الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي, الحلقة (17 / 29): دعوى القياس الجزء 3

انور سلطان

2016 / 7 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي, الحلقة (17 / 29): دعوى القياس الجزء 3

أمثله أخرى على القياس

كان مثال الخمر أفضل مثال لتمرير مفهوم القياس المغالط, ثم عضدوه بأمثله أخرى من القران والحديث. من هذه الأمثلة:

المثال الأول:
ما أسموه بقياس عدم الفارق (انتفاء الفارق) ومثاله تحريم لبس ثياب اليتيم قياسا على تحريم أكل ماله، لأنهما سواء في إتلاف مال اليتيم. وفي الحقيقة إن تحريم أكل ما اليتيم هو تحريم التعدي على مال اليتيم باستهلاكه أكلا أو استخداما أو إتلافا (الإضرار المتعمد دون انتفاع)، وانصب الحكم على الأكل لأنه الشكل الغالب من التعدي. وعليه, فهو من باب الخاص الذي أريد به العام.

المثال الثاني:
وهو ما أسماه البعض بقياس الأولى في قوله تعالى (ولا تقل لهما أف) وقالوا أن ما فوق الأف محرم من باب قياس الأولى. وحقيقة الأمر أنه من باب الخاص الذي أريد به العام، والأدنى الذي يشمل الأعلى. فكل أذى للوالدين محرم، والقران ذكر حكم نوع من الأذى للدلالة على حكم الجنس برمته.

أمثلة على العمل بالقياس
المثال الأول:
إباحة النبي التقبيل قياسا على المضمضة، والعلة الجامعة هي عدم التأثير. فالمضمضة ليست دخول شئ كالشرب المؤثر، والقبلة لا تؤثر لأنه لا يحدث منها خروج للمني المؤثر.
وفي الحقيقة، حرم القران الأكل والشرب والجماع. وما كان خارجا عن ماهية تلك الأفعال ليس محرما. والمضمضة ليست من الشرب وكذلك التقبيل ليس من الجماع المحرم. وإباحة التقبيل ليست قياسا على المضمضة، وذكر المضمضة مجرد تمثيل للتفهيم أن التقبيل خارج عن ماهية الجماع المحرم مثل المضمضة.
أنظر إلى التوسع في مفهوم العلة, فبعد أن اثبتوا أن العلة دلالة على الحكم عبر الأمثلة النموذجية التي تقوم على المغالطة توسعوا في مفهوم العلة واختروعوا لها صنوفا من عند أنفسهم.

المثال الثاني:
سماح الرسول بالقضاء عمن عليه صوم أو حج قياسا على قضاء الدين.
هذا ليس إلا تمثيلا لإعلام السائل أن الله يقبل قضاء الفرض على عبده الذي عجز أو توفى، كما يقبل الدائن قضاء دينه. ولا يوجد قياس بعلة جامعة، لأن ماهية حق الله على العبد تختلف عن حق العبد على العبد، فحق الله ليس إلا مصلحة للعبد في الحقيقة لا مصلحة لله ولذلك يقوم ما بين العبد وربه على المسامحة، بينما حقوق الناس لا تسامح فيها وهناك مضرة من عدم الوفاء بها.
ثم هذه أحكام تعبدية، فهل يستدل الرسول على الأحكام التعبدية بالقياس؟ إذا كان هذا كذلك، فهو استدلال خاص بالرسول ولا يجوز لأحد الاستدلال مثله في أمور العبادة. ولم يقم الرسول بقياس في غير العبادة. مما يوضح أن مسائل الدنيا لا تتشابه حتى يقاس بعضها على بعض، بل لكل مسالة خصوصيتها، وإلا أصبحت من نوع واحد.
ثم إذا كان الرسول يعرف أحكام الله، هل يعرفها بقياس؟ هذا ما ينفيه الشافعي حتى يجعل الحديث نصا دينيا يقاس عليه كالقران.
القياس يتطلب علة جامعة، فأين العلة الجامعة؟ إذا اعتبر الدين اللازم الوفاء أصلا، فلا يوجد قياس، بل يوجد حكم عام هو الوفاء بالدين. كما أن هذه عبادة، ومثّل الرسول لحكمها. والرسول يفهم المطلوب في العبادات، ولم يكن يجهل الحكم حتى يعرفه بالقياس. ولو لم يبح الرسول قضاء الحج والصوم لما استطاع أحد القياس، لأن أمر العبادة توقيفي.

المثال الثالث:
استشارة عمر كبار الصحابة في وضع عقوبة لشارب الخمر, فكان رأي علي بأن يُجلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وعلل ذلك بأن من شرب سكر ومن سكر هذى ومن هذى افترى أو قذف. واعتبروا هذا قياسا على حد القذف.
وهذا لا تنطبق عليه شروط القياس. ولاتوجد علة جامعة، فما علة القذف التي قيس عليها؟ القذف عدوان ووضعت لهذا العدوان عقوبة. وشرب الخمر ليس عدوانا على أحد، ولكن قد يصدر عن شارب الخمر عدوان، ويعاقب على كل عدوان بحسبه. وهل يعاقب على احتمال العدوان بدون حتى وجود نية للشخص سوى افتراض محض؟ ثم لماذا يربط بالقذف وحده، لماذا لم يربط بالزنى ويجلد شاربه غير المحصن ويرجم شاربه المحصن، أو يربط بالقتل. فلا توجد علة جامعة بين شرب الخمر والقذف إلا كما بينه وبين الزناء والقتل أو أي تعد آخر أو أي تعد آخر هذا إن وجدت.
لقد أراد عمر الحد من شرب الخمر الذي انتشر بعد الفتوحات، أو ظل منتشرا ولم يرتدع عنه الكثير. وبحث عن عقوبة مناسبة. وكل ما فعله هو العمل بأدنى عقوبة موجودة في الحدود.
كما أن فعل عمر هذا يبين لنا أن وضعه للأحكام لم يكن اكتشافا لأحكام الله، ولم يدع هو والصحابة أن ما استحدثوه من أحكام هو اكتشاف لشرع الله. ولو كان لله حد في شرب الخمر لنزله مع التحريم أو جعله بديلا عن التحريم المباشر، أي لحرم الخمر عن طريق وضع حد لها. والقران لم يفعل هذا، لأن شرب الخمر فعل خاص غير متعد، ولذلك لم يضع حدا له ومثله أكل الميتة. وعمر أراد تحقيق هدف من وضع حد، وهو الحد من تفشي شرب الخمر، لأن هذا في رأي عمر مصلحة، وكان هذا هدف تشريع عمر، الحد من شرب الخمر بوضع عقوبة لشاربها، أما جعله كحد الزنى أو القذف أو نصفه أو غرامة أو سجن هذه مسألة أخرى تماما.
كما أن عمر لم يُدخل سواد العراق في حكم قسمة الغنائم، وكان مستنده العدل، وليس قياسا على مثال سابق، فليس الأصل الذي يقاس عليه منعدما فقط، بل أوقف العمل بالأصل أساسا، كما فعل في حد السرقة في وقت المجاعة ولم ير أن من العدل ولا المصلحة تطبيق الحد في ظروف غير طبيعية. كما أوقف قسمة المؤلفة قلوبهم، وكانوا أحياء في عهده، لأن المصلحة من تشريعه انتهت.
ثم أن من يدعي أن عمل الصحابة التشريعي أساسه القياس عليه أولا أن يثبت مشروعية القياس بنص ثابت صريح, لأن فعل الصحابة في ذاته ليس حجة, وإلا فإن القول أن عمل الصحابة هذا كان عملا بالقياس مصادرة على المطلوب إثباته أولا. والدعوى أن الصحابة لا بد وأنه كان لديهم نص لم يصلنا دعوى ساقطة, وهي هروب يؤكد عدم وجود دليل. فمن غير المعقول أن يُروى عن النبي ما لا فائدة تشريعية منه, مثل حب النبي لبعض الطعام, ولا يُروى عنه ما يثبت أصلا خطيرا في الدين وهو القياس.

المثال الرابع:
وأغرب من هذه الأمثلة القول أن بيعة أبي بكر هي إجماع على القياس. لأن بيعته كانت قياسا على إمامته في الصلاة. وبالتالي ثبت القياس بدليل قطعي هو الإجماع.
والقول أن الصحابة عملوا بالقياس هنا مغالطة من وجهين:

الأولى: مغالطة المصادرة على المطلوب. فالمطلوب أولا إثبات أن القياس طريقا لمعرفة حكم الله. قبل ادعاء العمل به.

والثانية: التلاعب بالألفاظ. إن تسمية الزعامة السياسية إمامه لا يعني أنها في معنى إمامة الصلاة، ولا في معنى الإمامة في الدين، وبالتالي فالقياس المزعوم المنسوب للصاحبة باطل. وجاءت تسمية الإمامة أساسا لخلع الصفة الدينية على الزعامة السياسية، وقياسها بالصلاة لتأكيد هذا الأمر. وبيعة الصحابة لأبي بكر لم تكن على أساس قياس، ولم يدر في خلد الصحابة أنهم يقومون بقياس، بل كان فعلهم حاجة ضرورية لملئ فراغ الزعامة كأي مجتمع سياسي آخر. والقول أن الصحابة عملوا بمفهوم القياس الذي نشأ لا حقا هو إدعاء باطل يعتمد على مغالطة التلاعب بالألفاظ كما سلف ذكره، وهو من باب إعادة تفسير أحداث التاريخ من منظور أيدلوجي بحت، مثل القول أن بيعة الصحابة لأبي بكر كانت إجماعا وأنهم كانوا يقومون بإجماع وفي الحقيقة لم يدر في خلد أحد منهم معاني هذه المصطلحات الزائفة.
ثم إن القياس تتطلبه مسألة قائمة لمعرفة حكمها. فكيف قيست مسألة الخلافة والتي لم يكن لها وجود على إمامة الصلاة؟ هل ما دفع الصحابة إلى اختيار زعيم هو الحاجة إلى وجود زعيم، أم عملا بالقياس؟ وهل فهموا أن القياس يحتم عليهم نصب خليفة؟.
هل القياس طريق لإيجاد ما لا وجود له، أم وسيلة لمعرفة حكم ما هو موجود؟
هذا أيضا دليل كاشف لحقيقة التأصيل، وهو البحث عن أدلة لمفاهيم وأعمال وجدت، لا معرفة معاني من النصوص تأمر أو تنهى عن عمل معين. فقد وجد عمل، ثم ألبس لباسا دينيا فيما بعد، ثم بُحث لهذا المعنى الديني عن دليل.
وإن صح ما يدعون من قياس، فإن عمل الصحابة مجتمعين أو متفرقين ليس بذاته دليل ديني على أحكام الله ولا على مصادر أحكامه. فعملهم في السياسة والقضاء عمل دنيوي بحت يتحرى المبادئ الكلية حسب ظروفهم حينها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي