الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نسيتم - وين الناتو ؟ - يا ثوار الناتو ؟!

محمد بن زكري

2016 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


عجباً لحكام ليبيا الجدد (الإخوان و مشتقاتهم و ملحقاتهم) ، و عجبا للميليشيات بمختلف تصنيفاتها و مسمياتها و انتماءاتها ! فقد كانوا سنة 2011 يهللون و يكبِّرون لطائرات حلف الناتو ، التي تتعمد دك البنية التحتية للدولة الليبية ، و يسمونها طير الأبابيل ، تيمنا بالآيات القرآنية " و أرسل عليهم طيرا أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجيل ، فجعلهم كعصفٍ مأكول " ، رغم أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 ، كان قد نص على التدخل لحماية المدنيين ، و ليس لتدمير المنشآت المدنية و العسكرية و منظومات الرادار أو لإسقاط النظام . و كان (التوار الحكيكيين) بقيادة برنارد هنري ليفي ، كلما تأخرت طائرات نيكولا ساركوزي قليلا ، يطلقون صيحات الاستغاثة : " وين الناتو ؟ " .
أما و قد مكّنهم الناتو من ركوب ظهر الشعب الليبي ، فأحكموا قبضتهم على السلطة ، و غدوا أصحاب ثروات ضخمة و أملاك واسعة ، يرفلون في نعيم السطو الفاحش على المال العام ؛ فقد تحوّل خطاب حكام ليبيا الجدد - بمختلف أطيافهم الإسلامية و القبَلية و الليبرالية - ضد (التدخل الأجنبي) ، للفصل بين ميليشياتهم المتقاتلة ، و لفك الاشتباك السياسوَي بينهم . و أما طلب تدخل المجتمع الدولي - و أتحفظ على المصطلح - لحمل صنائعه من الإسلاميين و الراسمالية الطفيلية ، على القبول بالمسار الديمقراطي و نتائج صندوق الاقتراع (علما بأن الديمقراطية ليست مجرد شكليات و صندوق اقتراع) ، و الكف عن جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية ؛ التي ترتكبها ميليشيات فُجر ليبيا ، و أنصار الشريعة ، و مجالس شورى (الثوار!) ، على امتداد الجغرافيا الليبية ، فقد صار بنظر حكام ليبيا الجدد - و خاصة منذ غزوة مطار طرابلس الدولي و احتلال العاصمة - استعداءً للكفار أعداء الأمة الإسلامية على ثورة و ثوار فبراير ، و صارت طائرات الناتو الأبابلية (طائرات الكفّار) ؛ فما ميليشيات فُجر ليبيا الإسلامية بمختلف أسمائها - حتى الجهوية و الطائفية منها - في الغرب الليبي ، و ما أنصار الشريعة و مجالس شورى الثوار (الجهاديين الإسلاميين) في الشرق الليبي .. ما هم جميعا في التحليل الأخير إلا تشكيلات داعشيّة ، مكّن لها الناتو . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
و لأن (الداعشيّة) هي منظومة فكرية أيديولوجية متأصلة في الذاكرة الجمعية للإسلاميين - كافةً - و في لاوعيهم ، قبل أن تتمظهر سياسيا في تنظيم الدولة الإسلامية ؛ فلم يكن مستغربا في خضم هذيان الحمى التي انتابت حكام ليبيا الجدد منذ العام 2014 ، أن تُصدر رئاسة أركان الميليشيات المسلحة / صنف القوات الجوية ، التابعة لمؤتمر ركسوس ، بيانا موتورا متوترا ، صاغه داعشيّون يتميزون غيظا جَراء الضربات الجوية - محدودة الأثر - التي وجهتها طائرات ، قيل إنها مجهولة الهوية ، لإسكات منصات إطلاق صواريخ غراد العمياء على الأحياء السكنية بمدينة طرابلس ؛ حيث ورد في سياق نص البيان : " رئاسة أركان القوات الجوية تستنكر و بشدة هذا العمل الجبان " ! و يتجاهل كتبة البيان أن رئاسة أركانهم تتموقع في قاعدة الملَّاحة (معيتيقة) الجوية ، الخاضعة لسيطرة ميليشيات الليبية المقاتلة (فرع تنظيم القاعدة) و السلفية المدخلية ، و يتجاهلون أن الجبان الحقيقي إنما هو الضابط العسكري (حامل الرتبة العسكرية) الذي يبيع شرفه العسكري لأمراء الحرب الميليشياويين ، ويعمل مرتزقا يأتمر بأوامر أمراء الميليشيات العارية من كل شرعية ، رغم شرعنتها الباطلة - بقوة السلاح و سلطة الأمر الواقع - من قِبل المؤتمر (الوطني !) العام ، فاقد الشرعية و فاقد الأهلية .. بمعايير ديمقراطيات حلف الناتو . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
وفي ضجيج هذيان حمى الهلع من التدخل الخارجي ، الذي انتاب حكام ليبيا الجدد ، لم يكُف حزب العدالة و البناء الإخواني (ممثِّلا لتيار ما يسمى الإسلام السياسي) عن إصدار البيانات المعبرة عن رفضه القاطع للتدخل الأجنبي في حل أزمة الحكم بليبيا ، لجهة نزع سلاح الميليشيات (حمايةً للمدنيين) ، معللا لذلك بأن التدخل الخارجي ستكون له عواقب وخيمة على مستقبل الوطن ؛ فمستقبل الوطن بنظر حزب العدالة و البناء ، لن يَسلم من العواقب الوخيمة إلا بتكريس الوضع القائم ، الذي فرضته مصالح القوى الانقلابية ، الممثَّلة في المؤتمر الوطني العام ، بقوة سلاح ميليشيات فُجر ليبيا ، التي لم تغب ممارساتها - الموغلة في الهمجية و الفساد - لحظةً عن عيون الناتو . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
و قد تصاعد ضجيج حمى الهلع من التدخل الأجنبي ، ليشمل بعدواه الهذيانية كل الشخوص الاعتبارية و الطبيعية - في منظومة حكام ليبيا الجدد - الراقصة على مسرح الدمى ، و هي تؤدي أدوارها في الكوميديا السوداء لدولة الميليشيات ؛ فغداة قيام طائرات مصرية - فبراير 2015 - بتوجيه ضربات جوية لمناطق تدريب و مخازن أسلحة و ذخائر تتبع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا ، رداً على قتل التنظيم المتطرف عددا من العمال المصريين المسيحيين في سرت ؛ لم يكتفِ قادة تحالف فُجر ليبيا بإنكار أي وجود لداعش في ليبيا ، بل أصدروا بيانا يدعون فيه (رعاياهم) المغيبين عن الوعي و أتباعهم منزوعي الوطنية ، إلى التظاهر ضد الضربات الجوية الانتقامية المصرية الموجهة لتنظيم داعش ، و لم يتحرّج قادة تحالف فُجر ليبيا من وصف الغارات المصرية على تنظيم داعش الإرهابي باللاإنسانية ، و هم من لم يحسبوا للإنسانية أي حساب ، عندما هجّروا سكان أحياء و مناطق جنوب طرابلس - بعشرات الآلاف - من بيوتهم ، تحت القصف العشوائي بصواريخ (غراد) العمياء ، و عندما اقتحمت ميليشياتهم البيوت و المستوصفات و المدارس ، و عاثت فيها نهبا و تدميرا و حرقا . و لم يجد قادة تحالف فُجر ليبيا حرجا دون الهذيان بحديث الإفك عن السيادة الوطنية الليبية ! و هم الانقلابيون الذين صادروا سيادة الدولة الليبية على إقليمها الجيوسياسي ، خدمة لأجندتهم السياسية الخاصة ، و حمايةً لأنفسهم من المساءلة عن تبديد ما يربو عن 300 مليار دولار من ثروة الشعب الليبي ، ذهبت أدراج رياح الفساد و السطو على المال العام ، الأمر الذي ليس بخافٍ أبدا عن عيون مخابرات حلف الناتو . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
و رغم أن برلمان طبرق كان قد دعا - أغسطس 2014 - إلى تدخل دولي لحماية المدنيين ومؤسسات الدولة ، بالنظر إلى أن الدولة الليبية لا تملك القوة القادرة على ذلك ؛ فقد تراجع لاحقا عن موقفه ذاك ، ليتطابق بالتالي مع المؤتمر (الوطني) العام - 7 فبراير 2016 - في استنكار القصف الجوي ، الذي استهدف الإرهابيين في مدينة درنا . فبينما أصدر المؤتمر بيانا حيّى فيه ما وصفه بصمود قوات مجلس شوري مجاهدي درنا ، و اعتبر أن تلك الضربة الجوية تأتي في سياق استهداف مشروع ثورة 17 فبراير ، ذهب البرلمان إلى المزايدة على بيان المؤتمر ، فأصدر بدوره بيانا طالب فيه المجتمع الدولي بالتحقيق العاجل في واقعة الغارات الجوية على مدينة درنا ، و الكشفِ عن هوية الطائرات الحربية المجهولة التي نفذت العملية ، و توضيح الدوافع من ورائها (!) . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
و لم تخرج الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء ، عن إجماع حكام ليبيا الجدد في الموقف من (التدخل الأجنبي) المستهدِف لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في ليبيا ، حيث سارعت حكومة عبد الله الثني (الذي أتى به الإخوان المسلمون في المؤتمر الوطني العام إلى السلطة) إلى إدانة الغارة الجوية الأميركية على داعش في صبراتا - 19 فبراير 2016 - فقالت في بيان رسمي أصدرته بالخصوص إنها " تدين و تستنكر الغارات التي شنها سلاح الجو التابع للولايات المتحدة الأميركية على مواقع محددة في مدينة صبراتا " ، و اعتبرت حكومة الثني في بيانها أن " أي تدخل على غرار ما حدث ، يعتبر انتهاكا صريحا و صارخا لسيادة الدولة الليبية (!) و المواثيق الدولية " ، فحكومة الثني تدين و تستنكر بشدة ضربَ داعش في صبراتا ، بدلا من أن تؤيد الضربة من حيث المبدأ و تتحفظ عليها دبلوماسيا من حيث الشكل . و هنا لابد من التوقف للإشارة إلى أن الغارة الجوية الأميركية على داعش في صبراتا ، لم تُنفَّذ في سياق محاربة فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا (فالدور الوظيفي لداعش في ليبيا لم يُستنفذ أميركيّاً بعد) ، بل إن الغارة كانت ضربة (استباقية) لكتيبةٍ داعشية تونسية ، تدربت في صبراتا - تحت مرأى و مسمع سلطات فُجر ليبيا - و كانت تعتزم الانتقال إلى تونس لتنفيذ مهامها (الجهادية) هناك ؛ مطمئنةً إلى (عمى) الأقمار الاصطناعية لحلف الناتو (!) . فهل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!.
و عودةً إلى ضجيج بيانات و تصريحات حكام ليبيا الجدد ، رفضاً لأي (تدخل أجنبي) في الشأن الليبي ، الذي لم يكن بالأصل (و أشدد على أنه لم يكن بالأصل) و لم يعد على الإطلاق شأنا ليبيا ؛ لم يكف رئيس مجلس الرئاسة و رئيس حكومة وفاق الصخيرات - فايز السراج - عن اغتنام المناسبات المختلفة مرارا و تكرارا (قمة منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول أبريل 2016 / مثلا) للتصريح بأن حكومته - المدعومة من دول حلف الناتو - ترفض أي (تدخل عسكري دولي) لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية ، و أن بإمكانها وحدها استئصال (داعش) من الأرض الليبية ! و لا عجب مما يصرح به رئيس السلطة التنفيذية التي تتخذ من قاعدة بوستة البحرية مقرا لها ، تحت حماية الميليشيات ، فهو إنما يتحدث - مجبرا أخاك لا بطل - باسم دولة الميليشيات .. التي ترعاها دول حلف الناتو ، و نيابة عن ثوار الناتو . و يتكرر السؤال : هل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!
و الحقيقة أن حكام ليبيا الجدد لا يجهلون أن الدولة الليبية ، قد حوّلها تدخل الناتو - بنفس القدر الذي حوّلوها هم - إلى دولة فاشلة منهارة ، و أن سيادة الدولة الليبية لم يعد لها من وجود أصلا ؛ فدولة لا تملك أن تفرض سيطرتها على كامل إقليمها الجيوبوليتيكي أرضا و بحرا و جوا ، لا سيادةَ حقيقيةً لها . و دولة بلا جيش وطني قويّ ، بعقيدة قتالية وطنية صرفة (لا علاقة لها بعقيدة الجهاد الإسلامي) ، وبلا جهاز أمنيّ وطني عالي الكفاءة ، يتكاملان - كمؤسستي أمن وطني - في صون أمنها الخارجي و الداخلي ، هي واقعيّا ليست دولة ، بل مزرعة دواجن تديرها عصابات من الهواة و المرتزقة و المغامرين .. خارج القانون ، كما هو حال ليبيا و حال حكامها الجدد .
و حكام ليبيا الجدد مرتاحون تماما لهذا الوضع ، لأنهم شركاء في صنعه و لأنهم مستفيدون منه ، و لذلك فإنهم يخشون من تغيّره لغير صالحهم ، و يخشون من مساءلتهم عنه ديمقراطيا و جنائيا ، فيما لو وافقوا - أو توافقوا فيما بينهم - على أي تدخل خارجي (غير مضمون) ، لفك الاشتباك بينهم ، و لنزع سلاح الميليشيات التي يحتمون بها مقابل ما يغدقونه عليها من أموال . فهم لا يرتاحون لتدخّل قوات عربية (هذا لو كانت جامعة الدول الناطقة بالعربية جادة في ذلك) ، و لا يقبلون بتدخّل قوات من الاتحاد الأوربي (هذا لو اتفقت كلمة الأوربيين على ذلك) ، و يرفضون تدخل قوات باسم الأمم المتحدة (هذا لو سمحت أميركا بذلك) ؛ وذلك بدعوى الحرص على السيادة الوطنية ، التي سينال منها التدخل الأجنبي لمكافحة (داعش) فوق الأرض الليبية (المقدسة) !
لكن ما يتجاهله - أو ربما يجهله - حكام ليبيا الجدد ، هو أن تدخّل (المجتمع الدولي) واقعٌ لا محالة ، عندما تنضج ظروفه . فالمجتمع الدولي يكتفي الآن بإدارة الأزمة الليبية ، إلى حين وصول أطرافه الفاعلة إلى صيغة مقبولة لتقاسم الثروات الليبية (أسطورية الأرقام) . و لولا ما طرأ من الحضور الروسي (القوي جدا) و دخول روسيا طرفا فاعلا في لعبة الأمم (المحتدمة) فوق الأرض الليبية ، لكان (المجتمع الدولي) قد أوكل للناتو استكمال المهمة التي بدأها سنة 2011 في غياب القطب (الدولي) الروسي .
و كما لعلني أضيء على الموضوع في مقاربة قادمة ؛ فإن المخزون الليبي (الهائل ، بل المهول) من الغاز ، المكتشف مؤخرا شمال غرب ليبيا ، بكميات تكفي حاجات أوربا بكاملها من الطاقة لمدة 30 عاما على الأقل ، هو " بالدرجة الأولى " ما عجل بتدخل الناتو - على نحو ما حدث سنة 2011 - فضلا عن احتياطي النفط الصخري (الكبير جدا) سهل الاستخراج بالتقنيات الحالية ، من نفس منطقة الشمال الغربي الليبي ، زائدا الثروات الطبيعية (الهامة) في الجنوب الغربي الليبي " بالدرجة الثانية " ، و ليست حماية المدنيين الليبيين هي التي حركت المشاعر الإنسانية الرقيقة (للمجتمع الدولي) ، فأوكل أمر إنقاذ حياتهم لطير أبابيل الناتو ، كما أوهمتنا دول حلف الناتو . و أختم بالسؤال : هل نسيتم " وين الناتو " يا ثوار الناتو ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة