الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفتنة الطائفية .. في شبه الدولة المصرية

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2016 / 5 / 25
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


أصبحت المشكلات والمآسي التي نصحوا وننام عليها بشكل يومي ومستمر، أكثر من أن يتم حصرها، ومن كثرة ما انهالت على رؤوسنا من ضربات، تلو الضربات، تلو الضربات، أصبح الأمر في بعض الأحيان غير محسوسًا ولا مؤثرًا، ولا يُلتفت اليه، على الرغم من كونه كارثيًا، وفي أفضل الأحوال يتم الإلتفات إليه ليوم أو اثنين، قبل أن يتساقط على الرؤوس المزيد من الكوارث.
ومن أزمة جزيرتي تيران وصنافير، لأزمة نقابة الصحفيين، لأزمة معتقلي الأرض، لإرتفاع أسعار الأدوية، لسلسلة الحرائق التي طالت كل محافظات مصر، لسقوط الطائرة، ضربات تلو ضربات، لنستيقظ مؤخرًا على خبر إندلاع فتنة طائفية في قرية الكرم بمركز أبو قرقاص، حيث أقدم مجموعة من المسلمين على حرق ونهب بعض منازل المسيحيين بدعوى أن علاقة آثمة ربطت بين تاجر مسيحي متزوج، وامرأة مسلمة متزوجة، لم يكن يكفي من وجهة نظرهم أن يعاقب الفاعلين إذا ثبت تورطهما بالدليل القاطع الذي ينص عليه الشرع، ولكن كان يجب أن ينال العذاب والحرق والقتل من هم على نفس ديانته دون ذنب جنوه، ولم يكتفي هؤلاء بذلك، ولكن كان يجب أن يتم تعرية أُمه المسنة وفضحها والتنكيل بها في الطريق العام لمزيد من الإذلال والمهانة.
وكما هو المعتاد في هذا البلد المنكوب بكل أصناف النكبات، فإن الجهات الرسمية لا تتحرك في أقسى وأدق الأمور التي تعد من صميم تخصصها ومن واجباتها الأساسية أن تفصل فيها بشكل قاطع ونهائي لا يدع مجالًا لأحد لخرق القانون بمزيد من الخروقات، وارتكاب المزيد من الجرائم، ولذلك كان رد فعلهم باردًا متأخرًا غير حاسمًا ولا رادعًا، ولا ينهي الأزمة ولا يعالجها.
وفي حقيقة الأمر انني ومنذ زمن بعيد كنت أرفض أي حديث يقال عن اضطهاد للمسيحيين في مصر وأعتبره نوع من التعالي على الآخرين ومطالبات بتمييز إيجابي يستغلون فيه الظروف القائمة لنيل مكتسبات بدعوى أنهم أقلية تعاني الإضطهاد، ويجب أن يكون لهم نصيب معلوم من كراسي البرلمان ومن المناصب العامة، لا يحدده الكفاءة والتي تعد من وجهة نظري المعيار الأوحد الذي يجب أن يتم على أساسه الإختيار.

كنت في كثير من الأوقات ما أُهاجمهم إن هم اشتكوا من سوء المعاملة، والإضطهاد والتهميش، وأقول أن المشكلة عامة لا تتعلق بديانتهم، وأن الغلبة في مصر لأهل الحظوة والمال، وأننا كمسلمين نعيش نفس حالة الإضطهاد والتهميش، وأنهم يعدون أفضل حالًا منا لأنهم في النهاية يرتكنون على قيادات كنسية يمكنها أن تساعد فقيرهم وتنصر مظلومهم، أما المسلم في مصر الذي لا يتمتع بالواسطة والمال، فليس له إلا الله يشكو إليه حاله.

أما في عصر السيسي فالأمر اختلف تماما، فحتى القيادات الكنسية التي كانت تساند رعاياها أصبحت لا تساند إلا النظام، في مشهد يذكرنا بقيادات الأزهر والجماعة السلفية، والذين يتغاضون عن أي شيء وكل شيء مقابل قربهم من النظام.
أصبحنا نقرأ عن المسيحي الذي اضطره ضيق الحال للانتحار، والمسيحية التي تتعرض للتحرش من حرس الكنيسة دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها أو يسترد لها أحد حقها، أصبحنا نسمع عن لاعب الكرة الذي لم يقبل فريق كبير ضمه إليه بسبب ديانته، وعن إلقاء القبض على المحامي المسيحي والحقوقي المسيحي، وأخيرًا عن استباحة بيتك وجسدك ومالك وحياتك لمجرد إنتماءك للدين المسيحي، لم يعد هناك مبارك ليضع لهم نصيب معلوم من المناصب وكراسي البرلمان، لا يجرؤ أحد من رجال الكنيسة على رفض أي أمر أو فعل صادر من الحكومة أو حتى انتقاده، لم نعد نسمع نداءات من الخارج تطالب بحماية الأقليات في مصر كما كان الحال في الأزمنة الغابرة، بل أصبح هؤلاء بلا نصير ولا معين، لا من حكومة ولا من شعب ولا من كنيسة ولا من الخارج.

وعلى الرغم من رفض الناس بشكل كامل لأي حديث حول اضطهاد مسيحي في مصر واعتبار من يقول ذلك ملحد أو علماني أو متنصر أو يريد أن يقدم نفسه للخارج، إلا أنني أرى أن هذه الاتهامات في هذا الوقت لم تعد تمت للواقع بصلة لأن هؤلاء فقدوا تمامًا أي نصير لهم ومازال منهم من يتعلق بأذيال النظام معتبرًا أنه وحده بيده حمايته وسط هذا العبث الذي نعيش فيه في دولة غاب عنها كل مقومات الدولة وأنتحر فيها القانون والدستور، إضافة إلى أن بعض هؤلاء المنكرين لمسألة اضطهاد المسيحيين سيغسل يده إذا سلم على مسيحي وبعضهم سيرفض أن يأكل معه في طبق واحد، وبعضهم سيحرم تهنئتهم بأعيادهم .. إلخ

وعلى هؤلاء الآن مواجهة جماهير يحركها الغضب والتعصب والكراهية والقهر والظلم والإهمال والتغييب، أغلبهم يجهل حتى أبسط وأدق أُمور دينه ويحركه طائفية بغيضة، ولا يجد من يفرغ فيه طاقة كرهه وحقده على الأوضاع المنهارة إلا من هم أضعف أو أقل عددًا.
نحن الآن أمام مشهد غير مسبوق في الدولة المصرية التي تحولت بفضل النظام الحالي إلى شبه دولة وأشلاء دولة ولا يردع فيها ظالم ولا يعاقب مخطئ ولا يحاسب فاسد ولا يدري أحد حقيقة أي شيء، فكل الحقائق مغيبة وكل المعلومات مضللة والكل ظالم ومظلوم في آن، ولا صوت يعلو فوق صوت القوة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا