الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة لتقرير المدعي العام لمحكمة العدل الاوربية بشأن اتفاقية التجارة والفلاحة المبرمة سنة 2012 بين المغرب وبين الاتحاد الاوربي

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2016 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قراءة لتقرير المدعي العام لمحكمة العدل الأوربية بشأن اتفاقية التجارة والفلاحة المبرمة سنة 2012 بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي
ما ان نشر المدعي العام لمحكمة العدل الأوربية تقريره المفصل ، بشأن الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى لنفس المحكمة ، والقاضي بإلغاء الاتفاقية المذكورة ، حتى سارعت كل أطراف النزاع ، النظام المغربي من جهة ، والنظام الجزائري ومعه جبهة البوليساريو من جهة أخرى ، إلى اعتبار نص القرار ، بمثابة انتصار له ، ولأطروحته حول طبيعة النزاع الدائر حول الصحراء الغربية. ونفس الشيء سارت عليه كل المواقع الالكترونية المحسوبة على كلا من الاتجاهين .
لكن بالرجوع الى نص التقرير وتحليله ، ومن زاوية محايدة لا منحازة ، وبما لها من آثار قانونية وسياسية ، سيتضح ان المدعي العام ، وان حاول الظهور بمظهر المحايد المتشبث بالقانون ( قرارات مجلس الأمن ) ، فان التعمق في نص التقرير يكشف من جهة ، عن انحيازه الى أطروحة الانفصال ، ومن جهة ، وربما لجهله التام بطبيعة الموضوع ، سقط في فخ الخلط بين الجبهة كمنظمة تأسست في سنة 1973 ، وبين الجمهورية الصحراوية التي تأسست في سنة 1977 ، وهذا الخلط في الفهم ، هو ما جعل تقريره تطغى عليه المحاباة التي فشل فيها هي الأخرى كذلك . وسنوضح هذا بشيء من الإيجاز .
فبالنسبة للنظام المغربي والمواقع الالكترونية المرتبطة به ، فهُمْ ركزوا ، على اعتبار المدعي العام في تقريره ، جبهة البوليساريو ، او الجمهورية الصحراوية ، تفتقر إلى المشروعية القانونية في التقاضي أمام المحاكم الدولية ، وبالأخص منها أمام محكمة العدل الأوربية ، ومن ثم فهي ، اي الجبهة او الجمهورية ، لا تملك الأهلية القانونية لتمثيل الشعب الصحراوي ، لذا فان المدعي العام في تقريره ، طالب بالدفع بعدم قبول البث في طلب الإلغاء الذي تقدمت به البوليساريو كجبهة ، او جمهورية أمام محكمة العدل الأوربية .
وقبل التحليل ، فنحن لا نعلم شيئا عن الشخصية القانونية التي تقدمت بطلب إلغاء الاتفاقية المبرمة بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي . فهل الجبهة هي التي تقدمت بدعوى الإبطال ، أمْ أنّ الجمهورية الصحراوية هي التي تقدمت بذلك ؟
اذا كانت الجمهورية الصحراوية هي من تقدم إلى محكمة العدل الأوربية بدعوى إبطال وإلغاء اتفاقية 2012 ، فان تقرير المدعي العام الذي يوصي فيه بعدم البث في دعوى الإبطال ، يكون منطقيا ، ومحقا ، وصائبا ، ويحترم الوضع القانوني لإطراف النزاع الرئيسيين . ان جميع قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ، لا تزال تنص على تنظيم الاستفتاء وتقرير المصير الذي من إحدى نتائجه ان حصلت ، هي الانفصال وتكوين الجمهورية ، وهذا ما لم يحصل من جهة ، ومن جهة أخرى فلا توجد ولو دولة واحدة أوربية تعترف بالجمهورية الصحراوية التي أنشأتها الجزائر وليبيا ، ولم تنشئ بمقتضى استفتاء وتقرير مصير للصحراويين .
لكن إذا كان من رفع دعوى الإلغاء ، أي دعوى إلغاء الاتفاقية التجارية الموقعة بين المغرب وبين الاتحاد الأوربي هي جبهة البوليساريو ، فان توصية المدعي العام في التقرير ، بالدفع بعدم قبول الدعوى ، بحجة ان الجبهة لا تملك أهلية تمثيل الصحراويين ، ومن ثم فهي لا تملك المشروعية القانونية للترافع أمام محكمة العدل الأوربية ، وبالتالي الدفع بعدم قبول البث في دعوى الإلغاء من طرف محكمة الدرجة الثانية ، تبقى مجانبة للصواب ، ومجانبة للقرارات الأممية ، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن ، بما فيها الأخير القرار 2285 . وتبقى مجانبة كذلك لقرارات الاتحاد الأوربي ، والبرلمان الأوربي الذين يشخصون أصل النزاع ، بين النظام المغربي ، وبين جبهة البوليساريو المدعومة من قبل النظام الجزائري . وإلاّ إذا لم يكن الأمر كذلك . كيف يفسر لنا المدعي العام وجود مكاتب اتصال وإعلام للجبهة ، وليس للجمهورية بجميع العواصم والمدن الأوربية ؟ وكيف يبرر لنا موقفه هذا ، من وجود ممثلية للجبهة بواشنطن وممثلية بالأمم المتحدة ؟ ثم كيف يبرر لنا ان المفاوضات التي تجري وتحت إشراف الأمم المتحدة ، طرفاها النظام المغربي من جهة وجبهة البوليساريو من جهة أخرى ؟ بل كيف يفسر لنا المدعي العام القرار 34/37 الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1979 الذي تعتبر فيه جبهة البوليساريو ممثلا وحيدا للشعب الصحراوي ، ودون إشارة تذكرة للعلاقات التاريخية ، والجغرافية التي تربط المغرب بالصحراء ؟
وإذا كان المدعي العام يعتبر ان الجبهة لا تمثل شيئا ، فلماذا يجلس معها النظام المغربي للتفاوض ، إن كانت فعلا لا تمثل شيئا ؟ بل ابعد من ذلك ، إذا كانت الجبهة لا تمثل شيئا ، ومن ثم فهي غير معترف بها من قبل الدول الأوربية التي تفتح لها مكاتب بعواصمها ، وهو اعتراف صريح بالجبهة ، فمن هي الجهة التي يراها المدعي العام تمثل الصحراويين ، وخاصة وانه ينفي هذه التمثيلية حتى عن المغرب ، بدعوى ان الصحراء ليست مغربية ، وان التواجد المغربي بها ، هو احتلال كما عبر عن ذلك الأمين العام للأمم المتحدة بانكيمون ؟
فهل المدعي العام على اضطلاع بالأوضاع القانونية لإطراف النزاع ، وهل هو على علم بجميع الخطوات التي مر منها الصراع بحضور النظام المغربي ، وحضور جبهة البوليساريو منذ 1975 ، ام انه يجهل ذلك ، فجاء تقريره كمحاولة لترطيب الخواطر ، أكثر منه تقريرا يستند إلى التاريخ والى الشرعية الدولية . ففرق شاسع بين الجبهة المعترف بها من قبل كل الدول الغربية وواشنطن وروسيا وبريطانيا واسبانيا وكوريا الجنوبية ... الخ ، وبين الجمهورية الصحراوي التي لا تعترف بها أية دولة من الدول المذكورة ، ويقتصر الاعتراف بها فقط من قبل الاتحاد الإفريقي ، وبعض دول أمريكا اللاتينية والجنوبية .
إذا كان النظام المغربي يعتبر تقرير المدعي العام انتصارا له ، لأنه دفع بعدم قبول البث في الدعوى من قبل قضاة الدرجة الثانية ، وعرى جبهة البوليساريو حين اعتبر أنها تفتقر للمشروعية القانونية للترافع أمام محكمة العدل الأوربية ، لان الدول الأوربية لا تعترف بها ، وهنا فان المدعي العام سقط في الخلط بين الجبهة وبين الجمهورية ، واعتمد المدعي العام هذا التفسير لإسقاط أهلية تمثيلية الجبهة للصحراويين ، فان الخاسر الأكبر في التقرير العشوائي ، كان هو النظام المغربي ، حين اعتبر المدعي العام ، أنّ الاتفاقية الفلاحية التجارية بين النظام المغربي وبين الاتحاد الأوربي ، لا تشمل ، ولا تنطبق على الأراضي المتنازع حولها ، اي الصحراء الغربية ، ومن ثم فان المدعي العام ، وهذا ليس من اختصاصه ، اعتبر الصحراء الغربية ليست مغربية ، وتخضع لنظام خاص ترعاه الأمم المتحدة طبقا للقرار 1514 الذي يدخلها ضمن الأراضي المستعمرة المشمولة بتصفية الاستعمار . ان الخطورة في هذا الجزم بالنسبة للوضع القانوني للأراضي المتنازع عليها ، وبخلاف الشق الأول من التقرير حول مشروعية او عدم مشروعية الجبهة ، أهليتها او عدم أهليتها ، أنها ضربة موجعة لأطروحة النظام حول الحكم الذاتي المرفوض دوليا و المرفوض من قبل المعنيين به ، كما يعتبر إقرارا وتأكيدا على حل واحد لا حلاّنْ ، هو حل الاستفتاء وتقرير المصير .
ان محاولة المدعي العام إجبار خاطر أطراف النزاع ، النظام وجبهة البوليساريو ، يذكرنا بنفس الشيء عند إصدار محكمة العدل الدولية لرأيها الاستشاري في 16 أكتوبر 1975 ، الذي يعترف بوجود علاقة بيعة مع السلاطين العلويين ، والمقصود بالسلاطين هنا ليس الأشخاص ، بل الدولة العلوية ، وهذا اعتراف صريح بمغربية الصحراء ، لكن في مقابل هذا الاعتراف بمغربية الصحراء ، تعود المحكمة في قرارها لتأكد على حل الاستفتاء وتقرير المصير للصحراويين ، قبل ان يظهر ما سيعرف من بعد بالشعب الصحراوي . فإذا كانت المحكمة في قرارها تعترف بمغربية الصحراء من خلال عقد البيعة ، فما الجدوى من التنصيص على حل الاستفتاء الذي أضحى متجاوزا عندما استرد الشعب المغرب الصحراء ، اي انه أضحى حق يراد به باطل .
نستنتج من هذا انه بقدر ما كان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سياسيا وليس قانونيا ، فان تقرير المدعي العام لدا محكمة العدل الأوربية هو تقرير سياسي وليس قانوني كذلك . ان المدعي العام تطاول على صلاحيات مجلس الأمن والأمم المتحدة ، من خلال تركيزه على عدم مغربية الصحراء ، وتوصيته بالاّ تشمل الاتفاقية المبرمة بين النظام المغربي وبين الاتحاد الأوربي الأقاليم المتنازع حولها ، لأنها تخضع لرقابة الأمم المتحدة طبقا للقرار 1514 الذي يعتبرها ضمن الأراضي المشمولة بتصفية الاستعمار . فهل يعتبر المدعي العام في تقريره هذا التواجد المغربي بالصحراء بمثابة احتلال وهو نفس الموقف عبر عنه بانكيمون عند زيارته الأخيرة للمنطقة ؟
وكيف ما كان الحال فان تقرير المدعي العام يبقى استشاريا فقط ، وليس إلزاميا لقضاة المحكمة ، كما أن قرار محكمة الدرجة الثانية للبث في دعوى إلغاء حكم قضاة الدرجة الأولى ، قد يطول شهورا ، ربما قد تعرف المنطقة تغييرات ، إما أنها قد تلطف ألأجواء ، وإما انها قد تدفع بها الى حافة الهاوية .
مرة أخرى النظام المغربي يمارس التعتيم وحجب الحقيقة على الشعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو