الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-التسوية التاريخية-.. هرب للأمام وعودة لاقتسام الغنائم

صادق الازرقي

2016 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في البداية لابد لنا من تعريف مفهوم الهرب إلى الإمام الذي يعني بحسب المختصين واللغويين، القفز على الحقيقة واختراع أوضاع جديدة تسويغاً لتقصير وتجاوزاً لخطأ قاتل. وكلامي هنا أعني به ما يثار في بعض وسائل الاعلام هذه الأيام بشأن "التسوية التاريخية".
وبغض النظر عن الجهة التي روجت لما اسمته التسوية الوطنية او التسوية التاريخية فيمكن القول باعتقادي ان المشروع ولد ميتاً او انه يموت بمجرد التوهم بتنفيذ فقراته. وجل ما يعنينا هو هذا بالذات أي فحوى ما تسرب الى وسائل الاعلام من فقرات تلك التسوية.
انا لست بصدد مناقشة "مبادئ" صيغت بكلام منمق تجاوز الف وستمئة كلمة من دون ان يشخص مكامن الاختلال في الجرح العراقي النازف، و اهمل أس المشكلة و تغاضى عن الحلول؛ فاكتفى واضعو البيان بعبارات هلامية لن تضع العلاجات الشافية لندوب البلد المتفاقمة.
المادة 3 من الفقرة خامساً من أسس التسوية على وفق بيان المبادئ التي نشرت في بعض وسائل الاعلام تنص على "تصفير الأزمات بين الأطراف العراقية"! فكيف يتم تصفير الازمات؟! هل يعني ذلك اننا نصفح عمن بدد مئات المليارات من الدولارات من خزينة الدولة من دون ان يحقق شيئا.. وهل يتوجب علينا ان نوقف متابعة السارقين من وزراء الحكومات السابقة من الاحزاب الحاكمة الذين استغلوا جنسية بلدانهم الاخرى بعيداً عن المحاسبة ليهربوا بأموال الناس.. وهل نطالب القضاء بإيقاف متابعة الفاسدين والمجرمين. هل يجري التصفير وايقاف المساءلة عمن جعل السكان نهبا للبطالة والانهيار الامني وضياع اراض واسعة وتركها تحت سطوة التنظيمات الارهابية.. وهل.. وهل.. فهناك كثير من التساؤلات.
يدعو البيان الذي جاء فيه انه "مبادرة تمثل رؤية وإرادة قوى التحالف الوطني لتسوية وطنية تنتج مصالحة تاريخية عراقية"، الى "الالتزام الفعلي بضرورة التوزيع العادل للثروات على أساس النسب السكانية للمحافظات"!، كما ويعد "المياه والأنهر والبحيرات والسدود والآثار والمواقع الآثارية ثروة وطنية لجميع العراقيين"!، وتلك عبارات لن تنفع في انقاذ الناس من محنتهم، اذ يحق لنا التساؤل هنا: من الذي يوزع الثروات في تلك المحافظات.. و ما الضامن لأن يتسلم السكان مستحقاتهم من ثروات البلد في ظل تفشي الفساد في جميع مفاصل الحكومة والدولة "اذا كانت لدينا دولة"، يفترض بنا اولاً ودائماً ان نحارب الفساد والمفسدين ونجتثهم، اما كون المياه وغيرها ثروات فتلك بديهية لا ضرورة لمناقشتها.
من اكثر العبارات غرابة ما اورده البيان عن ان المبادرة "ترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب"، فهل يعني ذلك ان الاطراف السياسية المتنفذة التي تاجرت بدماء العراقيين واموالهم وفرطت بمصيرهم ومستقبلهم ترفض الاقرار بما ارتكبته وما تسببت فيه من مآس .. ان تلك الفقرة تعطي الفاسدين والسارقين وكذلك المجرمين اقراراً بالتهرب من المساءلة وصفحاً عن الجرائم المرتكبة.
اما مطالبة الامم المتحدة بالتعهد بتحشيد الدعم لعملية المصالحة الوطنية بحسب ما ورد في المادة 8 من "مدخل التسوية" فيمثل بحد ذاته اعترافاً بالفشل المريع في تحقيق التواؤم بين السكان برغم وزارات ومؤسسات المصالحة الوطنية التي أنشأت والاموال الهائلة التي صرفت لتحقيقها ولم تنفع إلا في الحصول على صور سياسيين وهم يتصافحون او يبتسمون احتفاء بمصالحـا"تهم" وهي وطنية و تاريخية ايضاً بحسب ما اعلن كثير منهم في حينها!.. فاذا كنا عاجزين عن تحقيق المصالحة فيما بيننا فكيف نطلب من الآخرين تحقيق ذلك؟
اتذكر انني كتبت في مقال سابق لي عام 2015 و مع ارتفاع نغمة المطالبة بالمصالحة اثر اعفاء نواب رئيس الجمهورية من مناصبهم "ان المصالحة التي يعنى بها السياسيون لاسيما المسؤولون منهم التي هي رديف المحاصصة والتوافق و الشراكة تعني التصالح فيما بينهم بمعاودة اقتسام الغنيمة، وربما يكون احد اوجهها في الوضع الحالي مطالبات بإعادة تعيين نواب رئيس الجمهورية و نواب رئيس الوزراء المقالين الى مناصبهم بحجة ان اعفاءهم غير دستوري، وكذا التراجع عن التعهدات التي اعلن عنها ـ على قلتها ـ بسبب تظاهرات الشارع وليست لأي سبب آخر"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=488048
وقلت ايضاً ان الصلح يجب ان يجري مع ملايين العراقيين الذين يعيشون من دون عمل وسكن عن طريق الارتقاء بحياتهم وضمان مستقبلهم ومصير اجيالهم، وعدا ذلك لا توجد مصالحة أخرى، لأن سارقي خيراتنا من شتى الأديان والطوائف والقوميات؛ اما ضحاياهم فانهم من ذات "الانتسابات" الاثنية...
اما الآن، فأرى ان "التسوية التاريخية" أو "الوطنية" التي تثار من قبل بعض المسؤولين المتنفذين في هذه الايام هي استكمال أيضاً لمسلسل المحاصصة والتوافق والمشاركة تلك الامور التي جلبت الخراب والويل للبلد، وهي محاولة جديدة لإعادة ترتيب الاوراق والادوار بين السياسيين بعد فشلهم المريع في بناء البلد؛ من اجل إعادة توزيع المكاسب والمغانم كرة اخرى فيما بينهم بمعزل عن اغلبية الشعب التي تطحنها الازمات المعيشية والامنية.
الحل يكمن بتحسين الاوضاع والارتقاء بالبلد والسكان ويتطلب ذلك اجراءات فورية وثورية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الناس بغض النظر عن محافظاتهم وقومياتهم واديانهم، بل بصفتهم البشرية؛ بل ان الحل الوحيد يكمن في الأساس بتكوين دولة غير دينية وغير طائفية وغير قومية، دولة مدنية علمانية تعطي لكل ذي حق حقه وتعاقب المقصر على وفق القانون.. وبشأن أزمة الحكم الحالية فان من يقول ان المشكلة تكمن في عدم توفر الاموال فهو واهم، والدليل ان قادة الائتلافات والاحزاب المتنفذة يتنعمون في ارقى المنازل ويتصرفون بالأموال على هواهم وينشؤون ويديرون عشرات القنوات الفضائية التي تكلف كل واحدة ملايين الدولارات.. المطلوب قرارات حازمة تنصف الفقراء ومحدودي الدخل وتلك الامور الحيوية هي ما يجب ان تنص عليه التسوية الوطنية او التاريخية اي تسوية مع الناس وليست بين قادة القوى السياسية الذين اثبتوا فشلهم وفسادهم طيلة السنين الماضية بإقرار الجميع بمن فيهم هم انفسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة