الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة من فلسطين إلى سوريا

طيب تيزيني

2016 / 11 / 8
مواضيع وابحاث سياسية




كان المشروع الفلسطيني يوماً ما، هو المشروع الأم الذي حصل في حينه على إجماع شبه كلي من الدول العربية، وينص على أن إسرائيل جسم غريب على الوطن العربي تاريخياً وسياسياً.. إلخ. ولكن الحربين العالميتين أسهمتا -مع تفكك العالم العربي استراتيجياً، وأرضاً وشعباً- في بلبلة الحالة التاريخية المتوارثة، إضافة إلى الأخرى المعيشة بفعل المشروع الاستعماري الغربي وامتداداته ورسوخ أعبائه في العالم العربي نفسه، مع إضافة أن المشروع الاستعماري إياه كان في عنفوانه الذي تمثل في محاولات تفكيك الخريطة العربية اقتصادياً وديموغرافياً وسياسياً وثقافياً.

وكان ما كان، حين اقتطعت فلسطين من أرضها وشعبها، وتحت مأساة عملية تهجير الشعب الفلسطيني من بلاده إلى جهات العالم الأربع. فتمّت بذلك المأساة العربية الأولى الحديثة في شقها الأول ضمن هيجان التدفق الاستعماري. وكان ذلك في النكبة عام 1948، فكان هذا ما حذر منه في بُعده الاستراتيجي المفكر العربي النهضوي نجيب عازوري في كتابه المؤسس «يقظة الأمة العربية»، حين وضع الأطروحة التالية: «إن ظاهرتين مهمتين، متشابهتي الطبيعة، بيد أنهما متعارضتان، أعني يقظة الأمة العربية، وجهود اليهود -الصهاينة- الآتين لإعادة تكوين مملكة إسرائيل اليهودية الصافية! ومصير هاتين الحركتين أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر إحداهما على الأخرى».


وإذا كان كلام عازوري ذاك ما زال محتفظاً بمصداقيته، إلا أن عوامل أخرى نشأت بعده لتصادق عليه، وخصوصاً مع نشأة «الدولة التسلطية» في بعض جمهوريات العالم العربي، ومن خصوصيات هذه «الدولة» أنها ذات طابع شمولي في البلد الذي يعيشها، وكان من خصوصيتها أنها تسعى لإفساد منْ لمْ يُفسد بعد، بحيث يصبح الجميع ملوثين ومدانين تحت الطلب. وتحت تأثير المال والفساد الأخلاقي والسياسي وغيره، مع الإشارة إلى أن عملية الإفساد هذه تشارك فيها إسرائيل وآخرون كُثر.

والآن ضمن الأوضاع العربية الراهنة المتسمة بالفقر المدقع وبغياب الآمال والأحلام المجدية، وتفكك الطبقات الوسطى الاجتماعية وغياب الحرية والديمقراطية، وغيره كثير جداً، وفي مقدمته تعاظم الاستبداد الأسود، مع الإفساد والاستئثار بكل مظاهر المجتمع من إعلام خاص وعمومي، وهبوط لبعض العملات العربية ودمار اقتصاد معظم الدول العربية، نقول: ضمن هذه الحاضنة الهائلة في تصدعها، جاءت حركة «الربيع العربي»، لتواجه بأكثر الأسلحة الحديثة قدرة على التدمير وإحداث خراب مفتوح بأطراف وكوارث إنسانية مع صمت لافت من قبل المنظمات العالمية. ها هنا يتصنّع الشبه الهائل واللافت بين سوريا وفلسطين، لقد هُجِّر شعبا فلسطين وسوريا من بلديهما، وبدأ الباحثون والمؤرخون يضعون أصابعهم على نقاط التوافق بين البلدين للارجعة لشعبيهما إلى وطنيهما، مع ملاحظة أن إسرائيل استطاعت أن تخترق الساحة السورية على أيدي مجموعات من الداخل والخارج. وهذا راح يؤكد عليه من موقع أنه لا يجوز لبلد عربي أن ينجح في مشروع السيادة والاستقلال والبناء الداخلي الديموقراطي. لأن من شأن هذا، إنْ نجح، أن يشكل خطراً عليها راهناً ومستقبلاً.

وفي ذلك كله، برز نمط من التفكيك العربي يُخشى أن يؤدي إلى إسقاط المشروع العربي كله، في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ذلك هو إحداث ما أثبت فاعليته في أوقات تاريخية سابقة، الصراع الطائفي، وكان ما كان، حيث راحت تظهر مجموعات كثيرة متكاثرة من الحركات الطائفية، التي إنْ عمّت، عمّ البلاء في العالم العربي. وأتى ما يصنع من الشعوب شعوباً قادرة على الفعل التاريخي، فتأسيساً على ظهور خطر «داعش» وغيره من التسميات الطائفية وكذلك الإثنية والعرقية والمذهبية والشعبوية والمناطقية، وغيرها كثير جداً من مثل ميليشيات «الحشد الشعبي»، و«عصائب أهل الحق»، و«الحوثيين»، و«الحسينية»، و«فتيان الحسين».. إلخ، إضافة إلى الشيعية والسنّية و«حزب الله».

لنتصور هذا الخِضم الهائل من المذاهب والطوائف، الذي أصبح الآن سيد الموقف في العالم العربي، الذي اختُرق من طرف إيران، واحتُلَّ قسم منه هو سوريا، وأصبح شذاذ الآفاق من تابعي الطوائف هنا وهناك، لنتصور هذه الحالة الكاسحة للشعوب العربية، لنتبين أننا الآن أمام عصر طوائف يعرّض العالم العربي للتهشيم والتقسيم والتفكيك والإذلال إلى حد القتل، ونعرّج على ما تصنعه إسرائيل الصهيونية بسكان فلسطين العربية، ونتابع بعد ذلك الانقضاض العالمي على سوريا والعالم العربي عموماً!

فثمة حالتان اثنتان نموذجيتان تمثلان ما أصبح العرب عليه من عار وشنار وتعرُّض للقتل بكل وسائله، إضافة إلى ترحيل سكان العالم العربي عن موطنهم من طرف، ومن طرف ثان ما حدث في إسرائيل حين أقرت منظمة اليونيسكو بأن «البلدة القديمة بمدينة القدس وأسوارها إنما هي إسلامية الانتماء!». لقد قامت قيامة إسرائيل، وطردت ممثل اليونيسكو، عندها وبالتوافق مع إيران معلنةً حربها ضد أنصار هذا الرأي. والشيء بالشيء يذكر، فروسيا الاتحادية برئيسها بوتين، تعلن موقفها من سكان حلب: إما يخرج الحلبيون من مدينتهم، وإما يقصفون! أما «الحشد الشعبي» العراقي الطائفي الملالي، فيعلن بوضوح وباللغة الشيعية الطائفية: نحن قادمون يا رقّة (السورية)! هكذا هو الموقف إذن.. فما العمل؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا