الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلقة الثانية عشر /نوافذ دائرة الطباشير

ذياب فهد الطائي

2016 / 7 / 2
الادب والفن


نوافذ دائرة الطباشير
رواية
الحلقة الثانية عشر(الأخيرة )
ذياب فهد الطائي

بدأ المنعطف الأساس في حركة التوأم الصغير بعد استيلائه على المدينة وعزلها عن باقي اجزاء الوطن وتدافع مئات الأجانب للتطوع في جيش الدولة الجديدة ،مما اكسب الحركة بعدا دوليا من جهة وخبرة في الإدارة كان لابد منها ،فمستوى العنف المحلي لا يرقى الى مستوى التجارب العالمية في المناطق الاسلامية غير العربية التي خضعت لموجات مختلفة من الغزوات الاجنبية وكان أبرزها في تنوع استعمال العنف ضد السكان المحليين ،ما مارسته السلطات العثمانية في ترويض السكان المحليين

قال التوأم الصغير مخاطبا الشيخ :-لابد من إضفاء الشرعية على الحكم ،ما هو موقف الشريعة من ذلك؟
:- حسنا ...أنت تطرح تساؤلاتك في التوقيت المناسب ، وهذه ميزة قيادية، الشريعة تنص على أخذ البيعة من الجمهور ،ويمكن أن بدأ يوم الجمعة القادم عند حضور الناس للصلاة ،ومن أجل حشد أكبر عدد لابد من الزامهم بالحضور دون الإعلان عن موضوع البيعة

كان التوأم الصغير يراقب العروس التي كنت تضع أمامهما (صينية )من النحاس عليها إبريق شاي من البورسلين الازرق وثلاثة أقداح ،فيما يتدلى قرطاها الذهبيان محدثان رنينا صافيا ،لحظ إن قصتها ملائمة أكثر وتمنح وجهها مساحة تتحرك فيها ملامحة سمراء
:-اتركي الشاي وارجعي الى غرفتك فنحن في جلسة رسمية لتقرير شؤون الدولة

لم تعترض ، بامكانها أن تسمع كل شيء حتى وإن تحدثا همسا ، فما يفصل الغرفيتين حاجز من الكارتون السميك ،كما أنها تعلمت كيف تنصت
مضت الى غرفتها فيما شعرت إن أذنيها قد توسعتا ،وفي غرفتها لم تنتظر الشاي ليبرد بل تناولته مباشرة وبخاره يتصاعد لتشعر بالم في شفتيها ولكنها لم تتأوه
:- لنستدع أبو فرجة الاعور وكريم الدايح ، ليعلنا إن حضور صلاة الجمعة في الجامع الكبير الزاميا ،ومن يتخلف سينال عشر جلدات علنية في الساحة العامة ، على ابواب المسجد ،يخصص لكل باب خمسة أفاع واثنان من الحرس ،ولن يسمح بالخروج إلا بعد إعلان البيعة

كان الشيخ يخشى قدرة التوأم الصغير على تطوير أية فكرة تعرض عليه، سيما وأنه لحظه يبدأ في التقرب من الشيخ البنغالي الذي التحق بالدولة قريبا والذي لا يترك مناسبة لا يعدد فيها الكتب التي ألفها في الشريعة والدين والتي ترجمت الى سبع لغات حية ،حين سأل التوأم الصغير ، ما ذا يعنيه بحية ؟ قال :- ربما الشيخ أبو العروس المصون أعلم مني ، ولهذا استميحه عذرا بالقول إن اللغة الحية هي اللغة التي تقبل التطور وتستجيب له.

:- نعم هذا هو المطلوب

حين غادر الشيخ ليبلغ الاوامر الجديدة لقيادات المدينة ،نادى التوأم الصغير على العروس ،ولكنها لم تجب ، على السرير الخشبي بوسائده من الصوف، والدثار الذي كان وجهه من الستان الرخيص بثلاثة الوان ،الاصفر والازرق والبني الغامق ، كانت تتفس بعمق وبصوت يوحي انها نائمة ...تراجع وأغلق الباب وراءه فنهضت لتراقبه من الشباك المطل على الساحة الترابية،كان مستغرقا في التفكير وحرص على ألا يحدث الباب الخارجي صريره الحاد
كان الشيخ لا يرغب في رؤية ذبح الاضاحي فكيف يوافق الان على ذبح الناس ، ويمضي الى أبعد من ذلك ليصدر فتاوى تسمح بالذبح ،كيف يتغير الانسان وهل في هذا حكمه الاهية تتعلق بطريقة الله جل وعلا في تدبير الحياة ، كانت رغم مظاهر عدم مبالاتها تفكر على نحو متواصل ، ولكنها لم تفصح عن افكارها ولم تعلن تسؤلاتها
هل كانت كل تلك المشاعر الوالغة في العنف في أعماق الشيخ ولكنها لم تجد الفرصة إلا الان ،لم تكن قد أنهت الدراسة الثانوية ،ففي الصف السادس فشلت لثلاث سنوات متواصلة ، وحين أعربت للتوأم الصغير عن رغبتها في تحقيق حلمها بالحصول على شهادة الثانوية ،رتب لها مع وزير التربية امتحانا شكليا قدمته وهي على السرير الخشبي فيما كانت السماء في الخارج تعرض قوتها في سيل المطر القادم من الشمال ولوحات البرق وهي تتشكل في سقوط الافق بتلاقي السماء بالارض عند حد النظر بكل الاتجاهات

قالت العروس :لابد من وجود نساء معكم
:- حينما يقرر ابو فرجة الاعور أنه اكتفي !

في شوارع المدينة ، اصبح النقاب شاملا، ومن تكشف عن ملامحها تتعرض للجلد بسياط تم استيرادها من افغانستان وهي من جلد الماعز التي تم ذبحها وفقا للشريعة ،فالعقاب يستكمل اركانه بالمعاقب(بكسر القاف ) الذي يمثل سلطة الشريعة والمعاقب (بفتح القاف ) وهو من خالف الشريع وأداة العقاب وهي قوة الشريعة ، وهولاء الثلاثة في حدود قانون الشريعة
العروس خلف الشباك ...الساحة الترابية وشجرة السرو التي لايعرف أحد متى زرعت أوجلبت ولا من هو الذي اهتم بأن تقف في وسط الساحة شاهدة على كل التاريخ الذي تعاقب في المنطقة منذ سقوط سور المدينة وتعرض العديد من سكانها الى القتل وهم يهمون بعبور النهر ،
توقفت مجموعة من العصافير عن لجاجتها بالزقزقة وتطلعت الى العروس والى قصة شعرها الغلامية ،طلب عصفور من رفيقته ألا تطيل النظر، لتتشبث بعد ذلك برغبتها في التغيير ،وحسما للنقاش طلب من المجموعة أن تغادر الشجرة،

في الاجتماع لكافة قيادات التوأم الصغير وضعت الصيغة النهائية لإعلان الدولة وفي الجامع الكبير تم أخذ البيعة التي عمدت بذبح سبعة من المعارضين او الذين يشتبه بمعارضتهم لاحقا
وضع التوأم الصغير عمامة سوداء وقال انه كان يعيش في رحم التاريخ ،ردد مدرس الاحياء في سره ، قطعا كان أبوه امتداد الجغرافيا ، وقال بانه سيحكم بموجب الشريعة وأنه يشكرهم على البيعة

رغم صوت الرعد الذي أطيق على المدينة فإن السماء لم تمطر، وتمددت موجة من الرطوبة العالية قال الشيخ البنغاني ،إن في هذا لحكمة ،
وتضايقت العروس فأغلقت الشباك وتركت مروحة (الخوص) وشغلت المروحة الكهربائية المركونة على المنضدة ...زوجها رئيس الدولة الجديدة ...صحيح انها مدينة صغيرة ولكنها ستكبر ...هكذا بدأت الدول التي قرأت عنها في كتاب التاريخ ..وكان الاسكندر ذو القرنين فد اجتاح العالم بجيش صغير ، فهل سيستطيع التوأم الصغير أن يكرر ذلك ؟ وضعت قليلا من العطر في كفيها ومررتهما على وجهها ،شعرت بانتعاش ....لم يتحدث معها عن اي من طموحاته كما كان يعمد الى ابعادها عن اية مشاركة في أحاديثه التي كان يتبادلها في البيت مع معاونيه

في الجامع الكبير أعلن الجميع البيعة ولكن طالبا كان قد جاء من العاصمة لزيارة أصدقائه وتعذرت عليه العودة لم يوافق على ذلك متعللا بانه ليس من مواطني المدينة ،فتم ذبحه في مكان جلوسه وسط المصلين مما تسبب في أن تتطلخ ثياب القريبين منه بالدم المتناثر من رقبته وهو يرفس

في اليوم التالي تم تشكيل وحدات رسمية لتكون نواة الجيش ونسب عدد من المواطنين الى مراكز الشرطة ، كان ذلك بتعاون المنتسبين القدامى ، التعليم لم يعامل بهذه العجالة وأغلقت المدارس حتى يتم اختيار المناهج الملائمة

ظل تساؤل محيّر يمتزج بشيء من الشك في عيني التوأم الصغير ...لقد تحققت انتصارات كبرى على نحو أقرب لسياقات حلم لاتوقف احداثة موانع حقيقية ...هربت جحافل الجيش الحكومي دون أي قتال ...جرت معركة صغيرة عند المدخل بسبب إصرار ثلاثة جنود على عدم السماح للأفاعي بالدخول ، كانت الافاعي معبأة بغيض مدمر ولكن ابو فرجة الاعور تمكن من اقتحام البوابة والقبض على الجنود الذين ذبحوا ....لم نجد احدا واستولى مقاتلونا على الاسلحة التي وفرت علينا الكثير ...وقال الضابط ذو العينين اللتين ما زال فيهما بقايا من الكحل ....سيتم تقليص المبالغ المستحقة لعدم حاجتكم لشراء اسلحة من المهربين ...وسيتم تحويلها لمزيد من الكراريس والكتب ليتم توزيعها على الاهالي ليتعرفوا على النظام الجديد ....لم أدخل معه في نقاش فلدينا الان أموال كافية بعد فتح خزائن مصارف المدينة وإصدار الشيخ فتوى بان التصرف بها لا يخالف الشريعة لأنها غنائم حرب ، وحين اعترض رئيس تحرير الصحيفة التي كانت تصدر في المدينة ،على أساس ان تلك الأموال هي عائدية المواطنين ومدخراتهم الشخصية تم جلده، وكان لهذا تاثير ايجابي فقد اعلن المقاول الذي لدية اكبر حصة في البنوك ...بالتأكيد نحن نستحق هذا الإجراء ، وكان يعني استيلاؤنا على الاموال ،فقد جمعناها في ظل النظام السابق المخالف للشريعة وعلينا أن نعاود نشاطنا في ظل حكم الله ،وكتعبير عن تقديرنا له فقد تم تكليفة ببناء عشرة بيوت ، لي وللقيادات في الدولة الجديدة ، وبناء سور للمدينة واربعة جوامع وعدد من الدوائر الرسمية.

كان التساؤل المحير لدى التوأم الصغير يتعلق بعدم تحرك العاصمة ضده وأهملت تماما اقتطاعه المدينة
في الصباح الباكر كان سلمان على الباب ...لقد دمرت الأفاعي كل مازرعته ...جهدي وجهد أبيك خلال أكثر من سنة ذهب سدى ...لماذا فعلتم ذلك ؟
كانت العروس تغسل وجهها ، كان الماء المسحوب من النهر عكرا ،

قال سلمان : أنت ابن قريتنا وتعرف جيدا أني وعائلتي دفعنا ثمنا باهضا لها
قال الشيخ :سينظر الحاكم لاحقا بموضوعك
قالت العروس : متى سننتهي من كل هذا
قال سلمان :ماذا سأفعل ؟
قال التوأم الصغير : لاشيء ، يمكنك أن تذهب الى دارك ....آه لقد نسيت انك لم تتزوج وعليك معالجة هذا الموضوع فأنت الان غير مستكمل لدينك وهذا يعاقب عليه بموجب الشريعة ، لديك ثلاثة أيام لتتزوج وإلا ستعاقب بالجلد

قال سلمان : مشكلتي هي المزرعة ، كيف سأتزوج؟
قال الشيخ : لابأس لدينا إحدى الاخوات من أوربا وسيتكفل بيت المال بتكاليف العرس

قالت العروس :-ولكن متى سننتقل الى بيتنا الجديد ؟
قال الشيخ :ربما بعد اسبوعين فقد وضع المقاول كل جهده في انجازه

كان ابو فرجة الاعور يناقش مع كريم الدايح حلما شاهده الليلة الفائته وقال له الدايح :قبل ان اعرب عن رأيي ، لابد من سؤال ، هل قمت بالاغتسال من الجنابة قبل أن تغفو ؟
قال الأعور :-لا ، ولكن ماعلاقة هذا بذاك ؟
قال الدايح :-هذا يفسد الحلم ويحولة الى وسوسة الشيطان ،لا تسألني لماذا لأن هذا سمعته من أبي وأنا صغير ، يمكنك أن تسأل الشيخ البنغالي فهو الفقيه والمفتي

ظلت المدينة تصحو على صوت المؤذنين في الجوامع الجديدة المحيطة بها فضلا عن الجامع الكبير الذي كان الوحيد الذي لم يدمر من الجوامع القديمة، وأصبح التوأم الصغير يقدم خطبته كل جمعة ،كان الشيخ البنغالني يكتبها ويقوم بتشكيل كلماتها الشيخ أبو العروس ،الذي بدأ يشعر إنه في الصفوف الخلفية ولم يشفع له أنه أبو عروس الحاكم الكبير

حين اعتكف بداره لم يلتفت اليه أحد وعندما لحظ الصحفي العاطل عن العمل ذلك ،أسر لمدرس التاريخ المعزول عن عمله ...إنها ارهاصات المعارضة ، ولكن مدرس التاريخ المعزول لم يعلق ، كان أزيز السوط وهو يتلوى بغيض أعمى ليهبط على ظهور المعاقبين ، ما يزال يملأ مسامعه.

بدا واضحا إن العاصمة لم تكن بعيدة تماما عما يدور في المدينة ففي نشرة اخبار الساعة الثامنة مساء تم عرض تقرير مفصل وتكرر العرض وتحدث المحلل الاستراتيجي الاصلع عن بوادر انقسام في صفوف المجموعة التي يقودها التوأم الصغير، وكان المثال لهذا الانقسام اعتكاف الشيخ بداره،

قال أبو فرجة الاعور :-ربما سندخل في المناطق المحرمة اذا ما تناولنا إصرار الشيخ على الاعتكاف، وتقديم مادة لينسجوا منها الاشاعات ، وعلى نحو مجاني
قال مدير استخبارات المدينة ، وهو ضابط في النظام السابق
:-أي تحرك يجب أن يكون على درجة كبيرة من السرية
قالت العروس :- أبی مثل الطفل لايكتم حزنه ، كانت أمي تقول ذلك وهي تسأله عما يحزنه ، ولكني استطيع ان أنفذ في اعماق عينيه لأكتشف غيوم الحزن التي يخفيها الغيض الذي يملأ جوانحه ويتصرف مع الاخرين بهدوء حذر قاصرا كلامه على الإجابة المقتضبة .
طارت حمامة من شجرة السرو ولكنها اصدمت بالجدار بسبب الظلام، ارتبكت العروس وشعرت بموجة حزن تتمدد في كيانها وهي تسمع صوت الاصطدام ،اندفعت نسمات باردة من جهة النهر فوضعت العروس بطانية تركية بالوان زاهية على ظهرها ، انعشها الملمس الناعم فعاودها هدوء ممزوج بالرضا ...لماذا يغيب التوأم الصغير عنها ...أمور الدولة ، أنت تعرفين ان العاصمة تجمع قواها لمحاربتنا ، وأن هناك الكثير من المرتدين ومن ضعاف النفوس ،يجب الا نؤخذ على حين غرة كما إن علينا أن نكرر حساباتنا يوميا لنتفادى المصير الذي تعرض له (الكلي المعرفة )......لم يستجب لقبلاتها ...وحين نهض ردد في سره ...حمقاء تماما كأبيها ...هذا الشيخ يريد أن يتصدر الدولة ولم يكن أكثر من ببغاء هي الأخرى حمقاء.

اصبح حديث العاصمة عن (تحرير ) المدينة أكثر ارتفاعا يتكرر كل مساء على الفضائية الحكومية التي يستقبلها الجهاز الوحيد المتوفر في بيت التوأم الصغير والذي كلف الشيخ بمتابعتها ، ولم ينقطع عن ذلك حتى وهو معتكف فقد كان يعلم إن مصيره يحدده أمران ، رضا التوأم الصغير عنه والذي يمكنه أن يتخلص منه بطرق متنوعة لا تثير الشكوك في أنه قضى قضاء وقدرا ،كما فعلها مع عدد من القيادات التي تسلقت الى الصدارة ثم اختفت ،مثل مدرس العلوم الشرعية الذي التقطت جثه من النهر في العاصمة ،وحين اعلن الخبر أمر التوأم الصغير بأن تجرى له مراسيم دفن رمزية تصدرها هو في صلاة الميت ،وأعلن ان المرحوم انزلق الى النهر وهو يتوضأ لصلاة العشاء ، ولأنه لايحسن السباحة فقد غرق ،ولم يجرؤ أحد على القول إن المدرس كان يقضي الصيف ،أيام دراسته في الثانوية في النهر ، حتى أن الفتاة التي كان يقابلها خلف التل كانت تداعبه بالقول ...تعال يابطة ...

ساد التوتر في المدينة وبدا الجميع عرضة للغضب على نحو أصبح الشجار وتبادل الشتائم مظهرا ملازما للتعامل اليومي إن في السوق أو في دوائر
الدولة أو المدارس التي لم يعد المدرسون أو المعلومن قادرون على ضبط الدوام أو انتظام الدراسة في الصفوف ،كانت الأخبار تتحدث عن قرب استكمال تحشد القوات الحكومية القادمة من العاصمة وبقية المدن لشن الحرب ،وقد أكد هذه المخاوف قيام الطائرات بالتحليق فوق المدينة كل صباح، وقال ضابط في الجيش السابق كان هاربا من طريق الموت الرابط بين العراق والكويت ،إن عمليات الاستطلاع تتوخى تحديد المناطق التي سيستهدفا القصف بالصواريخ الموجهة ، وحين تناهى الخبر الى الشيخ الذي كان يرقب الطائرات عند اخترقها اجواء المدينة ، تولدت لديه القناعة ،إن منزله مستهدف بأولوية مطلقة ...لم يفاتح العروس بمخاوفه فهي لاتكتم الامر وسوف تبلغه للتوأم الصغير الذي ربما يعاقبه بسبب نشر الخوف.

كان التوأم الصغير يسترجع ما قاله الرجل بالكوفية الحمراء عن جناحي الملاك جبرائيل ...قطعا سيبقى في الارض إذا قصّ جناحاه !...هو يملك الجناحين ليغادر المدينة قبل أن تدخلها قوات العاصمة ،كان يؤكد لأبي فرجة الاعور أن يتخلص من الاسرى، ويطلب من القاضي أن لا يحكم بالسجن في أية قضية ..الحكم بالإعدام المستعجل أو بالجلد العلني، ففي هذا رعب للاخرين وتقليص لنفقات الدولة والتماشي مع الشريعة ...ولكن كيف سيتعاملون معه اذا ما تم القبض عليه ، شعر برجفة في جسده فلأول مرة يقف أمام نفسه ليناقش ما قد يحصل، لحظ إن الافاعي تقلصت أعدادها ، وإن المجاميع المسلحة التي كانت تجوب الشوارع ،بدأت تتدارى في المنعطفات، قام بعدة زيارات ليلية مفاجئة لوحدات الدفاع المسئولة عن المدافع الامريكية التي غنموها من معسكرات الجيش ، فوجد هم يتحلقون مجاميع ليتحدثوا عن الكمية المسموح باحتسائها من انهار الخمر في الجنة وعن العدد الحقيقي من الحور العين وعما اذا كن سمروات أم شقراوات وهل يجوز التغيير

كان الرجل يتحدث الى المرأة بعد إن فرغا من تناول العشاء، وغادر التوأم الكبير الدار ليغيّر في السداد الصغيرة التي تتحكم بعملية الري في المزرعة،
لم يكن هذا ماتمنيناه ونحن نطرق كل الابواب لننجب ولدا ،كانت الغجرية القادمة من حي الطرب في المدينة الجنوبية تتطلع في وجهي وهي تقرأ حبات الرمل التي طرحتها على طرحتها البيضاء ،ورغم إني فرحت حينما قالت بأنا سنحصل على ولدين ، إلا أني شعرت بالخوف وهي تقول ،سيكون أحدهما وادعا كحمامات المراقد المقدسة ، أما الثاني فسيكون كالصقر الصحراوي يصعد شاهقا ولكنه يحط بلمح البصر ليفترس قبّرة ضلت طريقها بين الكثبان الرملية
حطت حمامة فوق الشباك وهي تتلفت بفزع ،حين نهض لم تتحرك ، امسكها برفق في لحظة غرس الصقر مخالبه في الاطار الخشبي والقى نظرة متوعدة على الرجل ثم حلق بعيدا ،كان قلبها يدق بعنف ، مسح على ظهرها
:-اهدئي،لن يصل اليك
قدم لها الماء لكنها لم تشرب ، تركها عند بقايا الطعام وتوجه للمرأة ، الخوف أخطر الحكام السيئين

ظل الشيخ طوال الليل صاحيا ، صلى الفجر وخرج الى الشارع ،هدوء ثقيل لم يعرفه من قبل يخيم في كل اتجاه ،قال للعروس هل تأتين معي ، هزت رأسها بالرفض

لم يأخذ شيئا ، وضع في جيبه رزمتين من الدولارات وبسمل وهو يغادر البيت ،لحظ إن الأفاعي لم تكن في المنعطفات ، انحدر الى مزرعة سليمان ومنها الى النهر الذي عبره بهدوء واضعا ملابسه فوق رأسه ليحرص على عدم تعرضها للبلل،كان لمذاق الماء العكر طعما مرّا ،وهو يصل الى الضفة الأخرى انبطح على الارض ليستكشف المكان ...كان الفجر المعتم قد بدأت تتخلله دفقات من لون رمادي شفاف وبدت النخيل ساكنة باستسلام فيما انطلقت عصافير تطلق زقزقة منسجمة ولكنها سرعان ما بدأت عراكا بطرا وأخذت تتفرق في البساتين المجاورة ...تذكر انه كان مساهما فاعلا في تأسيس الدولة والحاكم زوج ابنته ، ولكنه لا يستطيع ان يقرر بوضوح ما إذا كان قادرا على ضمان سلامته ...ابتسم بمرارة ...كانت ضربة السوط الثالثة تمزق اللحم الطري لظهر طالب في الثانوية أتهم بالضحك فيما كان مدرس الدين يقرأ آخر كلمة وجهها التوأم الصغير لشعب المدينة ،قال الطالب انه لم يضحك، كان يجلس الى الشباك حين تعرض للسعة بعوضة لم تكن من المدينة ، وقد تكون مستوردة ، وحين ضربها بكفة اصدرت صوتا أشبه بضحكة مكتومة
صرخ الطالب من الالم فقال الجلاد ، مرتد ، لماذا لاتقول الحمد لله !
قال الطالب :-أنت لا تقدم لي الرز بالفاصولياء، والسوط شديد القسوة ...هل جلدك أحد يوما ما
ضحك الجمهور المزدحم لرؤية عملية الجلد ، فشعر الجلاد بالإحراج واندفع يضرب بقوة مغيضة
أوقف سيارة عابرة
بدأت بضع اطلاقات تضرب اطراف المدينة ،قال كريم الدايح أنها راجمات صواريخ ، وقال الشيخ البنغالي ،علينا تدارس خطة الدفاع
تطلع الجميع الى التوأم الصغير ، الذي كان قد توعد العروس بأن تجد الشيخ وإلا !!
:-المقاتلون من اخواننا غير العرب ،وبفضل مالديهم من خبر وتجربة في القتال علينا أن نضعهم في حدود المدينة ليتولوا صد الهجوم البري ، أما العرب فسيحرسون الدوائر الرسمية ، ومقاتلونا يستقروا على اسطح البنايات التي تشرف على الشوارع وتكون مهمة الافاعي مراقبة المرتدين الذين ربما يتعاونوا مع العدو
قال أبو فرجة الاعور :-نعم هذا جيد ولكن الافاعي لا يمكن الركون الى ولائها بعد ان غادر معظمها الى المخابئ بعد شيوع خبر هروب الشيخ ....أنت تعلم إنها تتبعه ومتعلقة به
:-حسنا سأحاول أنا معها ،والان لتنفيذ الخطة

غيوم متقطعة تلاحقها اشكال شفافة كانها شياطين مرحة تغير قياساتها وصورها وهي تركض على مسافة من الغيوم الداكنة التي تتحرك جنوبا بثبات ولكن بسرعة ، كانت تصنع خدعة بصرية يبدو معها القمر متحركا على نحو ملفت ،وهو يتنقل بين انفراجات الغيوم واشكال الشياطين .

توقف القصف بصواريخ الكاتيوشا مما خلق حالة من الترقب المقلق ولم يجرأ أحد على إشعال شمعة في الغرف المظلمة ، عبرت المدينة ثلاث طائرات تحلق على ارتفاع منخفض وانطلقت زخات من الرصاص من أسلحة متنوعة وكان من الواضح ان المطلقين تصرفوا بردة فعل عفوية فتاه الرصاص في الفضاء الذي يملأه فيض من الظلام عند عبور الغيم وجه القمر

لم ينم احد ، حتى الاطفال كانوا يلوذون بحضن امهاتهم ،الوحيد الذي كان يقرأ كتابا بالفارسية هو الشيخ البنغالي ،فكر التوأم الصغير إنه منذ ثلاث سنوات لم يفتح كتابا وقال لأبي فرجة الاعور ،إنه لايجد الوقت للقراءة فعقله يشتغل في ترتيب الخطط العملية للاستيلاء على المدينة وإنشاء الدولة ، ربما بعد ذلك سيجد الكثير من الكتب التي سيشرحها له مساعديه وبهذا سيكون بمقدوره أن يسد النقص ...الآن ..العمل وليس القراءة ...ولكن هذا الشيخ البنغالي يقرأ ونحن في هذا الموقف المتأزم ....حاول ان ينهره فابتسم الشيخ البنغالي وقال بهدوء ..أنا أقرأ افضل الخطط ...انه عمل أيضا...وحين أصابته قذيفة مدفع نمساوي بعيد المدى وهو في الخندق ، كان يقرأ كتابا ، أخذه الجندي ليقدمه الى الضابط وهو يقول ...سيدي هذا الكتاب بعنوان..... كيف تقود الجماهير الى الجنة
يولد النهار فجرا وتبدأ المعارك فجرا أيضا ، فالليل لستر المعاصي ..أما النهار فللعمل ...عاد التوأم الصغير الى العروس بعد منتصف الليل ،وقبل الفجر ترك عندها رزم مالية خبأتها في انبوب سرير النوم الحديدي وفي الصندوق الخشبي ذو المسامير الفضية وضع بعض المال
:- حين يفتشون البيت سيجدونها ...قولي هذا كل ما أملكه
لم تبك وراءه
ظهرا كانت قوات العاصمة تدخل المدينة من ثلاث جهات ، تركوا النهر مجالا حرا ...وأذاع القائد أنهم قبضوا على التوأم الصغير وثلاثة من معاونيه، وان القتال قد انتهى
قال الرجل لأمرأته :-هل عاد التوأم الكبير من المزعة ؟
قالت:- نعم ، وذهب ليأتي بالعروس فهي حامل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح