الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العهدان الملكي والقاسمي والعقل السياسي الشيعي

علي المدن

2016 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يجب أن تبدأ محاولات تقييم العهدين الملكي والقاسمي بالتركيز على ظروف نشأة وتشكيل الدولة العراقية، وهو الأمر الذي يقودنا إلى دهليز السياسة العثمانية وما ورثه العراق منها.
لقد ورث العراق في بداية تأسيسه جزءا كبيرا من تركة التخلف العثماني، ونال القسط الأوفر من سياسة التخريب والتدمير والإهمال التي اتبعتها الدولة العثمانية مع ولاياتها. تشكلت في العراق دولة من الحطام، واستيقظ الجميع على كيان جديد يفتقد الموارد الاقتصادية، وشعب زراعي أمي، وثقافة دينية تقليدية، وإداريين بسطاء، وساسة قليلي الخبرة. غاب التخطيط عن واقع الدولة، ومع غيابه غاب كل شيء!
المؤسسة الوحيدة التي حظيت بتدريب جيد هي المؤسسة العسكرية، ولكنها مع ذلك أنتجت جيشا لم يستوعب مهامه كما هو الحال في الدول الحديثة، والسبب مرة اخرى في حصول هذا الفراغ، هو غياب مفهوم الدولة الحديثة نفسه عن ذهنية مؤسسي الدولة وقادتها.
ومع توالي الإنقلابات وحكم العسكر (وهي ظاهرة غزت المنطقة حينها شرقا وغربا، وحظت بتعاطف كبير من قبل الطبقات الشعبية المهمشة) ضاعت فرص بناء المجتمع السياسي الذي يغذي بناء الدولة، بل ضاعت فرص بناء المجتمع العقلاني الحديث. ومع وجود بعض الاستثناءات هنا وهناك فإن العقلية الاجتماعية العامة، للشعب وللدولة على حد سواء، بقيت منفصلة تماما عن مكتسبات الفكر والثقافة المعاصرين.
وكمثال على هذا الانفصال يمكن أن أذكر (وهذا ما أشرت له في فرصة سابقة) أن مجمل أدبيات الأحزاب السياسية حتى السبعينات لم يكن في قاموسها السياسي فكرتان مهمتان:
(الأولى) حول إدارة الدولة ومفهوم ديمقراطية الحكم، المفهوم المؤسس على النظر للسياسة كممارسة في استجلاب المصالح على أساس التداول السلمي للسلطة، ممارسة لا تنطوي على حقيقة نهائية إلا في ضوء ما تفرزه، وبنحو مؤقت، آراء الأكثرية.
و(الثانية) حول انتقال السلطة السلمي وعدم احتكارها من قبل فريق سياسي معين.
قلت إن الواجب أن ينظر للخطاب السياسي (ولاسيما الشيعي) على إنه جزء من الأزمة السياسية التي عصفت وتعصف بالبلد منذ أكثر من قرن. وإذا عدنا للبدايات (والحقيقة أن هذا الوضع لازال في الغالب قائماً حتى اليوم) فإن الخطاب الشيعي واجه صعوبتين في السياسة:
الأولى: في موضوع الحكم والفصل بين مفهومي الإمامة في الاعتقاد والإمامة في السياسة.
والثانية: في إشكالية مفهوم السيادة الإلهية وعلاقتها بمفهوم سيادة الأمة على ذاته الذي هو أس الفلسفة السياسية الحديثة.
الخطاب الشيعي، أعني (الرؤية / أو الرؤى) السائدة في الوسط النخبوي الشيعي (الحوزة بالدرجة الأساس)، مما له علاقة بالسياسة والحكم وإدارة الدولة، بقي متذبذباً بين شكلين من العلاقة: الشكل السلبي المنزوي المحافظ، والشكل الإيجابي الثوري النشط. وقد يأخذ الخطاب المشار إليه بين ذلك أكثر من شكل وصيغة في العمل. في الداخل الحوزوي النجفي لا نملك الكثير من الوثائق المحددة عن المناخات الفكرية والبيئة النفسية السائدة، ولكن هناك تصور يبدو مقنعاً عن شعور يشبه (النكبة) من نتائج العمل السياسي. وقد خلّف هذا الشعور اعتزالاً للسياسة على خلفية أن الأغلبية عددياً كانت لغير صالح الطلاب العرب والعراقيين، ولم تستفق الأوساط الشيعية إلا بعد نفاذ الإيديولوجيا الماركسية في صفوف الكثير من أبناء الشعب العراقي، الشيء الذي اعتبرته تلك الأوساط تهديداً مباشراً لوجودها، فعملت (ثقافياً في الغالب) على مواجهته. سياسياً بقي الشعور الشيعي العام سلبياً من العمل السياسي، وهو ما ترك بصماته على التمثيل الشيعي والمشاركة الشيعية داخل مؤسسات الدولة وإداراتها (وهذا لا يعني بطبيعة الحال اعترافاً بأن الدولة كانت ذات أفق واسع مذهبياً).
شخصياً لا زلت مقنعاً أن الرؤية الشيعية لم تحسم حتى الآن الجدل في نقطتين أساسيتين: (مفهوم الإمامة الكلامي ومفهومها السياسي)، و (مفهوم السيادة بين الحاكمية الإلهية وتفويض الأمة ومسؤوليتها عن ذاتها). وإذا كانت النقطة الثانية تمثل أعقد مشكلة في الفكر الديني المعاصر لأنها تختلط بالمفهوم المادي للحياة حسب التصور الذائع عند (الإسلام السياسي)، فإن النقطة الأولى بدأت تشهد انفراجاً نسبياً ولا سيّما في ظل مرجعية السيد السيستاني التي أعتبرها أنضج مرحلة في التطور العقل الشيعي السياسي في سياق مدرسة الشيخ النائيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا