الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة ( إلا الحذاء )

سمر المحمود

2016 / 6 / 4
الادب والفن


إلا الحذاء
بعد ساعات فاشلة من الانتظار أمام مركز لبيع الغاز ينتزع نفسه عن الحشد المتجمهر ككتلة قماشية مدعوكة مختلفة الألوان لها فم واحد مع ألف نغمة: متى يحين دورنا؟
يجرجر جسده محاولا الابتعاد وفي حضنه علبة كبيرة من الماء يداريها كطفل صغير مستمر بالبصاق كلما اهتز جسده، مبللة ثيابه،
يلاحقه في ساعات النهار هذا ذيول ظله المنهك متفقا معه أن التلاعب القدري بصبرهم البشري لا بد أن ينتهي بالخيبة
بخطواته المعتادة يقوده حذائه الصيفي البالي في حركة آلية نحو الطريق المؤدي لمنزله:
( أجل أنه الطريق نفسه، أعرف ما زلت تحفظ إحداثياته، رغم خراب الحرب، بحطام منازله، بنسوته المتشحات بالسواد، الوجوه العابسة لجيراني المرحومين في نعواتهم الورقية، متنافسة في الموت، مزدحمة في خلافاتها بالالتصاق، بكتابات سوداء تحتل مساحاتها الخربشات الحمراء .. أجل .. يتابع متنهدا : نفسه الطريق المتآكل بالتفجيرات بالقنابل والصواريخ....)
يحدث حذائه بجبين دامع بعرقه المالح
محفزا خطواته، فالجو حارق حتى إن المرء لا يعرف إن كانت ألسنة اللهب تأتي من الشمس أم تتصاعد من جوف الأرض ، مدركا أن الكهرباء مقطوعة وبمسيره البطيء هكذا سيشرب الماء مغلي
في البيت يتناول الغداء مع صغاره الذين احتفلوا بشرب الماء مع غدائهم المتواضع، تخبره زوجته أن السكر قد نفذ وسيضطر لشرب الشاي مُرة....
حسنا لا بأس: يجيبها باستسلام مر منذ أصبح سعر كيلو السكر يشتري كعكة عملاقة لم يتذوقوها يوما
ينتابه تعب شديد فيستلقي على الأريكة ليأخذ غفوة بسيطة، يغمض عيناه في نصف إغلاقه ليفتحهما في حركة مفاجأة محملقا في الحذاء بنظرة مضطربة ..
كان الحذاء مقلوبا يأخذ قيلولة هو الآخر متكأ على لسانه المهترئ الأسود الطويل ليبدو قفاه محدقا بالسقف في إغفاءة كاملة ،
يستذكر بقلق أمثال والدته ( الحذاء المقلوب حرام ).. يمد يده محاولا جذبه فيتأرجح جسده كصخرة كتومة تكاد تسقط من علو الأريكة،
يتنهد معترفا لنفسه أن المسافة القياسية بعيدة عن يديه الاثنتين حتى لو اتحدا في ذراع واحدة، وفي انشغاله بالتفكير المُعَذِب يغلبه النعاس ويشعر أن الشرشف فوقه قطعة من حديد صلب تجثم بكل ثقلها على تراخي جسده المتعب و النوم كامرأة حنون تداعب جفنيه بعذوبة ، للحظة ربما لحظات كافية لتُكَدِسَ الذنب على صدره فيفتح عين واحدة كسولة محاولا تجاهل الحذاء اللعين الذي مازال متسمرا في مكانه ،
يتفاقم غضبه على ضمير أخمده النوم ويشعر كأنه في معتقل للتعذيب لتزداد مرارة الشاي التي شربها بعد الغداء في فمه ،
وفي خمرة نعاس أسكره بالتشوش وفي محاولة منه للتخفيف من ضغط مشاعره الحادة عليه يستنجد بصوته لينادي أولاده فلا يجده صاحيا لينتفض فجأة على صوت داخلي مستيقظ لوالدته تؤنبه أن النوم يسرق منه مبادئه وتراثه التاريخي ..
ينهض مذعورا وقلبه يكاد يطفر من جسده وبنشاط حماسي كأنما نام لساعات يتجه نحو الحذاء زافرا بغيظ: كل شيء يستحق المساومة إلا المبادئ والتراث التاريخي،
وبضربة احترافية حاقدة يعيده إلى وضعه الطبيعي ليشعر فجأة بالطمأنينة والاعتزاز مناديا على زوجته لتعد له كأس من الشاي المر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع