الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطوائف والأعراق.. والآخرون!

طيب تيزيني

2016 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية



في فترة منصرمة من الصراع غير المسبوق في سوريا وعليها، كنا قد أعلنّا عليكم السيل الجارف والمتعاظم من الأحداث والمخاطر، والتي تهدد وطننا الغالي من كل صوب وحدب. يحدث ذلك في لحظة تاريخية فارقة، يُراد أن يُنجز فيها الآن، بالنسبة لسوريا، ما لم يحدث في تاريخها العريق الطويل.

وإذ يأخذ الأمر ذلك الطريق، فإننا نغدو أمام عملية جديدة قد نعبر عنها ونختزلها بما شاع تحت مصطلح «المابعديات»، لنصبح أمام حالات مفتوحة تتمثل في ما بعد «العقلانية» أو «الحرية» أو «الديمقراطية» أو «الوطن» أو «القومية».. إلخ. هكذا، نضع أيدينا على ما قد نضع سياقه في مرحلة مضى عليها الزمن، فالطائفة والعرق والإثنية تصبح البديل الحقيقي عما اعتاد عليه البشر من قبل، ومنه الدولة والوطن والقومية والثقافة.


وثمة ملاحظة هامة، وهي أن تلك المفردات الثلاث لم تنشأ مع النظام العولمي، وإنما كانت موجودة سابقاً حتى في إطار أمة أو وطن ما، فنحن نعلم أن اتفاقية سايكس بيكو نشأت على أيدي الاستعمار الفرنسي لسوريا، وقد ذهبت أدراج الرياح وحصلت سوريا على استقلالها وسيادتها بعد رحيل ذلك الاستعمار، لنواجه الآن جهوداً تعمل على إحيائها من طرف، وعلى إسقاط ما يمثل حقيقة الشعب السوري الموحد أرضاً وشعباً.

إنه زمن الهزائم لمنظومات الوطن السوري العربي، وفتح الباب لما كان مهيمناً أو في طور الهيمنة. وإذ نحن في هذا الإطار نواجه حالة من الحطام العربي، فإننا نضع يدنا على حدث راهن في هذا الوطن (وضمنه العراق وسوريا واليمن)، وقد يمثل إحدى الكوارث العظمى التي تُحيلنا إلى الكارثة التي تجلت في القرن التاسع عشر، ألا وهي كارثة المشروع الصهيوني الاستعماري في فلسطين، وكانت ظاهرة المشاريع القومية آخذة مداها في الانتشار غرباً وشرقاً.

لقد انتبه إلى ذلك المفكر العربي الرائد نجيب عازوري، الذي وثق لذلك الحدث الخطير بكتاب مهم نشره عام 1905 بعنوان «يقظة الأمة العربية»، حيث أعلن برؤية تاريخية ثاقبة هناك «ظاهرتان هامتان، متشابهتا الطبيعة، بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن، تتضحان في هذه الآونة في تركيا الآسيوية، أعني يقظة الأمة العربية وجهود اليهود الخفي لإعادة مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع، ومصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى.. وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين متضاربين، يتعلق مصير العالم بأجمعه». إنهما مشروعان تصارعا، وما يزالا يتصارعان، المشروع الصهيوني الاستعماري والمشروع العربي النهضوي، بما يختزله هذا الأخير من دعوة إلى إصلاح ديني تنويري يمتد باتجاه الديمقراطية التعددية والحداثة والتقدم.

والآن تعود المسألة ذاتها، لكن بصيغ خطيرة: فإسرائيل، التجسيد الفعلي لتلك الجهود الغربية التي تحدث عنها عازوري، ظلت قائمة، وهذا ما نراه من تهدم وتفكيك للعالم العربي، يجتاح الزمن بإعادة سياقه التاريخي إلى مراحل ما قبل هذا المشروع. لقد حلت المسألة الطائفية في معظم العالم العربي، لتعود إلى المقدمة في مشاريع «التطهير الطائفي والإثني والعرقي»، وهذا له دلالة فاحشة نستنبطها مما كتب الزعيم الصهيوني هرتزل في كتابه «الدولة اليهودية» الصادر عام 1896، يقول: «إن دولة اليهود في فلسطين يجب أن تشكل جزءاً لا يتجزأ من سور الدفاع عن أوروبا في آسيا، وقلعة للحضارة في مواجهة البربرية».

والآن، ما العمل أمام هذا القوس التاريخي الشائن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو