الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


* الإيمان * , المفهوم المخادع

مهدي جعفر

2016 / 7 / 25
الادب والفن


لم أعرف مفهوما ، أكثر شيوعا وانتشارا بين الناس ، كبيرهم وصغيرهم ، جاهلهم وعالمهم كمفهوم الدين، باستثناء مفهوم "الإيمان" ولا أرى للعقل صورة للإيمان في أذهان العلماء ، أوضح من صورته في أذهان العوام . فما هو معنى الإيمان عاميا مجتمعيا و ما هو في الواقع ؟

كلمة الإيمان غالبا ما تقترن بالثقة الكاملة ، الاعتقاد ، التصديق، الفضيلة و غيرها من ميتافيزيقيات العقل البشري . و حري بالإشارة إلى أن لها أكثر من استخدام ، فمعناها قريب من معنى "الاعتقاد" في إطار "الشك والظن" ، فالإعتقاد يشير إلى "التصديق" بينما الشك يحيل إلى "الإرتياب" ، وعليه يمكن القول أن لفظة "إيمان" حمالة أوجه ، تلمح للإرتياح لوجود قوة إلهية و ضمنيا الكفر بها ، فما تؤمن به أنت أكفر به أنا و بالتالي أنت مؤمن وأنا كافر في نظرك ، و ما أعتقد به أنا و لا تصدقه أنت أحسبك كافرا و أنا مؤمن ، هكذا يتضح مدى تشعب و تداخل عدت مفاهيم للفظ واحد . فما هي المعايير التي تحدد مفهوم الإيمان ؟

الحقيقة أننا نعيش مجمل حياتنا في السياق الإجتماعي بحكم الإنتماء للوسط الذي نولد فيه ، حيث يرسم المجتمع للفرد مسارات يتعذر على هذا الأخير الإرتداد عنها ، و إن حصل تمرده على ذلك يكون مقتربا أكثر من أي وقت مضى من مقصلة "العقاب الإجتماعي" ، يتجسد هذا في الثقافة و اللباس و اللغة التي تعيشك و أنت لا تعيشها لأنك لم تخترها بل اختارها لك المجتمع (...) و كأوضح تجلي لهذه الفكرة مسألة "الدين" ، من الملاحظ أن الإنسان يكتسب دين مجتمعه و لا يختاره بالمرة بل يفرض عليه ، فمن يولد بمكة أكيد أنه مسلم ؛ إذا ولدت في كمبوديا قطعا أنت بوذي ؛ لو أن أحدهم ولد في روما فهو بلا شك مسيحي ، لو أن شخص ولد في القطب الجنوبي لما كان له دين أصلا و يكبر و يعيش و يموت عادي لا مشكلة . لذلك بديهي أن من يحدد معايير الإيمان هو "المجتمع" ، لا من يسكن في السماء و أغوار الفضاء و تتحاشاه مخلوقات أسطورية أو ما شابه .

معظم البشر لا يؤمنون بموضوع إيمانهم الذين أفهوا أنه *الحقيقة المطلقة* ، فهذا الوثني يعتقد أنه "يؤمن" بالوثنية هذا غير صحيح ، و هذا المسلم يفهم على أنه يؤمن بالله ، صدقني يا من تقرأهذه السطور أنه لا يعرف هذا بالمطلق ، و الآخر المسيحي يظن أنه يؤمن بالتالوث ! كلام فارغ ، كل هؤلاء و غيرهم يؤمنون بإيمان الجماعة ، في العمق موضوع إيمانهم ليس عيسى ليس الوثن ليس الله ، بل هو في الأول و الأخير* إيمان الجماعة * و ليس شيءا آخر ! بل أكثر من ذلك لو أن الجماعة خلقت نمط جديد في التوجه العقدي فغيرت إيمانها بالكامل ، الفرد يستتبع ذلك هو أيضا ، فمثلا أمة "الأمازيغ" في شمال افريقيا كانوا يؤمنون بالوثنية فغيروها إلى الدوناتية و مع مجيء الإسلام أحيل المجتمع الأمازيغي إلى مجتمع مسلم و أكيد ليس هناك فرد بقي على وثنيته أو دوناتيته لأنه حصل تغيير عقدي للمجتمع كنسق عام و يجب على الفرد الرضوخ و الإمثثال له و إلا ...

يتضح لمن يريد أن يستسيغ واقع الحال ، أننا دون أن نختار و دون أن نشعر *ضحايا* للمحكاة و التقليد والتعاطف الغبي ، فنحن لا نتخد الأديان إدراكيا بل انفعاليا و عاطفيا ، لا نتبنى موقفها و نحن مقنعين بها بل متعاطفين معها فقط ، و مسايرين للعقل الجمعي الذي يخيطه لنا المجتمع و نلبسه نحن دون أدنى تأمل أو مذاكرة مع المنطق و العقل . لذلك فأمر الإيمان ليس ابن إدراكك و لا منوط بانتخاب و اصطفائك العقلي .

أخيرا نخصل إلى أن الإيمان هو فكرة نسبية يخيطها إله من نوع آخر اسمه المجتمع و يتبناها الأفراد كدين ، الذي لا يعتبر في الواقع "قناعة" بل "رأي و موقف عاطفي " ، لذلك هذه الخربشة الفكرية التي قدمناها أعلاه لا تعد سفسطة أو هرطقة أو كفرا كما سيعتبرها بعض الناس ، بل رئية نقدية لواقع التدين كثمثل كفكرة في مخيال العوام في المجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ


.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث




.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم


.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع




.. هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية