الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحيين المشروع الفلسفي عند طيب تيزيني وسط عنف التحولات المجتمعية

زهير الخويلدي

2016 / 11 / 25
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


" إن اكتشاف الخاطئ والزائف في العملية المعرفية هو ذاته وجه من أوجه هذه العملية ، أي التقدم المعرفي"1

تعيش الثقافة العربية في هذه الأيام حيرة كبيرة نتيجة الصدمة التي ولدتها تصدعات الأنظمة الشمولية والتداعيات التي رافقت حركة الاحتجاج التي خاضها الشارع العربي ضد الأنظمة القمعية بطريقة سلمية ومدنية في جانب منها وبطريقة عنيفة وجذرية في جانب آخر ولقد شاركت الفئات المضطهدة (الشباب والعمال والمرأة والمثقفون) في هذا الزخم النضالي أملا في تحقيق الاستفاقة والقطع مع الماضي الشمولي.
في هذا السياق المضطرب يحتاج الفكر العربي إلى نفض الغبار عن مشاريعه النهضوية الكبرى من أجل إعادة طرح الأسئلة الجدية وتحيين أنظمته المعرفية ومنابته القيمية والروحية بغية فهم متغيرات التاريخ.
من هذا المنطلق وقع الاختيار على الدكتور طيب تيزيني الذي يعتبر من الرواد في مسألة الاهتمام بالتراث وتطبيق المناهج المستوردة من العلوم الإنسانية على الموروث الثقافي القديم وتوظيف المقاربة الفلسفية من جهة الشبكة المفاهيمية والتصورات النظرية في نقد الواقع الاجتماعي وتحليل الخطاب السياسي وتقديم مقترحات استشرافية أثبتت التجربة التاريخية والسياسية بعض من وجاهتها التنبؤية ومعقوليتها التفسيرية.
علاوة على أن تيزيني يعد من القلائل في الطيف اليساري العلماني الذين تناولوا الظاهرة الدينية بطريقة غير متحيزة وعير متحاملة وخارج إطار النظرة التبجيلية الإعتقادية التي تنتهي إلى الإحيائية والإيمانية ، بل انه قد راهن باكرا على الوضوح المنهجي والإصلاح الديني من اجل بلورة النهضة والتنوير العربي.
لكن من هو طيب تيزيني (الإنسان والمناضل والمفكر)؟ وما طبيعة مشروعه الحضاري؟ وهل امتلك مشروعا فلسفيا على وجه الحقيقة؟ وكيف تعامل مع التراث؟ والى أي مدى ظل وفيا لشعار الثورة الذي رفعه باكرا؟ وماهي يا ترى المواقف الجدية التي ميزت سيرته الذاتية؟ وأين ساعدته فلسفته السياسية على حسن التموقع في زمن التحولات الكبرى؟ وكيف حقق التوازن بين الولاء للمبدأ والانتماء للوطن؟ وبأي معنى طرح قضية النهضة في الوطن العربي؟ وماهو المنهج الذي اعتمده ؟ هل تخلص من المرجعية الماركسية في قراءة الفلسفة العربية أم حاول قدر الإمكان مغادرة الأحكام الايديولوجية؟ ولماذا تراجع دوره الطليعي في زمن الفضائيات؟ ومتى تستعيد الثقافة العربية رموزها التنويرية ويعاد الاعتبار إليهم؟ بماذا استفاد من حواره مع الجابري والمرزوقي؟ ماذا عسانا أن نقول اليوم حول جهوده التنويرية؟ هل قام بمراجعات لمشروعه وأنجز نقده الذاتي؟ كيف استعاد ذاتيته بنقد تمركز الثقافة الغربية على ذاتها؟
والحق أنه يصعب تقديم مشروع الدكتور بصورة شافية وضافية وذلك لعدة أسباب ومعوقات أهما: التداخل بين المعرفي والإيديولوجي وبين النظري العلمي والعملي السياسي في فكره، ثم الدقة الأكاديمية والعمق التنظيري والصرامة المنهجية وعسر اللغة التي يكتب بها، وأيضا التناقض الذي تميزت بع عمليات التلقي لتأليفاته والتضارب في تفسير نصوصه ومواقفه.
لكن إذا أردنا إنارة الرأي العام الثقافي وتوضيح الدروب المعرفية التي سار فيها تيزيني في مشروعه يمكن أن نوزعها إلى عدد من الكشوفات العلمية والحركات الفكرية والمنعطفات الأنطولوجية والمكاسب الإيتيقية:
- لقد حاول تبيئة الفكر الماركسي ضمن التاريخ الفكري العربي الوسيط من جهة التنظير الفلسفي وشارك في النضال السياسي من زاوية الالتزام العملي من أجل تدعيم البراكسيس الجماعي.
- كما قام بقراءة الواقع الاجتماعي الراهن على ضوء المنهجية العلمية وطبق نظريته الجدلية على التقاليد والتراث والماضي العربي موجدا تفسيرا للتاريخ العربي على ضوء الظروف المادية.
- كما أقر بأنه لا يتم التغيير الاجتماعي عن طريق الدفع بالاحتدام بين الطبقات وإنما تساهم فيه مختلف الشرائح الاجتماعية ضمن تجربة للنضال الديمقراطي يتناقض فيها المجتمع المدني مع المجتمع السياسي.
- لقد آمن بإمكانية تشريك الدين في عملية التحول المجتمعي وذلك بالعودة إلى الفكر السياسي العربي الوسيط من أجل فهم التجربة الإيمانية ومقاومة الفساد المتفشي والتصدي لانغلاق العالم السياسي.
- لقد حاول إثبات أن الفكر العربي، بما في ذلك ما قبل ظهور الإسلام، هو جزء من تطور تاريخ الفكر الإنساني ويقبل القراءة الجدلية المادية بالرغم من تطوره وازدهاره في ظل الحضارة الإسلامية.
- لم يكن يقبل بفكرة المركزية الأوروبية التي تنزع عن الفكر العربي (الإسلامي) أصالته الخاصة به وتجعله مجرد حامل للفكر اليوناني القديم ويجب نقد الإستشراق دون الوقوع في الاستغراب.
- لقد اعتبر بوابة الخروج من سيطرة الفكر التقليدي تكمن في إعادة القراءة التاريخية للفكر العربي باعتباره جزءا من التاريخ الإنساني والنظر إلى استئناف الفكر العربي كجزء من تطور الفكر الإنساني.
- لقد اهتدى إلى أنه لا يمكن فهم الثورة الفكرية الثقافية والاجتماعية على أنها نفي كلي للتراث، بحيث ينبغي تكوين “بداية” جديدة كليا بل يجب الانتقال من التراث إلى الثورة من خلال مشروع قراءة جديدة تنبني على التعددية المعرفية وتتجاوز المنهج الجدلي بالحوار العقلاني بين الاقتصادي والاجتماعي.
- لقد أقام علاقة منهجية بين الفلسفة والدين، لا تستبعد في الفلسفة الدين وإنما تقرر"بالتمايز النسقي" بينهما وبأهمية احترام كل مجال منهما للآخر وبألا يتدخل الواحد منهما في آليات الآخر ومساره، وكذلك ألا يبدل أو يحكم على النتائج التي تنجم عن نشاطه البحثي أو التأملي.
- لقد عول على السؤال التراثي في سبيل تطويرالمشروع الديمقراطي وترك مكانا للدين في قيام الدولة المدنية وراهن على الجانب النير من التراث وما يحمله من قيم التعاون والتعاضد والتضامن في مواجهة الجانب المظلم والرد على القوى التي تجذف إلى الخلف، وحلم ببناء كتلة تاريخية تكرس التعددية وتعقلن الصراع وتزرع الأمل.
لقد أراد تيزيني تأسيس لفلسفة عربية معاصرة تقدمية، ذات بعد تاريخي تراكمي، تهتم بمسائل الحرية والذاتية والديمقراطية والحقيقة وتنقد الإيديولوجيا وتراجع مقولة الثورة وتقتصر على الإصلاح والنهضة والتنوير العربي ولكنه اصطدم بالكثير من العراقيل والمعيقات وكذبت الأحداث المتسارعة العديد من القراءات وتم عزل المثقف واستبد الداعية بالمشهد، فماذا بقي من المشروع الفلسفي للدكتور طيب تيزيني يمكن غنمه في الوقت الراهن؟ والى أي مدى يعتبر قد فتح الطريق ودشن صفحة جديدة لغيره من أجل قراءة مستنيرة للتراث ومهد لحنفي والجابري وأركون والعظمة وأبي زيد؟ وماهي أسباب التحول الذي يطرأ على المفكرين العرب في اختتام أعمارهم وانتقالهم من المحافظة والتقليد إلى الإصلاحية والتجديد ومن الثورية والتقدمية إلى اللبيرالية والتراثية؟ هل يكمن الخلل في العقل العربي الذي يفتقر إلى عملية البناء والتراكم أم نتيجة غياب الثقة وضعف المقاومة في المنجز الفكري العربي بعيد اصطدامه بالحداثة وتعرضه لموجات التفكيك المعولم؟
( جزء من الورقة التي قدمت بمناسبة تكريم جمعية منتدى الجاحظ وكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، رقادة، القيروان، الجمهورية التونسية، بنزل القصبة ، مساء يوم الاثنين 21 نوفمبر 2016)
المراجع:
1- تيزيني (طيب)، فيما بين الفلسفة والتراث، الفصل الخامس عشر، أنظر كتاب الفلسفة العربية المعاصرة، مواقف ودراسات، بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988، ص406.
2- تيزيني (طيب)، من التراث إلى الثورة، مشروع رؤية جديدة لفكر العربي، الجزء الأول، دار ابن خلدون، بيروت، لبنان، طبعة أولى، 1967، في 12 جزء.

كاتب فلسفي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام