الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شاعر المليون ...قاريء !

محمد القصبي

2016 / 4 / 30
الادب والفن


خلال لقائي مع الكاتب الصحفي حلمي النمنم وزير الثقافة المصري منذ عدة أشهر قلت له مايؤرقني :القاريء في مصر والعالم العربي ينقرض ! فقال لي النقيض : القاريء بخير..والكثير من الإصدارات تلقي إقبالا ..ودور النشر في تزايد ..فقط علينا أن نكتب ما يثير اهتمام الناس !
..شعرت أن الذي يتكلم حلمي النمنم المسئول ..الذي يسعى لأن يشيع التفاؤل وأن كله تمام ! ..أما النمنم المثقف والمفكر ..فربما لو التقيت به خارج عباءة الوزارة لسمعت منه كلاما مغايرا ..، على أية حال كلماته لم تزعزع رؤيتي أن القاريء العربي ينقرض ..هذا ماتؤكده إحصائيات اليونسكو وتقاريرالتنمية البشرية.. ففي عالمنا العربي يصدر كتابٌ لكل 12 ألف مواطن، بينما في بريطانيا كتاب لكل 500 شخص ، وكتاب لكل 900 شخص في ألمانيا، أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4% من معدل القراءة في بريطانيا.. وفي الندوات والمؤترات أردد ساخرا : لو نسى أحدنا كتابا لشكسبير أو نجيب محفوظ أو أدونيس أو علي حرب وبجوار الكتاب "موبايل " ..وعاد بعد خمس دقائق لوجد الكتاب ..اما "الموبايل " فمن المحتمل أن يختفي بعد خمس ثوان وليس خمس دقائق !..فإذا اختفى الكتاب فلأن عامل النظافة ألقى به في سلة القمامة لتنظيف المكان ..
ولماذا يتلاشى القاريء ؟ لأن وزارات التعليم في العالم العربي تحولت إلى وزارات تلقين ..كل ما يشغل المعلم حشر ذاكرة الطفل بمعلومات يتقياها في ورقة الإجابة آخر العام ليحصل على الدرجات النهائية ..فلا وجدان تنمى ملكاته على التذوق ..ولادماغ تحفز قدراته على التفكير والتحليل والاستنباط واستخلاص النتائج ..وزارات التلقين اختزلت أبناءنا إلى مجرد ذاكرة تحشر وبغير فهم أو وعي للمعلومات ..طفل هذا حاله ..كل الذي ينمو فيه ..فقط البدن ..أما الوجدان فيصبح عرضة لكل ماهو قبيح ..والدماغ مستباح بالتافه والسطحي ..فهل يمكن لإنسان هذا حاله أن تهتز جوارحه حين يسمع أغنية لأم كلثوم أو يقف مـتأملا أمام عمل تشكيلي أو يلهث خلف كتاب لمحمد أركون بحثا عن حقائق الوجود ؟!
زمن الشعر النبطي
ومنذ عقدين أو أكثر أطلق د. جابر عصفور مقولته التي انتشرت : نحن نعيش زمن الرواية !
وغضب الشعراء وصاحوا : كان الشعر ديوان العرب ..وسيظل !
والشعر الذي يقصدون شعر الفصحى..والحداثيون منهم يخرجون العمود من شعر الفصحى ..ويرون أنه بلا مستقبل..وسوف يلفظ أنفاسه الأخيرة خلال عقد او عقدين ..والازدهار لقصيدة النثر ..هذا ما قالته لي إحداهن خلال حوار أجريته معها ونشر في مجلة المنتدى الإماراتية التي كانت تصدر في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي..
وكنت أرى أنه لازمن الرواية ولاالقصيد الفصيح أيا كان ..بل زمن شعر العامية كما يطلقون عليه في مصر والشعبي او النبطي في الخليج و أقطار عربية أخرى ..
عامية الأبنودي وأحمد فؤاد نجم تلقي رواجا هائلا في مصر ..وفرسان النبطي والشعبي جمهورهم في الخليج أكثر من جمهور كرة القدم ..!
هل هي ظاهرة مقلقة ..؟ رواج وازدهار الشعر الشعبي والنبطي ؟
مرة قال أمير الشعراء أحمد شوقي : لاأخشى على الفصحى إلا من شعر بيرم ! يقصد بيرم التونسي !
وأظنه كان يبالغ ..!
لأن غالبية كلمات العامية تنبثق من رحم الفصحى ..لذا لاأرى أن اهتمام أشقائنا في الخليج وخاصة في أبو ظبي بالشعر الشعبي أو النبطي يمثل أدنى تهديد للفصحى ..
بل على النقيض ..إنه خط الدفاع الأخير الذي ندافع به عن ذائقتنا العربية ..وما رأيته من تجاوب الجمهور الغفير في أبو ظبي خلال إحدى أمسيات مسابقة شاعر المليون في دورتها السابعة " كانت مساء 19إبريل الماضي "..دليل على هذا
بل المجدي والرائع في مسابقة شاعر المليون أن الجمهور موجود بقوة ..ليس في التلقي فقط ..وإصدار آهات الإعجاب ..بل في التصويت ..وذائقته العالية تؤهله لهذا ..وإن كان ثمة شيئا من التعصب القطري أو الإنساني ..فهذا ليس بالخلل الجسيم ..النتيجة النهائية ..لا تتمثل في فوز شاعر من السعودية أو الإمارات أو مصر ..او عمان ..بل في الحفاظ على تراث عربي عريق ..ينسجم مع طبيعة "العربية" انها لغة سماعية .. ثرية بالإيقاعات التي يوظفها شعراء النبطي باقتدار يسلب لب المتلقي ..وهذا ماحرمت منه مثلا قصيدة النثر ..فما تجاوز انتشارها النخبة ..وربما دائرة منتجيها ..من المنطقي جدا أن تجد أحدهم يسير في الشارع أو يسير خلف مقود سيارته وهو يدندن بمقطع لقصيدة للشاعرالإماراتي محمد الكعبي أو السعودي عايض الظفيري ..بينما من النادر ..بل ليس هذا واردا على الإطلاق أن تسمع احدا يدندن بمقطع من قصيدة نثر لأدونيس !!
صاحب فكرة شاعر المليون الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية ..وهو برنامج تليفزيوني متخصص في مسابقة الشعر النبطي ..والبداية كانت عام 2007 حيث شهد البرنامج مع انطلاقته الأولى متابعة جماهيرية واسعة عبر العالم العربي كله .. أمر يكاد يكون استثنائيا ان يحظى برنامج يتعلق بشأن ادبي كل هذا الاهتمام ..والذي يكاد ينافس اهتمام رجل الشارع بكرة القدم .
وهذا ما شعرت به في امسية 19أبريل التي شرفت بحضورها ..حيث أحيانا ..من فرط حماس الجماهير في القاعة الضخمة كنت أظن نفسي جالسا في ستاد لمشاهدة مباراة كرة قدم بين فريقين يحظيان بشعبية جماهيرية ...ربما أحيانا يتجاوز حماس فئات من الجمهور للقصيدة ومكنوزها من الجماليات ليصل إلى حد التعصب لشاعر بعينه ..على أسس مثلا قطرية او قبلية ..فالقاعة الضخمة ترتج أركانها من دوي هتافات السعوديين حين يكون الشادي على المسرح سعوديا ..والإماراتيون تطغى هتافاتهم على كل الأصوات حين يكون سيد المسرح شاعرا إماراتيا ..لكن الجميع يعودون إلى بيوتهم ..وخزائن الذاكرة حافلة بترانيم فرسان المسرح أيا كانت جنسياتهم وأعراقهم ..
شاعرة ضد التطرف
ومن المعالم المهمة في مشوار برنامج جائزة المليون إصرار الشاعرة السعودية حصة هلال على الاستمرار في المشاركة ببرنامج شاعر المليون في دورته الرابعة "2009-2010" رغم تلقيها تهديدات بالقتل بسبب إلقائها قصيدة تنتقد فيها التشدد الديني ..وحظيت حصة بتشجيع هائل من قبل جمهور البرنامج ..بل والملايين من عشاق الشعر النبطي ..وحصلت على جائزة الثلاثة ملايين درهم إماراتي أي ما يعادل 800ألف دولار ..
وهذا ينبهنا إلى أهمية هذا الجنس الأدبي ..في استثماره سلاحا قويا ضد التطرف الفكري ..وكثيرا ما اكتب في مقالاتي وأردد أن تحصين العقول ينبغي أن يكون قبل تحصين الشوارع والميادين ..فليكن هذا شعارنا في مواجهة الإرهاب..وقد نظمت ندوة تحت هذا العنوان العام الماضي في قاعة مصطفى أمين بدار أخبار اليوم ..شاركت فيها المفكرة الكبيرة د. آمنة نصير عضوة مجلس النواب المصري ، والناشط اليساري أحمد بهاء الدين شعبان ..وآخرون .
..وبعد الذي رأيته في أمسية شاعر المليون بأبو ظبي ليلة 19ابريل الماضي من إمكانيات شعراء النبطي الهائلة في جذب الجماهير بأشعارهم أستطيع أن أجري تعديلا على الشعار ليكون "تحصين العقل والوجدان قبل تحصين الشارع والميدان "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم