الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة العاشرة /نوافذ دائرة الطباشير

ذياب فهد الطائي

2016 / 6 / 22
الادب والفن


نوافذ دائرة الطباشير
رواية
الحلقة العاشرة
ذياب فهد الطائي



لا أعتقد ان من المهم تتبع التفاصيل التي تمخضت عنها الاحداث التي تلت عام 2014 لأنها انتهت الى محصلة واحدة
ولكن لابد من الاشارة ولو باقتضاب الى القدرة المدهشة للتوأم الصغير على التكتم والحفاظ على أسراره مع مراقبة كل مايجري بدقة متناهية ، كان سلوكه في البيت وفي المدرسة وفي مقاهي المدينة مغاير تماما لسلوكه وهو يطعم الافاعي أو يروضها على نحو ينم عن عبقرية مبكرة لديه
ابتدأ اولا يحثّ الاناث على زيادة الاخصاب ،فهو مقتنع بما قاله الشيخ، جاء بعدد من الافاعي التيتعرضت للتسمم ، وظل يستعرضها مساء لأقناع الاناث ان وجودها مهدد بالفناء اذا لم تعوض ما تعرض للموت،
كما انه كان يقدم لها الطعام ، مقتنصا الارانب الصغيرة أو الفئران ،وإذا تعذر ذلك يقدم لها من طعام أسرته ،وحين لاحظت أمه النقص المتكرر في طعامهم ،رد على استفسارها بالإشارة الى بطنه، وكانت هذه الاشارة المزيفة تحمل دلالة حاجته الى الطعام .

أصبحت الافاعي التي تزايدت أعداها متآلفة معه ، فهي ما أن تسمع خطاه على الارض الترابية الهشة ،حتى تطل برؤوسها ،وحين يضع الطعام تدعو الافاعي ابنائها الصغار أولا ، ثم تتقدم ،دون أن تنظر اليه،فيشعر بالرضا ويطمئن الى ان كل شيء فی الاتجاه الصحيح ، يذهب الى النهر الكبير لينزل ببطئ الى القاع الطيني اللزج ،يحركه بيدية لترتفع مع الموجات الدائرية الوانا عكرة تترواوح بين الداكنة والحمراء التي تسمح لشمس مايو الرخية بأن تسكب أشعتها الراكدة في المساحات المتمددة على صفحة النهر
قال أبوه :أني على يقين قاطع إن هذا الولد يرتب لأمر ...أرى ذلك في عينيه ولكني لا أتبين كنهه

قالت المرأة :-أحلم أنه يصرخ في التلال على النهر فتهتز دافعة باشباح سوداء تصدر همهمة غريبة ...نعم إنه يحتفظ بسر غاية في الخطورة.

قال سلمان :-لا أدري ...ولكن ما يراودني حين اتطلع في عينيه ، أقرب الى الهلوسة ،لأني أسمع بوضوح فحيح الافاعي يندفع متسلقا الحبال الهوائية ليخيم فوق التلال سادا عليها كل المنافذ التي تربطها بالعالم

قالت المرأة :قل أعوذ برب الناس
قال ابوه :سأسأله
لم يردّ ، في عينيه شهب تتساقط بصمت لتغوص في مساحات العدم التي تمتد على أطراف الرؤية التي يمتد اليها نظره ،
-: انت لا تصلي ، فلماذا تحرص على زيارة الشيخ في جامع القرية بعد ان يتركه الجميع ، ماذا تبتغيه ؟
لزم الصمت ، فيما أكد لنفسه الغرض الذي انجز أكثر من نصفه ، سيعاونه الشيخ ،هو يعرف كل شيء عن الافاعي ويتواصل معها على نحو مدهش ، كما ان ابنته التي تفضح عيناها اللتان تطلان من فوق الحجاب ، رغبتها فيه ، يجدها الجزء المكمل لمشرعه الذي درسه بعناية
:- أنت تراقبني !
:لا ولكن الجامع مقابل لمزرعة سلمان ، وأنا أنظم جريان الماء للقطع المزروعة الى ما بعد صلاة المغرب
:ارجو ألا تسألني
إنّ اسفري إلى مكان بعيد
وَقَدْ أواجهُ معركةً لا تُعرف
وسوف أسيرُ بدربٍ لا أعرفُهُ
من يومِ أذهبُ حتّى أعودَ
أرجو أن تثق بي .... والشيخ هو الذي سيتكفل باستكشاف الطريق وهو يعرف كيف يدفع بالأفاعي الى القتال
:-ولكن من ستحارب ؟
: لا أدري ..ولكن ربما الجميع !
قال سلمان :- واضح انك تستعد للمعركة سيما وقد قصرّت من (الدشداشة ) وأصبح اللون الابيض حتى في الشتاء ، هو المفضل عندك !
شعر التوأم الصغير بنبرة السخرية في كلام سلمان
:سترى كم هو جميل هذا الزي حينما يلبسه الجميع على طول امتداد النهر
:- لن أعرض نفسي للبرد
:- لن يكون ذلك بمزاجك ، الجميع سيخضع للأمر
:-لن أكون هنا ......وساترك المزرعة لأبيك....أعرف أن أيام الطين ، ربما تتكرر وان عجلة الشر التي ستجرها الشياطين قد تمر من هنا ، ولكنها لن تتوقف ، ستمر غيمة عابرة
ابتسم التوأم الصغير دون ان تفارقه نبرة الثقة العالية
:- يمكنك أن تبحث عن مكان بديل منذ الغد
:-لقد هيأته منذ الامس ...ربما تعرف إنّا اولاد عليان !
بدأت الشمس تنحرف نحو اليسار فيما هواء رخو يمسح وجه النهر فتبدو الموجات التي تتجه الى الشاطئ اكثر اغراقا في اللون البني ويهتز العشب المتطاول على الضفة ،حتى ليبدو خائفا من قدر غامض يختبئ في اعشاش الافاعي الفارغة، يتربص بالقرية وبالمدينة اللاهية ببحث توزيع الحصص السياسية في الحكومة الجديدة التي يُعدّ لولادتها،
نسي الجميع (الكلي المعرفة )بعد إن قال الشيخ في خطبة الجمعة إن الدود الفارسي قد أكله في اليوم التالي لإنزاله في الحفرة ،وحاول مدرس الفيزياء الذي يعتقد اهالي المدينة وعلى نطاق واسع انه عاد مرة أخري يعمل مع الحزب الشيوعي ، أن يشرح ان هذا الدود الحاد السواد والحاد الاسنان لم يتم ارساله بأمر من الحرس الثوري الايراني ،لأنه ببساطة يعيش حتى في ايام الكلي المعرفة وحرب دحر المجوس ، في التلال وأسفل مخابئ الأفاعي وأعشاشها
وقال الشيخ :-الأمر لايخلو من تواطئ مقصود ...حيث تكون مخابئ الافاعي ،لابد أن تجد بيوت الدود الفارسي
وحينما اعترض مستفسرا، أحد طلاب المدرسة الاسلامية الذي كان يضع عمامة بيضاء ،بان هذا لا يتسق وما جاء في حديث النمل مع سيدنا سليمان
قال الشيخ :-أنت قلت النمل ،أي أنه ليس الدود الفارسي ، النمل أكثر ذكاء وأقرب الى روح الإيمان ، أما الدود الفارسي فهو كافر ولا حرمة لديه
بدأت ظلمة شفافة تهبط ببطئ وبدت الأشجار البعيدة تتمايل برفق ، وارتفع صوت الشيخ بالنداء لصلاة المغرب فيما تحولت الظلمة الى غطاء داكن ،بدا قمر فضي يصعد متكاسلا، وشاهد التوأم الصغير العمامة البيضاء كأنها قرص (كيك ) أعياد الميلاد التي يعرضها محل الحلويات في المدينة ويضعها في (ثلاجة ) لتحافظ على تماسكها ...سوف لن تكون هناك أعيادا للميلاد وعلى الناس أن يتناولوا الكيك عند شرب الشاي مساء بعد صلاة المغرب ...سيكون هذا أمرا مثاليا ..وسيكون هو مشغول بخدي ابنة الشيخ ،فهما أشبه بكيك الشكولاته وسوف لن يأخذ معهما الشاي ’شعر بانه عطش لتذوق طعم خديها حينما يمرر لسانه في المساحة الصغيرة المرتفعة
قال له الشيخ :يمكن أن تتزوجها ،لن يكلفك هذا شيئا ولكن عليكما ان تسكنا معي ،أنا وحدي وليست لي رغبة بادخال امرأة غريبة

في الغرفة المطلة على الجامع ،عقد الشيخ قرانهما ،وفيها تزوجا ، وهي الغرفة التي ستكون المكان الذي تصدر فيه اكثر القرارات والاحكام خطورة
كانت الزوجة تتمدد على سرير حديدي ، شعرها منثورا على وسادة طويلة ،وجهها من الستان الاحمر الرخيص ،كانت تشخص بنظرها الى السقف ،فتحت ازرار الرجاء الابيض فبرز تكور نهداها ،تشاغل بقطع رغيف الخبز
:-هل ترغبين بالافطار ؟
لم تجبه
نهض نحوها ،نظرت اليه ولكنها لم تتحرك رغم انهاأاحست بوجيب قلبها اكثر عنفا ،في الخارج كانت ضجة يحدثها عراك غرابين على قطعة خبز سقطت وهي ترفع الطبق المصنوع من القش واعواد الخيزران الرقيقة
كانت كفه تنضح وفي عينيه استكانة لم تشاهدها ،لملم شعرها برفق فيما بدأت نظراته تقسو
:سأذهب ...الأفاعي أصابها اضطراب مفاجئ
لم ترد
في المساحة بين البيت والجامع ،كانت الأفاعي تتقدم بمجموعات منتظمة ،في عيونها غيوم موت متجمد يعكس صلابة بلا روح ،فيما كانت الصغار تتقدم معابثة بعضها البعض
وقف بردائه الابيض القصير واضعا على رأسه كوفية حمراء ،شمل المجموعات بنظرة طويلة متأنية فأصدرت صوتا مكتوما وكف الصغار عن المعابثة ، لم يتكلم ، اخترق المجموعات الى الخارج فاستدارت وراءه.

قال الشيخ :-لقد بدأت تشعر بالملل وهذه أخطر مرحلة ،يمكن ان أوجهها لاصطياد القنافذ الليلة حيث يكون القمر بدرا وتخرج القنافذ من الجرف الى مناطق العشب ، قد يشعرها هذا بشيء من الرضا

كانت الغربان الفاحمة السواد قد كفت عن شجارها على قطعة الخبز، وتوزعت على سياج الدار، والنخلة الوحيدة المزروعة وسط المساحة بين الباب الداخلي المصنوع من خشب الصناديق التي تركتها شركة يوغسلافية، انجزت بناء النقوش الداخلية لقصر (الكلي المعرفة ) وتحولت الى بناء قاعدة عسكرية في الصحراء المحاذية للحدود الأردنية ، وباب السياج الحديدي .

كانت النخلة وعلى مدى عشر سنوات من نقلها من ناحية البحار في قضاء الفاو وزرعها في بيت الشيخ ، لم تطرح تمرا ،كان الطلع يتحول الى ثمار خضراء فجة تقدم للحمار الذي يحمل الشيخ الى المدينه في مواسم الاعياد

تخطت الافاعي النخلة وهي وراء التوأم الصغير ،ولحظ الشيخ أنها تسير بشيء من الحذر الممزوج بالرهبة ،وحين وصلت الى التلال الجنوبية، انسلت الى مخابئها يتبعها الصغار
انقض غراب من السياج مختطفا الصابونة البيضاء المرمية عند صنبور الماء فوق حوض اسمنتي ،

صرخت العروس وهي تجاهد لملمة شعرها الذي نثرته ريح مفاجئة على وجهها :ليس لدي غيرها ...امسكوا هذا الغراب اللعين

قال الشيخ : لقد هرب ، اطلبي من زوجك ان يشتري واحدة من بقال القرية
قالت العروس :سأطلب منه أن يبعد هذه الغربان عن البيت

حين دخلت الافاعي مخابئها داخله شعور عميق بالراحة ، لقد نجح في اول عملية قيادية دون الاستعانة بالشيخ ،لحظت العروس أنه يتحرك بانسجام وبهدوء،
قالت :-الغربان سرقت الصابونة
نظر اليها كأنها مخلوق غريب تملك ذات النظرات العميقة والمحاذرة لأفاعي التلال ، ولكن جرس صوتها الانثوي ينضح بشهوة مناورة
قال :-لماذا لم تطلبي من أبيك أن يجلب لك صابونة جديدة ؟
:-ولكنك زوجي ، ثم هو نسي الصابون الذي تحتاجه المرأة
:-أي هراء
لم ترد
تابع :-الشيخ يفهم بطرق معاقبة الغربان ، فلماذا لا تطلبي منه أن يبعدها عن البيت؟
التزمت الصمت
:-حسنا سأجلب لك غدا صابونة جديدة ، ولكن لا تنسيها على الحوض ،أو غلفيها بقطعة قماش صفراء ، الغربان لا تخاف الا من اللون الأصفر ،ففي ضوء الشمس يصيبها بالعمى

وراء النهر ، كان سقوط الشمس متوانيا سمح لأشعة الضوء ان تلامس الارض أفقيا ،فيما كان الشيخ ينتظر أذان المغرب جالسا تحت قبة مئذنة صغيرة تعلو السطح الترابي للجامع .....يبدو أن التوأم الصغير بدأ يفكر بالابتعاد عنه ولو على نحو حذر

قالت العروس :-لماذا لا ترتاح على السرير؟
أدرك إنها تستدرجه وصلاة المغرب على الابواب ، تشاغل بقراءة (الاساليب الفنية باسقاط الدولة البهية ) قال له الشيخ ،هذا الكتاب يعلمك القيادة ويشرح كيف تستفيد من اخطاء عدوك ....أنت بحاجة اليه
:- رغم إن اباك على ابواب الخرف إلا أنه مازال يملك القدرة على التفكير
:-المح في أعماقك كرها له
:- أفضل أن تصمتي

شعر بانه بحاجة الى أن يزور والديه ،لم يكن هذا اشتياقا لهم ولكن ليغير من توجهات تفكيره ، أن ينتقل الى مساحة محايدة ،لقدتم وضع كافة الخطط اللازمة لتحرك مجموعات الافاعي ،صحيح أنه لم يطلع الشيخ على تفصيلاتها ولكنه المح الى النتائج
كانت الشمس تتعامد مع الارض في أول حزيران ولم يتبق من الحشائش التي غطت الساحل الممتد مع النهر إلا بضع مساحات متقطعة ،بدت شديدة البؤس وهي تنحني يصبغها لون الجفاف الاصفر الذي تتجنبه الغربان ذات السواد الطاغي
شعر أنه يتقدم نحو مستقبله وإن كل الحسابات، إن في الليل ، وهو يشعر بانفاس العروس تلفح وجهه فيستدير الى الحائط ، أم في النهار، وهو يجلس على التل متفرسا في صفحة الماء فيما تسقط أشعة الشمس على القلنسوة ذات اللون البني فيتعرق رأسه ،إن كل الحسابات كانت تقوده الى ذات النتائج،
يدرك إنه بحاجة الى معاونين وإن الشيخ لايصلح لحمل مجهودات بدنية شاقة وإن دوره سيقتصر على خلق طاقات إضافية لمواجهة الاحداث ،إن لدى مجموعات الافاعي أو لدى المعاونين ، وعلى وجه الخصوص الاجانب منهم والذين سيكرّس لهم إغراءات مادية
سقط مطر رمادي، ومن الشرق شق وجه السماء بريق حاد أعقبه صوت الرعد الغاضب ...ستقول امه ..هذا نذير ...وسيقول الشيخ إنها معجزتك ، لا تضيع الفرصة
أصبح الجو خانقا ،وبدت الغربان مذهولة وكأنها أخذت على حين غرة ،فيما أطلت الأفاعي مستفهمة ...هل بدأ العمل
كانت العروس تركض حافية وقد تبلل نقابها الاسود
:-توقف ... لا استطيع البقاء وحدي ...أبي في الجامع وأنت في الطريق ...أشعر أني مأخوذة ...الوحدة موت قاس

أمسك بيدها

:- لن تكوني وحدك

توقف المطر ولاحت الشمس مغيظة
:-سنعود الى البيت ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي


.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا




.. ياحلاوة شعرها تسلم عيون اللي خطب?? يا أبو اللبايش ياقصب من ف