الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملخّص لكتاب -ثلاثة وثلاثون يوماً في الطوفان- -3

دلشاد مراد
كاتب وصحفي

2016 / 9 / 29
السياسة والعلاقات الدولية



إعداد: دلشاد مراد
أتى ماهر إلى القائد ليخبره أنّه تمّ العثور على مكان يذهب إليه، فقبل الآن بحث الرفاق الموجودون في أوروبا، في جميع البلاد ومن جملتها إيطاليا على إمكانية البقاء، واستنفروا جميع العلاقات الدبلوماسيّة الصديقة الموجودة، لكن لم يحصلوا على نتيجة، وفي النهاية اتّصل الرفاق من إيطاليا وقالوا إنّه تمّ قبول القائد بشكل رسميّ من قبل وزارة الخارجيّة، وإنّه سيأتي من روما عدد من أعضاء البرلمان الإيطاليّ لمرافقة القائد.
وبعدما خيّم الليل في ذلك اليوم جاء مسؤول الاستخبارات الروسيّ برفقة السيّارات السوداء، دخل الغرفة التي يتواجد فيها ماهر، قال "حضرنا لنبعث رئيسكم بطائرة خاصّة من فوق الأراضي التركيّة إلى قبرص (القسم اليوناني)، هذا ما قاله لنا قائدكم بنفسه في المقابلات السابقة؛ بأنّه يستطيع الذهاب إلى قبرص اليونانيّة كبديل". في هذه اللحظة نزل القائد من الدرج بخطوات سريعة".
القائد: ماذا يحصل؟ من جاء؟
سيدار: قائدي إنّه مسؤول الاستخبارات الذي يأتي دائماً، سيبعثونك عبر تركيّا إلى قبرص اليونانيّة.
القائد: أيّ قبرص...؟ من يوجد في الداخل...؟
دخل القائد إلى الصالون، نهض الجميع، توجّه نحو مسؤول الاستخبارات، وقال بابتسامة يشوبها الاستهزاء: "لن أذهب إلى قبرص، بل سأذهب إلى روما".

الوداع الأخير للقائد

وفي المساء دعا القائد تايهان إليه، أخبره سابقاً بذهابه للمؤتمر. هذه المرّة توقّف على كيفيّة التصرّف عند الذهاب للمؤتمر، وقال: "عمليّة إعادة البناء من جديد يجب تحقيقها في أقرب وقت داخل الحزب.... على هذا الأساس ومع المؤتمر يجب تخطي المشاكل الداخليّة للتنظيم... عليهم ألا يتناولوا قضيّة خروج القائد من الوطن بسطحيّة، وأن يفهموها بشكل صحيح، لن أتدخّل كالسابق في جميع مشاكل الحرب والتنظيم، يجب تشكيل مركز جديد للحزب من الشباب، إفراغ المؤتمر من معناه مرتبط بهم ويتحمّلون مسؤوليّته".
وبعد ذلك تمّ التقاط صور الوداع الأخير للقائد، الفرديّة منها والزوجيّة والجماعيّة، بعدها أتى أحد الرجال الذين صنعوا جواز السفر. قال فور دخوله: "أعطونا جواز السفر الروسيّ الذي أعطيناكم إياه وجواز السفر الذي أتيتم به من سوريّا. والمناسب منهما سنختمه بتأشيرة الخروج". وبعد أن أتى موكب السيّارات التي ستنقل القائد إلى المطار، خرج القائد من المنزل مع مرافقيه، وهنا سادت مشاعر وعواطف جيّاشة الأجواء، عيون تايهان كانت ممتلئة ومحتقنة انسابت منها الدموع رغم محاولاته حبسها.
وفي كلمته الأخيرة قال القائد "حسناً، عشنا سويّة فترة تاريخيّة؛ أعطيناكم دروساً تاريخيّة، لم يبق أمامكم أيّ عائق من أجل النصر...! من الآن وصاعداً الأمر متروك لكم ومتوقّف عليكم". بعدها صافح القائد المرافقين فرداً فرداً، ليتوجّه مباشرة نحو السيّارة الواقفة في الحديقة. التفت للخلف وقال مبتسماً: "على أمل اللقاء في وطن حرّ..."، ثمّ جلس في السيارة بالقرب من النافذة، تحرّكت السيّارة، ومع تحرّكها رفع أصابعه بإشارة النصر من وراء الزجاج الخلفيّ للسيّارة، ولم ينزل أصابعه حتّى توارت السيّارة عن الأنظار....

اعتقال القائد في روما

وفي الطريق نحو القرية كانت الفرحة تطغى على عواطف تايهان وسيدار لأنّه وجد مكاناً آمناً وسليماً للقائد، وعند وصولهم احتشد الرجال والشباب والأطفال حول السيّارة عندما شاهدوها تدخل القرية، استقبلوهم بوجوه باردة متجعّدة ومتجهّمة… اندهش تايهان وسيدار! لما كانت عليه الوجوه، وتساءلوا عن سبب ذلك؟
أجابت إحدى الفتيات "أليس عندكم خبر...؟”
– وأيّ خبر...؟.
– ألقوا القبض على القائد؛ قبضوا عليه في إيطاليا.
– كيف حصل..؟ عندما ودّعنا القائد كان قد اُستدعي بشكل رسميّ... جاء الأصدقاء من إيطاليا.
– جميع القنوات التلفزيونية تعرض كيفيّة إلقاء القبض على القائد.
خرج تايهان وسيدار من داخل الحلقة، واتّجهوا نحو البيت ذي الطوابق الثلاثة الموجودة عند مدخل القرية حيث يوجد فيه تلفاز. فتحوا التلفاز الذي كان قد بدأ للتوّ نشرة الأخبار: "عندما أراد القائد أوجلان أن يذهب إلى إيطاليا من روسيّا تمّ حجزه في المطار وهو الآن رهن التوقيف". بقيا متسمّرين، الدهشة لم تسمح بخروج كلمة واحدة من فمهما... لقد أصيبا بالصدمة بكلّ معنى الكلمة؛ وانقلبا رأساً على عقب، لم يتلفّظ أحد بكلمة. أما تايهان فكان يدخّن السيجارة تلو الأخرى.
في القرية أطفال صغار، منهم من يذهب إلى المدرسة وآخرون التحقوا بدورات تدريبيّة على الغيتار والبزق والفلكلور والباليه. كلّما رغبوا في رؤية تايهان يذهبون إليه، فمن المؤكّد أنّهم يعثرون على شيء ليتحدّثوا معه، وتايهان يحاول دائماً تعليمهم أشياء جديدة، يهتمّ بهم ويحبّهم. جاء طفل عمره بحدود 4 – 5 سنوات إلى تايهان وهو يفرك عينيه الزيتونيتين، وبصوت رفيع ومرتجف قال: "ماذا فعلوا بقائدنا، إنه لم يؤذِ أحداً، لماذا لم تأخذوني إليه...؟ إنّه قائدي، إنّني أحبّه جداً...!". كان يمسح عينيه الدامعتين أثناء حديثه... داعب تايهان شعره بحنان، هو الآخر امتلأت عيناه، لكنه تمالك وقال: "لا تقلق، لن يحصل له مكروه، لن نسمح لهم بهذا، إنّنا جميعاً نحبّه كثيراً، حسناً...!". مسح الطفل الصغير عينيه المبلّلتين من جهة، ومن جهة أخرى كان يحرّك رأسه الصغير وكأنّه هو الآخر يقول حسناً.

لا تستطيعون حجب شمسنا

عند المساء كانت الأخبار تشمل العديد من أنباء العمليّات والفعّاليّات الجماهيريّة؛ فالشعب الكرديّ خرج في مظاهرات في جميع أنحاء تواجده في العالم، تحت شعار "لا تستطيعون حجب شمسنا"، إضافة إلى عمليّات الإضراب عن الطعام، مسيرات، تجمّعات... ناهيك عن الذين يحرقون أبدانهم احتجاجاً...".
كيف يستطيع إنسان أن يحرق نفسه بإرادته ورغبته...؟ أيّة قوة وإيمان يوصل الإنسان إلى تنفيذ عمليّة كهذه...؟
تحدّثت القنوات الأجنبيّة قائلة: "بهذا القدر وبهذا الشكل لم يقدّم الناس حياتهم من أجل النبيّ عيسى، ألا يدرك بأنّه يذهب إلى الموت، من أجل شخص يحرق نفسه بهذا الشكل...".
يقول سيدار "كان العالم في حيرة من أمره؛ هؤلاء الناس الذين خلقهم القائد أوجلان يظهرون ارتباطهم به حتّى الموت، ما هذه العاطفيّة وكيف تتجسّد...؟ يصعُب على الإنسان أن يفهم هذه العاطفة وهذا الشعور قبل أن يغدو لهيباً وناراً".
انضمّت القرية إلى العمليّات المستمرّة، بالإضراب المفتوح عن الطعام، كنّا نريد أن نسمع صوتنا أيضاً بهذا الشكل. الأطفال الصغار أيضاً رغم محاولاتنا الكثيرة لمنعهم كانوا يقومون بالإضراب بسرّية....
آذان الجميع تنتظر الأخبار بلهفة. كنّا نريد أن نسمع خبراً إيجابيّاً عن وضع القائد الصحّيّ. في أخبار المساء كان هناك تصريح على لسان القائد: "يجب أن تتوقّف عمليّات الحرق، بالتأكيد لأنّ القائد لا يقبل هذه العمليّات التي تحدث باسمه، بل يجب تحويلها إلى عمليّات الحياة الصحيحة".
في الصباح الباكر جاء تايهان إلى المكان الذي كان يجري فيه الإضراب عن الطعام، قال لسيدار: "تعال، لنتمشّى في الخارج". وبعد برهة بدأ الحديث: "هناك اقتراح لأحد الرفاق، أردت معرفة رأيك أيضاً، يجب أن يبقى حديثنا سرّاً، وألا يعرف به غيرنا نحن الاثنان". كلامه هذا زاد شغفي أكثر، حرّكت رأسي دلالة على الموافقة.
تايهان: أحد الرفاق اقترح بأن يحرق نفسه.
سيدار: من...؟ أيّ رفيق...؟.
تايهان: إنّه الرفيق جهاد. في الحقيقة إنّه ليس اقتراحاً لأنّه قرّر ذلك، وهو مصمّم على تنفيذها. ورغم جميع محاولاتي لإقناعه بالعدول عن رأيه هذا، يقول: "سأحرق نفسي من أجل القائد، افعلوا ما يحلو لكم، يجب أن يسمع العالم كلّه صوت مكاننا هذا".

هذه هي الإرادة التي خلقها القائد APO

جهاد هو أحد الرفاق الذين تعرّف عليهم سيدار عندما أتى إلى موسكو؛ جهاد رفيق متوسّط القامة، حنطيّ البشرة شواربه مهيبة، نظراته ساكنة وهادئة، من سرحد، انضمّ للكريلا في سرحد، قاتل في أصعب مناطقها التي تمتدّ حدودها حتّى أرمينيا، في الأوقات الصعبة كانوا يعبرون الحدود إلى القرى الأخرى. في إحدى المرّات عندما شدّد العدو من ضغطه، عبروا الحدود، لكن ألقي القبض عليهم من قبل حرس الحدود. بقي مع رفاقه في سجون أرمينيا عدّة سنوات في ظروف صعبة، لذلك فإنّ صحّته سيّئة، لكنّه رغم ذلك يدير الفعّاليّات بين الجماهير إلى جانب تلقيه للمعالجة.
بعد فترة قصيرة حضر جهاد أيضاً. دخل في الموضوع مباشرة مع سيدار: "هل ستساعدني في العمليّة التي سأقوم بها...؟!".
سيدار: رفيق جهاد هل تعرف أنّ هذا النوع من العمليّات يرفضها القائد، وأنت أيضاً تابعت الأخبار.
جهاد: أعلم، ولكن القبض على القائد بعد خروجه من هنا يعني أنّ روسيّا أيضاً تشترك في هذه المؤامرة، يجب أن نصرخ في وجه قوى المؤامرة الدوليّة لتدرك بأنّ القائد ليس وحده، وهذه العمليّة ستكون صفعة لروسيّا أيضاً.
سيدار: ولكن يا رفيق جهاد....
قطع جهاد كلام سيدار وتابع كلامه: "هل ستجعلون هذه العمليّة رسميّة في التنظيم...؟ إن حوّلتموها إلى عمليّة حزبيّة فإنّها ستكون ذات فائدة كبيرة للحزب وللتنظيم، أمّا إن لم تفعلوا ذلك سأحرق نفسي ثانية، لأنّني بذلك سأريح ضميري ووجداني على الأقلّ... وسأكون مرتاح البال… واعلموا هذا أيضاً؛ أنّني أفهمكم جيّداً... هذا القرار ليس قراراً لحظيّاً وعاطفيّاً، إنّه أمر من قلبي وعقلي...! صرخة وصوت نابع من ذاتي… توقيته هو يوم إظهار ارتباطي بالقائد من خلال هذه العمليّة. سأظهر للعالم أجمع تلك الإرادة التي خلقها القائد APO، الإنسان الذي خلقه APO، من أجل خلق ذاته، من أجل الشعب، من أجل كافة القيم الإنسانية، سأظهر كيف سأصبح صرخة من النار…!".


*نشر في صحيفة روناهي- العدد 329 / 25 أيلول 2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا