الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بنهمور الانسان

محمد الدحاني

2016 / 5 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بنهمور الانسان.
ذات يوم من السنة الفارطة تعرفت صديقي محمد بنهمور ، كنا قد قررنا جميعا أن نحتفل بذكرى تعارفنا هذه السنة ونجعل من هذا اليوم عيد التعارف، لكن لظروف خارجة عن ارادتنا منعتنا من هذا. لذلك لم أجد غير ذاكرتي، وهي التي أسعفتني وعادت بي إلى تلك اللحظة بالذات.
كانت أوضاع عائلتي جد صعبة، أغلب أفراد عائلتي كانوا متابعين قضائيا اختلفت الأسباب والتهم لكن المضايقات المخزنية واحدة. نتج عن هذه المضايقات اعتقال شخصين من أسرتي حكموا بست سنوات نافذة، وبعضهم بشهور موقوفة التنفيذ. كانت وقتها فترة الاستعداد للامتحانات الجامعية للدورة الخريفية. عدت الى القنيطرة بعدما حسم القضاء في أمري ولم يتبقى للامتحانات إلا ثلاث أيام.
دخلت المقهى طلبت قهوتي وأربع سجائر من النوع الرديء "ماركيز" ارتشفتها الواحدة تلو الآخرى بدون أن أحرك حتى عينيي، وأنا أرتشف سجائري وفي الوقت نفسه أخطط في برنامج استعدادي، فتحت محفظتي أخرجت كتاب صغير بعنوان "سوسيولوجيا الثقافة" لصاحبه طاهر لبيب. لأن مادة سوسيولوجيا الثقافة كانت مبرمجة هي الأولى في برنامج الامتحانات. هذا الكتاب كان مقترح من طرف الأستاذ المخصص لتدريس المادة. ربما عنوان الكتاب دفع صديقي للحديث معي. فوجه سؤاله لي: واش سوسيولوجي أ صديقي؟
قلت له : نعم
ثم حنيت رأسي واستمرت في قراءة الكتاب غير مباهي تماما بصديقي، كنت غير مستعد لتضيع دقيقة من وقتي فأنا لحد الآن لم أطلع على أي درس وهذا/صديقي؛ قد يكون فقط يقوم بالمراجعة الأخيرة. هذه هي الفكرة التي راودتني حينها.
بادر صديقي من جديد بالحوار، بل وطلب مني أن يشاركني المراجعة. طلبت سيجارة جديدة ثم وافقت على طلبه. صديقي أيضا كانت له ظروفه الخاصة التي منعته من الحضور للمحاضرات وأيضا من الاستعداد في وقت مبكر كما يفعل عموم الطلبة ، فعلا شكلنا ثنائي رائع في المراجعة، بدأنا نلتقي كل يوم من الثامنة صباحا الى العاشرة ليلا، راكمنا المعرفة في وقت وجيز وإستوفنا الفصل الدراسي بنجاح.
بعدها قمنا بالتعرية النفسية لبعضنا صرحنا لبعضنا عن مواقفنا في العديد من القضايا منها: النظام القائم، الأحزاب السياسية، الحب، الجنس، الدين...، عرفني على العديد من المفكرين على رأسهم السيد القميني، شحرور و النجار....ثم قررنا أن ننقطع عن التدخين.
كان دائما مسامحا معي، فكلما اتفقنا على موعد اللقاء إلا وتأخرت عنه بساعة وتارة أكثر، كان يقبل اعتذاري دون أن يسألني عن سبب تأخيري. كان دائما يستقبلني بحفاوة.

تلكم بعض الإشارات القليلة التي التقطتها من هنا وهناك في علاقتي بصديقي، وهي إشارات تدفعني إلى الإقرار بوجود ما لا يتناهى من الادراكات، وهي ادراكات ذات فعالية كبرى، وكان لها الأثر الكبير في تكوين وتوجيه ووشم شخصية جديدة كطالب علم الاجتماع. هذه شهادة ستجعل حاضرنا ممتلئا بالمستقبل ومحملا بالماضي.
مهما قلت، ومهما تذكرت، ومهما أمعنت، سيظل صديقي حاضرا في ذاكرتي وفي مساري، أستحضره في كل لحظة وفي كل حدث، صديقا وإنسانا، بل ومهما قلت فإنني لن أفيه حقه، إنه أشمل وأسمى وأعظم وأرقى من كل ما قلت، وأختم أنه هو من تكلف بدفع الفاتورة ذاك اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا