الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزر الهوائية /قصة قصيرة

يوسف الصفار

2016 / 11 / 2
الادب والفن


الجزر الهوائية
الرجل المتقاعد ما قبل التغير ..المهاجر بفعل خطب الدكتاتور ومكرماته الهزيلة .. وجد نفسه على حين غفلة وسط متاهات متفرقة من تسميات جديدة لا يعي اصولها .. سقوط ..مقاومة .... احتلال .. ومع صراخ الفضائيات وزعيقها ..تاهت عليه المفاهيم .... اشياء اخرى تستجد .. ما هذا الذي يراه الاخرون , وغاب عن ادراكه .. الحرية التي يتمتع بها انسته كل الام الماضي والحاضر معاً .. لكنه لا يزال لجوج يريد ان يصنع للبشر احاسيس تعوضهم عما فات...هدر من حياته سنين طويلة .. في بلاد الغربة والاغتراب , صادروا احلامه ... و في الوطن , السلطة القمعية , صادرت كل شيء.. واقعه .. احلامه .. وحتى احبابه ..عدد من السنين وضعوه في رعب , حتى يمكن صياغته وفق اهوائهم .. ارسلوه الى جبهات القتال واستثمروا طاقاته , ثم قالوا له ابتسم فسياتي الزمان الذي ينتصر فيه انسان البوابة الشرقية ..جعلوا بطنه خاوية ثم قالوا اصبر سياتي الفرج بعد حين ..واخيراً يعود الى الوطن بدون مستقبل , بلا زوجة او اطفال ... نصف قرن من حياته ذهب هباء.. هل يعاود بناءها من جديد بعد ان خسر من عمره الكثير.. اتصل به احد اصدقائه القدامى واسترجع معه احداث ايام زمان وناقشه عن الذي كان والذي سيكون .. صديقه تغافل عما كان واخذ يحدثه عن كيفية صنع الاموال .. (هاو تو ميك موني ) قالها بلهجة انكليزيه رقيقة ..سحبه الى حالة جديدة ..واعدة بحياة رغيدةً فيها امال عريضة , في جمع المال ومعاشرة التجار ..واقعية مفعمة بالرومانسية ..ارتضى من صديقه الدخول في مشروع , لكن المشروع التجاري اخذ يتلكأ بسبب او آخر وبعد ان استودع عنده كل ما لديه من اموال , غاب عنه صديقه فترة طويلة ,جعلته في حيرة من امره .. احتال على نفسه مرة ثانية وحاول الاتصال به ..ليسأله عن المشروع ..رتب مع نفسه بعض المعوقات واعاد حساباته ادرك انه سيجد معنى جديد لحياته يكمن في هذا الطموح ..واذا تتطلب الامر بعض التنازلات فليكن مستعدا لها .. لكنه عجز عن الاتصال بصديقه .. هناك شيء غير معقول في الهاتف المحمول ..توجه الى دار صديقه في احد الاحياء البعيدة ..خرجت عليه زوجته بوجه كئيب ممتقع انبأته ان صديقه ير قد في المستشفى وفي حال يرثى لها ثم استدركت في حديث طويل عن الجهد الذي بذله من اجل تجاوز محنته ..تناسى كل همومه وتوجه الى المستشفى ..الزحام شديد ..ليس امامه غير ان يراه قبل ان ينتقل الى مثواه الاخير .. المشروع التجاري بدا له وقد تحول الى مشروع انتحاري , فقد استودع لديه كل ما يملك , واذا مات صديقه جسديا ً فسيموت هو سريرياً .. في المستشفى كان صديقه مسجى .. بقى حائراً كيف سيكلمه عن الاموال امام هذا الزخم الهائل من اجهزة العناية المركزة .الصديق فهم القصد ..وبإشارات معينة اوضح له ان امواله لا تزال بخير ولم يتصرف بها ويقدر ان يسال زوجته عنها .. ضغط على يد صديقه وقبله من جبينه ودموع الفرح تفيض من عينيه ..صديقه فهمها انها دموع التأثر.. عناده يعيده من جديد للامساك بالزمن الضائع خوف الافلات.. عناده دفعه الى ان يبحث عنها .. حبه الاول .. لم يبقى له شيء يجعله حقيقياً غيرها بعد وفاة صديقه .. كان قد هجرها يوم انكفأ على دواخله القلقة بفعل شعارات الزمن الصعب ... ابتعدت عنه و تجاوزت ذكريات الشوق والحنين , تركت مساحات خالية في وجدانه المتعب ..العلاقة ليست عابرة انها سنين عمر....الرجل المتقاعد ..ما قبل التغير.. بفعل خطب الدكتاتور ومكرماته الهزيلة .. يعاود من جديد الحلم بحياة ما بعد منتصف العمر ..ليس امامه غير ان يبحث عن اشعاعات الماضي البعيد التي لا يمكن نكرانها او نسيانها ..فهي ثمرة الحاضر في الحب او في السياسة ..اخذ يسال عنها من جديد وعن طريق المعارف والصدف عرف انها لازالت كما كانت بوجهها الحنطي المترف .. فقط فقدت زوجها وترملت وتعيش مع اطفالها الصغار وحيدة في بيت ناء ..اذن هي بحاجة الى رجل مهما كان .. وكيف وهو موجود يمثل الامل والغبطة والاستقرار , وبمزيد من الثقة ونكران الذات ,سوف يحدثها عن الذي كان والذي سيكون , ويفتح امامها الابواب المغلقة لحياة جديدة موعودة ....لكن الهاتف المحمول يصدح بصوت غير معقول ويتحول في يديه الى سوط يسلخ جلده واوهامه ( ..من تكون حتى تسال عني ..؟ وما الذي تريده مني بالضبط ..؟ ادخل في صلب الموضوع ) وهي تتكلم اخذ يسال نفسه .. ما هذه الطريقة الفجة في الحديث ومن تكون هذه المرأة التي تتحدث كما لو كانت في احد الندوات الحزبية.. اي صلب تقصد ؟ الصلب له عدة معاني .. في لغة اهل الفلسفة يسمى الجوهر وفي لغة اهل العلم هو الحديد المقسى ..... صرف سنين شبابه في شغف حب مغدور .. كان حبها اشبه بالعبادة في ذاك الزمن الغادر ..ما الذي حولها الى انثى من حجر في هذا الزمن الفاتر ..؟ ما هذا النكران والغرور ؟..اي موضوع الذي تريده ان يدخل في صلبه بعد كل ما جرى ؟ ..اغلق الهاتف الملعون وارتمى على ضهره .. اخذ يفكر في الزمن والحياة.. هل يعيش الزمن وينسى الحياة ؟ ام يعيش الحياة وينسى الزمن ؟ ..مع الزمن تصبح الاشياء نسبية , وفي الحياة يسطر الاوهام ويصدقها , وهو الان يحرك عجلته بزخم ,وكان دواليبها ستبقى تدور رغم الحزن والالم ... نصف قرن من حياته عاشها فوق جزر هوائية واهية.. لا مستقر لها .. نضر نحو السماء المرصعة بالثريا .. فاضت عينيه بدموع من الشجن الحقيقي هذه المرة.. حينها ادرك ان الحرية هي الجزيرة الوحيدة التي يمكن له ان يمتلكها..
انتهت
يوسف الصفار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع