بالمال سواء بالبيع أو الشراء أو صفقة أو تدني أسعار السوق يكون الحسد هو الاتهام الذي يوجه للآخرين أو يعتقد أن الله يعاقبه بسبب ذنب اقترفه أو ضعف إيمانه أو اختبار، بينما يرى الفقراء أن هذه الخسارة هي عقاب الهي بسبب ماله غير الشرعي أو بخله، ولهذا يحرص الغني والفقير على إخفاء رصيده المالي كمدخر أو كراتب شهري أو كدخل يومي من مهنته الحرة عن الآخرين، وقد يصل البعض إلى شراء سيارات قديمة وملابس بسيطة وبيت عتيق من اجل عدم إظهار الغنى عليه! وهذا السلوك يبرز غالبا من الفقراء الذين اغتنوا لاحقا، وقد يصل الخوف من حسد ماله حتى من أهله وعائلته فيخفي رصيده حتى عنهم وكما يقال بالمثل (ما يحسد المال إلا أهله) والناس من جانبها تشك بالذي يتشكى كثيرا من العوز المالي فاختلط (اليابس بالأخضر) بين الصادق والكاذب! رغم أن الإسلام يقول (وإما بنعمة ربك فحّدث) أي يرفض السرية بجمع المال. وهناك مونولوج للمنشد (علي الدبو) اسمه (ماكو ماكو) يصف فيه ببراعة خوف الناس من حسد المال.
يقول عالم الاجتماع الدكتور (علي الوردي) (ان حب المال، أو ما يسمى أحيانا بالنزعة المادية، من أهم خصائص أهل المدن. وهم يختلفون فيها عن البدو اختلافا واضحا. فقد رأينا من قبل أن البدو يحبون المادة، ولكنهم لا يحبونها لذاتها بل لكي يتكرموا بها على الناس فينالوا المكانة العالية والسمعة الحسنة بينهم.)(أما أهل المدن فيسيرون على مبدأ آخر هو أن "القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود". فالقرش هو عصب الحياة في المدن، حيث يستطيع الانسان به أن يشبع حاجاته المتنوعة، ويضمن مستقبله، ويقترب الى الحكام، ويحيط نفسه بالمظاهر التي تجلب الجاه والنفوذ.)(ويجب أن لا ننسى أنهم (الفقراء) كانوا يحسدون الغني، ويبحثون عن عيوبه. وكثيرا ما يتحدثون في مجالسهم الخاصة عن الوسائل "الدنيئة" التي جمع بها ماله. ولكنهم لا يكادون يرونه قادما عليهم حتى يقوموا له احتراما ويوسعون له صدر المجلس.
وكان الغني يعرف كيف يدعم وجاهته ويرفع مكانته بين الناس. فهو يتقرب الى رجال الدين ويبذل لهم الاموال ويبكي لمواعظهم)(كذلك ينتهز فرصة الاعياد والمواسم الدينية، فيقيم الولائم والحفلات ويتصدر المواكب، ويتبرع "في سبيل الله" من ماله قسطا كبيرا.)(3)
إذا أردنا تفسير كل هذا التناقضات سأستعرض رأي علماء الاجتماع بالموضوع، فعالم الاجتماع (كارل منهايم) يصنف نوعين من الأفكار واحدة تدافع عن مصالح الجماعات المظلومة والمسحوقة وسماها الأفكار الطوباوية، وأفكار تدافع عن مصالح الجماعات المتنفذه والحاكمة وسماها الأفكار الأيديولوجية(4) أما عالم الاجتماع (ماكس فيبر) فصنف نوعين من المعتقدات الدينية تبعا للطبقات الاجتماعية فميز بين دين أصحاب المميزات ودين غير المميزين مسمي المعتقدات الأولى (تبرير الحظ) والثانية (تبرير اليأس والهروب) فتعتقد الفئات المسحوقة إن الفقر هو طريق الخلاص للفوز بالآخرة، وبأن الجحيم سيكون مكان الأثرياء، وهذا الاعتقاد تبرير لأوضاعهم الاجتماعية، بينما تعتقد الطبقات الثرية أن ما تتمتع به من ثروة ووضع طبقي هو برهان لرعاية الإله لها، وهو اعتقاد ديني تبريرا لأوضاعهم الاجتماعية(5) في حين يفسرها (ج.دو غريه) بهجوم الطبقة المضطهدة على مضطهديها، لكن هذا الهجوم لا يستهدف الطبقة المضطهدة ذاتها وإنما نظام القيم ومفاهيمها، لأنها تفتقر إلى القوة والشجاعة والاستعداد التاريخي أو الظروف الاجتماعية السائدة لفعل ذلك(6) أذن فالصراع أو التفاوت الطبقي بين الأغنياء والفقراء، هو سبب العلاقة المتناقضة بين العراقي والمال، فسوء توزيع الثروات بيد أقلية تحرم أكثرية من حقوقها في التساوي بالتوزيع العادل للثروة، وهكذا ظهرت أخلاق طبقية للأغنياء وللفقراء متناقضة، واحدة تمجد المال والغنى، وأخرى تسفل المال والغنى، وأخلاق مثالية تدعو للزهد، وأخلاق واقعية تدعو لجني المال وترفع من شأن الغني وتحط من شأن الفقير، أما عمليا كلاهما يلهث وراء جمع المال ويخاف من عيون الطامعين والحاسدين. فما كان من الفقراء إلا أن يتهموا الأغنياء بالبخل والكسب الحرام واعتقادهم بدخولهم النار على ظلمهم، وتمنيهم بالخسارة والإفلاس للغني ليكونوا فقراء يعانوا ويكدحوا ويشقوا مثلهم، أو يحسدهم على عيشتهم التي لا تقارن ببؤسهم وشقائهم وتعاستهم، بينما هم يدخلون الجنة بمالهم الحلال لان الكد والتعب هو مقياس الحلال والشرف عنده! وهو بذلك نتيجة عجزه عن الوصول لمنزلة الغني فراح يتمسك بكدحه! والغني بدوره يعرف أن الفقير يحسده ويتملق له وانه أدنى منه منزلة اجتماعية، وان الفقير يحتاجه بينما هو في غنى عنه، فيحتقره ويضع فواصل طبقية تحول دون المساواة معه اجتماعيا. وخير وصف لهذه الحالة للروائي (اندريه مالرو) (حينما يكف المضطهد عن محاولة الهروب من ذله ليطلب فيه خلاصه، وحينما يكف الشغيل عن محاولة الهروب من كدحه هذا ليجد فيه مبرر وجوده. المصنع الذي لا يزال اشبه بكنيسة الدياميس يجب ان يصبح كالكاتدرائية، وعلى الانسان ان يرى فيها عوضاً عن الآلهة، القوة الانسانية وهي تصارع الارض.)(7)
وأخيرا للتحليل النفسي نظرية يكشف فيها العلاقة بين المال والبراز على أسس نفسية التي تتكون بداياتها بالطفولة في الطور الايروسي الشرجي كما يسميه (سيغموند فرويد)، فحجز البراز يثير عند الطفل التنبيهات الحسية العصبية في فتحة الإست تجلب له اللذة، وحين يرفقها تدعيم ايجابي من الوالدين لقدرته على السيطرة على برازه، فيعتقد الطفل أن البراز له قيمة كبيرة نظير الهدية والجائزة، فيصبح الطفل مبذرا عند البلوغ لان المال سيكون نظير البراز كلما أخرجه يتذكر الثناء والمديح من الأبوين، أما إذا فشل الطفل في ذلك فيظهر التدعيم السلبي المتمثل في عقاب الوالدين، حينها يحجز الطفل البراز بالشرج لفترات طويلة عنادا بهم على سوء المعاملة التي يفرضها الوالدين على تدريبه للمرحاض، فيصبح هذا العناد مورثا للبلوغ، فالبخيل يعامل المال كما كان يعامل برازه في طفولته حين كان يحجزه ويمسكه(8). وهذه العلاقة واضحة في لغتنا العراقية الدارجة حيث نسمي المال بذات المفردات التي نشير بها للبراز فمثلا (المال وصخ=البراز وصخ) والغني جدا نصفه (يخّري فلوس) ونسمي البراز (خروج) ونسمي صرف المال (خرجتهن أو خرجتها أو خرجية)، كذلك نصف رأس المال بكلمة (صرماية) وهي من جذر كلمة (صرم=شرج) ونحن نشير للذهاب للمرحاض بعبارة (احاسب العمال) التي تعني تسديد الأجور، فالأجر النقدي يعادل البراز، ونسمي مجرى أنابيب المراحيض (تصريف المياه أو الصرف الصحي)، وهي الكلمة ذاتها (تصريف، صرف) التي نستخدمها في دفع المال الذي يسمى أيضا (مصروف)، ونحن نسمي التغوط عادة ب(قضاء حاجة) وكلمة (محتاج) تعني طلب المال غالبا، وكلمة (صرة) التي تعني كيس من القماش لادخار المال تعني أيضا عضلة فتحة الشرج ولذلك لازلنا نقول (فلس احمر) تشبها بفتحة الشرج ولونه؟، والبخيل نصفه (صام ايده) وهي ذات الكلمة التي تستعمل لحجز البراز (صم طيزك) واخذ المال يسمى (قبض) وهي ذات الكلمة التي تستعمل لحجز للبراز. فيكون عندها السبب واضح في تحقير المال.
السؤال المحرج إذا كان المال قرين البراز كيف يكون الله مصدرا له (من مال الله) أيضا؟ أتصور أن المال يفقد وساخته حين يكون حلالا فنسميه (رزق، نعمة، خير) ونقبل الورقة النقدية ونضعها على الجبين في الاستفتاح لأنه هبة من الله، الذي يغير طبيعته وتسميته فنقول (فلوس بيهم بركه)، أما حين يكون مصدر المال حراما فيكون بلا بركة (فلوس ما بيهن بركة) سريعة التبذير (مال حرام للحرام) ويسمى بأسمائه الدنيوية (فلوس، مصروف) ويبقى قرين البراز لان مصدره طمع الإنسان. ويساعد في هذه الصورة الازدواجية هي تناقض الصورة الاجتماعية بين المثال الأخلاقي والواقع العملي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_د.أكرم زيدان، سيكولوجية المال، هوس الثراء وأمراض الثروة، عالم المعرفة، 2008مايو، ص10.
2_مارسيل موس، بحث في الهبة، شكل التبادل وعلّته في المجتمعات القديمة، ترجمة المولدي الأحمر، المنظمة العربية للترجمة، ص 125.
3_الدكتور علي الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، إصدارات دار الحوراء، 2005، ص318، 319.
4_معجم علم الاجتماع، تحرير البروفيسور دينكن ميشيل، ترجمة الدكتور إحسان محمد الحسن، دار الرشيد للنشر 1980، ص195.
5_د.مهدي محمد القصاص، علم الاجتماع الديني، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع_العراق، الطبعة الأولى 2014، ص 114، 115.
6_الدكتور علي الوردي، دراسة في سوسيولوجيا الإسلام، ترجمة رافد الاسدي، الطبعة الأولى الوراق للنشر 2013، ص142، 143.
7_د.صادق جلال العظم، النقد الذّاتي بَعدَ الهزيمة، دار الطليعة- بيروت، المفكر العربي، الطبعة الاولى أيلول (سبتمبر)1968، ص5.
8_د.أكرم زيدان، سيكولوجية المال، ص34، 35.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس