الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عائد من ملتقى (2) نوميديا ، ماسينيسا والتاريخ

العربي عقون

2016 / 5 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


انتهت تظاهرة قسطنطينة(1) عاصمة الثقافة العربية 2015-2016 والواقع أنّ هذا العنوان كان محلّ جدل كبير بلغ حد المهاترات على صفحات التواصل الاجتماعي فقد اظهر التيار القومي الامازيغي انزعاجه إلى حد أن اليمين المتشدد من هذا التيار رفض العنوان ورفضت بعض الأسماء التي تمثله المشاركة في التظاهرة رغم الدعوات الموجهة إلى رؤوس هذا التيار ظنا منه أنّ التظاهرة تهدف إلى طمس تاريخ المدينة وهويتها والتنكُّر لماضيها كعاصمة للمملكة النوميدية .
وعلى عكس هذه الظنون كانت التظاهرة منفتحة ليس فقط على ما يمكن تسميته تراث المدينة "العربي" بل أقيمت العديد من الملتقيات التي تناولت قضايا ومواضيع متعلقة بالمنطقة المغاربية بل والعالم العربي – الإسلامي عموما ودعي إليها العديد من الأكاديميين في العالم العربي ومن أوربا ، وهذا على امتداد سنة كاملة ، وكانت الهوية التاريخية للمدينة حاضرة في موادّ الملتقيات وفي موادّ المداخلات المقدّمة .
الحقيقة أنّ قسطنطينة وهي العاصمة التاريخية للجزائر القديمة (نوميديا هو اسم البلاد التي تحمل اسم الجزائر حاليا) لم يكن لها حظ كبير خلال الفترة المسماة إسلامية [ ما بين الفتح الإسلامي وبداية الفترة العثمانية VIII XVI - م ] فقد فقدت مكانتها وكادت أن تمّحي نهائيا وبحلول الأتراك عادت إليها الحيوية فقد جعلها هؤلاء عاصمة إدارية لإقليم واسع يضم ما كان يعرَف باسم نوميديا الوسطى في التاريخ القديم [من سوق حمزة (بويرة) إلى الحدود التونسية] وهي الوضعية الإدارية التي استمرّت طيلة الاحتلال الفرنسي حيث عرفت المدينة تحديثا عمرانيا في مبانيها وشوارعها ومرافقها رفعها إلى مصاف المدن الحديثة.
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/e/e8/Constantine10.JPG
وأهمّ ما استفادت منه المدينة في إطار هذه التظاهرة هو إنجاز العديد من المرافق على الطراز العالمي أهمّها قاعة زينيت Zénith للعروض المسرحية والسينمائية وكذا فندق ماريوتMariott الذي أقيمت فيه كل الملتقيات العلمية الدولية .
ولآنّ الهوية التاريخية للمدينة كانت حاضرة بقوة فقد نظّم المركز الوطني للبحث في ما قبل التاريخ ، علم الإنسان والتاريخ ملتقى أيام 14-15-16 مايو – أيار ملتقى ختم به هذه التظاهرة موضوعه : نوميديا ، ماسينيسا والتاريخ . وكما أشرنا فإنّ نوميديا هي الجزائر القديمة وفي عهد ملكها ماسينيسا الذي كان له مشروع سياسي يهدف إلى توحيد شمال أفريقيا في دولة واحدة عاصمتها قرطاج وهو صاحب شعار : أفريقيا للإفارقة l’Afrique aux Africains كادت ان تتحقق وحدة الشمال الافريقي وامتدت المملكة النوميدية من وادي ملوية في المغرب الحالي الى خليج السيرت الكبير في ليبيا .
لقد كانت مداخلتنا في الملتقى تحت عنوان : ماسينيسا وبناء الدولة النوميدية 238- 148 ق.م. مقاربة في مشروعه السياسي وركّزنا فيه على الأسباب التي جعلت العلاقة بين الملك ماسينيسا وأشفاط (2) قرطاج Les Suffètes de Carthage تتدهوَر لتبيان الحقيقة التي يخفيها البعض ويجهلها البعض الآخر، وكان السؤال الجوهري في الموضوع هو ما الذي جعل أشفاط قرطاج يتنكرون لحليفهم ماسينيسا الذي كان على رأس جيشه في إسبانيا خلال الحرب البونية الثانية (ما بين 212 و 211 إلى 206) إلى جانبهم وعند عودته في أعقاب وفاة والده گاياGaia وعمّه اوزالاس الذي خلف والده على العرش الماسيليMassyle يجد اضطرابا في مملكته يدعمه أشفاط قرطاج والملك الماسيسيلي Masaessyle سيفاكس الذي كان بالأمس حليفا للرومان ضد قرطاج ، هذا الاضطراب يتلخّص في أنّ واحدا من فرع آخر للعائلة الملكية الماسيلية اسمه Masaetullus تمرّد على الملك كابوساCapussa الذي خلف أباه اوزالس عى العرش وقتله وأجلس على العرش أخا لكابوسا من أبيه اسمه لاكوماز وكان في سنّ الطفولة وتزوّج من أمٍّه القرطاجية وهذا كلّه بدعم من أشفاط قرطاج.
لقد تنكّر أشفاط قرطاج لماسينيسا ولحقّه في العرش ورموا بحليفهم الجديد سيفاكس في وجهه فقامت الحرب بين الطرفين انتهت بانتصار سيفاكس بمباركة من أولئك الأشفاط الذين يتقنون فن التحالف والتحالف المضادّ فبالأمس كان ماسينيسا حليفا لهم واليوم استبدلوه بسيفاكس وسيأتي الدور على هذا الأخير ويتخلون عنه عندما أُخِذ أسيرا دون أن يفتدوه.
هذه الأحداث تمّت قبل ظهور القائد الروماني سيبيون في البر الأفريقي وقبل عقد التحالف بينه وبين ماسينيسا ، لقد زرع أشفاط قرطاج عداوة ذكّرت ماسينيسا وكلّ النوميد بما كان فعله هاملكار باركا الذي أباد ما يقارب الأربعين ألف من الأمازيغ نوميد ومور في الحرب المسمّاة : الحرب التي لا تغتَفَر (La guerre inexpiable) هؤلاء هم الجند المأجور وكانت غالبيتهم من النوميد والمور وبعد الهزيمة في صقلية عاد قادة الحرب القرطاجيين إلى عاصمتهم وتركوا ذلك الجند دون التكفل به وعندما عاد هؤلاء إلى أفريقيا وتجمعوا بجوار قرطاج مطالبين بأجورهم ماطلهم أشفاط قرطاج وتطورت الأحداث وانتهت بتصفية ذلك الجيش الذي كان يدافع عن قرطاج على يد أشفاط قرطاج.
إذن لم يترك أشفاط قرطاج أيّ إمكانية للوئام والانسجام وزرعوا الكراهية والعداوة وفي هذه الظروف ليس أمام ماسينيسا غير قبول عرض التحالف مع الرومان مكرَها لأنه ليس سهلا عليه أن يحالف من كان يحاربهم بالأمس القريب ولكن الرياح سارت بما لا تشتهيه السفن واليوم يأتي من يحكم بسهولة بخيانة ماسينيسا ولا ندري خان من ؟ وأيّ عهد قطعه على نفسه ثمّ خانه ؟ مع أن الحقيقة هي أن أشفاط قرطاج هم الذين خانوه وغدروا به ... وهؤلاء الذين يتخذون اليوم الولاء لقرطاج عنوانا للوطنية بأثر رجعي ويبنون الهوية الوطنية على جالية من الأوليگارشية المركانتيلية الجشعة التي لا تؤمن إلا بالمال يخطئون في حق بلادهم إلى حدّ أنّ فيهم اليوم من يفاضل بين سيفاكس الذي لا مشروع له وماسينيسا صاحب مشروع أفريقيا للأفارقة ... والحال أن هؤلاء فضلوا سيفاكس بقدر ولائه لاشفاط قرطاج وليس لذاته ... فهل من الوطنية الحقة أن نجعل من هؤلاء الأشفاط اليوم عنوانا لانتمائنا وننسب إليهم كلّ المآثر والمعالم الحضارية سيرا وراء أيديولوجية معروفة دمّرت العراق وليبيا وسوريا وإذا لم نتصدّ لها بحزم ستزحف علينا لتدميرنا. ولتفاصيل أكثر في الموضوع يمكن الاطلاع على مداخلتنا حال صدور أعمال الملتقى عن منشورات المركز الوطني للبحث في ما قبل التاريخ ، علم الانسان والتاريخ CNRPAH.
________________________________________________
(1) قسطنطينة كان اسمها في القديم سيرتا Cirta مدينة تاريخية قديمة أخذت اسمها من اسم الامبراطور قسطنطين الذي أعاد بناءها بعد أن خربتها حرب الفوضى العسكرية وفي لغة أهلها يخفّف الاسم إلى قْسَنْطينة
(2) الأشفاط جمع شفط Suffètes كلمة فينيقية تعني قضاة. وكان يحكم قرطاج شفطان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات