الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار طائشة / يقين المؤمن

ياسر المندلاوي

2016 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اليقين ديدن المؤمنين وغايتهم لأمرين إثنين :
1- طمأنينة القلب وسكون النفس على صحة العقيدة الدينية شرعا وشريعة في الدنيا الفانية قبل أن يحين موعد الرحيل إلى كنف السماء الحانية.
2- الفوز بالجنة العصيّة على غير الموقنين. فلا جنة لأحدهم بغير يقين وإستقرار العلم بالدين الصحيح، والإيمان الخالي من الشك والريب، واليقين يتعهدهما لمعرفتنا بأنه لغة العلم وإزاحة الشك، وإصطلاحا يعني أكثر من هذا بكثير، وهو ما سيكون موضع إستقرار سهام أفكارنا الطائشة التي نأمل لها أن تساهم في إزاحة طيش أفكار الباحثين عن اليقين في الدين.
وما أسميناه (يقين المؤمن) إلا لبيان مخصوص صفة اليقين بدلالة وقوعه على محل معلوم بالإضافة ، والمؤمن الفرد مقصودنا في هذا البيان لأننا نخوض في اليقين الديني حصرا ، وليس اي يقين. وعليه فإن نفي أو إثبات اليقين إنما بمتعلق اليقين ، وبهذا نكون قد غادرنا شمول صفته إلى مخصوص صفته لتعلقه بمتيقن معين. وما ذهبنا إلى هذا التخصيص إلا لوقوفنا على خبط عشوات الباحثين، وجهالات العلماء المؤمنين حتى يخال للمرء بأن لا يقين لهم في اليقين. وهم إن توافقوا على معنى اليقين لغة، تراهم مختلفين فيه إصطلاحا، وإختلافهم دليل بأنهم على غير يقين، إذ أن الحق في المسألة الواحدة، كما يقول ديكارت، لا يكون إلا واحدا.. وكل ما ليس إلا راجحا يكاد يكون باطلا. >ديكارت، مقال في المنهج ص117>.
كان دأب النحويين والمفسرين دائما وابدا تأويل ما يمكن تأويله بما يتناسب وما يقطعون به من معنى غير مستيقنين القصد الإلهي من كلامه سبحانه تعالى ، ولو كان الله يريد لهم حيازة اليقين الديني في حواضر معاشهم ما كان ليجعلهم يخوضون في اليقين ودرجاته وإمكانه أو عدم إمكانه في الدنيا خوض الأعمى في بحر هائج، لطبعه على قلوبهم طبعا، فينال المؤمن منه بالفطرة لا بإدعاء الإحاطة بفنون حل الطلسم وفك الشفرة. ولعمري إن فساد الدين ليس من رب العالمين، وإنما من النحويين والمفسرين وعلماء الدين وجمع غفير من المؤمنين، يفترون على الله كذبا، إذ يقطعون بما عندهم ثم ينسبونه إليه زورا وبهتانا.
وما رأيت هؤلاء في ميل إلى الحجة والبرهان لإزاحة الشك وإدراك اليقين لعلمهم بأنه على غير إمكان في الدين، فإستعانوا بما لديهم من قطوعات أسموها يقينا بينما هي في أدناها طقوس ورثوها وفي أعلاها إعتقاد يقوم على التصديق والإيمان بغير دليل أو برهان، ومع هذا فلا ينبغي أن يعاب المؤمن في عجزه عن اليقين في الدين، فهو ليس في متناوله أصلا، ولا يسأل فيه، وإنما يسأل في إيمانه، ويمتحن في درجة تصديقه لما بين يديه من دين، أي دين. هكذا هو شأن المؤمن المسلم والمسيحي والبوذي ومن جميع الأديان، فكل منهم يظن إنه على يقين في دينه، بينما هو في حقيقته على إعتقاد وتصديق وإيمان، إذ يصح القول بإختلاف الناس فيما يعتقدون ولكن لا يصح أبدا الإختلاف فيما هو متيقن لأن اليقين لا يحصل إلا بالبرهان الذي يجب كل ما هو قبل اليقين من شك وظن وإعتقاد.
قال من قال إن الإختلاف في الألفاظ والمباني بينما في المعاني الإتفاق. وهذا القول معلول بالجهل والفساد، وللإستدلال على فساد مثل هذا القول نشير إلى أبي حامد محمد بن محمد الغزالي وتلخيصاته في اليقين إصطلاحا:
( فأعلم إن اليقين لفظ مشترك يطلقه فريقان لمعنيين مختلفين. أما النظار والمتكلمون فيعبرون به عن عدم الشك.. فشرط إطلاق هذا الإسم عندهم عدم الشك فكل علم لا شك فيه يسمى يقينا عند هؤلاء). ثم يقول : (الإصطلاح الثاني إصطلاح الفقهاء والمتصوفة وأكثر العلماء وهو أن لا يلتفت فيه إلى إعتبار التجويز والشك بل إلى إستيلائه وغلبته على العقل). ويضيف قائلا: (فمهما مالت النفس إلى التصديق بشيء وغلب ذلك على القلب وإستولى حتى صار هو المتحكم والمتصرف في النفس بالتجويز والمنع سمي ذلك يقينا)، ولا يكتفي الغزالي بإقرار وجود معنيين مختلفين، فهو يمضي أبعد من ذلك بالقول: (ونحن إنما أردنا بقولنا "إن من شأن علماء الآخرة صرف العناية إلى تقوية اليقين" بالمعنيين جميعا وهو نفي الشك ثم تسليط اليقين على النفس حتى يكون هو الغالب المتحكم عليها بالتصرف فيها).>الغزالي، إحياء علوم الدين، الجزء الأول ص 99-100>. وهذا هو الإصطلاح الثالث ذكره متنا وأنكره عنوانا، إذ أن جمع المعنيين في إصطلاح واحد نتج عنه ثالث مغاير. وبهذا يكون سعي المؤمن للفوز بما يحسبه يقينا في الدين وفق الإصطلاحات الثلاثة على الترتيب التالي:
الإصطلاح الأول: شك - برهان - يقين .
الإصطلاح الثاني: تصديق – تجويز ومنع – يقين.
الإصطلاح الثالث: يقين – برهان – يقين أقوى.
ولكي نضاعف البينة على فساد قول القائلين بإختلاف المباني وتطابق المعاني نحيلهم إلى التأويلات المتباينة لقوله تعالى (إن هذا لهو حق اليقين) و (وإنه لحق اليقين)، فمنهم من قال بإضافة الشيء إلى نفسه مع إختلاف اللفظين، أي أن الحق هو هو اليقين، كمثل قوله (ولدار الآخرة) والدار حسب زعمهم هي نفسها الآخرة، وقوله (ومكر السيء)، والمكر هو السيء ليس إلا، وهكذا فالأمثلة المشابهة كثيرة في لغة العرب شعرا وقرآنا ، وهي في متناول هذا الفريق من المؤولين والمفسرين. في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بأن اليقين نعت للحق كإنه قال (الحق اليقين) على غرار القول (الدين القيم)، أي أن اليقين صفة للحق وليس هو، مثلما القيم صفة للدين وليس الدين.
التباين والإختلاف في اليقين الديني يتجاوز الإصطلاح فيه إلى ماهيته وحقيقته، فلا يقين في كنهه ما دمنا على غير يقين في مبانيه ومعانيه، لعلمنا بأن كل ما لا يقع عليه الإتفاق لا يقين فيه ولا يجوز القطع به، إذا إفترضنا جدلا إمكان القطع بما هو ليس بممكن. فمن وجهة نظرنا المباني المختلفة متلازمة في كليتها مع المعاني المختلفة في كليتها بالضرورة، والتوافق الجزئي في معاني المباني أو توافق جزء المعنى في مبنى معين مع المعنى الكلي في مبنى مغاير أو العكس له فضيلة ترجيح القول بإختلاف المعاني في المختلفة من المباني. ونمضي إلى أبعد من هذا ونقول إن الكلام لفظ ومعنى، يصدر من المتكلم بقصد إيقاع الأثر الذي يبتغيه في المتلقي، ومهما تمكن المتكلم من صياغة المعاني في مباني واضحة ومفهومة فإنه في عجز لا محالة عن بلوغ القصد بإيقاع الأثر المتساوي في جموع المتلقين، لأن المتلقي الفرد هو المقرر للمعنى التام للكلام، ولما كان المتلقي غير المتكلم فإن معنى القصد غير معنى الأثر حتما. وعلى ما سبق نبني القول بأن الكلمة الواحدة تتكرر في الرسم واللفظ لا في المعنى والأثر. وإذا كان هذا شأن الكلمة الواحدة فما بالك بكلمتين مختلفتين في الرسم واللفظ، ومن أين لنا الإدعاء بأنهما واقعتان على معنى واحد؟
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي