الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيد قطب...سايكولوجية الإنسان المهزوم

احمد القاضي

2016 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سيد قطب...سايكولوجية الإنسان المهزوم




[أواه..لقد جئت من بلاد يعيدة، تسرح فيها الإبل، حيث يقطعون أذنك إن لم يعجبهم شكلك، أدري إنه أمر وحشي ولكن مهلآ إنه وطني]
علاء الدين صاحب المصباح السحري في فيلم من إنتاج والت ديزني




بمناسبة الذكرى الخمسين لإعدامه، التي مرت في 29 أغسطس 2016 م.





يا له من تحوّل دراماتيكي مجنون...في مبتدأ حياته تتدفق قريحته بقصائد: [إلى الشاطئ المجهول] و{قبلة} و[الظامئة] ….وفي منتهى حياته، يخضب الأفق بلون الدماء بقصيدة تفوح منها رائحة الموت والأكفان والقبور، وهي قصيدة (أخي أنت حر وراء السدود)
فمن كان يتصور أن كاتب هذه الأبيات:
بعينيك أبصر روح الظماء [] وبالنفس ألمح طيف القلق
ففي الخطرات ، وفي اللفتات [] وفي النظرات وبين الحدق !
يطل التلهـف في وثبة [] وتعصف ريح اللظى المحترق
لأيّ من الأمر هذا التطلع [] هذا التوثب ، هذا الحرق !
شواظ من الشوق ؟ أم جمرة ؟ [] من الحب محمرّة كالشفق ؟
أحس بأنك ملهوفة [] لأن تنهلي كل معنى الغرام !
سينتهي قبل إسدال الستار على حياته المأساوية بقصيدة صارت أنشودة في أفواه الإسلاميين سفاكي الدماء، بتفريعاتهم المختلفة...قصيدة باتت (تترآ) للفيديوهات، التي تبثها الجماعات الإسلامية بعد كل عملية ذبح أو تفجير في المقاهي أو الأسواق...وهذه أبيات منها:
أخي قد سرت من يديك الدماء أبت أن تُشلّ بقيد الإماء
سترفعُ قُربانها ... للسماء مخضبة بدماء الخلود
أخي هل تُراك سئمت الكفاح و ألقيت عن كاهليك السلاح
فمن للضحايا يواسي الجراح و يرفع راياتها من جديد
أخي هل سمعت أنين التراب تدُكّ حَصاه جيوشُ الخراب
تُمَزقُ أحشاءه بالحراب و تصفعهُ و هو صلب عنيد
أخي إنني اليوم صلب المراس أدُك صخور الجبال الرواس
غدا سأشيح بفأس الخلاص رءوس الأفاعي إلى أن تبيد
أخي إن ذرفت علىّ الدموع و بللّت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع و سيروا بها نحو مجد تليد
أخي إن نمُتْ نلقَ أحبابنا فروْضاتُ ربي أعدت لنا
و أطيارُها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
أخي إنني ما سئمت الكفاح و لا أنا ألقيت عني السلاح

الطريق الى الإنتحار

ولعل ما يثير الإنتباه في حالة سيد قطب إنها معكوسة، بما يخالف سنن الطبيعة...فالناس عادة تكون متمردة في شبابها تميل إلى الأفكار الجانحة والتنظيمات الجامحة المغامرة، وكل ما تقدم بها العمر تنحو نحو الأفكار الواقعية والمواقف الوسطية، التي وصفها أرسطو بأنها القاعدة الذهبية وتمام الفضيلة...ولذا نجد ان الذين يتجهون أفواجا إلى تنظيمات التفجيرات الإنتحارية الإسلامية، هم من صغار السن، الذين تداعب مخيلاتهم الصور القرآنية الشبقية للحور العين والغلمان المخلدين وموائد السماء بكؤوسها الدهاق.
وعلى عكس كل هذا، فإن سيد قطب يبدأ حياته قاصآ وكاتبآ وشاعرآ رومانسيآ مقبلآ على الحياة، وسماها في ما بعد بـــــــــ[سنوات الضياع والجاهلية] وفي الاربعينيات من عمره بدأ الإهتمام بالكتابات الدينية والإتجاه نحو الكتابات الإسلامية، وإنضم إلى حركة الأخوان المسلمين في العام 1953 م، أيّ وهو في السابعة والأربعين، وأما وهو في أواخر الخمسينيات من عمره فقد صار أرهابيآ تكفيريآ كامل الدسم، وتجلى ذلك في أخر مؤلفاته {معالم في الطريق} بالإضافة إلى تزّعمه المجموعة الإخوانية، التي تدججت بالإسلحة والمتفجرات، ومارست التدريبات في منتصف الستينات، الأمر الذي إنتهى به في العام 1965م إلى المحكمة ثم المقصلة.....ولو لا كتاب [التاريخ السري لجماعة الأخوان المسلمين: مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص].وإعترافات سيد قطب نفسه في الكتيب الذي كتبه في السجن وسربه قبل إعدامه وعنوانه:{لماذا أعدموني} لظننا ان المسألة كلها من تلفيقات الديكتاتور جمال عبد الناصر، للتخلص من مجموعة أخرى من شركائه الأخوان المسلمين، الذين صنعوا معه يدآ بيد إنقلاب سنة 1952 وأعانوه في إبعاد محمد نجيب، ثم فرّقهم عنه الصراع على السلطة والغنائم...يعترف سيد قطب في كتيب [لماذا أعدموني] ويقول ما معناه تحت عنوان فرعي "البحث عن السلاح والمال" انه ابلغ مجموعة الخمسة القيادية التي كان يرأسها، بأن الدعوة ستكون سلمية لإعادة تربية الناس تربية إسلامية صحيحة وإفهامهم معنى الإسلام ومدلول العقيدة ، وإنه في نفس الوقت لابد من الاستعداد بالسلاح والتدريب، ليس لإستلام السلطة، ولكن لرد أي إعتداء على الاخوان المسلمين بإعتقالهم وإرسالهم للسجون لتعذيبهم وتشريد أسرهم، حتى لا يتكرر ما حدث للأخوان سنة 1954 كما قال...ويمضي سيد قطب ليقول إنه في إجتماع تال، جاءته مجموعة الخمسة بقائمة الاشخاص والاشياء التي سوف يتم استهدافها في حالة الإعتداء على الأخوان:( ووفقآ لهذا جاءوا في اللقاء التالي ومع أحمد عبد المجيد قائمة بإقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة الأخوان في حالة ما إذا وقع الاعتداء) و(وهذه الأعمال هي الرد فور وقوع إعتقالات لإعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الأخوان فيها ...وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري) أ.هــ....وهناك إشارة في هذا الكتيب إلى وصول الأسلحة عن طريق السودان بتمويل الأخوان الذين يقيمون في دولة عربية لم يذكر إسمها... وذكر علي عشماوي في مذكراته (التاريخ السري لجماعة الأخوان المسلمين) كيف أنه أشرف على صنع متفجرات بجهود محلية عن طريق متخصصين في علوم الكيمياء...ويلاحظ ان سيد قطب يحاول تبرئة الاخوان من حادثة المنشية في سنة 1954، وهي محاولة إغتيال جمال عبد الناصر، ويذهب إلى أنها كانت مؤامرة لإفساد العلاقة الطيبة بين جمال والاخوان المسلمين...وقد نسي سيد قطب أن يخبرنا من كان يمكنه أن يصدق كلامه ذاك بأن الأسلحة والمتفجرات، كانت للدفاع عن النفس ورد الإعتداء...فجمال عبد الناصر ومعه نصف اعضاء تنظيم الضباط الأحرار كانوا أعضاء في تنظيم الأخوان المسلمين، بل أن التنظيم نفسه كان اسمه (تنظيم الضباط الأخوان) وغيّره عبد الناصر فيما بعد إلى (تنظيم الضباط الأحرار) ولا شك انهم كانوا يعرفون جيدآ {التنظيم الخاص السري} الذي شكله حسن البنا للإغتيالات والإستعداد للإنقضاض على السلطة حين يحين الوقت ....ويعرفون دوره في إغتيال القاضي الخازندار في مارس (آذار) 1948 ورئيس الوزراء الاسبق النقراشي باشا في ديسمبر (كانون الأول) 1948 م...إن سيد قطب قد خطا سريعآ في شيخوخته نحو الإنتحار، بأفكاره التكفيرية وتأكيده للنهج الإرهابي بالتسليح والتدريب وقوائم الإغتيالات، وهو يرقد في قبره الآن دون أن يعلم أن أفكاره تلك، خلقت أجيالآ من الإرهابيين الإنتحاريين، ليس في مصر وحدها، بل وعلى إمتداد العالم الإسلامي، وهم من يروّعون العالم اليوم بالإغتيالات والتفجيرات وسفك دماء الأبرياء، بينما هم يرددون النشيد الذي ألفه:
أخي إنني اليوم صلب المراس أدُك صخور الجبال الرواس
غدا سأشيح بفأس الخلاص رؤوس الأفاعي إلى أن تبيد

النكوص

في العام 2012 احتج ورثة سيد قطب على قيام "مركز الأهرام للترجمة والنشر" التابع لــ"مؤسسة الأهرام" بنشر أعماله الشعرية الكاملة بدون إذنهم...وقال محمد قطب عن الأسرة أن أخاه سيد قد أوصى قبل إعدامه ، بعدم نشر أعماله الشعرية مرة أخرى، وخاصة ديوان (الشاطئ المهجور) الذي صدر في العام 1935م...أليس يستدعي الإستغراب أن يتنكر للمرحلة، التي كان يتطلع فيها إلى الحب والنور والجمال، ويستعصم بالمرحلة الإنتحارية الظلامية، بأفكارها التكفيرية وأشباحها الساهرة على مخازن الأسلحة والمتفجرات، التي ساقته الى المشنقة...ولعل هذا من تداعيات النكوص، والهروب إلى عالم لا وجود له إلا في مخيلته....نكوص قد يكون سسببه الصدمات المتتالية، التي هشمته...صدمات عاطفية جعلت حياته بلا طعم ولا لون ولا رائحة...وصدمة حضارية أشعرته بالعجز وجعلته معاديآ لحضارة القرن العشرين ومنجزاتها وثقافتها

من هو سيد قطب

وقبل ان نتقصى أمر تلك الصدمات،دعونا نقف قليلآ عند بطاقته الشخصية، التي قد تعطي اضاءات وتساعد على إدراك العوامل المساهمة في نكوصة وتحولاته الدراماتيكية بنهايتها المأساوية...ولد سيد قطب ونشأ في قرية (موشا) بمحافظة أسيوط...كان قصير القامة نحيلآ ضئيل الجسم، أسمر اللون، دون حظ في الوسامة، مسكونآ منذ طفولته بعدد من الأمراض، صاحبه بعضها حتى إكتمال أيامه في هذه الدنيا كمرض الرئة.....كتب الداعية الإسلامي الهندي المعروف أبو الحسن الندوي:[ومن الطريف أني كنت قد رسمت في مخيلتي صورة سيد قطب الخيالية شأني مع كثير من المؤلفين، الذين أعنى بهم، ولست أدري هل يفعل هذا غيري؟ كنت أتخيله أديبآ في العقد الرابع من عمره فارع القامة عريض ما بين المنكبين قوي البنية، فإذا هو إلى القصر أقرب يظهر في العقد الثالث، تخرج في دار العلوم ولا يظهر بادئ ذي بدء أنه صاحب هذا الأسلوب القوي في الموضوعات الدينية] أ.هــ. .....تعود أصول أسرته إلى الهند، التي هاجر منها أحد أجداده واستقر في تلك القرية الصعيدية جنوب القاهرة...هذا ما قاله للداعية الإسلامي الهندي ابو الحسن الندوي، الذي قام بجولة شرق أوسطية في العام 1951م وزار خلالها مصر والتقي فيها بعدد من الشخصيات السياسية والإجتماعية والثقافية، وفي ذلك ألف كتابآ عنوانه:{ذكريات سائح في المشرق العربي} ..وأشار فيه إلى أنه زار سيد قطب مرتين، في المرأة الأولى زاره في بيته بحلوان بتاريخ 24 يناير (كانون الثاني) 1951 م، وفي المرة الثانية بتاريخ الأول من أبريل (نيسان) 1951 م، ولم يذكر مكان الزيارة تحديدآ...وفي هذه الزيارة سأل سيد قطب:[أليست عندكم فكرة في زيارة الهند والباكستان؟] فأجاب:{بلى، وعندي باعثان إلى هذه الزيارة، الباعث الديني والباعث الطبعي، أما الباعث الديني فواضح فإني أريد أن أزور هذه الأمة الإسلامية العظيمة، وأما الباعث الطبعي فلأن جدنا السادس كان هنديآ، وهو الفقير عبيد الله ولا تزال السحنة الهندية موروثة في أسرتنا.} أ. هــ....وبالفعل فإن سيد قطب فيه السحنة الهندية لا تخطئها العين...ترى أفي ذلك سبب إنجذابه الشديد إلى أستاذه الهندي الباكستاني الإسلامي الأصولي أبو الأعلى المودودي والداعية الإسلامي الهندي أبي الحسن الندوي؟....والجدير بالذكر أن مؤلف كتاب:[سيد قطب من الميلاد إلى الإستشهاد] يشير إلى أن إسم جده (عبد الله) وليس (عبيد الله) كما ورد تصحيفآ في كتاب أبي الحسن الندوي، قائلآ أن محمد قطب شقيق سيد قطب.قد أخبره بذلك حين إلتقاه في السعودية.
هناك مشهدان يعطيان المزيد من الإضاءات والإجابات عمن هو سيد قطب...في كتابه:[التاريخ السري لجماعة الأخوان المسلمين: مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص] يقول عشماوي ان مسألة الأسلحة المقترح جلبها عن طريق السودان كانت سرآ بينه وبين سيد قطب، الذي طلب منه ان يكون محصورآ بينهما دون بقية الأربعة في القيادة الخماسية، وحين إستلم رسالة من الخارج بجاهزية الأسلحة للشحن ذهب إلى سيد قطب، الذي زوده بالتعليمات عن كيفية نقلها وتخزينها، والإجتماع ببقية الأعضاء لإخبارهم بأمر الأسلحة والإستنارة بآرائهم ...ويضيف عشماوي انه عندما علم عبد الفتاح اسماعيل بأمر الأسلحة غضب غضبآ شديدآ لتجاوزه، بإعتباره مسؤول العلاقات الخارجية وقال ما كان لكما التصرف منفردين لانها مسألة تخص الجميع.... وذهب عبد الفتاح إلى سيد قطب محتجآ ثائرآ، وعاد ليقول له - أيّ لعشماوي – أن سيد أكد أنه لم يعط أية تعليمات أوتوجيهات في مسألة الأسلحة.....يقول علي عشماوي:{ وهنا أحسست بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة، فقد كان الأستاذ سيد قطب بالنسبة لي المثل الكبير والقائد والمفكر والفيلسوف. وكنت متأثرآ به إلى حد كبير، ولكنه بعد أن أنكر ما قاله لي أمام ثورة الشيخ عبد الفتاح اسماعيل سقط من نظري}....ويمضي عشماوي ويقول إنه ذهب لسيد قطب وواجهه بما قاله لعبد الفتاح إسماعيل، فكان رد سيد له بإنه فهم الموضوع بصورة خاطئة، وإنه لا يجوز الإنفراد بالقرار وينبغى التشاور مع الإخوة في القيادة...وهنا يقول العشماوي إنه قد تأكد له أن سيد قطب ينكر ما كان قد قاله له بإن يبقى أمر السلاح سرآ بينهما دون بقية اللجنة.....ويمضي عشماوي ليقول:[إنكسرت في نفسي أمور كثيرة لا يمكن أن تجبر، بعد ذلك ومع تسارع هذا الإحساس داخلي اجهشت بالبكاء أمامه وأمام من كان معي من الأخوة، ولكن الأستاذ سيد قطب أحس أن موقفه في غاية الحرج. وجاء وقت صلاة الجمعة، فقلت له دعنا نقم ونصلي، وكانت المفاجأة أن علمت –ولإول مرة- انه لا يصلي الجمعة، وقال أنه –فقهيآ- أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وإنه لا جمعة إلا بخلافة، وكان هذا الرأي غريبآ عليّ ولكن قبلته لأنه –فيما أحسب – أعلم مني....وأصر على أن نتناول طعام الغداء معه، وظل طوال فترة الغداء على غير عادته، يحاول أن يقول بعض الدعابات والنكات، وأن يجعل الجلسة أخف ظلآ مما حدث بيني وبينه، ولكني كنت متجهمآ ولم أستجب لمثل تلك المحاولات..] أ هــ....قبل أن نغادر هذه النقطة، يتعين أن نشير إلى أن كاتب هذه الذكريات عشماوي قد إنهار تحت تعذيب زبانية عبد الناصر وقدم إعترافات كاملة ودلهم على مخبأ السلاح والمتفجرات، الأمر الذي حدا بالأخوان إتهامه بالخيانة والنفاق وبإنه كان مدسوسآ كما يقول في ذكرياته...ويتهمه مؤلف كتاب (سيد قطب من الميلاد إلى الإستشهاد) بأنه ربما كان مدسوسآ من جهاز الأمن لتوريط الأخوان بجلب السلاح...وهذا كلام لا يدخل العقل لأن سيد قطب قد إعترف في كتابه (لماذا أعدموني) بإنه أمر بالتدريب والتسلّح والإستعداد للدفاع عن النفس في حال إعتداء السلطة على الأخوان...كما أن الاستخفاف بمسألة إنهيار صاحب المذكرات تحت تعذيب جلاوزة عبد الناصر فيه الكثير من الغلظة والترصد وإنعدام الفطرة السليمة، فعمّار بن ياسر قد إنهار تحت تعذيب القرشيين وشتم زعيمه محمد لانهم طفقوا يعذبونه قائلين: لن ندعك اليوم إن لم تسبه.
نأتي للمشهد الثاني في إطار سؤالنا عمن هو سيد قطب ...ويعطينا هذا المشهد االفرصة، في أن نلمس الحالة الذهنية لسيد قطب.......في جميع مؤلفاته الإسلامية، نجد سيد قطب ليس فقط مؤمنآ بنظرية المؤامرة، بل ومهووسآ بها بصورة مرضية، إذ كان على عقيدة راسخة بأن هناك مؤامرة صهيونية إستعمارية لتدمير الإسلام وخاصة حركة الأخوان المسلمين...ونظرية المؤامرة تشي إلى الإفتقار للتفكير المنطقي والقدرة على الحكم على الأشياء بموضوعية ووضعها وترتيبها في أحجامها الطبيعية.
في كتابه (التاريخ السري لجماعة الأخوان المسلمين : مذكرات علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص) يقول عشماوي أن سيد قطب وهو يبين لهم في أحد الإجتماعات منهاج العمل الدعوي الجديد لإنتشال المجتمع من جاهليته، قال: أن عبد الناصر عميل للصهيونية وتم تجنيده لصالح اليهود أثناء حصار الفالوجا. وكان إيجال آلون ضابط الإتصال بينه وبين اليهود...وأن اليهود في اوربا إعتنقوا المسيحية ظاهريآ وتغلغلوا في الكنائس حتى وصلوا الى الفاتيكان وسيطروا عليه...ويسيطر اليهود كذلك على المعسكر الإشتراكي، فالذين قاموا بالثورة في روسيا إما يهود وإما متزوجون من يهوديات...وأن اليهود لتدمير الإسلام في مصر أدخلوا فكرة تحرير المرأة وتشجيع سفورها...واليهود هم من جلبوا الممثلين والممثلات الموارنة اللبنانيين لمصر لنشر الإباحية والإنحلال وهدم قواعد الإسلام...وأن الثورة في مصر قامت على أساس النظرية التي وضعها مستشار الأمن القومي الأمريكي والت روستو بقيام نظم عسكرية في الدول النامية تتبنى الاشتراكية لتشويهها وكذلك لتشويه الإسلام...وأن عبد الناصر يحارب الإسلام تحت واجه من الشعارات الإسلامية....وعن نفسه يقول سيد قطب أن كتابه [العدالة الإجتماعية في الإسلام] طبع في القاهرة، في الوقت الذي كان هو فيه يقيم في أمريكا، وأن الأمريكان تحصلوا على نسخة منه، قبل أن تصله نسخته...وأن الأمريكان عرضوا عليه أن يشترك معهم في دار للنشر...وعرضوا عليه آلآف الدولارات ليشتغل لحسابهم إلا أنه رفض...أليس كل هذا دليل على أن سيد قطب كان يؤمن بالمستحيلات الثلاثة الغول والعنقاء والخل الوفي...هل يمكن الثقة في أحكام رجل هذا اسلوبه في التفكير ومنطقه في الحكم على الأمور؟...ولعل من المفارقة، أن القرآن يقول عن اليهود عكس ما يقوله سيد قطب، إذ جاء في سورة "الحشر"{لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون ( 13 ) لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( 14 ) ) } ..فالقرآن يصفهم بأنهم لا يفقهون ولا يعقلون وتحسبهم متآلفين يدآ واحدة ولكنهم، على خلاف ذلك، متفرقون يحارب بعضهم بعضا ... فمن الواضح ان سيد قطب يخبط في عمياء متأثرآ على ما يبدو بخرافات كتاب (بروتكولات حكماء صهيون)...فمتى يا ترى عرف سيد قطب أن عبد الناصر جنده اليهود اثناء حصار الفالوجا...أبعد أن ساهم الأخوان في صناعة إنقلاب يوليو المشؤوم أم قبل ذلك؟...وكيف كان سيد قطب من أقرب المقربين لهذا العميل الصهيوني عبد الناصرمنذ قيام الإنقلاب إلى أن اختلف معه في العام 1954 وتم إعتقاله...ومن المثير للسخرية أن سيد قطب بعد كل هذه الفزلكة، التي ما أنزل إله محمد بها من سلطان، عن المؤامرة الصهيونية لتدمير الإسلام، وتجنيد عبد الناصر عميلآ لليهود أثناء حصار الفالوجا، لم يتورع من أن يقول في كتيب {لماذا أعدموني} الذي كتبه في السجن الحربي قبل إعدامه بنحو سبعة أشهر، أن محاولة إغتيال عبد الناصر بالمنشية في سنة 1954م، هي مؤامرة دبرتها جهة ما لضرب العلاقة بين عبد الناصر والأخوان وتأليبه عليهم......فما دخل اليهود إذا كان عبد الناصر قد خدع الجميع وضرب بعضهم ببعض وغدر بالجميع، بمحمد نجيب وبرفاقه من يسمون بالضباط الأحرار وبالأخوان المسلمين ومنهم سيد قطب، وإنفرد بالسلطة والسلطان وأرسلهم إلى السجون والمشانق والإقامة الجبرية، فالقانون لا يحمي المغفلين.

الهزيمة العاطفية

لعل من أولى الصدمات التي أصابت سيد قطب، فشله المزمن في إقامة علاقات عاطفية ناجحة مع الجنس الآخر، تفضي إلى الإقتران بشريكة حياة تملأ له حياته، الأمر الذي أوقعه في فراغ عاطفي، جعله على ما يبدو يكره المجتمع، ويؤثر العزلة ويجد السلوى في الأفكار والتنظيمات المتطرفة المسلحة، التي لاذ بها وهو شيخ في عقده الخامس، لينتهي به الأمر إلى حبل المشنقة، دون أن يكمل ((نصف دينه)) وهو في التاسعة والخمسين.
كانت تجربته الأولى الفاشلة مع فتاة في مدرسة القرية ، له بها صلة مصاهرة بعيدة، وقد أتى على ذكرها في مؤلفه [طفل القرية] الذي هو ذكريات كتبها على منوال كتاب {الأيام} للدكتور طه حسين، الذي خصه بالإهداء قائلآ:(إنها أيام كأيامك)....فقد أحبها وكان في بداية مرحلة المراهقة، وبدا له أنها تحبه، كما بدا له أيضآ أن طالبات المدرسة معجبات به، لأنه كان يتصدى للطلاب الذين يتحرشون بهن بعد نهاية الدوام المدرسي كبطل حام للديار والذمار...وحدث أن تلك الفتاة التي كانت تشغل باله، قد أخذت تتردد برفقة صويحباتها على بيته لزيارة أخته الصغيرة، فظن أنها تتظاهر بزيارة أخته، بينما هو المقصود في حقيقة الأمر...هكذا جزم بالرغم من أنهما لم يتبادلا الحديث أصلآ....وهو في هذه الأجواء، حان موعد إلتحاقه بمدرسة المعلمين الأولية في القاهرة، فسافر إليها، و عاد إلى القرية بعد ثلاثة أعوام، ولم يجد فتاته وعلم أنها تزوجت وانتقلت مع زوجها إلى قرية نائية، فحزن وأغرورقت عيناه بالدموع و[ورأى نفسه في حاجةلأن ينسحب من الجميع] كما يقول.
وفي مؤلفه [أشواك] الذي يروي فيه وقائع خطبته وعلاقته بفتاة من حي "الروضة" في القاهرة، سنكتشف ونحن نطالع النص المطعّم بعناصر القصة والتشويق، أننا أمام شخصية سيكوباتية تتلذ بتعذيب ضحيتها، دون أدنى شعور بالذتب...ففي ليلة الخطبة طفرت الدموع من عينيها، فسألها عن السبب وألح في السؤال، فأخبرته أن شابآ كان قد تقدم إليها وأن أهلها قد رفضوه...وهنا جن جنونه وأصر على أن يعرف عنوانه واسمه، ليذهب إليه مدعيآ أنه سوف يعرض عليه الإنسحاب، إذا كانت الرغبة ما تزال متوفرة لديه للزواج منها، بل ووعدها بإنه سيقوم يإقناع أهلها بقبول ذلك الشاب...ذهب الى الشاب الذي وصفه بـــ((المائع)) وهو ضابط اسمه الرمزي في المؤلف "ضياء" واستدعاه الى المقهى...قال ضياء أنه ما يزال يريدها ولكن أهلها يرفضون، وكذلك أهله الذين هددوه بمقاطعته اذا تزوجها...وأضاف ضياء أنه غضب وقاطع أهله ومكث اسابيع في المعسكر دون أن يزور اهله، حتى جاءته فتاته الطيبة كما وصفها لتقنعه بأن يواصل أهله ويعود إليهم.
وإزداد جنون سيد قطب وعاد لخطيبته ليحاسبها على ذهابها إليه في المعسكر، لتقنعه بمواصلة أهله، وتناسى وعده لها بإنه سوف ينسحب اذا كان ضياء ما يزال يريد الزواج منها، وبأنه سيقوم بإقناع أهلها بقبوله زوجآ لها...ويلاحظ في سياق السرد أنه لم يقم بأدنى محاولة لإقناع أهلها بقبول ضياء زوجآ لها كما وعد، الأمر الذي يؤكد شخصيته المراوغة، ويؤكد من جهة أخرى صدقية ما رواه علي عشماوي في مذكراته {التاريخ السري لجماعة الأخوان المسلمين} بأن سيد قطب الذي كان يمثل له رمزآ كبيرآ قد سقط من عينيه، عندما أنكر لمسؤول العلاقات الخارجية عبد الفتاح اسماعيل، بأنه (أيّ سيد قطب) هو الذي أمره بجلب السلاح وتخزينه وان يكون الأمر سرآ بينهما، هما الأثنان فقط...فالشخصية المراوغة هي الشخصية المراوغة مع الخطيبة أو أعضاء التنظيم على حد سواء.
فسيد قطب لم يتخل فقط عن وعده لخطيبته بأنه سوف ينسحب وسيعمل على إقناع أهلها بقبول ضياء زوجآ لها، بل وعلى العكس حوّل حياتها إلى جحيم، بإنتهاز كل فرصة سانحة ليغمز من قناة العلاقة بينها وبين ضياء ويذكّرها به وكأنها إرتكبت جرمآ عظيمآ، بطريقة تفتقر إلى النبل والشهامة، عوضآ عن أن ينسحب بهدوء دون أن يجرح حياءها، فضجت وضجرت وأرجعت له خاتم الخطوبة وودعته ببرود وودعت مهاوسه وشكوكه وسلوكه السيكوباتي....وقد نعى سيد قطب خطبته الفاشلة لتلك الفتاة في "الإهداء" في كتابه (أشواك) بقوله:[إلى التي سارت معي في الأشواك، فدميت ودميت وشقيت وشقيت، ثم سارت في طريق وسرت في طريق...جريحين بعد المعركة لا نفسها إلى قرار ولا نفسي إلى إستقرار] ويصف حاله بعد فشله في أن يقود سفينة الخطوبة إلى مرساها الطبيعية{مرت عليه هذه الأيام وهو في حالة نفسية غريبة، ليست عقلآ ولا جنونآ، وليست صحوآ ولا ذهولآ. كان يحس بالدهشة تخالجه كلما رأى شيئآ من مظاهر الحياة، التي كان يراها قبل الكارثة! وكان قد إحتجب أيامآ في داره من الإعياء، واستغرق في نفسه وأغلق عليه منافذها، فلما خرج إلى الطريق أدهشه أن يجدها كما كانت]....... وهجست الخواطر في نفسه تنبئه بعدم صلاحه لإقامة حياة زوجية، حيث يقول :{تراه أخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة. أم تراه أخطأ الطريق من أوله فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟}
لم يسكب سيد قطب أحزان معاناته وفشله وخيبة أمله في الحب والزواج في مؤلفه (أشواك) وحسب، بل وبثها كذلك في قصائد كتبها، ففي بكائية تحمل عنوان [الكأس المسمومة] يقول:
أنسى الدموع التي أرسلتها غدقآ [] ولست لولا هواك المر بالباكي
وكبريائي التي ما كنت أخفضها [] من قبل او بعد في دنياي لولاك
أنسى وأذكر أحلامي وأخيلتي [] كأنهن نجوم بين أحلاك
وكلهن نسيج الوهم في خلدي [] ولسن غير أحابيل وأشواك
وبالرغم من تعاقب الفشل على سيد قطب، وتعبيره عن خيبة أمله في حياة زوجية تجمعه مع من يحب في نثره وشعره، فإنه جرب حظه العاثر ثلاث مرات أخرى دون جدوى، فطبقآ لكتاب {الشهيد سيد قطب من الميلاد إلى الإستشهاد} للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي، فإنه بعد عودته من أمريكا قرر البحث عمن تصلح له شريكة للحياة، ولم يوفق في مسعاه ...وكانت المحاولة الرابعة للزواج في العام 1954 م، قبيل أحداث محاولة إغتيال عبد الناصر في المنشية، التي على اثرها حكم عليه بالسجن خمسة عشر عامآ، ولكنها إنتهت أيضآ بعدم التوفيق...وبعد عشر سنوات من هذه المحاولة الفاشلة، أيّ في العام 1964 بعد إطلاق سراحه لحالته الصحية، وهو على أعتاب الستين [كان أول ما فكر به بعد مغادرة السجن، الشروع في الزواج، وبحث ووجد بغيته عند إحدى النساء الصالحات، وأوشك أن يعلن خطبتها، ولكن الطغاة لم يمهلوه، إذ سرعان ما زجوا به في السجن، عام 1965 م، ليلقى وجه الله شهيدآ عام 1966 م] كما يقول صاحب الكتاب المذكور آنفآ، والذي أشار إلى أن محمدآ شقيق سيد قطب هو من روى له ذلك....والطريف أنه يتمنى له أن {يذهب إلى جنة الخلد لينال نصيبه من الحور العين}...فهل هناك شئ غير الحور العين دفعه، إلى طريق التكفير والإنتحار، بعد أن فشل فشلآ ذريعآ في أن يجد حظه من حور الدنيا.

حقيبة الكراهية والحقد والتعصب

إذا كانت هزيمة سيد قطب الأولى،هي في الحياة العاطفية، ليغادر الدنيا دون أن يكمل ((نصف دينه)) أملآ في أن يجد مبتغاه في ((الحور العين)) فإن
هزيمته النفسية الثانية كانت في الولايات المتحدة الأمريكية، أمام مشهد التقدم الصناعي والعلمي والتكنولوجي الهائل، الذي تمثل أمريكا ذروته بلا منازع....فعاد من هناك إلى بلده مصر حاملآ حقيبة ثقافة الكراهية، معاديآ بالجملة للحضارة الغربية، وحاقدآ حقدآ عنصريآ مقيتآ على الأنسان الأبيض...والكراهية هي الثقافة المسمومة التي بثها في كتابات مختلفة، ومنها كتاب {معالم في الطريق} المتضمن لخلاصة فكر الإنعزال والإرهاب والإستعلاء الأجوف، كرد فعل للصدمة الحضارية التي عصفت به.....في مقالته [أمريكا التي رأيت] يقول سيد قطب::
[أمريكا …
تلك المساحات الشاسعة من الأرض بين الأطلنطى والباسيفيكى .
تلك الموارد التى لا تنضب من المواد والخامات ، ومن القوى والرجال .
تلك المصانع الضخمة التى لم تعرف لها الحضارة نظيرًا.
ذلك النتاج الهائل الذى يعيا به العد والإحصاء .
تلك المعاهد والمعامل والمتاحف المبثوثة فى كل مكان .
عبقرية الإدارة والتنظيم التى تثير العجب والإعجاب .
وذلك الرخاء السابغ كأحلام الجنة الموعودة .
ذلك الجمال الساحر فى الطبيعة والوجود والأجسام .
تلك اللذائذ الحرة الطلقة من كل قيد أو عرف .
تلك الأحلام المجسمة فى حيز من الزمان والمكان.
وعوضآ عن أن يدفعه ما رأى وما شهد إلى إعمال العقل، والتفكير والبحث عن سبل إخراج المجتمعات الإسلامية من واقعها القرون وسطي المزري، غطس هو في فكر القرون الوسطى، وإرتد إلى وحشيتها وبدائيتها...فبعد عودته من أمريكا كتب في مجلة (الرسالة) الأسبوعية، العدد "1009" الصادر بتاريخ الأثنين الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) 1952 م، مقالآ بعنوان [عدونا الأول:ألرجل الأبيض] جاء فيه :{ في أمريكا يتحدثون عن (الرجل الأبيض) كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إله. ويتحدثون عن (الملونين) من أمثالنا المصريين والعرب عامة كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إنسان! فالذين يعتقدون أن الأمريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الاستعمار الأوربي هم قوم إما مغفلون أو مخادعون، يشتغلون طابوراً خامساً للاستعمار الأمريكي المنتظر لبلاد الشرق الأوسط! إن مصالح الاستعمار الأمريكي قد تختلف أحياناً مع مصالح الاستعمار الأوربي. ولكن هذا ليس معناه أن يكون في صف استقلالنا وحريتنا. إنما معناه أن يحاولوا زحزحة أقدام الأوربيين ليضعوا هم أقدامهم فوق رقابنا. وفي الغالب هم يجدون حلا لخلافاتهم مع الاستعمار الأوربي على حسابنا. إن الرجل الأبيض هو عدونا الأول. سواء كان في أوربا أو كان في أمريكا. . وهذا ما يجب أن نحسب حسابه. ونجعله حجر الزاوية في سياستنا الخارجية، وفي تربيتنا القومية كذلك. إن أبنائنا في المدارس يجب أن تربى مشاعرهم وتفتح أذهانهم على مظالم الرجل الأبيض وحقارة الرجل الأبيض. ويجب أن تكون أهداف التربية عندنا هي التخلص من نفوذ الرجل الأبيض وحقارة الرجل الأبيض. وجشع الرجل الأبيض. ويجب أن تكون أهداف التربية عندنا هي التخلص من نفوذ الرجل الأبيض. لا سياسيآ فحسب، ولا اقتصادياً فحسب، ولكن اجتماعياً وشعورياً وفكرياً كذلك. ولكن الذي نفعله هو عكس هذا على خط مستقيم. . عندنا في وزارة المعارف عبيد للرجل الأبيض. عبيد يعبدون هذا الرجل كعبادة الله. بل إنهم ليلحدون في الله ولا يلحدون في أوربا أو أمريكا. سراً وعلانية!} أ. هـــ.....أيّ حقد أسود عصف بهذا الرجل وإمتلك جوانحه، وكيف إمتلأ إلى ذلك الحد بالكراهية للغير...هل يجوز أن تكره جنسآ كاملآ بإسم كراهية الإستعمار؟...وهل كانت ظاهرة الإستعمار وقفآ للبيض؟ألم يكن العرب المسلمون غزاة مستعمرين؟...وكيف نفسر حقيقة أن شعوبأ من الجنس الأبيض، كانت واقعة تحت الإحتلال من قبل دول اوربية بيضاء، فبريطانيا كانت تستعمر ايرلندا وروسيا القيصرية كانت تحتل فنلندا وبولندا واوكرانيا وبيلوروسيا، وفي العهد السوفيتي كانت روسيا تستعمر نصف اوربا (ما عرف بالمعسكر الإشتراكي) وراء واجهات من الأحزاب الشيوعية والعمالية تحت حماية الدبابات الروسية...وأين هذا السيد قطب من نلسون مانديلا، الذي قضى أكثر من ربع قرن في سجون العنصريين البيض، ثم خرج مبرأ من الحقد ونادى بالتسامح، ودعا كل من له مظلمة إلى الإحتكام إلى {لجنة الحقيقة والمصالحة} التي شكلها....وهناك مفارقة وهي أنه في كتابه (معالم في الطريق) وكتابات أخرى، يردد مفاخرآ أن الإسلام جمع بين صهيب الرومي وسليمان الفارسي وبلال الحبشي.
ولما كانت الكراهية عمياء، كان من الطبيعي أن لا تقتصر كراهية سيد قطب للجنس الأبيض، الذي يصفه بالحقير، فقد إمتدت نيرانها لتشمل العالم كله، بما فيه المجتمعات الإسلامية، إذ دمغها كلها بالكفر والجاهلية لإنها لا تخلص العبودية لله ولا تحكم بشرعه؛ ودعا العصبة المؤمنة بفكرته هذه إلى إعتزال تلك المجتمعات والجهاد ضدها....وهذا إبتداع قطبي خالص، فمحمد في قرآنه دعا إلى كراهية غير المسلمين من يهود ونصارى وأمر بقتالهم والقعود لهم كل مرصد؛ وفقهاء المسلمين منذ القديم قسّموا العالم، إلى دار الإسلام ودار الحرب ...فدار الحرب هي كل بلد حكومتها من الكفّار؛ ودار الإسلام هي كل بلد تجري فيها أحكام الإسلام، وتكون فيها المنعة للمسلمين؛ ولكن سيد قطب يفتي في كتابه (معالم في الطريق) بأن كل المجتمعات الإسلامية بحكامها ومحكوميها في حكم الكفّار ويعيشون في جاهلية، ولذا على الجماعة المؤمنة بفكرته، وهي بالطبع حركة الأخوان المسلمين، هجرة تلك المجتمعات وإعتزالها إستعدادآ للجهاد ضدها ...وهذا يعني أن سيد قطب لم يعد يعترف بتقسيم الفقهاء للعالم إلى دار الإسلام ودار الحرب؛ فلديه كل العالم هو دار حرب، والأخوان المسلمون تقع على عواتقهم مهمة الجهاد ضد كل المجتمعات الجاهلية الكافرة وكذلك ضد المجتمعات التي ترفع فيها شعائر الإسلام، لانها كما يقول مجتمعات جاهلية في حكم الكفر بالرغم من تلك الشعائر، إذ لا تخلص العبودية لله ولا تحكم بشرعه ....وهنا يتعارض سيد قطب مع نبيه محمد نفسه، الذي قال لأبي ذر الغفاري في الحديث الصحيح المعروف: من قال لا إله إلا الله ومحمد رسول الله يدخل الجنة، وإن سرق وإن زنى رغم أنف أبي ذر....وأكثر من ذلك، فقد أباح محمد للمسلمين الكذب والنفاق في إطار التقية لإتقاء الشرور..وأباح لهم إغتصاب الإماء...وأحل لهم دماء غير المسلمين وأموالهم ونساءهم، فعن أية [عبودية خالصة لله] يتحدث سيد قطب.
وفي محاولة لتعويض شعوره بالهزيمة ,والإنسحاق أمام مشهد التقدم الصناعي والعلمي والتكنلوجي الغربي الهائل، يقوم سيد قطب بــــ (شقلبة) معنى الحضارة ومفهومها في كتابه "معالم في الطريق"، زاعمآ أن المجتمعات الغربية ، مع كل تقدمها العلمي والصناعي تعتبر مجتمعات متخلفة، لأنها بعيدة عن القيم الإسلامية...وأن المجتمعات الملتزمة بالقيم الإسلامية هي المجتمعات المتحضرة، وإن افتقرت للتقدم المادي....وكم تتشابه الأيدولوجيات في عقدة النقص.....ففي أدبيات الاتحاد السوفيتي الهالك، كانوا يطلقون على الغرب صفة الــ{ديكي زابد} وتعني حرفيآ [الغرب المتوحش] ويزعمون أن المجتمع السوفيتي، الذي كان متخلفآ عن الغرب صناعيآ وتكنلوجيآ، هو المتقدم والمتحضر والانساني الحقيقي...وذلك رغم مجازر ستالين بقتل الآلأف، بالإضافة إلى إنشائه معسكرات العمل بالسخرة المعروفة بمعسكرات قولاق، التي صور الروائي الروسي الكبير سولجنستين واقعها الفظ في روايته الشهيرة (أرخبيل قولاق)

معالم في طريق الجاهلية

سكب سيد قطب في كتابه{معالم في الطريق} خلاصة أفكاره التكفيرية للمجتمعات الإسلامية، وعبر فيه عن كراهيته وبغضه للإنسانية وللحضارة المعاصرة بكل تفاصيلها، وكشف عن نزعته التدميرية الجهادية، فكان من الطبيعي أن يصبح (ملهمآ) لأعداء الحياة والحب والجمال ، الذين يسفكون الدماء ويفسدون في الأرض ويروّعون الأبرياء في مشارق الأرض ومغاربها، لانهم مهزمون نفسيآ وحضاريآ وفاشلون ويائسون ومكتئبون، مثل معلمهم الذي علمهم السحر...ويعتبر هذا الكتاب هو آخر كتاب كتبه سيد قطب، حيث صدرت طبعته الأولى قبل عامين من إعدامه تقريبآ، وكان النبع الذي استعذبت منه المجموعة الإرهابية التي كان يرأسها وتعد السلاح والمتفجرات وإنتهى أمرها بمحاكمات سنة 1965م، التي حققت لسيد قطب رغبته في الخلاص من الحياة، التي وجدها بلا معنى بعد فشله وتعاسته في المجال العاطفي والصدمة الحضارية التي زعزعته وملأته بالحقد والكراهية والحسد.
تعتبر الفكرة المحورية او المركزية لكتاب {معالم في الطريق} بنفس عبارات سيد قطب::||| أن العبقرية الأوربية أبدعت رصيدآ ضخمآ من "العلم" و"الثقافة" و"الأنظمة" و"الإنتاج المادي" ...فالعبقرية الأوربية قد سبقت الأمة الإسلامية في هذا المضمار سبقآ واسعآ، وليس من المنتظر -خلال عدة قرون على الأقل- التفوق المادي عليها|||....ولعل هذه النتيجة التى إنتهى إليها، تعود إلى ما شاهده في أمريكا من تقدم علمي وصناعي وتكنلوجي مذهل، وكان قد زارها في أواخر الأربعينات، غير أن سيد قطب يمضي ليجرد هذه الحضارة العظيمة من أية قيمة أخلاقية او إنسانية، حيث يقول::||| ورغم هذا، فإن قيادة الرجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال، لا لأن الحضارة الغربية قد أفلست ماديآ، أو ضعفت من ناحية القوة الإقتصادية والعسكرية، ولكن لأن النظام الغربي قد إنتهى دوره، لأنه لم يعد يملك رصيدآ من "القيم" لا يسمح له بالقيادة|||.....ترى ما هي القيم التى يريد كتاب [معالم في الطريق] فرضها على الغرب، بزعم أن الإبداع المادي وحده لا يسمى حضارة؟.... يقول سيد قطب مسميآ إياها بمقومات الحضارة وأصولها الثابتة::||| العبودية لله وحده والتجمع على آصرة العقيدة وإستعلاء إنسانية الإنسان على المادة...وسيادة القيم الإنسانية التي تنمي إنسانية الإنسان لا حيوانيته. وحرمة الأسرة. والخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه...وتحكيم منهج الله وشريعته وحدها في شؤون هذه الخلافة.|||....وفي رأي سيد قطب أن هذه القيم لم تتوفر إلا في المجتمع
الإسلامي الأول، أيّ عهد محمد ثم من يسمون بالخلفاء الراشدين، وبعد ذلك عمت الجاهلية المجتمعات الأسلامية، بما لا يختلف عن الجاهلية التي تعمه فيها المجتمعات غير الإسلامية....وليتمكن الإسلام بقيمه من قيادة العالم يستلزم الأمر، حسب سيد قطب، رد المجتمعات الإسلامية عن جاهليتها، بإعادة تربية المسلمين على منهاج النبوة.
وقبل أن نفحص هذه القيم الإسلامية المزعومة، التي يراها سيد قطب أنها مؤهلة لقيادة العالم، وتحتاجها الحضارة المادية الغربية لتكتب لها الإستمرارية والنماء، يستلزم الواجب أن نسجل على هامش المتن ملاحظات مهمة، وهي أولآ: أن سيد قطب قد تأثر كثيرآ بالأسلامي الهندي الباكستاني ابي الأعلى المودودي، وبالداعية الهندي المعروف ابي الحسن الندوي، على صعيد الأسلوب والأفكار. وكان لتأثيرهما القدح المعلى في إنتقاله من عالم الأدب والثقافة والشعر، إلى الكتابات الإسلامية ثم التطرف بالأنضمام إلى حركة الأخوان المسلمين وهو في سن الكهولة...وقد بلغ تأثّره بأفكار المودودي وأسلوبه لدرجة أن الأخير بعد أن قرأ كتاب {معالم في الطريق} قال ::((كأني أنا الذي الي كتبته)) حسبما تواتر...ثانيآ:: في كتاب " معالم في الطريق" نجد على وجه التحديد التأثير الواضح لكتاب الداعية الهندي أبي الحسن الندوي [إلى الإسلام من جديد] الذي هو مجموعة محاضرات، وصدرت الطبعة الأولى منه في العام 1951 م بالقاهرة، التي كان في زيارة لها حينذاك...يستخدم الندوي في هذا الكتاب مصطلح |الجاهلية| ليصف بها ما يسميه بالحضارة الأوربية المادية، وكذلك المجتمعات الإسلامية، التي || تجتاحها الجاهلية || تحت تأثير الحضارة الأوربية المادية كما يقول، ومن الواضح أن سيد قطب قد إستعار فكرة جاهلية المجتمعات الأوربية والإسلامية على السواء من كتاب الندوي هذا......والموضوعة المحورية لكتاب الندوي، هي أن الإسلام لم يأت لتطوير الزراعة او التجارة او الصناعة، وإلا لكان ظهر في روما او الشام او مصر او العرآق او فارس او الهند حيث الحضارات القديمة، التي كانت تزدهر فيها الزراعة والتجارة والصنائع...ولكنه ظهر وسط صحراء جرداء، حيث لا حضارة كمؤشر على أن هذه الديانة معنية بالقيم وليس بالمنافع المادية...ولذا هي مؤهلة لقيادة العالم أخلاقيآ حيث يقول الندوي في صفحة 136 من كتابه::[ولما كان المسلمون هم المسؤولون وحدهم عن صلاح العالم وفساده، ووظيفتهم الحسبة على الناس، وهم القوامون بالقسط، شهداء لله، وهم المراقبون لسير العالم، فلهم أن يجتهدوا في ذلك أكثر من كل شعب وأمة] أ. هـــ.....وهذا نفس ما يقوله تلميذه سيد قطب في كتابه {معالم في الطريق} الذي هو جملة من العبارات الطنانة والتكرار، على غرار كتابات ابي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي.

عبارات طنانة

فالقيم التي يريد سيد قطب إحياءها لإخراج المجتمعات الإسلامية من جاهليتها، ثم تصديرها إلى الغرب الجاهلي أيضآ كما يزعم، لا نجد لها في كتابه {معالم في الطريق} أية تفصيلات تشرح لنا ماهية هذه القيم، ومدى أهليتها لتحقيق أهدافه المعلنة...فقد أجملها سيد قطب في جمل إنشائية طنانة، كقوله كما أسلفنا::[[ العبودية لله وحده والتجمع على آصرة العقيدة وإستعلاء إنسانية الإنسان على المادة...وسيادة القيم الإنسانية التي تنمي إنسانية الإنسان لا حيوانيته. وحرمة الأسرة. والخلافة في الأرض على عهد الله وشرطه...وتحكيم منهج الله وشريعته وحدها في شؤون هذه الخلافة]]
دعونا نفكك هذه العبارت الفارغة الطنانة، لنرى مدى صلاحيتها لإنسانية الإنسان والمجتمعات الحديثة
في مجال الحكم والسلطة::
العبودية لله وحده| والخلافة في الأرض على عهد الله| الحاكمية لله:...هذه مصطلحات لشكل من أشكال السلطة الدينية المطلقة، فالإله الذي إخترعه إبراهيم ويعبده المسلمون، لا ينزل من مسكنه في السماء ليحكم على الأرض، ولذا يزعمون إن الخليفة مفوض من الله ويحكم بإسمه، فلا يجوز الخروج عليه مادام يحكم بشريعة الله ...[قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء] آل عمران...وهي نظرية مستنسخة من أنظمة الحكم في اوربا خلال القرون الوسطى، التي كانت تحكم بإسم "الحق الإلهي للملوك" The divine right of kings تحت رعاية الكنيسة...وكان الملوك يزعمون أنهم مفوضون من الله، الذي منحهم حقآ مقدسآ للحكم.
في مجال الحريات والمساواة بين البشر::
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}
[وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ]
{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}
يكرس الإسلام العبودية والإسترقاق بصريح العبارة... ونصوص العبودية هنا لا تقبل التأويل، بالرغم من مزاعم المسلمين وأكاذيبهم بأن الإسلام حارب العبودية.
في مجال الأسرة وإستقرارها::
[الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ]
الإسلام يعطي للرجل حق التسلط على النساء، فقط لانه رجل مفضل عند الله على النساء ولانه ينفق عليها...إذن العلاقة قائمة على مبدأ: "أنا أدفع فعليك ان تطيعيني طاعة كاملة"...فأين الإنسانية والحقوق المتساوية...وماذا لو أن المرأة هي التي تدفع، كما كانت خديجة تدفع لمحمد؟!
{ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}
وفي حالة عدم تنفيذ المرأة لأوامر الرجل وإطاعته طاعة مطلقة من حقه تأديبها بالضرب والهجر...الاسلام يعطي الرجل حقآ الهيآ مقدسآ بالضرب، فالقرآن يشجع على الجريمة.
[فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم]
تعدد النساء وما يستتبعه من صراع وخصومات بين الزوجات بسبب الغيرة وغيرها، وخصومات بين الأخوة غير الأشقاء يخلق اسرة غير مستقرة، بالإضافة إلى أنه يستحيل تمامآ ان يرعى الأب ابناءه من عدة زوجات الرعاية الكافية...وفوق ذلك كله، ينظر الإسلام للمرأة أداة للمتعة واللذة لا غير، إذ يحق للرجل أن يمتلك اربعة من الزوجات، بالإضافة الى حقه المقدس بالتسري بملك اليمين، الذي إنتهى بنهاية الخلافة العثمانية بسبب أن المسلمين غدوا ضعفاء، ولكن لو إمتلك المسلمون القوة لعادت اسواق النخاسة فورآ، مثلما رأينا إسترقاق الإسلاميين الداعشيين للمسيحيات واليزيديات في العرآق وبيعهن والتسري بهن إغتصابآ.
{ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ}
هذه من أوضح الآيات لدونية المرأة في نظر إله محمد، وأنها مجرد أداة للمتعة واللذة...ومن المثير للسخرية أن يزعم المسلمون أن الإسلام قد كرم المرأة، والقرآن يستخدم هذه اللغة السوقية لوصف ما ينبغي ان تكون عليه العلاقة الجنسية بين الرجل وزوجته.
في مجال العلاقات الإنسانية والدولية::
[قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون]
يجعل مبدأ الجهاد في الإسلام العالم كله مسرحآ للقتال والحروب لإحتلال البلدان المختلفة، وإخضاع شعوبها ونهب خيراتها تحت مسمى الجزية...وكان الجهاد أصلآ وسيلة لمحمد واتباعه الفقراء من المهاجرين والانصار والصعاليك، الذين انضموا اليه وسيلة لكسب العيش...ولم تكن هناك وسيلة أخرى، فعلى سبيل المثال، كان محمد عاطلآ لا يمتلك ولا يجيد أية مهنة أو صنعة غير رعي الأغنام، وبعد أن ماتت خديجة التي عاش على نفقتها اكثر من عشرين عامآ، جعل من السلب والنهب وسبي النساء مهنة له تحت راية الجهاد في سبيل الله.....ويتحمس سيد قطب لمبدأ الجهاد في كتابه {معالم في الطريق} ويسخر من المسلمين، الذين يقولون أن الجهاد كان محكومآ بظروف تاريخيىة معينة وإنتفى الأن وجوبه، خوفآ وخجلآ من إنتقادت المستشرقين الماكرة والخبيثة...ويقول أن الجهاد لم ينته دوره، وأن هدفه ليس إرغام الكفار على دخول الإسلام، بل القضاء على الطواغيت وانظمتهم حتى تكون العبودية كلها لله، وينفتح الطريق للناس لإختيار دين الحق...وبهذا التعريف الجديد للجهاد يكون من مهام الإسلاميين الجهاديين إعلان الحرب، حتى على الأنظمة القائمة في البلدان الإسلامية على إعتبار أنها أنظمة طاغوتية لا تحكم بما أنزل الله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ﴾
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ }
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
{لقد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
{قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل }
من يتدبر هذه الآيات ويتأملها، ينتهي إلى نتيجة منطقية مؤداها أن في الإسلام خطر على الجنس البشري...إذ أنه يحرض المسلمين على كراهية وبغض غير المسلمين، وعدم إتخاذهم اصدقاء أو اولياء حتى إن كانوا آباءهم او أخوانهم.....فألإسلام دين عدواني يمنع التآخي بين الشعوب والتعايش السلمي بينها، بل ويفسد نسيج الإسرة الواحدة وأواصر القرابة،إن كان فيها صاحب دين مختلف....والأخطر أن القرآن مدح جريمة ابي عبيدة عامر بن الجراح، في قتل أبيه في ما يعرف بغزوة بدر الكبرى، حتى يتأسى به بقية المسلمين، وذلك بآية يقول المفسرون الكلاسيكيون للقرآن إنها (نزلت) فيه وهي::{ ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))...وأكثر من هذا، فإن محمدآ قد بشر المجرم إبن الجراح بالجنة وسماه "أمين الأمة"
في مجال ساحة العدالة::
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَإِحْدَاهُمَا الأخْرَى}
رجل واحد يساوي إمرأتين، هذا هو عدل الإسلام المزعوم...إمرأة واحدة لا تساوي شيئآ أمام القضاء، فشهادتها لا تكتمل إلا بأخرى تكون قد شهدت معها الواقعة...كالعادة يبرر المسلمون بأن السبب يعود لزعمهم بضعف ذاكرة المرأة وتغلّب العاطفة عندها...وهي تبريرات واهية، فقد أكدت تجارب حديثة بإنها اقوى ذاكرة من الرجل، بالإضافة إلى قدرتها على إعطاء أدق التفاصيل لمن تشاهده من النظرة الخاطفة الأولى.
في مجال الميراث::
{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}
وفي الميراث يظلم الإسلام المرأة طلمآ بينآ، فنصيب إمرأتين يساوي نصيب رجل واحد...وإذا كان المسلمون يبررون ظلم المرأة في الشهادة أمام القضاء، بأنها كثيرة النسيان، فبماذا يبررون ظلمها في الميراث...تصوروا إمرأة عاشت مع زوجها ثلاثين او أربعين عامآ، ومات دون أن تنجب له ولدآ، في هذه الحالة تتشرد هذه الأرملة، لأن أخوانه الذكور او ابناء إخوانه يكون لهم النصيب الأكبر في الميراث، فيطلبون بيع مسكنها لتقاسم الثمن حسب الشريعة فتتشرد...هل هذا عدل؟
في مجال العمل الخيري
{فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا
لإشباع نزواته الجنسية الرخيصة، قضى محمد على أحد أعظم الأعمال الخيرية، الذي عرفته البشرية منذ فجر التاريخ، ألا وهو تبني الأطفال الذين تشردهم الحروب او التفكك الأسري او الكوارث الطبيعية وما إلى ذلك...فقد حرّم محمد التبني ليبرر زواجه من زينب بنت جحش زوجة إبنه بالتبني زيد، بعد أن رأى مفاتنها وجن جنونه...هل هناك هوس جنسي أكثر من هذا؟ وهل هناك عدم إكتراث بمصير الأطفال الذين حرموا من الرعاية الاسرية أكثر من هذا؟
هذه هي القيم الإسلامية التي روج لها سيد قطب وأستاذاه أبو الأعلى المودودي وابو الحسن الندوي، بزعم أنها مؤهلة لقيادة العالم وإرساء مجتمعات فاضلة...إنهم كمن يأتي بالبغال والخيول والحمير لتجر لهم سيارة لامبورجيني حديثة، بدلآ من تشغيلها بالوقود،...ومن المثير للسخرية إنهم يريدون تصدير هذا الوباء الذي أقعد المجتمعات، التي أبتليت بالإسلام وأبقتها في قاع الظلام والتخلف، إلى الغرب رائد العقلانية والحداثة ووريث الثقافة الهيلينية......إنها قيم لا تصلح حتى لقرية (موشا) التي ولد فيها سيد قطب، ناهيكم عن أن تكون صالحة لقيادة العالم.
ولعل من المفارقة، أنه قبل ستمائة سنة ونيف من ميلاد سيد قطب، يكتب العلامة إبن خلدون عن [تأثير المناخ وأحوال العمران في الخصب والجوع، على أحوال البشر وأخلاقهم وأبدانهم]...وكذلك عن {أطوار الدولة وإختلاف أحوالها وخلق أهلها بإختلاف الأطوار}... بينما يريد سيد قطب وأستاذاه الندوي والمودوي في القرن العشرين، إحياء قيم القرن السابع الميلادي، بل وتصديرها إلى الغرب، بزعم أن حضارته المادية مفلسة روحيآ وأخلاقيآ، وتحتاج إلى تلك القيم لضمان إستمراريتها....وكل هذا العداء للغرب والإدعاء بإفلاسه الأخلاقي والدعوة لكراهية الجنس الأبيض، لم يحول بين سيد قطب وبين أن يرتدي البدلة الغربية، رمز الإنتماء إلى الحداثة وما تحمل من دلالات أخرى، وذلك مع ربطة العنق (الكرافتة) حتى وهو في قفص الإتهام في أواخر عمره.....كما لم يحول بين أبي الأعلى المودودي وبين أن يسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لإجراء عملية جراحية على يد (الكفّار) في مرضه الأخير، الذي رحل على إثره.

جاهلية سيد قطب

يقول سيد قطب أن ما أسماها بالقيم الإسلامية، ، لم تتحقق على أرض الواقع إلا في المجتمع الإسلامي الأول، الذي يعرّفه بأنه عهد محمد وعهد من يسمون بالخلفاء الراشدين....ويشير إلى أن ذلك المجتمع الإسلامي الأول، جمع جيلآ قرآنيآ فريدآ لم يتكرر، حيث يقول::[هنالك ظاهرة تاريخية ينبغي أن يقف أمامها أصحاب الدعوة الإسلامية في كل أرض وفي كل زمان ...وأن يقفوا أمامها طويلآ...ذلك أنها ذات أثر حاسم في منهج الدعوة وإتجاهها. لقد خرّجت هذه الدعوة جيلآ من الناس – جيل الصحابة رضوان الله عليهم- جيلآ مميزآ في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه. ثم لم- تعد تخرّج هذا الطراز مرة أخرى. نعم وجد أفراد من ذلك الطراز على مدار التاريخ. ولكن لم يحدث قط أن تجمع مثل ذلك العدد الضخم في مكان واحد، كما وقع في الفترة الأولى من حياة هذه الدعوة. هذه ظاهرة واضحة واقعة. ذات مدلول ينبغي الوقوف أمامه طويلآ لعلنا نهتدي إلى سره] أ. هــ...ويضيف سيد قطب أن هذا الجيل الفريد في المجتمع الإسلامي الأول، كان القرآن هو النبع الذي إستقى منه قيمه ونهجه، وذلك على خطى محمد الذي كان خلقه القرآن، وفقآ لما قالته عائشه، التي يستشهد بحديثها الحائز على درجة صحيح، حسب قوله....وفي واقع الأمر إن قول عائشة هذا، كلام غامض لا يعني أيّ شئ...إنه هروب من الإجابة... ومن المعروف أن عائشة كانت أول ضحية لمحمد ، فقد إنتهك طفولتها ودمر براءتها وإغتصبها وهي في التاسعة وتوفى وهي في الثامنة عشرة، أيّ في ذروة نضوجها وحرّم عليها أن تتزوج بعده...وبالإضافة إلى ذلك فهي لم تكن سعيدة معه، كانت كثيرة المناكفات معه وترفع صوتها عليه وتشكك في نبوته، كقولها له ذات مرة [وأنت الذي تزعم أنك رسول الله]...ولذا فمن الطبيعي أن لا تقدم أية شهادة حسنه واضحة لسلوكه وخلقه وتتهرب من الإجابة عندما سألها بعض الصحابة عن خلقة، بإجابة غامضة وهي كان "خلقه القرآن"
وسيد قطب يخطئ ظنه بأن ما قالته عائشة هو مديح في محمد....فهو يبدو هنا مغسول الدماغ، مثلما هو في سائر كتبه الإسلامية.....فأين ذلك العقل النقدي الذي نلحظه في كتاباته النقدية في الأدب؟...في كتابه [مذكرات سائح في الشرق العربي] يقول الداعية الهندي أبو الحسن الندوي في "صفحة 189"، إنه خلال زيارته للقاهرة سنة 1951 م أقيمت ندوة في مدينة "حلوان" لمناقشة كتابه {ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين}.وكان من بين المتداخلين فيها سيد قطب الذي تحدث عن منهاج الدعوة لبعث الإسلام ، ثم يشير الندوي إلى أن سيد قطب تحدث كذلك عن مراحل تطور حياته، حيث يقول::[وذكر الأستاذ مراحل حياته وكيف وصل إلى العقيدة الإسلامية أو الإيمان بالإسىلام من جديد، وذكر كيف نشأ على تقاليد الإسلام في الريف وفي بيته ثم إنتقل إلى القاهرة فإنقطعت كل صلة بينه وبين نشأته الأولى، وتبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية، ومر بمرحلة الإرتياب في الحقائق الدينية إلى أقصى حدود، ثم أقبل على مطالعة القرآن لدواع أدبية ثم أثر فيه القرآن وتدرج به الإيمان] أ.هــ....فسيد قطب إذن تميز بعقلية نقدية عندما كان مرتابأ في الدين ومقطوع الصلة به نلحظها في أعماله الأدبية، حتى أنه إنتقد بشدة معاوية وعمرو بن العاص في كتابه (كتب وشخصيات) ووصفهما بالكذب والميكافيلية؛ وإنتقد في كتاب [العدالة الإجتماعية في الإسلام] وهو أحد أعماله الأسلامية المبكرة عهد عثمان بن عفان ووصمه بالفساد المالي وإيثار الأقارب...بل وأكثر من ذلك في صفحة 238 من كتابه{كتب وشخصيات} يقول::[على أنني لست من أنصار القداسة المطلقة للشخصيات الإسلامية]....ولكن سرعان ما إنطمست عقليته النقدية عندما أخذ يقرأ القرآن كالمجذوب في حلقة ذكر، وبدا له كنص إستثنائي قادم من خارج الزمان والمكان والتاريخ يلوذ به هربآ من هزائمه العاطفية والحضارية....وإنغمس في جاهلية أوصلته إلى تأليف كتاب {معالم في الطريق} الذي يؤكد فيه القداسة المطلقة لمحمد وخلفائه وأصحابه ويعتبرهم جمعيآ عدولآ وتجمعآ إستثنائيآ في مجتمع قرآني فريد، يعد نموذجآ ليهتدي به إنسان القرن العشرين ...ولماذا هو مجتمع قرآني فريد؟ لأن عائشة قالت إن محمدآ كان خلقه القرآن. فهذا الكلام الغامض إعتبره سيد قطب، مثل من سبقه من السلف مدحآ لمحمد؛ بالرغم من أن عائشه لم تتحدث عنه إلا بما يسئ إليه، كقولها إنه كان يمص لسانها في نهار رمضان، ويجامعها وهي حائض، حسب البخاري.
وهنا سؤال يفرض نفسه:: هل القرآن يتضمن حقآ مكارمالأخلاق؟...وهل كان محمد حقآ على خلق عظيم؟...فالقرآن ليس سوى [الملحمة المحمدية]...تسجيل لمشاجرات محمد ولنسائيات محمد وللخرافات التي كان يؤمن بها محمد وتعبير عن مشاعر محمد تجاه من كان يكرههم ويريد مسحهم من فوق وجه الأرض.
إن كتابآ يقول:: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} لا يحض إلا على الكراهية......والقرآن كتاب يلتهب بالهوس الجنسي ويصور مشاهد جنسية إباحية تثير الغرائز، بالحديث عن الكواعب الأتراب الشبيهات باللؤلؤ المكنون، اللآتي لم يطمثهن، أي يفتضهن إنس ولا جان.وعن حق محمد في التسري بالإماء، علاوة على إغتصاب النساء اللآتي تهبن أنفسهن له، وهن في تلك الحالة كن في مقام الإماء:(( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما)) سورة الأحزاب ...أنظروا إلى قبح هذه العبارة ((أن يستنكحها خالصة لك )) ....تصريح إلهي مقدس لمحمد بأن (((يستنكح))) الزوجات اللآتي إختلف المؤرخون في عددهن، منهم من قال تسع زوجات ومنهم من قال إحدى عشرة زوجة ومنهم من قال أكثر، وذلك بالإضافة إلى الإماء والنساء الواهبات أنفسهن له ....والقرآن يثير كذلك الغرائز الجنسية الشذوذية، بالحديث عن الغلمان المخلدين المقرطين، الذين يبدون كاللؤلؤ المنثور، ويطوفون بالكؤوس الدهاق....أيّ إله هذا؟...إله أم قواد!...ونبي مزعوم غارق في الجنس وفي الغزوات وسبي النساء وقطع الطريق والتعيش من الغنائم، فمن المنطقي أن يأتي قرآنه معبرآ ومترجمآ لإخلاقياته وسلوكه وهوسه الجنسي وسايكوباتياته...فهل أخطات عائشة حين قالت:: "كان خلقه القرآن".

المجتمع الإسلامي الأول بين الحقيقة والخيال

يقدم سيد قطب في كتابه (معالم في الطريق) ما يسميه بالمجتمع الإسلامي الأول، الذي هو في نظره عهد محمد ثم عهد من يسمون بالخلفاء الراشدين، على أنه النموذج الأمثل والأكمل في السلوك والأخلاقيات والقيم ...وتقوم دعوته على أن المجتمعات الإسلامية تعيش في جاهلية، وإن سميت بالإسلامية، تمامأ مثل المجتمعات الغربية...وإنه لا خروج من هذه الجاهلية، إلا بالعودة إلى المجتمع الإسلامي الأول، والأخذ بسلوكه وأخلاقياته وقيمه والعمل بها...والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:: هل كان ذلك المجتمع حقآ نموذجآ فريدآ لا يتكرر في الأخلاق والقيم والسلوك؟
يبدو أن سيد قطب وهو يكتب كتاب (معالم في الطريق) في منتصف الستينات من القرن العشرين، نسي ما كتبه قبل عشرين عامآ منذ ذلك التاريخ، أيّ في أواخر الإربعينيات...دعونا نرى ما كتبه عن ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان الملقب بذي النورين والمبشر بالجنة ومجهز جيش العسرة، وجامع القرآن، والذي قال عنه محمد:: كيف لا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة... في كتابه [العدالة الإجتماعية في الإسلام] "ص 159" كتب يقول:{هذا التّصوّر لحقيقة الحكم قد تغيّر شيئًا ما دون شكّ على عهد عثمان - وإن بقي في سياج الإسلام – لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير. ومن ورائه مروان بن الحكم يصرّف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام. كما أنّ طبيعة عثمان الرّخيّة، وحدبه الشّديد على أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرّفات أنكرها الكثيرون من الصّحابة من حوله، وكانت لها معقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرًا} ...ويضيف سيد قطب أن عثمان بن عفان منح زوج ابنته الحارث بن الحكم مائتي ألف درهم من بيت المال المسلمين يوم عرسه...ويقول مادحآ الثورة التي إندلعت ضد عثمان بن عفان:[وأخيرًا ثارت الثّائرة على عثمان، واختلط فيها الحق والباطل، والخير والشّر. ولكن لابد لمن ينظرإلى الأمور بعين الإسلام، ويستشعر الأمور بروح الإسلام، أن يقرر أنّ تلك الثّورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام] ...والجدير بالذكر أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان مات مقتولآ ولم يدفن في مقابر المسلمين...وأنظروا ما كتبه عن كاتب الوحي الصحابي معاوية بن أبي سفيان وعن الصحابي عمرو بن العاص، الذي قال عنه محمد يوم أقبل مع خالد بن الوليد للدخول في الإسلام::(لقد رمتكم مكة بفلذات أكبادها).... في كتابه "كتب وشخصيات" ص 242 يقول سيد قطب:[إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله عمرو إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل.فلا عجب ينجحان ويفشل،وإنه لفشل أشرف من كل نجاح] ...وفي نفس الصفحة يشبّه معاوية بميكافيلي، حيث يقول:{فروح ميكافيلي التي سيطرت على معاوية قبل ميكافيلي بقرون]....فإذا كان الخليفة الثالث عثمان بن عفان وكاتب الوحي الصحابي معاوية بن أبي سفيان والصحابي عمرو بن العاص بكل هذا الإنحراف السلوكي وهم من الدائرة المقربة لمحمد، فعن أيّ مجتمع إسلامي قرآني نموذجي جمع كما يزعم جيلآ متفردآ من الصحابة يتحدث سيد قطب...ولعل من المفيد أن نشير إلى أن أبا الأعلى المودودي استاذ سيد قطب طعن أيضآ في ذمة عثمان بن عفان في كتابه (الخلافة والملك) ص 60 حيث يقول::[غير أن سيدنا عثمان رضي الله عنه حين خلفه أخذ يحيد عن هذه السياسة رويداً رويداً فطفق يعهد الى أقربائه بالمناصب الكبرى ويخصهم بامتيازات أخرى اعترض الناس عليها عامة]
وليس هذا كل شئ...فماذا عن بقية الرهط؟....فلنبدأ بزعيمهم محمد مدعي النبوة...هل هو نموذج أخلاقي سامي يمكن أن يحتذى به في العصر الحديث، ناهيكم عن العصور القديمة نفسها؟ فحتى بمقاييس ذلك الزمان البعيد وبالمقارنة مع بوذا وكنفشيوس والمسيح الذين لم يقتلوا نملة ولم يمتلكوا السبايا او يضاجعوا طفلة ولم يتعيشوا على الغنائم والغزوات والقتل، فمن رابعة المستحيلات أن يكون نموذجآ أخلاقيآ ساميآ وقدوة فاضلة يقتدى بها....فبمقاييس جميع العصور وخاصة عصرنا الحاضر، فإن محمدآ مرتكب لجرائم ضد الإنسانية..فإذا وقفنا عند جريمة إبادة رجال قبيلة بني قريظة عن بكرة أبيهم على سبيل المثال، سنلاحظ أنها تتضمن أربع جرائم في جريمة واحدة...الجريمة الإولى: هي قطع رقاب ما بين سبعمائة الى تسعمائة رجل في حفلة دموية تقشعر لها الأبدان...الجريمة الثانية: هي قتل أطفال بني قريظة، حيث أمر محمد ((نبي الرحمة)) بقتل كل طفل نبت شعر عانته....والطفل ينبت شعر عانته في الرابعة عشرة او الخامسة عشرة ومع ذلك يبقى طفلآ من حيث تكوينه الجسدي ونضوجه العقلي...والقوانين الغربية المعاصرة تعتبر سن الثامنة عشرة هي نهاية الطفولة...الجريمة الثالثة: ممارسة العبودية، إذ أمر محمد ببيع نساء بني قريظة واطفالهم، الذين لم ينبت شعر عانتهم في أسواق النخاسة بالطائف وبلاد الشام، لتمتلئ جيوب محمد وأنصاره بدينارات بيع البشر...الجريمة الرابعة: هي ممارسة التعذيب البدني...فالتعذيب الذي يقول الأخوان المسلمون أن الديكتاتور جمال عبد الناصر قد أنزله بسيد قطب وبقية الأخوان المسلمين في سجونه الرهيبة، قد سبقه اليه محمد قبل ألف وأربعمائة سنة، عندما أمر الزبير بن العوام بتعذيب كنانة بن الربيع زوج صفية بنت حيي سبية محمد، التي إغتصبها في نفس ليلة قتل زوجها واهلها...وكان هناك من أخبر محمدآ بأن كنانة يخبئ كنز بن النضير...وتنفيذآ لإوامره كان الزبير بن العوام يعذبه حرقآ بالنار، إذ كان يقدح الزناد على صدره حتى أشرف على الموت، ثم تم قطع رقبته بأمر من محمد .....تصوروا:: نبي يعلن الجهاد لله ثم ينتهي الأمر بالتعذيب من اجل الكنز وتخيّر الجميلات من السبايا...ترى ما هي العقوبة التي يستحقها محمد، لو مثل اليوم أمام محكمة لاهاي الدولية لجرائم الحرب؟
ومن جرائم محمد ضد الإنسانية إحتضانه للصعاليك وإيواؤه لهم وإستخدامهم في غزواته وحراسته.....في صلح الحديبية كان حارسه الشخصي أحد أشهر الصعاليك وأكابر المجرمين، وهو المغيرة بن شعبة، الذي صار يلقب كبقية الصحابة بــ ((الصحابي الجليل)) وكان ضمن الوفد الذي ذهب للتفاوض مع رستم قائد جيش الروم بعد أن كان متشردآ في الجبال يقطع الطريق...جاء في البخاري أن المغيرة بن شعبة كان قائمآ على رأس النبي في صلح الحديبية، وكان عروة بن مسعود ممثل قريش في المفاوضات يقبض على لحية محمد بين الفينة والأخرى وهو منهمك في الحديث...وكلما قبض على لحية محمد كان حارسه الشخصي المغيرة بن شعبة، يضرب يده بمقبض سيفه قائلآ::((أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم))...وعندما تكرر الضرب رفع عروة بن مسعود رأسه وقال:(من هذا) فقالوا له:(إنه المغيرة بن شعبة) فقال::((أي غدر)) بضم الغين وفتح الدال، وهي شتيمة عند العرب معناها (أيها الغادر)...وكان المغيرة بن شعبة، وهو ذو قرابة بعروة بن مسعود، قد أشتهر بغدره بجماعة من التجار، سافر معهم ثم قتلهم واستولى على متاعهم وأموالهم وإلتحق بالصعاليك في الجبال وصار من اكابرهم، ثم أسلم قياده لمحمد وبات من المقربين لديه...وهذه حقيقة واحد من المجتمع الإسلامي الأول الفريد، المغيرة بن شعبة، الذي إستشهد سيد قطب بكلام له في أكثر من موضع في كتابه (معالم في الطريق)...وبالطبع يعتقد المسلمون أن إلههم قد غفر لهذا المجرم العتيد ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ومحمد الذي وصف نفسه في قرآنه بقوله ((إنك لعلى خلق عظيم)) لم يكن ليتورع من إستخدام كلمات وعبارات سوقية بذئية يندي لها الجبين...ففي حديث صحيح جاء في البخاري رقمه 6824 ::[جاء الأسلمي نبي الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل في الخامسة فقال أنكتها قال نعم قال حتى غاب ذلك منك في ذلك منها قال نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني فأمر به فرجم]....
ولم يكن خليفته أبوبكر بن أبي قحافة الملقب بـ "الصدّيق" أقل منه في إستخدام الكلمات والعبارات البذئية...ففي صلح الحديبية قال عروة بن مسعود ممثل قريش للتفاوض مع محمد::[ أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك وإن تكن الأخرى فإني والله لا أرى وجوها وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك]...ومعنى هذ الكلام "يا محمد دع أتباعك هؤلاء يغربوا من هنا، هل سمعت بأحد من العرب هاجم أهله قبلك، أما إذا أردت غير هذا، أيّ إذا أردت الحرب، فأني لا أرى والله سادة القوم، بل أرى أوباشآ وهؤلاء سوف يفرون ويتركوك"....وهنا إنبرى له أبوبكر الصديق شاتمآ بعبارة شديدة البذاءة تكشف عن طبيعة تلك العصابة، التي يرأسها محمد، حيث قال لهذه الشخصية القرشية البارزة::[[امصص ببظر اللات أنحن نفر عنه وندعه]].....وتواصلت الجرائم ضد الإنسانية على يد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي أمر بحرق الفجاءة السلمي لإنضمامه للمرتدين، بعد أن زوده بالسلاح....وأطلق يد مجرم الحرب الآخر القائد خالد بن الوليد، الذي كلفه بقمع المرتدين، ليشبع نزواته الجنسية وهوسه بإراقة الدماء...فقتل خالد بن الوليد فارس وشاعر بني يربوع مالك بن نويرة، وفصل رأسه عن جسده وطبخه في قدر، ثم إغتصب زوجته ليلى بنت سنان، إحدى جميلات العرب في نفس الليلة، وذلك بالرغم من أن مالك بن نويرة لم يرتد عن الإسلام، ورفض فقط أداءالزكاة...وقد ذكر الطبري وإبن كثير أنه قال لخالد::[ أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة]....وثالثة الأثافي أن مجرم الحرب خالد بن الوليد قتل جميع أسرى قبيلة مالك بن نويرة...ولقد ذهب متمم بن نويرة شقيق مالك، إلى أبي بكر في يثرب يطلب القصاص لأخيه وإرجاع السبايا، ولكن أبا بكر تجاهل أمره ولم تأخذ العدالة مجراها.....ولأن أبا بكر أطلق يد خالد بلا حسيب أو رقيب، فإنه بعد ذلك لم يتورع من قتل أسرى معركة اليس ضد الفرس، وكان عددهم يناهز السبعين ألف أسير فارسي، كما جاء في تاريخ الطبري....وقد كافأه ألخليفة أبوبكر الصديق على جرائمه هذى، بكلمات المديح، حيث قال عبارته الشهيرة::{عجزت النساء أن تلدن مثل خالد.}
إذا كان ذلك حال الخليفة الأول، فهل كان حال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أحسن حالآ؟...لقد كان نهرآ من الكراهية لغير العرب يحتقرهم ويعتقد أنهم خلقوا من طينة أدنى....ومن أقواله في كراهية غير العرب::[اللهم أجعل بيننا وبين الفرس جبلآ من نار] و {والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب} وفرحه عندما تم إخباره بأن طاعنه فارسي، حيث قال:{قد كنت أظن أن العرب لن يقتلني }..والمفارقة الكبرى إنه نسجت عن هذا العنصري اكبر الأكاذيب عن زهده وعدله، بينما هو من أصدر أول وثيقة عبودية ضد ((الذميين)) من النصارى واليهود في البلاد المغزوة وهي "العهدة العمرية" او "الشروط العمرية"...ولم يكن له همّ غير إذلال شعوب البلاد المغزوة ونهب خيراتهم ليوزعها على أهل سيده محمد والصحابة، الذين بقيوا معه في يثرب...وقد دخل الخليفة عمر في ملاسنات حادة مع عمرو بن العاص عبر مكاتبات يتهمه فيها في ذمته، بأنه يستأثر بالقدر الأكبر من جزية المصريين لنفسه...ومن مكر التاريخ أنه قتل على يد أحد مظلوميه، وكأني بالتاريخ أراد أن يفضح حقيقة أنه كان بعيدآ عن العداله...فقد قتل على يد الفارسي فيروز النهاوندي، المكنى بــ(أبي لؤلؤة) أحد موالي المغيرة بن شعبة، الذي كما أسلفنا كان واحدآ من أكابر الصعاليك، ثم إستقطبه محمد فصار صحابيآ ومن المقربين له، وليكون بعد ذلك أحد قادة الجيش الذي غزا بلاد الفرس وضمن الوفد، الذي ذهب للتفاوض مع رستم قائد جيش الفرس...وقد كان أبو لؤلؤة صانعآ ماهرآ في الحدادة والنقاشة والنجارة، حسب الواقدي في كتاب المغازي، وكان يصنع الأرحية ويعطي المغيرة بن شعبة درهمين في كل يوم فرضآ...وحدث أن ذهب إلى الخليفة عمر شاكيآ سيده المغيرة، وقائلآ: إنه يرهقه بالعمل ويأخذ منه درهمين يوميآ...ولكن الخليفة عمر رده قائلآ له: إن الدرهمين ليس بالمبلغ الكبير بالنسبة الى ما يحسنه من أعمال، فمضى أبو لؤلؤة وهو يتذمر على حد تعبير الواقدي...لا شك أن مقتضيات العدالة كانت تتطلب، أن يستدعي الخليفة عمر المغيرة بن شعبة ليقضي بينهما، ولكنه لم يفعل وإنتصر للمغيرة بن شعبة بدون قضاء...ونحسب أنه كان يعمل ألف حساب للمغيرة بن شعبة، بينما إحتقر أبا لؤلؤة الفارسي المستعبد...وكان أصلآ يكره الفرس، وهكذا راح ضحية ظلمه وعنصريته....وإثر مقتله قام إبنه عبيد الله بأخذ القانون بيده وقتل ثلاثة أشخاص أبرياء إنتقامآ لإغتيال والده ...فقد قتل الطفلة "لؤلؤة" بنت أبي لؤلؤة ، وقتل كذلك الهرمزان وجفينة غدرآ وغيلة، إذ إستدرج الهرمزان الخبير في شؤون الخيول، طالبآ منه أن يفحص خيلآ له ثم ضربه بالسيف، ثم ذهب الي جفينة وكان نصرانيآ وناداه، فلما أقبل عليه باغته بالسيف ...والسبب في قتلهما معلومة ظنية بلغته مفادها، أن الهرمزان وجفينة شوهدا مع أبي لؤلؤة صباح يوم مقتل عمر، وإنهما شجعاه وحرضاه على القتل....ذاك عمر وهذا إبنه عبيد الله، ومن شابه أباه ما ظلم...والطامة الكبرى أن عثمان بن عفان، الذي تولى الخلافة بعد عمر عفا عن عبيد الله بعد هذه الجريمة البشعة، المتمثلة في قتل أبرياء لمجرد الظن، ودون أن يتورع من قتل طفلة وذلك وحده جريمة لا تغتفر.
والخليفة عثمان بن عفان الذي إستهل عهده الدموي بالعفو عن قاتل طفلة ورجلين برئين، لإنه إبن الخليفة عمر بن الخطاب، إنتهى هو نفسه مقتولآ على يد الثوار ليدفن في مقبرة "حش كوكب" اليهودية ، بعد أن إمتلأ عهده بالفساد المالي وإيثار اقاربه من بني أمية بالوظائف والأموال، ودفاعه عن فساده حتى إنه أمر بضرب عمّار بن ياسر وشتمه بقوله:((يا إبن المتكاء)) "والمتكاء هي المرأة البظراء او التي لاتمسك البول" وذلك لأن عمّار إحتج على أخذه جواهر وحليّ من بيت المال وأعطاها لبعض أهله...ويتعين أن لا يفوتنا أمره بضرب عبد الله بن مسعود الصحابي خادم محمد وأحد ثقاته، حتى إنكسر ضلع من أضلعه، لإنه رفض تسليمه نسخة قرآنية تختلف في ترتيب آياتها وأطوالها...وفوق ذلك كله، فإن الخليفة عثمان أحد الذين فروا في غزوة أحد تاركآ محمدآ، إثر هزيمة المسلمين.
والإضطرابات الكبرى التي زعزعت المسلمين بسبب مقتل عثمان عقب الثورة عليه، اضعفت عليآ الضعيف أصلآ، فلم يتمكن من بسط سلطانه...إذ هب معاوية والي الشام مطالبآ بدم قريبه عثمان...وإنضمت عائشة زوجة محمد المفضلة، إلى معاوية مطالبة بدم عثمان، بعد أن كانت من أشد المنتقدين لفساد عثمان، لدرجة أنها قالت وهي تعني عثمان (( إقتلوانعثلآ فقد كفر))...ومن الواضح إنها أرادت أن تكيد لعلي، إنتقامآ لنفسها لأن عليآ كان قد نصح محمدآ بتطليقها، إثر الفضيحة المشهورة بــإسم [حديث الإفك]....وقد تطورت المطالبة بدم عثمان، إلى حربين دامتين وخاصة بعد أن تقاعس علي في القبض على قتلة عثمان، بل وسمح لبعضهم بالإنضمام لجيشه...والحرب الأولى: هي المعروفة بــ(موقعة الجمل) في البصرة، حيث أن جيشآ بقيادة الثلاثي عائشة بنت أبي بكر والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله واجهت جيشآ يقوده على بن أبي طالب...وقتل في تلك المعركة عشرة آلف مسلم، ومن أبرز الصحابة الذين قتلوا فيها، الزبير بن العوام إبن عمة محمد وأحد المبشرين بالجنة، وطلحة بن عبيد الله أحد السابقين إلى الإسلام والمبشرين بالجنة...والحرب الثانية: هي معركة صفين بين جيش علي وجيش معاوية، وقتل فيها سبعون ألف مسلم، ومن أبرز الصحابة الذين قتلوا فيها، عمّار بن ياسر أحد المبشرين بالجنة وعبيد الله بن عمر بن الخطاب....وهكذا فقد تميّز عهد علي بن أبي طالب بالمقتلة العظيمة بين المسلمين...وتبين بجلاء كيف أن الصحابة يكرهون بعضهم البعض، ويقتلون بعضهم البعض، ويتسابقون من أجل عرض الدنيا، كإختلاس عبد الله بن عباس ابن عم محمد وعلي والملقب بـــ(حبر الأمة) لأموال بيت مال المسلمين بالبصرة، بعد أن ولاه علي عليها ، حسب الطبري... ويخدعون بعضهم البعض كخديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري في التحكيم الذي جرى بين علي ومعاوية كخاتمة لمعركة صفين الدامية...وقد إنتهت حفلات القتل وسفك الدماء بمقتل علي بن أبي طالب، على يد من عارضوا سياساته وخاصة مسألة قبوله بالتحكيم...ولعل تلك نهاية منطقية لقاتل مثل علي بن أبي طالب، كان من أكابر المجرمين.....فقد كان محمد يختاره ويكلفه دائمآ بمهمات القتل والإنتقام، حتى أنه ما كان يتورع من التمثيل بالجثث وفصل الرؤوس من الأجساد، كالذي فعله اثناء حصار يهود بني النضير، إذ خرج بضعة رجال منهم للإستطلاع، فلحق بهم علي مع نفر من الصحابة، وقتلوهم وفصلوا رؤوسهم وأحضروها لمحمد، الذي أبدى سروره وأمر بأن ترمى في بئر هناك إسمها (بئر بني خطمة).....والأنكى توحشه وحرقه لقوم من الزط (الغجر) متهمآ إياهم بالزندقة، طبقآ لما ذكره البخاري في صحيحه ...وبلغ به الفجّر إلى حد تهديده لإمرأة بتجريدها من ملابسها، والقصة كما رواها إبن كثير عن إبن إسحق، إنه عندما قرر محمد غزو مكة ووضعها تحت سيطرته، علم الصحابي حاطب بن أبي بلتعة بالأمر وكتب رسالة إلى أهله في مكة يحذرهم من الخطر القادم،. وإستأجر إمرأة وأعطاها الرسالة لتوصلها، فأخفتها بين طيات شعرها ومضت...وعلم محمد بأمر الرسالة ، وزعم أن جبريل هو من أخبره، بينما لا يتعدى الأمر بعض الوشاة...أمر محمد عليآ بأن يلحق بها، فلحق بها عند (الحليفة ) وفتش متاعها ولم يجد الرسالة، فهددها بأنه سيجردها من جميع ملابسها إن لم تخرج الرسالة، فأخرجتها من بين طيات شعرها....وكل هذه الجرائم لا تتفق وصفات الورع والزهد والحكمة، التي تلصق به...ومن الواضح بجلاء أنها أكذوبة، تمامآ مثل أكذوبة عدالة عمر بن الخطاب.

خطرفات سيد قطب

إن كل ما أوردناه عن ما يسميه سيد قطب بالمجتمع الإسلامي الأول، ليس سوى ملامح وإضاءات سريعة، فما بالكم لو فتحت نافذة التفاصيل الدقييقة...والمجتمع الإسلامي الأول في نظر سيد قطب وإستاذيه المودودي والندوي، هو عهد الدعوة المحمدية ومدته أثنتان وعشرون سنة، بالإضافة إلى عهد من يسمون بالخلفاء الراشدين ومدته أيضآ أثنتان وعشرون سنة...ويراه سيد قطب في كتابه {معالم في الطريق} المجتمع النموذجي الأسمى وينبوع القيم النبيلة السرمدية، الذي يتعين أن تهفو إليه قلوب المسلمين للعودة اليه من أجل الخروج من جاهليتم، التي يعيشونها، بل وأكثر من ذلك يراه النموذج الأخلاقي، الذي يفتقر اليه الغرب رغم حضارته المادية الهائلة، من أجل الخلاص من جاهليته أيضآ...ولو أن سيد قطب إتبع نفس منهجه النقدي، عندما إنتقد عهد الخليفة عثمان ودمغه بالفساد وإيثار الأقارب في الوظائف والأموال في كتابه (كتب وشخصيات) قبل عشرين سنة من تأليف كتاب "معالم في الطريق"...ولو أن سيد قطب إتبع نفس منهجه النقدي عندما إنتقد معاوية وعمرو بن العاص ووصفهما بالكذابين والمنافقين والميكافيلية في كتابه [العدالة الإجتماعية في الإسلام] لما قدم هذه الوجبة البائسة من الجمل الإنشائية والعبارات الرنانة الجوفاء في كتابه "معالم في الطريق" الذي يتوهم فيه مجتمعآ لم يكن موجودآ، وهو الجيل القرآني الفريد والمتفرد في قيمه، الذي عاش في المجتمع الإسلامي الأول القرآني الغير قابل للتكرار، حسب تعبيراته....والحق يقال، لقد كان جيلآ متوحشآ من شذاذ الآفاق، شكل مجتمعآ متوحشآ سداه ولحمته الغزوات وسفك الدماء وسبي النساء وإغتصابهن ونهب خيرات وأموال غير المسلمين...ويبدو أن الهزائم النفسية المتكررة، التي تعرض لها وخاصة شعوره بالهزيمة أمام مشهد الحضارة الأمريكية الهائلة، التي رآها رأي العين، أدت إلى نكوصه وهروبه إلى أوهام ما يسميه بالمجتمع الإسلامي الأول، ورميه المجتمعات الإنسانية كلها الإسلامية وغير الإسلامية بالجاهلية....فقد رمى سيد قطب المجتمعات الإنسانية بدائه وإنسل...ولم يصنع كتابه "معالم في الطريق" غير أجيال من الإرهابيين المتوحشين، هم صورة طبق الأصل للمجتمع الإسلامي الأول المتوحش...والعصا من العصية.

أحمد القاضي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ان صح هذا التحليل فعبد الناصرمهزوووم أيضا
عبد الله اغونان ( 2016 / 9 / 20 - 01:46 )

الدليل على أن سيد قطب ليس مهزوما هاهم اخوانه الان في كل بلد يقاومون ويحاربون الطغاة

وفي الانتخابات يفوزون وينتصرون

حتى من يساير طرحك هذا فهم يعرفون أن الهزيمة في الحرب والعلم والسياسة والاقتصاد ,عامة

الهزيمة تطبعنا جميعا فقط هناك من اقتنع بها وهناك يرفضها و يحلم ويحاول بث الروح في

النفووووووووووووووووس


2 - شكرآ
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 06:35 )
الأعزاء
Omar Seddiki
أبو أحمد الحامدي
شكرآ على كلماتكم الطيبة...وأرجو أن أكون عند حسن ظنكما


3 - شكرآ
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 06:41 )
الأعزاء
Omar Seddiki
أبو أحمد الحامدي
شكرآ على كلماتكم الطيبة...وأرجو أن أكون عند حسن ظنكما


4 - مستقبلآ
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 06:49 )
عزيزي الأخ عبد العزيز أنيس
إقتراحك في محله وسوف أضعه في إعتباري مستقبلآ
شكرآ على كلامك الطيب


5 - تصويب
سناء نعيم ( 2016 / 9 / 20 - 09:59 )
ممتع مقالك وغنيّ بالمعلومات التاريخية التي تفضح عدالة الصحابة والتاريخ الأسود الذي تمّ غسله وتلميعه على انه تاريخ مجيد وما سيّد قطب إلا ناقل أمين ومقتد برجالات تلك الحقبة التي يتباهى بها المسلمون.
لكن اودّ التنبيه إلى خطإ بخصوص عمار بن ياسر،وهو انه لم يكن من المبشّرين بالجنة كما جاء بالمقال.
مع التحية


6 - صبرآ آل ياسر فإن موعدكم الجنة
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 13:14 )

تحياتي الطيبة سناء
شكرآ على كلماتك وإهتمامك...عمار وأبوه ياسر وأمه سمية وأخوه عبدالله من أوائل الذين آمنوا بمحمد ودعوته وقد تم تعذيبهم جميعآ تعذيبآ شديدآ ...وحسب المصادر الإسلامية مات ياسر تحت التعذيب وقتلت سمية ويعتبرونها أول شهيدة في الإسلام وعمار تم تعذيبه حتى إنهار وسب محمدآ وقد ذهب إليه في ما بعد واعتذر وألف محمد في ذلك آية...والمهم أن محمدآ كان يردد خلال تعذيبهم العبارة التي صارت شهيرة ::[صبرآ آل ياسر فإن موعدكم الجنة]...فالأسرة كلها مبشرة بجنة محمد، وهم رغم هذا لا يذكرون في قائمة العشرة المبشرين بالجنة...وكان يفترض أن يتصدروا القائمة
مع خالص الود


7 - رد فعل للهزيمة
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 13:29 )
الاخ عبد الله
تفجير المقاهي والأسواق والحافلات والطائرات وقتل وترويع الاطفال والنساء والشيوخ ليس مقاومة، بل هو رد فعل للهزيمة النفسية من قبل أولئك اليائسون البائسون
مع تحياتي


8 - مصر كما نعرفها
أحمد عليان ( 2016 / 9 / 20 - 19:59 )
مصر كما نعرفها في القرن العشرين لا يمكن تصور مجدها من غير جمال عبد الناصر الذي كرس جهوده لإلغاء الطبقية المقيتة لذا أستغرب التهجم عليه بتهم دخيلة على مساره المشهود له حتى من خصومه العادلين .


9 - حلوا محلهم
أحمد القاضي ( 2016 / 9 / 20 - 22:17 )
يا عزيزي الطبقات لا تنتهي ..في الاتحاد السوفيني السابق تم القضاء بعنف على الرأسماليين والبمشيك (الاقطاع) ولكن رويدآ رويدآ حلت محلهم طبقة المتنفذين في الدولة من كبار الحزبيين وكبار الجنرالات وقادة المخابرات الذين كانوا يعيشون حياة مختلفة عن سواد الشعب..لهم اسواقهم الخاصة والمستشفيات الخاصة المجهزة بتقنيات امريكية والمصائف...الشعب السوفيتي يعرف ذلك...وهذا ما حدث في مصر وفي جميع بلدان الانقلابات العسكرية التي قلدت النظام السوفيتي...في مصر حل كبار الضباط محل الاقطاع ولا مجال هنا للدخول في التفاصيل
في ما يتعلق بصراعات عبد الناصر من اجل الإنفراد بالسلطة، لم اتهجم عليه، بل قمت بتوصيف ما حدث...فقد إستخدم الميكافيلية بل والستالينية للقضاء على حلفائه وشركائه في الإنقلاب، وهم محمد نجيب والأخوان وأعضاء مجلس الضباط الاحرار الذين أحس بهم منافسين محتملين...ولم تخل وسائله من الغدر وضرب بعضهم ببعض..إنها السلطة يا صديقي ينتصر فيها ألأمير ما دام متمسكآ بنصائح ميكافيلي في كتابه -ألأمير-

اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر