الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار التونسي : المسارات المختلفة و الفرص الضائعة

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2016 / 5 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


منذ بداياته على هذه الأرض مطلع عشرينات القرن الماضي ، طبع اليسار التونسي بالتصاقه بهموم الشعب و التحامه بالحركات العمالية و النقابية ،فكان مواكبا لمراحل الغطرسة الاستعمارية و للنضال الوطني ، الى جانب بقية مكونات الحركة الوطنية ، نال رموزه القمع و النفي و السجون و التضييق و لم ينل من دولة الاستقلال أقل مما لحقه من الاستعمار . فتم حظر الحزب الشيوعي التونسي سنة 1963 لينطلق مسار جديد من اليسار السري و اليسار الاحتجاجي في مواجهة السلطة التي نزعت نحو التسلط و الاستبداد .
هذا اليسار الجديد تميز بقدرة عجيبة على الانقسام و التفتت و الانطواء على تفاصيل نظرية ، فغرق في ما يفرقه و ترك القيم التي توحده و أهمل تناقضه الرئيسي مع الرجعية فانطلقت مسارات مختلفة سرعان ما تحولت الى شبكة من المسارات و نجح النظام في كسب جانب منها و تحييد آخر و اقصاء جانب اخر بالسجون و المنافي و التصفيات ..
لكن رغم ذلك مثل اليسار التونسي الاب الروحي فكريا وواقعيا للحركة النقابية التونسية و الحركة النسوية و الطلابية المناضلة و الحركة الحقوقية ، و ساهم في ارساء حركة ثقافية مناضلة مسرحية و سينمائية و غنائية و شعرية و ساهم في تاسيس و تونسة الجامعة التونسية و اثرى الادارة وأجهزة الدولة بكفاءات و اطارات عالية التكوين حاملة لمشروع وطني انطلاقا من اختصاصاتها ...
هذا اليسار الذي ظل ملاصقا لهموم الشعب التونسي ، فوت على نفسه في عدة مفاصل من تاريخ تونس فرصة الوحدة و تجاوز الخلافات و طرح نفسه بديلا للنظام القائم الذي أثبت عجزه و لاشعبية خياراته .
لن نعود بالتاريخ بعيدا ، فقد مثل الحراك الثوري و دوافعه و أزمة النظام القائم صدق طروحات اليسار حين سقط النظام في سياسة تنموية تمييزية كرست التفاوت الطبقي و الجهوي و عمقته ، و عم الفساد المنظم تحت رعاية الطغمة الحاكمة نفسها و انسدت الافاق أمام الشباب و الفئات المفقرة ، فخرجت الجماهير تنادي بشعارات لطالما صرخت بها حناجر شباب هذا التيار في الجامعة و التظاهرات الطلابية و النقابية . فبدى اليسار الطرف الاكثر شرعية لوراثة نظام فشل اقتصاديا و اجتماعيا ، غير أن فرار رأس النظام عرى جانبا من الحقيقة و الوضع فانكشف يسار مرتبك غير منتظم ينشط في شكل جزر معزولة دخل في روتين العمل النقابي اليومي و كانت فكرة الانتظام الحزبي جنينية يغلب فيها العمل السري النضالي على الجانب المؤسساتي ، فكان الابعد على تسلم الحكم و ادارة دواليب الدولة في وقت كان الحكم فيه على قارعة الطريق ، بل لم يكن له و لمكوناته بديلا للنظام الاخر فساند تواصل النظام أو على الأقل لم يمانع ، فلم يصدر أي طرف سياسي يوم 14 جانفي و بعده اي موقف رافض للتواصل الدستوري للنظام و تقلد رئيس برلمان بن علي رئاسة الجمهورية و احتكاره كل الصلاحيات ..
لم تكن أطياف اليسار على استعداد للوحدة أو التنسيق فاتخذت مسارات مختلفة شارك شق في الحكومة التي ضمت وزراء من آخر حكومات بن علي في حين كون شق آخر مجلس حماية الثورة الى جانب التيارات العروبية و اخوان تونس ممثلين في حركة النهضة ، فتبخرت فرصة استثمار الزخم الثوري في تأسيس كيان تقدمي موحد يطرح على نفسه الحكم ، فكان اليسار منساقا مع الأحداث اليومية منشغلا بالماضي في الوقت الذي كان فيه الاخوان يخططون للحكم و للمستقبل و حصاد ما أفرزه حل الحزب الحاكم .
الاندفاع دفع قوى اليسار الى المغامرة بقبول انتخابات مجلس وطني تأسيسي دون الاستعداد له رغم المحاولات ولعل أكثرها جدية مشروع القطب الديمقراطي الحداثي الذي ظم ما يزيد عن عشرة أحزاب و تنظيمات ديمقراطية و تقدمية و يسارية و عروبية ، في وعي لدى قلة بادرت بهذا المشروع بالخطر الاخواني الداهم ،سرعان ما انفرط عقده لتدخل هذه القوى مشتتة و تمنى بهزيمة و تساهم بتشتتها في تنصيب حركة النهضة الاسلامية في الحكم .
هذه الهزيمة المدوية كشفت الوزن الحقيقي لشضايا اليسار و نكسة لغرور زعاماته ، و بدى الخطر يهدد لا اليسار فقط بل الدولة و مدنيتها ، مرة أخرى احتاجت تونس هذا التيار لانقاذها من براثن الحكم الديني ومرة أخرى يفوت اليسار على نفسه فرصة التوحيد فاختلفت المسارات من جديد فاتجه جزء من اليسار الى العائلة الدستورية و تأسس الاتحاد من أجل تونس بين أطراف اعتبرت أن المهمة العاجلة قلب الموازين لصالح أنصار الدولة المدنية بعد التطبيع الشعبي مع بقايا المنظومة الحاكمة سابقا اثر ويلات حكم الاخوان و انتشار الترهيب والميليشيات و العنف الذي طال المجتمع و منظماته و في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل .
شق ثان من اليسار أسس الى جانب أحزاب عروبية ووسطية الجبهة الشعبية التي تم استهداف ابرز رموزها بالاغتيال وهو شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ورغم الاغتيالات و تأسيس جبهة الانقاذ التي لم تدم سوى فترة دوام حكومة الاخوان المسماة حكومة الترويكا كان حلم الوحدة بعيد المنال.
مرة أخرى تخوض تشكيلات اليسار الانتخابات مشتتة في حين نجحت الجبهة الشعبية في حصد 15 نائبا مما يعد تقدما في العمل الوحدوي و لم تظفر قوى اليسار خارجها باي مقعد مثل حزب المسار و الحزب الاشتراكي و حزب العمل الوطني الديمقراطي .
فرصة تاريخية أخرى للوحدة بين فصائل اليسار ، بعد فشل تحالف قوى ادعت الدفاع الدولة المدنية و الحداثة فاذا بها تدخل في تحالف استراتيجي مع الاخوان في تونس و الرجعيات العربية ضمن محاور اقليمية ، وبعد مواصلة تحالف اليمين الديني و المدني لسياسة الارتهان للاجنبي و سلوك سياسة الفتى المطيع للصناديق الدولية و صم الاذان عن مطالب الشعب ، امام استشراء الفساد و المحسوبية و تغلغل اخواني ناعم في مفاصل الدولة و انتشار الارهاب والتطرف ...
هذه الاستحقاقات تجعل من قوى اليسار المسؤولة الاولى عن طرح البديل و تجميع قواها في مشروع جامع و التنسيق بين أذرعها الحزبية و النقابية و الجمعياتية و الفكرية والثقافية و استهداف شعب اليسار الذي بقي مشتتا ينتظر مپادرة جدية تكون نواة صلبة تجتمع حولها القوى الحية الاخرى الوطنية والديمقراطية ، مبادرة تجمع بين المشروع السياسي المنحاز لقضايا الشعب ومشروع اقتصادي واجتماعي قائم على العدل و مشروع حضاري تقدمي يقي تونس منزلقات التطرف والانبتات .
اليسار التونسي له من القدرة على تغيير الواقع متى تخلت زعاماته عن الصراعات الموهومة ومتى استوعب ان طبيعة المرحلة تقتضي مشروعه ووحدته لكي لا يضل يسار التشتت و الفرص الضائعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت