الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى الجسم البشري - تجارب (1)

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2016 / 11 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قبل أكثر من ثلاث سنوات، كتبت موضوعا بعنوان "معنى الجسم البشري" ونشرته على حلقتين. كان الهدف من المقال هو تحدّي الجسد، كمُعطىً غير مرن، ناتج في معظمه عن التاريخ الجيني للفرد، تحدّي الجسد من خلال التفكير والعمليات العقلية التي وإن كانت تنتج عن نشاط الدماغ –الذي هو جزء من الجسد- إلا أنها مستقلة عن شكل الجسد وأبعاده وقوّته، وهي العمليات التي تبدع وتخلق وتمثل القيمة الأعلى للفرد، بل إن هذه العمليات هي التي تتذوق جمال الجسد أو جاذبيته وهي التي تخلق أكثر السيناريوهات إثارة بخصوصه.

وتزداد أهمية العمليات العقلية عن أهمية الجسد حين نتفكّر في ما قد يعدنا به مستقبل الطب والتكنولوجيا بخصوص زيادة مرونة تغيير وتشكيل الجسد أو حتى استبداله، أو حتى نقل الوعي إلى أجهزة كمبيوتر، وإدراك الجسد والجنس والحواس داخل واقع محاكاة يمكن لأي فرد فيه أن يختار الأفاتارالذي يريده، متحررا من شروط الجينات والوراثة. والحجة الرئيسية هنا هي أنه إذا أمكنك أن تتخيل أن جسدك مختلف، فهذا لأن خيالك متجاوز لجسدك، وذاتك ليست محصورة في صورة جسدك أو أبعاده، فأنت لست جسدك، ولستَ بالضبط جيناتك، لست جيناتك تماماً، وإن كانت جيناتك ساهمت في تفكيرك. لكنك بالتأكيد ذاكرتك، أنت ذاكرتك، ومن هنا سأبدأ بالتجربة رقم (1): المسخ إلى قط

لو أخذنا قطا من الشارع، وأمكننا أن نحمّل كامل ذاكرتك عليه، أي أننا حملنا دماغك وركبناه على جسده فإن هذا القط سيصبح أنت فجأة أو ستصبح أنت القط، وسيبدأ القط يفكر بشؤونك، وسينظر إلى جسده ويفكّر "لن يعرفني أهلي الآن حين أعود إليهم بهذا الجسد"، وسيمكنه أن ينطق، ويستعمل وظائف دماغك العقلية والوجدانية، وسيكون بإمكانه أن يتذكر أفعالك، وانفعالاتك السابقة، وممارستك الجنس مع فرس بشرية حجمها يفوق حجم القط بكثير. لن يمنعك جسدك الجديد من أن تظلّ أنت، فأنت متماسك بذاكرتك، لا بحجم ذراعك ولا بطول ساقك ولا بلون بشرتك.

هل ستحتقر نفسك بعد ان يصبح جسدك جسد قط. هل ستنظر لنفسك على أنك لم تعد جديرا بما كنت جديرا به من هيبة وملذات وجنس حين كان جسدك جسد رجل آدمي. إن هذه التجربة تحدث فعليا لكل من يتاح له أن يعمّر ويشيخ، ولكن بتدرج شديد. فالشيخ يتحسّر على ما لم يعد متاحا له، ويكفي أن يتذكر أجساد الشابات التي كانت تتاح له في شبابه، حتى يشعر باستفزاز شديد، ويتحسّر. ولكن الحل الجماعي الذي ابتدعه البشر وراكموه لتجنب هذا الأمر في هذه الحالة هو الأدوار الاجتماعية، وإحاطة الشيخوخة بالاحترام، فالشباب يحترمون الشيخ وعليه هو في المقابل ان يحترم نفسه ويزهد في اجساد الشابات، والشباب يحترمونه حتى يضمنوا احترام الآخرين لهم حين يشيخون هم. إن البشر يتكيفون مع محدودية الجسد وقصر عمره وإمكانية تدهوره، عن طريق خلق الأدوار الاجتماعية وعن طريق التعاطف مع الشيوخ والمرضى والعاجزين.

أنت ذاكرتك. أما تاريخك الجيني فهو يلقي بظله على وعيك ونشاطات دماغك ولكنه لا يحددك تماماً، هو يحدد صفات جسدك بنسبة عالية جداً، لكن في ما يخص تفكيرك ووعيك وخيالك فجزء كبير منه مكتسب ومرتبط باحتكاكك بالعالم و-الأهم- بالآخرين.

لا عجب أنك تجد في الميثولوجيا أن الوعي يأخذ أشكالا متعددة ويتغير وعاؤه من شكل إلى آخر بالميتامورفوسيس، فالجسد مظهر، وقوة الفرد ليست في حجم عظامه أو صلابة عضلاته بل هي قوة ذاته، طاقته، أو "إرادته"، وهذه الإرادة هي التي تشكل العظم وتنحت العضلات. فالوعي الجبار لا تطاله شيخوخة، وإنما ينتقل ذلك الوعي إلى جسد آخر أو "يتخذ" جسدا جديدا ينحته نحتاً مثالياً يجذب العين ويثير الشهوة، ويقتدر على التعامل مع قوى العالم الفيزيائية.

ولو تم تركيب وعي لليرقة ثم تحولت إلى فراشة، فنظرت إلى المرآة، وتذكرت أنها كانت يرقة وأصبحت فراشة، وقارنت ما هي عليه بما كانت عليه، فهي ستدرك أناها الهائلة، الساكنة خلف خلف اليرقة وخلف الفراشة.

http://1ofamany.wordpress.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة