الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بييرو المجنون 1966 جان لوك غودار:الجنون في مواجهة منطق الحياة

بلال سمير الصدّر

2016 / 9 / 26
الادب والفن


بييرو المجنون 1966 جان لوك غودار:الجنون في مواجهة منطق الحياة
هل توصل حتى الآن غودار الى تعريف واضح-ولانريد ان نستخدم كلمة دقيق-للسينما؟
السينما هنا بالنسبة لغودار هي الفن السابع،الفن القادر على احتواء كل الفنون في بوتقة واحدة...غودار لايعيد اختراع السينما،بل هو يعمل على اعادة تشكيل فن السينما الى بوتقة اوسع واعرض مما يحتويه النص السينمائي،فإذا قلنا أو افترضنا ان السينما فن يخضع للنص،فغودار يحلق هنا خارج النص...خارج النص السينمائي برمته وخارج النص السينمائي تحديدا...
بييرو المجنون هو احد اشهر افلام جان لوك غودار على الاطلاق بالرغم من انه فيلم أوقع المشاهد في حيرة شديدة لتقبل هذا النوع المشوش من الصورة المرئية،ففيلم على شاكلة بييرو المجنون من الأجدى القول عنه بأنه صورة،أو صورة فيلم سينمائي ليس بالمعنى المعتاد المقبول،بل صورة مؤلفة من تشكيل واسع ليس للحبكة اي دور مهم فيها،بحيث بدا الفيلم بانه فيلم عن نفسه....Movie About him Selfs
من الممكن القول أن جميع افلام غودار تمتلك شيئا من هذه الصفة الاساسية الجوهرية،وهذا الأمر لم يقبله النقاد أيضا،على ان اقلام النقد بدت محايدة لاتستطيع ان تظلم فيلما بدت فيه معالم فنية ثورية واضحة حتى لو كانت غير واضحة،على ان الفيلم برمته لاقى دفاعا شرسا عنه من كبار مثقفين فرنسا باعتبار ان الفيلم فيلم فني بحت وفيه معطيات جمالية تبرز قدرة السينما على تشكيل اي عالم..
هل تعتقدون ان الحبكة ضرورية في هذا الفيلم؟!
بالتأكيد لا،فهذه الثورة الشكلية الحبكة فيها ضائعة الى درجة كبيرة وضروريتها تكمن لخدمة المضمون،فهو فيلم من حيث الرواية يمكن سرده يجمل قليلة،لأنه وببساطة فيلم بييرو المجنون هو فيلم من تلك الأفلام ذات العلاقة الكبيرة بالصورة.
بيارو(بلموندو) أو فرديناند لأن الوحيدة التي تدعوه بالفيلم ببيارو هي ماريان-آنا كارنينا-شخص متعلق بالأدب وبالفنون من كل نوع،وهو يقرر الانسحاب في جولة الى عالم خيالي ادبي مسقط والى درجة كبيرة على الواقع للهرب من تفاهات الحياة،والهرب مفتاحه عدم الرضا عما يدور من حوله سواء على المستوى الشخصي الفردي أو على المستوى الجماعي الاجتماعي...
الحبكة كما قلنا غير ضرورية،ولاتحمل اهمية كبيرة في الفيلم ومن الممكن روايتها بسهولة،ولكن العنصر الشكلي واعادة التشكيل السينمائي للعناصر التقليدية للسينما هي محور الضرورة الكبرى والهامة للفيلم..
وبغض النظر عن الاستقبال النقدي للفيلم والحفاوة التي يتمتع بها من الناحية النقدية والناحية الثقافية ايضا،والعمل على اعادة احياؤه وعرضه في المهرجانات الكبرى ولكنه-للأسف-لايبدو لي كواحد من افضل افلام غودار،بل مجرد نظرة متفحصة له مع مقارنة مع فيلم غودار الذي من المستحيل ان ينسى-بالرغم ان حبكته من الدرجة الثانية كما قلنا عنه-نجد فرقا شاسعا لايمكن انكاره بين مستوى كلا الفيلمين...
في خضم رفض بيارو حضور حفل ارستقراطي يقول لزوجته الباردة اتجاهه واتجاه كل شيء يفعله...اتجاه قراءاته وولعه بالسينما في خضم حديثها عن نوعية جديدة لملابسها الداخلية:
نحن الآن سوف ندخل (أو سوف نطرق باب) حضارة الردف(من الارداف)
في اشارة واضحة منه الى نقد الثقافة الاستهلاكية،وهذا الاختلاط بين كل المعطيات سيظهر جليا لاحقا في كل لحظات الفيلم حتى انه من الممكن القول عن بييرو المجنون بانه مجرد صورة انتقادية لما يدور في العالم برمته.
فبين استخدام الراوي-الذي نرى غودار مصر على استخدامه في كثير من افلامه بحيث بدا ميزة اساسية لافلام غودار-وتقسيم الفيلم الى فصول على شاكلة ادبية وبطل معجب بالعالم الأدبي بشكل عام،بحيث ليس من الغريب ان تكون الهواجس التي تدور في داخله اسماء على شاكلة (بلزاك) سنلاحظ ان غودار سيعمل على خلط أوراق كثيرة.
في ذلك الاحتفال يتابع بييرو مناقشات حول مشاريع برجوازية وهو بعيد كل البعد في تفكيره عن هذه التفاهات،ونرى غودار مع كل نقاش يغرق اللقطة بلون داكن،فنراه مرة يغرق اللقطة بلون احمر فاقع الحمرة ومن ثم أزرق داكن....
وبعد هذه الحوارات العقيمة مع متابعة نظرة (امريكية هولويودية) سطحية للأفلام والأمر برمته لاينقصه شيء من المجون يقرر بييرو الهرب على طريقته الخاصة بعد اتلافه لكعكة الاحتفال والقائها على الحضور...
بتعرفه العرضي على ماريانا رينوار التي تشاركه هموم الهرب الى عالم واضح منطقي ومنظم،وهي التي كانت متزوجة ذات مرة من امريكي تبدأ رحلة هرب داخلي ثقافي اكثر منه خارجي....
الجزء التالي-ونحن لسنا معنيين كثيرا بهذا التقسيم-بعنوان:
اليأس-الذكريات والحرية-الافضلية...الأمل
تقول ماريانا:أنه شيء مؤسف...الراديو يقول:115 رجل عصابات خسروا وربما ماتوا...وتتابع:
حتى الآن،أحدهم هو رجل ونحن لانعرف حتى من هو،ولانعرف ان كان يحب زوجته أو ان كان يملك أولادا...ان كان يفضل الأفلام أم المسرحيات...نحن لانعرف اي شيء...كل الذي قاله 115 شخصا قتلوا...
لو ظل الفيلم ينسج على هذه الشاكلة لتحول الى فيلم لأنتنونيوني أو ببيرغمان
الكلام السابق الذي سمعناه من ماريانا يؤكد موضوع الهروب،ويؤكد رفض الواقع،وبالتالي سيتطور الموضوع الى التعلق في عالم اكثر خيالا وفي نفس الوقت اكثر جمالا...عالم تختلط فيه كل الفنون الى ابعد الحدود بحيث سيصعب لاحقا فكها أو تقسيمها عن بعضها البعض...والعبرة والمغزى هو انتقادي بالتأكيد
في هذه الجمل سيتحقق ما نقول عنه بالضبط...
هذا الذي يجعل مني حزينة...الحياة مختلفة جدا عن الكتب...اتمنى ان يكونا متشابهين
وهذا يدفعنا الى القول بأن العالم الداخلي الذي سيهربان اليه عالم ادبي كتابي ليس بالضرورة ان يكون مفهوما ستلعب فيه الفنتازيا والاسقاط الفنتازي دورا كبيرا...
واضح-منطقي-منظم...هذا الذي تريد الوصول اليه
ثم ما موضوع اسم (بييرو)تحديدا؟ ولماذا هي مصرة على مناداته بهذا الاسم؟!
وفي نفس الوقت،لماذا هو مصر على ان تناديه باسمه الحقيقي فرديناند؟
قد يكون اسم بييرو مجرد اسم مسقط-حتى لو من دون سبب مفهوم-على هذا العالم الأدبي الخيالي الفنتازي الذي نتحدث عنه..
نقطة انقلاب العالم:
بعد هذا الحوار السابق،يبدأ (كما يبدو لي)انسحاب غير واعي من العالم الذي يعيشان فيه والذي نعيش فيه نحن ايضا،الى عالم من الممكن ان يكون شبيها جدا بعالم (اليس في بلاد العجائب)
وعندما نلاحظ وجود رجل ميت،من دون ان نعرف السبب بشكل واضح،وحتى لو اخضع بعض النقاد هذا الرجل لعدم منطقية الحبكة،ولكنه بالنسبة لنا وبحد ذاته مجرد اخضاع أو رغبة داخلية حتى لو كان لها تفسير فمن الممكن تفسيرها فقط بالرغبة بالخلاص من هذا العالم والعيش في العالم المسقط آنف الذكر،وسيختلط الواقع السياسي بالخط الأدبي الفنتازي لهذا العالم...حرب الجزائر...الاختفاء من حلم سيء
الموضوع برمته هو الهرب من حلم سيء(Bad Dream)....من السياسة...من المنظمات...من حرب الجزائر
وايضا وحتى لو لم ينطق بها...البيئة البرجوازية..مغادرة هذا العالم المتعفن
ومن ثم يبدأ الاسقاط على هذا العالم الذي قلنا عنه بأنه متخيل وربما يكون داخلي اكثر منه خارجي:
عالم الشخصيات الفيلمية الأمريكية...مواقف مصطنعة فيها الغباء حاصل على نمط لوريل وهاردي
يختلط المتصور بالفني....قصة حب من نوع آخر فيها اتفاق تام على الهروب من هذا العالم
فيختلط عالم الواقع بالمتصور...المفهوم في غير المفهوم والواضح في غير الواضح،وعلى نمط تكرار غودار الأدبي بالمصورـفي عالم لاتشكل الحبكة فيه اي شيء ضروري،عند ذلك من الممكن القول ان الفيلم قد انتهى...الفيلم قد انتهى فعليا سوى من اشياء على شاكلة:
مثل الظل...من خلال المرآة...رايت المقهى الذي قرر فيه فان جوخ قطع أذنه...
وبعد ذلك فقدت كل الاحساس بالوعي...تحركت للأمام قليلا...قليلا بيدي
ومن ثم،محاكاة أفلام وشخصيات هوليودية مع انتقاد حرب فيتنام،في تشكيل ومداخلات فيلمية تبدو مزعجة جدا،والمشاهد ضاع فعلا في هذا التشكيل الذي يخص كل شيء...كل هواجس غودار هنا في بييرو المجنون تحديدا تبدو واضحة...مسقطة بشكل غير واضح أو ربما غير مرتب...تشكيل يبدو مجنون على شاكلة العنوان
بييرو المجنون
هناك افلام،وهناك محاكاة لأفلام حرب عصابات،وهناك ادب وفن وموسيقى،وهناك انتقاد سياسي لحرب الجزائر وفيتنام وانتقاد للثقافة الأمريكية مع تلميحات قوية للقضية الفلسطينية واضحة ولكن على مضض.
وضمن كل تلك العوالم والأفكار-مضمونها الانتقاد-وضمن انتقاد كل الصراعات التي تخوضها دول العالم الثالث(الجزائر-كوبا-فيتنام-فلسطين)يحصل انتحار بان يلف بييرو عبوات ناسفة حول رأسه مع محاولة للتراجع ولكن الأمر تم...
يبدو أن غودار كان متوترا جدا عند صناعته لهذا الفيلم...
بلال سمير الصدّر
18/11/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث