الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف القروي ورجل الضل .. خير الله طلفاح نموذجاً

عقيل الناصري

2016 / 6 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المثقف القروي
ورجل الضل .. خير الله طلفاح نموذجاً
سيصدر عن قريبا عن دار السطور في المتنبي كتاب الباحث الشاب والجاد فايز الخفاجي الموسوم خير الله طلفاح رجل الظل لصدام حسين.
كثرت في الآونة الخيرة الدراسات المكرسة للشخصيات العراقية وبخاصة الاكاديمية، من سياسيين وعلماء وأدباء ومن ضباط المؤسسة العسكرية والأمنية في العراق المعاصر، التي لعبت أدوراً مهمة، سلبيةً كانت أم ايجابيةً، حسب رؤية المؤلف ودرجة عمق الوعي المعرفي للقارئ اللبيب وضمن المنهج النسبي لدراسة الظواهر.
هذه حالة صحية جداً، إذ سينتج عنها، بحكم التراكم الكمي المُوَلد للمتغير النوعي، ومن خلال تحليل هذه الادوار واعادة قراءتها، سيثري الحقائق التاريخية، طالما المستقبل مرتبط بحلقتي الزمن الماضي والحاضر. لقد قدمت هذه الدراسات وكشفت عن تلك الابعاد الحقيقية لأدوار هذه الشخصيات على حقيقتها، كما أزاحت الكم الهائل من غبار النسيان ، المتعمد أو غير المتعمد، عن البواطن المستترة التي حركتها، ومدى قوة التاثيرات السيسيوسايكلوجية والموروث الثقافي على هذا الموقف أو ذاك، رابطةً بين ابعادها الاجتماسياسية والدوافع ومؤثرات البيئة الاجتماعية وماهياتها في تلك المرحلة.
كما كشفت هذه الدراسات عن الكثير من جدلية التناقض الحاد، بل وحتى التناحري، بين المعلن والمستتر، بين المصلحة العامة والخاصة، إذ كانت بعض من هذه الحقائق متقاطعة لما هو شائع عنها في بعض من تجليات الوعي الاجتماعي سواءً: الجمالية أو السياسية أو المعرفية وكذلك الحقوقية. لأن التقيم الموضوعي سيتغيب أو يُغيب عندما تتحكم المصلحية به، ببعدها الأنوي أو العاطفة الإنسانية أو مدى توافقها مع المفاهيم السياسية والفكرية للسلطة وموقفها من هذه الشخصيات .. فعلى سبيل المثال طيلة حكم الجمهورية الثانية ( 9 شباط 1963- 9 نيسان 2003) كان يمنع البحث الاكاديمي في الشخصيات السياسية والاقتصادية التي تقف بالضد من فلسفة السلطة ومن هم في تعارض فلسفي وفكري معها وبخاصة ذات التوجهات اليسارية التقدمية أو/ و العراقوية المنطلق.
لكن بعضها الآخر، بالأساس في الجمهورية الثالثة وإلى حد ما في الجمهورية الأولى، من هذه الدراسات قد توصلت إلى ما يجاري ما مسموع في الشارع الاجتماسياسي عن هذه الشخصيات أو القوى السياسية أو تلك الوقائع.. حتى تم الكشف عن الكثير من الاسباب التي كانت مخفية وراء الابواب المغلقة سواءً الفكرية أو السياسية أو الاجتماعية، بسبب الإرهاب السلطوي (المادي والمعنوي) الذي كان سائدا في العراق الحديث وبخاصة المعاصر منه، كما كان يقف وراءه الخوف المبثوث في القلوب والعقول على السواء من السلطات، أياً كانت نوعها: اجتماعية، سياسية وفكرية التي لها نفوذها المؤثر على المكونات الاجتماعية. ومن الميزات المستخلصة من هذه الدراسات ان( بعضها) يتسم بالنزعة التبريرية بسبب انتماءات الباحث السياسية والحزبية ( بالمفهوم الضيق )، وذلك من خلال عدم تسليط الضوء المكثف على بعض الاخفاقات التي مني بها الشخصية المدروسة.. حتى وصلت، بعضها، بإنعدام الوزن التقيمي، بإيجابيته وسلبياته، وكأننا أمام ملائكة وليس بشراً يخطئون ويصيبون ، ينجحون ويفشلون.
أما التوازن الموضوعي فيكاد أن يضيع ضمن التراكمات السياسية والفكرية المتغييرة والحادة والصراع بين بين النظرة الساكنة وتلك المتغيرة، يضاف إليها عدم الاسستقرار السياسي وكثرة الحروب العبثية وما ينجم عنها من توجس وقلق نفسي ومعرفي. وفي الوقت نفسه يحاول الباحث في هذه الشخصيات إما التعاطف معها أو الوقوف بالضد منها، وهذا ما أشار إليه الباحث الشاب بقوله: " وشكلت دراسة هذه الشخصيات مهمة شاقة لدى الكثير من المؤرخين لما تتركه من أنطباع أما سلبي أو إيجابي لدى كاتبها، حيث يدخل الكاتب ضمن تأثيرها العاطفي بشكل لا أرادي " .
كتاب الباحث الشاب فايز الخفاجي يمثل في اعتقادي مذكرات لسيرة رجل يمثل ، بكل ما فيه ، المثقف االقروي ، وإن شئت الريفي، وهو نمط للمثقف التقليدي المتسم بالنزعة المحلية والتي من سماتها:
محدودية التفكير ؛ متأثرةً بقيم محيطها الضيق من عصبوية قبلية وغيرها ؛ نظرتها برغماتية وديماغوغية ؛ انتفاعية ذات أهداف محدودة ؛ متمذهب ومتأسلم ؛ مولعة بالتأريخ ومنهجه الوصفي والسردي ؛ يعاني من عقدة سلطة الدولة ويتوجسها ؛ متمتع بالسكونية النسبية ؛ رافض الحداثة ؛ غير عضوي ولا يساهم بأواليات ( ميكانزمات) صيرورات التغيير الاجتصادي والسياسي ؛ عامية المفردات ؛ يلعب العنف، بخاصة المادي ، دورا مهما في حل إشكاليات الحياة ؛ يميل إلى نصرة الغالب ؛ بناءه النفسي غير متوازن ؛ محدودية التخيل ؛ لديه جشع في متع الحياة .. وغيرها من السمات.
لقد أُستنبط أغلب هذه الصفات من هذا الكتاب {خير الله طلفاح، رجل الظل لصدام حسين} وهو يمثل خير تمثيل للمثقف القروي أو الريفي رغم مظهرة المتمدن، وهذا ما تميز به الكتاب دون أن يعي مؤلفه ما توصل إليه من استنتاجات؟ وهنا المفارقة الجادة. ومن ميزات الكتاب الأخرى أنه كان واعيا لبحثه بحيث انه لم يضف شيء من ذاتيته، فالمرء يعرّي ولو بصورة غير واعية، ضيق خبرته ونواقصه الفكرية والمزاجية، وإن كان منحازا لبحثه وليس الطعن بالشخصية المبحوثة بدليل أن الباحث لم يعمد إلى تنضيد الحقائق بما يناسب عواطفه وميوله، ليس بصورة واعية على الأقل.
ولهذا رصد الكتاب ما له بتاريخية طلفاح واقرانه والظروف التي عاشها بالنقد السيسيوتاريخي للعقل المكون ليس للظل وحده وانما لرئيس النظام السابق صدام حسين . فكان دقيقا في سرد الحدث ومعللا إيها، لان الكتاب ومؤلفه شعر بمسؤولية الوقائع وغائيته من البحث.
ومن ميزات الكتاب أنه حافظ على وحدة الموضوع فكانت الشخصية المدروسة هي المحور المركزي والأرأس.. تتبعها بالدراسة الزمكانية (الزمانية والمكانية) الشاملة وعناصرها الرئيسية المرتبطة بها، في أبعادها الاجتماعية والسياسية ونشاطها عبر زمن امتد من تخرجها من دار المعلمين الابتدائة مرورا بالانتساب للمؤسسة العسكرية وخروجه منها وعلاقتها بالاحزاب السياسية سواءً في المرحلة الملكية أو الجمهورية.. والتوكيد على رسم ابعاد العلاقة بينه وبين ابن اخته رئيس النظام السابق. كما أنه ألقى الضوء المكثف ومن خلال المصادر المختلفة والرؤية المتعددة ، لحد التناقض، لهذا الحدث أو ذاك ضمن وحدة الموضوع والاختلاف فيه، وهذا ما يلمسه القارئ اللبيب في الكثير من المفاصل، وهو ما يشير إليه المؤلف بالقول : " كذلك حاولنا في هذا الكتاب أن نبرز العديد من وجهات النظر، وذلك لتوضيح بعض المواقف الغامضة والملتبسة التي رافقت تلك المرحلة، لكي نعطي للحيادية والرأي الآخر مجالاً أوسع وأرحب. فتدخلنا في إعطاء رأينا عندما تقتضي ضرورة البحث ذلك ".
بمعنى آخر توافر وحدة التطابق الموضوعي بين شكل الظاهرة ومضمونها. في رؤيتي العلمية لهذا العمل من الناحية التقيمية تتمحور في أن كل عمل علمي لابد من تواجد النواقص في ثناياه والثغرات في طياته، والرؤية غير الشاملة فيه ، وهذا يعتمد حسب الرؤية الفكرية للمتلقي وفلسفته الحياتية وزاوية النظر التي ينطلق منها، طالما هنالك تداخل بين الذاتي والموضوعي بين الأنا المصلحية الجمعية والأنا الفردية . ولهذ استرشد بمقولة الفيلسوف ابن عربي والتي نصها : { أعلم أن كما الوجود وجود النقص فيه، إذ لو لم يكن لكان كمال الوجود ناقصاً بعدم النقص فيه }.
عقيل الناصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كأنك المقصود
طلال السوري ( 2016 / 6 / 2 - 05:21 )
مذكرات لسيرة رجل يمثل ، بكل ما فيه ، المثقف االقروي ، وإن شئت الريفي، وهو نمط للمثقف التقليدي المتسم بالنزعة المحلية والتي من سماتها:

محدودية التفكير ؛ متأثرةً بقيم محيطها الضيق من عصبوية قبلية وغيرها ؛ نظرتها برغماتية وديماغوغية ؛ انتفاعية ذات أهداف محدودة ؛ متمذهب ومتأسلم ؛ مولعة بالتأريخ ومنهجه الوصفي والسردي ؛ يعاني من عقدة سلطة الدولة ويتوجسها ؛ متمتع بالسكونية النسبية ؛ رافض الحداثة ؛ غير عضوي ولا يساهم بأواليات ( ميكانزمات) صيرورات التغيير الاجتصادي والسياسي ؛ عامية المفردات ؛ يلعب العنف، بخاصة المادي ، دورا مهما في حل إشكاليات الحياة ؛ يميل إلى نصرة الغالب ؛ بناءه النفسي غير متوازن ؛ محدودية التخيل ؛ لديه جشع في متع الحياة .. وغيرها من السمات.


2 - تحياتى لك الدكتور الناصرى المحترم
على عجيل منهل ( 2016 / 6 / 2 - 23:05 )
صدر له كتيب من عشر صفحات بعنوان (ثلاثة كان على الله أن لا يخلقهم: الفرس، اليهود و الذباب).

اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية