الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انطباعات عن تفجير الكرادة

محمد لفته محل

2016 / 8 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


رأيت كثير من الفيديوهات والصور على التلفاز والفيس بوك التي تخص تفجير الكرادة ولم أشعر بهول الجريمة والكارثة إلا حين زرت مكان الحدث بنفسي ورأيت بأم عيني الدمار والجلل، بعد سبعة أيام من الجريمة (الجمعة 2016/7/8). فمن لحظة دخولي للشارع كنت انوي أن اسأل عن مكان التفجير فتفاجئت أن المكان هو من يدل على نفسه لان العمارتان السوداء من الاحتراق كانت شاخصتان متقابلتان كعلامة من بين جميع البنايات يزيدها سوادا اللافتات السوداء عليها أسماء وصور الضحايا التي غطت واجهة البنايتين كجلبابين اسودين لأمين تبكيان على أولادها، بحيث لم يعد يُعرف الشبابيك والطوابق إلا بصعوبة حتى أن بعض اللافتات غطت بعضها البعض من الزحام. يضاف إلى ذلك حشود الناس بالآلاف تسير باتجاه البنايتين بشكل مجاميع عزاء (مواكب) متحركة تغني بالمكبرات التي تعتلي منصة متحركة يدفعها جمع من الشباب ويتبعها جمع آخر يلطم خلف المنشد كإيقاع مستعملين الطبل.
لحظة اقترابي من المكان بدأ التفتيش المتوالي للزائرين، سيطرة خلف سيطرة، وعلى جانب الطريق يوزع الماء والعصير مجاناً كثواب للضحايا. وعند الدخول لمنطقة التفجير، كانت المواكب من جميع المحافظات يستقبلها صوت بالمكبرة ب(أهلا وسهلا اهالى محافظة ...) والشباب والنساء تبكي على إيقاع النعي وآخرون يفترشون الأرض يقرأون القرآن. الشموع تملأ الأرصفة والغرف الأرضية للبناية، دخلت إحدى الغرف وأوقدت الشموع، وجدت السيراميك متساقط من النار، الحديد مقوس من الحرارة! و(الكبنك) منكمش مسود ملتف على البكرة! عندها أدركت لماذا تفحمت الجثث. الطوابق العليا ممنوعة من الصعود تحرسها قوات أمنية. في البناية المقابلة لها يبدوا أن عمليات التفتيش لازالت مستمرة حتى يوم الجمعة لان أشخاص يلبسون الكمامات ويدخلون للطوابق العليا على ضوء مولد، ورائحة التفحم تملئ الأنف. وبعض الأشخاص تكلم بألم وحرقة وغضب وصوت عالي وسط الجموع وكاميرات الهواتف تصوره وبعضهم يقبل المتكلم.
التضامن كان واضحا بين الجميع وبصراحة لأول مرة يتأثر الرأي العام ويتكاتف في إدانة جريمة بهذه القوة، أكثر من جريمة سبايكر. وعندما حدث التفجير ظننت أنه مثل كل التفجيرات السابقة وكان لدي مجرد خبر، والرأي العام هو من جعلني أتأثر به، ولن أسارع إلى القول أن هذا التضامن العابر للطائفية سيستمر وإنما معرض للزوال بانتهاء العزاء مثله مثل التضامن في كرة القدم الذي ينتهي بانتهاء المباراة. وتسيس الفاجعة هي أول خطوة في فك هذا التضامن فالصور المرفوعة إلى جانب صور الضحايا لرموز طائفية سياسية مسلحة غايتها ذلك.
في حوار مع صديقي الذي زار معي الحدث
قال_لافائدة من هذا التضامن إذا بقى مجرد عزاء، يجب على هذه الآلاف أن تتوجه للخضراء للاعتصام، وهذه الوفود من المحافظات يجب أن تطالب بحقوق الضحايا لا أن تلطم عليهم.
قلت_إن اللطم هو أسلوب العراقي بالعزاء، ولا يمكن أن نطلب منه أن يقدم باقة ورود على الطريقة الغربية. ثم أن حقوق الضحايا من وظيفة القانون الحكومي، وما دام هذا العزاء يجذب الرأي العام فهو صحيح اجتماعيا.
الناس لأول مرة وبقوة تحّمل الحكومة مسؤولية التفجير سنة وشيعة، حتى مع إعلان داعش مسؤوليته عن الجريمة، وراحت الإشاعات تتحدث عن مواد إسرائيلية الصنع كالفسفور والنابال (وهي أسلحة محظورة ولا تملكها إلا دول متقدمة) كانت بالسيارة، والبعض تحدث عن أن القتلى كانوا مقيدين ومعدمين بإطلاق رصاص بالرأس، والبعض قال دخلت علب (كراتين) إلى العمارة قبيل التفجير، وان الأبواب العليا للسطح أقفلت بنفس الوقت، وهناك من قال أن بعض الضحايا قد خطف بحجة أن هواتفهم مازالت غير مغلقة وحساباتهم مفتوحة على وسائل التواصل!. وكثرة الإشاعات تأتي كهروب من صدمة إجرام بعضنا ضد بعضنا وعليه رحنا نحمل إسرائيل والعرب مسؤولية الجريمة لتبرئة أنفسنا كما فعلنا في الحرب الأهلية الطائفية.
هناك سؤال ضاع وسط زحام العزاء طرحه بعض الناس، لماذا أثارت تفجيرات الكرادة الرأي العام الشعبي والإعلام المحلي والغربي؟ وهناك تفجيرات متكررة أسبوعيا لا تقل هولا عن هذه الجريمة؟ البعض فسره طائفياً قائلا إن سوق (عريبة) في مدينة الثورة حصد الكثير من الضحايا فلم يلتفت أحد!. أعتقد أن السبب ليس عدد الضحايا الكبير كما يتبادر للبعض، إنما لأنه جرى ليلاً على غير عادة التفجيرات التي تتم بالنهار، وفي هذا الوقت لم يكن الناس بالعمل بل كانوا في نزهة وسمر، وعند حدوث التفجير تمكن الناس من رؤية وسماع استغاثة الضحايا وتصوير النيران وتأخر فرق الإنقاذ أمام عينهم، ونشر هذه الصور والفيديوهات للنار والجثث المتفحمة على الفيس مباشرة فشكل صدمة للرأي العام على فداحة الجريمة، وساعد على ذلك أن كثير من الضحايا كانوا من الطلاب نشر زملائهم صورهم بالفيس وطبعوها على لافتات العزاء فزاد من التعاطف لهؤلاء الشباب.
وأخيرا عندي تعليق على صور الضحايا المتفحمة التي نشرت بكثرة على وسائل التواصل والتي ربما كان الغاية منها جلب التعاطف أو تحريك الرأي العام، دون انتباه لحرمة الميت. فقد نشرت صور الضحايا وهم عراة و مشوهين الأطراف! أو ملقين على الأرض في الطب العدلي! هل يقبل أي واحد منا أن يصور نفسه في وضعية مزرية؟ وهم شباب كانوا في قمة الأناقة؟ وهل نسينا أن من حقوق الميت هي التسجية (تغطية الوجه)؟ وهل نسينا الآثار النفسية المدمرة لهذه الصور على المشاهد؟ كان يكفي أن يظهر الجزء العلوي من الجسد أو الوجوه فقط بالصور لإيصال بشاعة الجريمة، أما تصويرهم بهذا الحال ففيه انتهاك لحرمة الضحايا وإكمال للجريمة دون أن ندري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت