الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معتقدات لا عقلانية

ماري مارديني

2016 / 6 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تجمعت مجموعة من البنات في حديقة المدرسة حول قصاصة من الورق خافت كل منهن ان تقرأها! هي ورقة قديمة ، صغيرة جدا مضغوطة بشكل عشوائي باليد! صفراء بعض الشيء. فسألت عن الامر فقالت احداهن انها ورقة و من تقرأها من البنات فلا تنجب اطفالا! اضحكتني الفكرة و اخذت الورقة و قرأت ما فيها، و ان الذي فيها ليس سوى خربشات من الكتابة .. قد خافت بعض البنات و حاولن منعي من ان اقرأ ما في الورقة خوفا علي من تأثيرها علي!.. مما جعلني اصر على ان اقرأ ما بها، و اضحكني صغر عقل تلك البنات اكثر ما اضحكتني فكرة تلك الورقة و ما بها من جهل مؤسف . كنت في المدرسة الابتدائية و بقيت تلك الفكرة تضحكني ،و كذلك بقي جهل الناس و تخلف تربيتهم الفكرية يؤسفني و يضحكني بدء من ما رأيته من افراد سواء في مدرستي الى جامعتي الى الحياة العملية . و بذات الوقت بقي يكبر فخري بالتربية التي تلقيتها منذ الصغر في بيتي في بيئة اتسمت بالثقافة و الفكر المتفتح الذي رافق القيم و الادب و العقل و مازال يكبر لانه ربى بي حب البحث و استخدام العقل دوما و الربط السببي و التحليل و التركيب لاي حدث و اي ظاهرة او تصرف او حركة تصدر من احد اتوقف عندها و اراها غريبة، و بذلك كان الفضل لاسرتي و بيئتي الايجابية المتفتحة الفكر، وكذلك لحب البحث الذي اتسمت به بكل ما اراه سلبي في المجتمع الشرقي و العمل لتحويله الى ايجابي نافع. كذلك البحث بكل ما اراه ايجابي من حيث البحث به و بأسبابه،و المقارنة بين المجتمعات و الثقافات لهدف ايجابي.

اسرد بالبداية مزيد من الامثلة التي سمعت بها حول ذلك:
سيدة لديها مشاكل مع زوجها. هي من اللواتي درسن و تعلمن الى مستوى جامعي، و عندما اشتدت الخلافات بينها و بين زوجها لجأت الى اساليب كن نساء الجهل يستعملنها مثل اشياء تضعها تحت المخدة او في ارض البيت لكي تؤثر عليه! و تخفف من حدة طباعه! فهي لم ترى ان الحوار و النقاش و التفكير يمكنها من ايجاد الحل العملي

رجل يضع في سيارته خرزة زرقاء لتقيه عيون الاخرين، او تعويذة لتقيه و تقي سيارته شرور الطريق و خطره! فبمعتقده الخرزة او التعويذة سوف تحميه و ليس عقله و انتباهه!

سيدة عندما تجلس بجانب المنضدة مع عدد من الموظفين الاخرين و زملاء العمل تتخربط طباعها و مفرداتها و ملامحها اذا وضع احد منهم مفاتيح على تلك المنضدة، و هي بدورها لا تضع اي مفتاح على المنضدة انما ترمي المفتاح اما بالحقيبة او تحت المنضدة!

رجل عندما يرى قط اسود يتشائم و يخاف و يميل بوجهه نحو الجهة الاخرى كي لا يرى ذلك القط الاسود ! فالقط الاسود المسكين نذير شؤم بنظره!

مثل تلك الامثلة و غيرها يوجد الكثير المنتشر في العالم! امثلة ربط بها الناس بين الحدث الذي حدث و بين النتيجة دون الربط بين السبب و النتيجة انما فقط بين حدث عابر لا علاقة له بالسبب الحقيقي الذي ادى الى تلك النتيجة، مع ان الربط ليس له اساس عقلي و لا شرح منطقي و لا اي رابطة تعلل النتيجة بناء على ذلك الربط اللاعقلاني. فمثلا ما علاقة القط الاسود بنتيجة سيئة ممكن ان تحصل! او ما علاقة فراشة عابرة بتيجة ايجابية ممكن ان تحصل! ليتحاشى الرجل النظر للقط الاسود كي لا يحصل ما لا يرغب به ، او يفرح اخر بمشاهدة الفراشة و يتوقع سماع بشرى بناء على ذلك.

هي معتقدات عند الافراد بالامثلة السابقة و امثلة تشبهها، لكنها معتقدات لا عقلانية معيقة للتطور و مبقية على التخلف، ناتجة عن جهل و فكر مُخدر، اتت عن طريق التربية في المجتمع و الملاحظة و التقليد حيث تم نقل و تبني تلك المعتقدات بشكل يظهر في ابسط انواع سلوك الفرد، دون ان يحاول التفكير بصحتها او خطأ الربط بين السبب و النتيجة. فيربط الفرد بين حدث ما و النتيجة دون معرفة السبب الحقيقي للنتجة و ادراكه له هذا اذا كان نظام معتقداته لا عقلاني. و قد يرى البعض انهم افراد يخضعون لقوى خارجية تسيطر عليهم فلا يرون انفسهم مسؤولين عن نتائج اعمالهم. فهم افراد لديهم معتقدات لا عقلانية .

فالمعتقدات اللاعقلانية قد قمت بتعريفها بأنها " الافكار اللامنطقية ، والتي تتشكل عند الفرد بتأثير التنشئة الإجتماعية، ولا سيما الأسرة والمدرسة، ويتقبلها الفرد بسلبية، لتؤثر سلباً على تفكيره وسلوكه وتعامله مع نفسه والأخرين، وما يحصل حوله من أحداث"

تنشأ تلك المعتقدات بتأثير الثقافة و المجتمع و الاسرة والرفاق و المدرسة و التربية و وسائل الاعلام ، تؤثرعلى الفرد بهدف سلبي مقصود او غير مقصود ،و بطريقة تترك اثر سلبي عند الافراد ،و تتجه للسلب بدل من الايجاب . و عندما لا يكون العقل عند الفرد هو الاساس فإنها تعود و تنعكس سلبيا على المجتمع و الثقافة و الافراد و التقدم .

و للتقليل منها في التربية و المجتمع ، و لاجل النهوض بالفكر و توجيهه نحو الايجاب و العقل لا بد من :

اولا.تنمية اسلوب التفكير العلمي،و التشجيع عليه، عبر التشجيع على التساؤل و التفكير الحر ،و تربية التفكير السببي ،عبر الاهتمام بالحوار و النقاش، و كذلك تقبل الاراء المتعددة .و قبل كل شيء أن يحاول الفرد أن يبدأ من ذاته في التفكير و العمل بهذا الاسلوب

ثانيا. عدم التمييز في التعامل و التربية بين الاناث و الذكور في الاسرة -التي لها دور كبيرفي إعداد شخصية الفرد - من حيث تقديم العناية أو إتاحة المجال لتنمية الشخصية بكل جوانبها قدر الامكان فلا يقدم عطف زائد للإناث و لا خوف زائد، و لا يطلب مسؤولية زائدة من الذكور، مما قد يؤدي الى مفعول سلبي أكثر من أن يؤدي لمفعول إيجابي لكلا الجنسين ، و يؤثر على علاقاتهم مع الاخرين فيما ينتطرون منهم أو بالعكس أي ما ينتطره الاخرون منهم ، ومما قد يسيء لمعتقدات الفرد و تفسيراته لما حوله من أحداث و أشخاص . كما ان الشدة و الإنغلاق في التربية لا تكون ذات نتائج أفضل

ثالثا.تربية حب البحث و العلم لاجل تكريسه عملياً و ليس فقط نظرياً، و ذلك للتمكن من الاستفادة منه بالواقع اليومي
و هنا تظهر أهمية المناهج المدرسية و غايتها في المدارس ( اي في المدارس العربية )، فلا بد من ترقية و تنمية المناهج المدرسية العربية و اساليبها التي كثيراً ما تعيق لدى الطلبة الجرأة في السؤال ، و الجرأة في الاعتراض أو إبداء الرأي و يبقى أثر ذلك قوياً على الطلبة في بقية حياتهم العملية ...مما يتضح حالياً في المناهج العربية أنها بأثارها تفرض على عقل الطالب منذ الصغر التفكير بإتجاه واحد ، مما يؤدي الى منعه من التعبير بصراحة أو حرية و هذا يسيء لحرية تفكيره و قد يشوه ادراكه للامور و الواقع..، وغالبا يقولبه بقالب مكرر، لا جديد فيه فيجعل العلم الذي يتلقاه مجرد إطاراً خارجياً هشاً لا أكثر، يحتوي بداخله أفكاراً نسبة منها مشوهة أو خاطئة فرضت عليه فرضاً، فقد تعيده الى بدائيته في التفكير و التصرف عند الصعوبات

رابعا. الاختلاط و التعرف و الإنفتاح على الثقافات المتعددة ، فمن شأنها أن تزيد من المعرفة لدى الأفراد مما يوسع الافق في التفكير ،و يسهم في إنخراط الأفراد في المجتمع ،و ينمي عملية التبادل الثقافي في الأخذ و العطاء لما هو إيجابي عند الأخر و تبادل الإفادة و الإستفادة منه ( من خلال الاندماج و التأثير و التأثر المتبادل بين الافراد المختلفين و الاشتراك في الأنشطة و المناسبات و الأندية و الندوات و الإشتراك في النقاشات مما يجعل الأفراد يستعملون ما لديهم من قدرات عقلية و علمية تساعد على فهم الذات و فهم الاخرين و فهم العالم و الأحداث بطريقة مختلفة)

خامسا. محاولة تشجيع الأفراد على غربلة الأقوال التي يستعملونها بشكل روتيني و تلقائي غير منتبهين لها و لمضامينها ، و التفكير بها قليلا قبل استعمالها، و تجنب السلبي منها و العمل على انتقاء العقلاني منها، من خلال محاولتهم إعادة النظر ببعض التصرفات الي يقومون بها على أساس انها عادات حيث انها تتضمن ما يدل على معتقدات معينة لا عقلانية فلا بد من العمل على اهمالها، أو على الاقل تعديلها بما هو افضل لما تعكسه من سلبيىة في التفكير

سادسا. الاختيار الصحيح و المناسب لما يبثه الاعلام بوسائله المختلفة،من مقالات و لقاءات و برامج و الإبتعاد عن البرامج أو الكتابات السلبية مثل الأبراج و ما يشبهها من أعمدة في الجرائد أو برامج تلفزيونية مشابهة، و محاولة تنقية المسلسلات و الأغاني التي لا يخلو قسم كبير منها من الأقوال اللاعقلانية، و التي لا تكرر الا السلبية سواء على صعيد الطرح لمشكلات معينة أو الحلول لها. و لا بد من العمل على محاولة تقديم الإيجابي و الجديد الذي يحتوي ما يناسب العقل بوعي و رقي و تخطيط ، و يناسب تقدم العلوم و الفكر و الإنسانية و العمل على إستغلال إقبال الأفراد على وسائل الإعلام لتكريسها بما يخدم الأفضل للفرد و المجتمع و يغذي الثقافة بما هو ايجابي و نافع و بناء ..و ليس العكس خاصة و أن الإعلام الفضائي و الإلكتروني يصل الى الجميع .و من المهم أن يبدي أفراد المجتمع ارائهم بالإعلام و يعطون افكارا لما يريدون ان يبثه الاعلام او ما يريدون ان لا يبثه.

سابعا. الوعي لأهمية اثر الاديان على الافراد بالمجتمع العربي . فأن دور الدين و نوعية التربية الدينية يؤثرات على تفكير الافراد ، و صحتهما هام في الحفاظ على التفكير العقلاني لدى الفرد و ذلك لأنه يُفترض انه يوجه الفرد للتفكير النقي والسلوك السوي، فالتربية الدينية التي تهتم بجوهر الدين و عمقه و هدفه يجب ان تتم بشكل تترك فيه للطفل أو الفرد أن يفهم الدين لأجل ذاته و بطريقته الشخصية و ليس لأجل قبول الأخرين له أو المربين بدءً من البيت إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام ، و بعيدا عن الاجبار و الترهيب او الاغراء، كما ان دور العبادة لها أثرها على الأفراد في كل مراحل حياتهم و أينما حلوا. كما يبقى أثر ذلك واضحاً في نوعية و صحة تفكيرهم و علاقاتهم و سلوكهم مع الآخرين ، و ذلك لأن الوعي لأهمية صحة التربية الدينية و اثرها و الحفاظ على الشكل السليم و الجوهر السليم من التربية الدينية يحمي الأفراد من الميل الى التفكير اللاعقلاني ، و يحثهم على العقل و عمل الأسلم و الأفضل دون تعصب و دون عداوة للغير من غير اديان لأن هدف الأديان جميعها هو دائماً الخير و الحق و العدالة،و هذه الأهداف ترتبط بالعقل كما ترتبط بالدين من حيث هدفه. و عندما تبتعد التربية الدينية عن العقل و عن هدفها الجوهري يكون تأثيرها سلبياً على الأفراد و المجتمع. يجب ان لا تكون التربية الدينية ساعية او باعثة على التعصب و كره الاخر فهي بذلك تبتعد عن الجوهر و تصبح سلبية عمياء و تتجه بشكل يترك اثره السلبي على الفرد الذي ينعكس على تفكيره و على سلوكه في المجتمع..

تلك كانت توصيات بحث ماجستير قمت به حول المعتقدات اللاعقلانية..، و العينة كانت افراد عرب من اقطار عديدة مختلفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا