الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النزاع على السلطة اساس الأزمة في العراق

أحمد إبريهي علي

2016 / 4 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


السلطة هي المحور الرئيسي للنشاط السياسي في العراق، وإن الحرب والأرهاب والعنف عموما بمختلف عناوينه، وإدعاءآت الجهات التي تزاوله، من ادوات ونتائج النزاع المستدام على مواقع الرئاسة والأدارة العليا في الدولة. والسلطة، في بلادنا، هي الطلب الأسمى لدى اغلب المنخرطين في الشأن السياسي والهدف الذي يهون في طلبه سحق الحقوق والكرامات وقتل الأبرياء العزل وتجويع الناس وتخريب البلاد. وهي، اي السلطة، تقريبا كل المجد والرأسمال الرمزي في العراق، وهكذا هي أعلى صور التعبير عن وجود الأفراد والجماعات البشرية، ولهذه العلة ينظر إلى قيمة الطائفة والمجموعة الأثنية والعشيرة والشخصيات في ميادين العلم والفكر والأبداع بمقدار حصتهم من السلطة. وفي ظل هذا النسق الثقافي ،العدمي المفارق للعقلانية، يفهم ان الدولة وجدت من اجل السلطة. وان الوظائف المتعارف عليها للدولة في البناء التحتي والخدمات العامة ، وتنظيم الحياة الأقتصادية والأجتماعية ،وحماية الحقوق والعدالة، والأمن، وتأمين الرفاه وفرص الحياة الكريمة للجميع، وقيادة التطور الحضاري والارتقاء الأنساني ... هذه مسائل لا قيمة لها عند الفحص الموضوعي للمعايير التي تحدد السلوك العملي للأحزاب والسياسيين. ولكن لا بد من إدعاء الأهتمام بواجبات الدولة المتعارف عليها ، وتمثيل الحرص على الكفاءة والنزاهة من اجلها ، وفي احسن الأحوال، ولدى الوسط السياسي الأكثر ايجابية والاعمق وعيا، تأتي في التسلسل الثالث او الرابع في سلم الأولويات .
ومن الواقعية الأعتراف بان النزاع الكبيرفي العراق ليس بين الأصلاح والفساد، ولا هو بين التخلف والتنمية ، كما انه ليس بين الليبرالية الجديدة وبدائلها في تعريف الدور الأقتصادي للدولة ، بل هو حول السلطة. لأحتكارها ، او الهيمنة عليها ، او إعادة إقتسامها ... هي بذاتها وليس بصفتها اداة للسيطرة على الدولة وتشغيلها لخدمة اهداف في الأقتصاد والمجتمع او سوى ذلك. ومنظومة القيم البائسة، تلك، التي تحكم السياسة في العراق هي كفيلة بتوليد المزيد والجديد من التناحر والتشرذم بين الزعماء القدامى والجدد وآخرين من دونهم يتربصون.
وليس من المستغرب في هذه البيئة إهمال مقترحات الأصلاح في عمق الدولة وتنظيم وادارة العمليات، التي تؤدى بها الوظائف الأقتصادية والمالية والأمنية وسواها، حتى في الأوساط المتعاطفة مع حراك مكافحة الفساد وتطوير الخدمات وتوسيع فرص الرفاه والعدالة الأجتماعية . ومثل هذه المواقف هي ادلة اخرى على ان السلطة تشغل الأذهان والضمائر، وان الشكوى المريرة من عدم الكفاءة والفشل لا تعني وجود قوة اجتماعية سياسية تريد وتستطيع تهميش قيمة السلطة لصالح الأحتياجات المشروعة للناس وحق العراق في الأمن والازدهار.
وهنا قد يتساءل القارئ الكريم واين الأنقسام الطائفي في هذا التوصيف، والجواب ان هذا الأنقسام، وما يشتمل عليه من كراهيات لا تنكر، ما كان له ان يتخذ الأشكال المعروفة في العراق لولا تزاوجه المالوف مع النزاع المحمموم على السلطة. ومن اوضح صيغ التعبير عن هذا التزاوج هو الأصرار على تعريف الهيمنة والأضطهاد والأقصاء والتهميش الطائفي بتوزيع مواقع الدولة بين زعماء الطوائف. اما ممارسة البشر لحقوقهم الثقافية ومعتقداتهم الدينية وحرياتهم المدنية، وفرصهم في الحصول على خدمات الأمن والتعليم والصحة والعمل، وتوزيع الثروة والدخل، واسهامهم في صناعة الحياة المشتركة، مما تقوم عليه احزاب السياسة في العالم، فهذه لم تكن يوما ما ميدانا لتعريف العدالة والهيمنة والأقصاء والتهميش في بلادنا. بل وحتى الأستقطاب الطائفي الذي اتجهت نحوه المنطقة، من الثمانينات وحتى الوقت الحاظر مرورا بالأحتلال الأمريكي للعراق وما تلاه، نجده يحتدم في العراق عبر اطراف وآليات النزاع على السلطة.
وما لم تعالج هذه المشكلة جذريا يبقى شعب العراق معذبا والدولة فاشلة والدماء تسفك والموارد تهدر، ضعفاء يتهددنا القاصي والداني. ولا سبيل إلى الخلاص إلاّ بإسقاط قيمة السلطة وإعلاء منظومة قيم جديدة تجعل السياسة من اجل الدولة التنموية الكفوءة النزيهة العادلة القادرة على فرض القانون والسيادة والأستقلال من اجل الأنسان.
والتغير الجذري من هذا الطراز يتطلب اولا جهدا سياسيا منظما على هذا الأساس الجديد، مجموعة لا تنخرط في النزاع على السلطة ولا تستهدف الوصول إليها ، بل تعمل لأعادة بناء الثقافة المتصلة بالنشاط السياسي للانسان في العراق ، وفي النهاية تتمكن من فرض الضوابط التي تجعل السياسة، حقا وصدقا، ميدانا لخدمة العراقيين في شانهم العام، وبذلك تظهر للوجود نخبة سياسية جديدة وهي تعرف كيف تنهي العداوات الطائفية والتناحرات الأثنية والفساد والظلم.
اعلم ان هذا التصور ، في نظر الكثيرين، مثالي وساذج يتنكر للطبيعة البشرية ودوافعها الأنانية، او أنه لا يأخذ في الأعتبار البنية الأقتصادية- الاجتماعية في العراق الريعي وفي هذه المرحلة من تطوره ... او يقال ان ما يبدو لك من تناحر على السلطة هو تابع لحقائق اعمق اهملتها: وهي عند البعض متطلبات امن اسرائيل في السياسة الخارجية الأمريكية ، او النزاع السعودي الأيراني ، او الأختلاف المذهبي المتجذر والذي تحول إلى هويات متنافية لا تنسجم في كيان سياسي واحد ... وعندي ان البداية الصحيحة في الأجهاز على قيمة السلطة في منظومة القيم وبقية المشكلات قابلة للحل. د. احمد إبريهي علي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. !ماسك يحذر من حرب أهلية


.. هل تمنح المحكمة العليا الأمريكية الحصانة القضائية لترامب؟




.. رصيف غزة العائم.. المواصفات والمهام | #الظهيرة


.. القوات الأميركية تبدأ تشييد رصيف بحري عائم قبالة ساحل غزة |




.. أمريكا.. ربط طلاب جامعة نورث وسترن أذرعهم لحماية خيامهم من ا