الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد المعارضة

بدر الدين شنن

2016 / 7 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


منذ البداية ، في أواسط آذار 2011 ، كان الذين سموا تحركات الشارع السوري الاحتجاجية " ثورة " يرمون إلى إضفاء صفة ، على هذه التحركات تسوغ عملية انتقالها لاحقاً ، إلى مرحلة العسكرة وتداعياتها ، التي كانت الإرهاب ، ولاكتساب مبررات الهجوم على مؤسسات الدولة ، ومتابعة " الحرب " حتى تحقيق طموحاتهم ، في حرب ليسوا هم قادتها ، وليست هي محصورة بالحدود والشؤون السورية ، وإنما هي حرب إقليمية .. ودولية .. نوعية بامتياز .

بدلالة ، أن هذه الحرب ، لطبيعتها ، ونوعيتها ، قد كشفت خلال فترة قصيرة ، عن المرجعيات الدينية الرجعية ، والمراكز ا‘لإعلامية العربية والأجنبية المأجورة ، والقيادات السياسية الرجعية ، والقومية ، واليسارية المنحرفة المغامرة ، والدول الاستعمارية العريقة ، الداعمة لهذه " الثورة " .
بمعنى أن التوصيف المغرض والمتزامن ، مع حركة الشارع الأولى ، لم يكن مصادفة أو خطأ ، وإنما هو في منتهى القصد والتعمد . إذ أن الذين تبوؤا الزعامة هنا وهناك ، ميدانياً ، وسياسياً ، وإعلامياً ، هم مثقفون حائزون على شهادات جامعية عليا ، وسياسيون عريقون ، ولا يمكن أن يختلط الأمر عيهم إلى درجة أن يصدقوا ، أو يقبلوا ، مثلاً ، أن آل سعود ، والحمدين في قطر ، وأرد وغان ، وأوباما ، وساركوزي ، وكاميرون ، هم ثوار وأهل لرعاية ، وقيادة ما سموه بعجالة لافتة " الثورة السورية " فيما هم معروفون حق المعرفة ، أنهم ألد أعداء حرية الشعوب ، وأنهم مجرمون يعملون مع شركائهم الإقليميين ، وفق مخطط شرق أوسطي ( أميركي ـ إسرائيلي ) يقضي بتخريب ، وتمزيق بلدان المنطقة ، وفي مقدمتها ، سوريا ، والعراق . وليبيا ، واليمن ، ولبنان .

وقد تمثل البعد الخارجي " للثورة " ، ليس بإحكام ارتهانها لمصادر الدعم الخارجي ، المادي " مال وسلاح ورجال ، والمعنوي " كذب وفبركات وسياسة وإعلام " وحسب ، وإنما احتضانها بطريقة ، أقل ما يقال فيها أنها ، سرقت الثورة ، وصادرت دور المعارضة حتى المتواطئة منها ، عسكريا ، وسياسياً . حيث بات يصح القول ، أن عنوان ما صار يجري في سوريا هو " ما بعد الثورة " .
وقد كشفت عمليات " الما بعد " هذه أن مسار التغيير الخاطئ المغامر ، منذ 2011 ، كان مساراً حربياً ، بدلالة أن الإعداد له ، مثل تجهيز الأنفاق ، وتهريب وتخزين الأسلحة ، عبر الأردن وتركيا ولبنان ، قد تم مسبقاً ، وهو مسار دولي يستغل الصراع ( السوري ـ السوري ) لحساب الصراعات الدولية .

بعد مصادرة ما سمي " ثورة " وتماهي المعارضة المتواطئة بفعاليات الخارج السياسية ، توالت عمليات سياسية وعسكرية ، فرضت حالة الحرب ، التي يتصارع فيها الأقطاب الدوليون الكبار على سوريا ، من خلال غطاء معادلة ( الشراكة ضد الإرهاب .. والتنافس على سوريا ) . ما أدى إلى سيطرة القوى الدولية على قرار السلم والحرب بعامة ، وفي سوريا خاصة . وأدخلت سوريا في مرحلة " ما بعد المعارضة المتواطئة مع الخارج ، وغير المتواطئة . فمن أسف أن تأثير ما سمي بمعارضة الخارج المدعومة بلا حدود ، هو عامل فعال ، في وحدة وفرقة حراك ، المعارضات إجمالاً . ونتيجة لذلك ، فإن مصير الطرف المعارض السوري ، وإن لم يكن موحداً ، فإن مصيره واحد .

وللدقة التاريخية لهذه النتيجة المأساوية ، ينبغي أن يؤخذ بالاعتبار ، مسار المعارضة في العقود الأخيرة . فهي ـ أي المعارضة ـ لم تستطع كسر حصارها ، ولم تجد بدائل لأساليب النضال السياسي المعارض . إنها على سبيل المثال ، لم تشترك طوال نحو أربعين عاماً بأي انتخابات في البلاد ، محلية أو برلمانية . وكانت تنأى بنفسها عن هذه " الكرنفالات " كما كانت تسميها ، فنأت بنفسها عن الشارع ، وعن الطبقات الشعبية ، وتشرنقت ، واكتفت بإثبات وجودها عبر صحفها ونشراتها ، بانتظار التغيير بواسطة المجهول .. الدولي .

ولذلك كان تجاهلها في ( آذار 2011 ) ، أن سوريا ’تستجر إلى الحرب ، وأن مهام المعارضة وأهدافها في الحرب يجب أن تتبدل . وانطلقت بالشكل العنيف ، الذي آثرته في متابعة حراكها ، فوقعت بخطأ هو أكبر من أخطائها السابقة ، فهي غضت الطرف عن التآمر الخارجي ، لتأزيم الأوضاع السورية وتفجيرها ، ولم تأخذ العبرة بما قام به التدخل العسكري الخارج في ليبيا ، بل طالبت بتكراره في سوريا ، ولم تقدم برنامجاً سياسياً متكاملاً ، بديلاً أفضل لبرنامج النظام القائم المعترضة عليه . وحددت هدفها الأوحد ، بإسقاط النظام بدعم خارجي . ولم ترسم أفقاً مقنعاً لسيرورة ونهاية ما يحدث في سوريا لصالح الشعب السوري .

وبات حتى إثبات حضورها الرمزي ن لا يتم إلاّ بواسطة الخارج .. وبآلياته .. وإعلامه .. ورموزه . فإن ’سمح لها بعقد اجتماع في الرياض أو الدوحة أو استانبول ، وغيرها ، فهذا برهان على أنها ما زالت موجودة ، وإن صرح أحد رموزها بمناسبة ما فهذه هي المعارضة . أما اجتماعات جنيف وفيينا وموسكو الدولية حول سوريا ، فإنها لا تحدث إلاّ بدعوة وتنظيم أحد القطبيين الدوليين ، بالتعاون مع الأمم المتحدة أو بدونها . وممثلو القوى والتكتلات المعارضة السورية فيها ، هم مدعوون لا أكثر ، إن تمت دعوتهم ، ولا قدرة لهم على الامتناع عن الحضور ، ولا على عدم التصويت على ما يملى عليها من مواقف وقرارات . حتى " دي ميستورا " صار مهزلة . وانكشف أنه دمية وضعته الأمم المتحدة ، بناء على الطلب ، في خدمة الدول العظمى . فهو لا يتحرك إلاّ بأمرها .. ويدخل في السبات الدبلوماسي حسب رغبتها .
وهذا الوضع يحرم قوى معارضة أخرى من المبادرة . ويضعها برسم التبعية القسرية لحراك التكتلات الخاضعة لإملاءات الخارج .

ولذا فإن خطوات مرحلة " ما بعد المعارضة " بمعنى غياب أية فعالية معارضة مؤثرة في مجريات الأحداث ، سياسية أوقتالية ، تتسارع سلباً ، مع تزايد مؤشرات إفلاسها الجماهير ، ومع تزايد تقدم الجيش السوري في ميادين القتال . وربما وصلنا إلى مسافة من هذه المرحلة ، لم يعد هناك كثير من المواطنين يسألون ، ماذا فعلت وتفعل المعارضة ، وإنما ماذا حقق الجيش ، وإلى أية مواقع جديدة يتقدم .
ولما يتمحور السؤال حول الجيش ، وهو المؤسسة الأولى والأهم في بنية الدولة " النظام " فهذا يعني ، أن الرياح في سوريا ، العسكرية ، والسياسية ، والشعبية ، لا تجري كما يشتهي من بقي متمسكاً بموقع المعارضة ، وبحركة المعارضة .
ولذلك صار السؤال : أين هي المعارضة ، في موسكو ، أم في القاهرة ، أم في استانبول ، أم في دمشق ؟ .. وهل حقاً أن سوريا في ظروف الحرب التي تهدد الجميع بالذل والتدمير ، والتهجير ، والقتل ، بحاجة لهكذا معارضة ؟ .. أم أن ما سمي ، تقليدياً ، وفي ظروف عادية ( ما قبل الحرب ) معارضة قد انتهت ؟ ..

ما يستدعي السؤال الموالي الآخر : هل باتت سوريا في الوقت المتأزم ، قبيل الحرب ، وبعد نشوب الحرب وتداعياتها ، بحاجة لما هو أرقى فكرياً ، وسياسياً ، وعملياً ، في مجال ممارسات الرأي الآخر في المجتمع ، مما صنعه الجيل السابق في ظروف مغايرة ، بشكل يؤدي في ظروف مثل ظروفنا الراهنة ، إلى التكامل الوطني بدلاً من التنافر ، وإقامة الوحدة الوطنية " كتلة وطنية " كما حدث في زمن الاحتلال الفرنسي .. وجبهة وطنية .. " التجمع القومي البرلماني " إبان الدفاع عن الوطن ضد الأحلاف والمؤامرات الاستعمارية والرجعية ، بدلاً من التخاصم والانقسام الذي يخدم أعداء البلاد ؟ ..

ليس لأي سياسي وطني سوري في ظروف الحرب العدوانية الكارثية ، أن يعلن ويمارس عداءه وحربه ، على قوى الدولة التي تمارس مسؤولياتها ضد عدوان الإرهاب الدولي .. وبالتالي يعلن ويمارس عداءه ضد الجيش الوطني .. الذي يقدم التضحيات الأسطورية المشرفة ، والشهداء بسخاء دفاعاً عن الوطن .. وعنا جميعاً . العداء الآن بالضبط هو ، ضد الجبن ، والتقاعس ، والخيانة ، والعزف على أوتار الخارج المعادي .

ومثلما يقال بحق ، أن سوريا لجميع السوريين .. ينبغي أن يقال بحق أيضاً .. وأيضاً ، أن إنقاذ سوريا وانتصارها في الحرب على الإرهاب الدولي ، وإعادة بنائها ديمقراطية ، قوية ، مزدهرة ، هي مسؤولية كل السوريين

إن ذكاء اللحظة السياسية التاريخية السورية ، ينبغي أن يتجلى الآن ، بأن نعرف بناء مفاهيم .. وأطر معارضة ، هي أرقى وأفضل وقادرة ، على أن تلبي استحقاقات اللحظة وما بعدها ، وبأن نعرف متى يكون بعضنا معارضاً للبعض الآخر لترشيد السياسات وتصحيح المسارات ، ومتى وكيف نتوحد ضد أعداء الوطن ، وأن نعرف دائماً .. كيف نحطم العوائق بيننا .. من أجل سوريا الوطن .. وسوريا الديمقراطية .. وسوريا العربية الحضارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في