الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر لاعب محتمل في نظام عالمي جديد

محمد السعدنى

2016 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ضمن تصاريف الدنيا من حولنا تخيرت لكم ثلاثة أحداث في أسبوع واحد احتشد لها عقل العالم وفكره، بينما استنامت الأفكار والمبادرات في محيطنا العام ورحنا نمارس هواية الغياب وتحفة استقالة الوجود واستمراء العدم. الحدث الأول وقع في أميركا وسَمَعَت تداعياته بسرعة مذهلة في فرنسا، الحدث الثاني: حرائق الوهم في إسرائيل وما تلقيه من ظلال على عملية نصب كبرى تجهز لها، أما الحدث الثالث فهو انكشاف القواعد الفكرية الهشة لحركة النخب المصرية وإعلامنا التابع المغيب في حرب داحس والغبراء الجديدة مع النظام القطري المأفون.
أحداث ثلاثة رسالتها المباشرة أن العالم يتغير بالفعل وما عادت تسعفه الأفكار التقليدية والسياسات المعلبة التي عاش في مداراتها طويلاً، فالمسرح يتهيأ لنظام عالمي جديد بما يطرحه من أفكار وتحديات متسارعة تشي بفلسفات ورؤى محتملة تهدف لتغيير يبدو جذرياً في قواعد اللعبة للعالم الجديد. لقد تنبه العالم بعد الانتخابات الأمريكية التي جاءت بدونالد ترمب أن ما كان يعتبره مستحيلاً أو كابوساً قد تحقق، فالأميركيون قالوا كلمتهم وبقرارهم سيغيّرون شكل العالم وعلاقاته، وأن ما ذهبنا إليه في مقالنا السابق من أن ترمب جاء على لائحة الدولة الأمريكية العميقة وباختيارها وتخطيطها وليس ثورة عليها، يتأكد اليوم أكثر من ذي قبل بترشيحاته للفريق الرئاسي المحتمل والذى شمل شخصيات كانت مناوئة له وضده بشكل واضح في حملته الانتخابية، بما يعنى أن الاختيار يحكمه تصور مسبق في خطة محكمة تتجاوز ترمب نفسه ومرشحيه، خطة تستهدف تغيير قواعد اللعبة العالمية، وتحجم الاستمرار في سياسات أمريكية ودولية ثبت فشلها بما كادت تؤدى إليه من اندفاع متسارع نحو حرب باردة جديدة هي بالقطع لن تحقق المصالح الأمريكية على المدى البعيد، وهى أيضاً خطة تسلم مسبقاً بقبول عدم موضوعية فكرة تسيد أمريكا وحدها بنظام أحادي القطبية لا متعدد الأقطاب، بينما حقائق العالم تقول باستحالة استمراره. وراجعوا الترشيحات وخلفياتها لتروا أنها أكبر من قدرات وافد جديد يفتقد الخبرة السياسية مثل ترمب. مما قلناه أيضاً: انتبهوا ولا تنخدعوا كثيراً فالفارق كبير بين ترمب في تصريحاته ومزايداته الانتخابية مرشحاً، وبين سياساته ورؤاه الاستراتيجية رئيساً في المؤسسة الأمريكية. وها هو يتحقق ما ذهبنا إليه، إذ حملت لنا وكالات الأنباء تصريحه بعد الفوز بتراجعات عديدة تشى بموضوعية أكثر بشأن المسلمين وقصر رؤيته العدائية على جماعات الإسلام السياسي وتنظيماته الإرهابية المتطرفة، وقد أعلن أيضاً أنه في اليوم الأول من ولايته الرئاسية، سينسحب من اتفاق "الشراكة عبر المحيط الهادئ" الموقع بين 12 دولة عام 2015، باستثناء الصين، بما يحقق شعاره "أمريكا أولاً" وما يمكن أن يحد من تداعيات سياسات العولمة الظالمة التي خرج من أجلها ضمير العالم الحر في العقدين الماضيين في بورتو أليجيرى ونيويورك وجنوا وغيرها على هامش اجتماعات الـ G8, G20. وتعهده بـ "إصلاح" الطبقة السياسية و"إعادة بناء الطبقة الوسطى الأمريكية" بما "يجعل الولايات المتحدة أفضل بالنسبة إلى العالم بأسره". وتابعوا حالة الغزل الصريح والهدايا الشخصية والتصريحات السياسية المتبادلة بينه وفلاديمير بوتين، بما يعكس رغبة في تعايش عالمي أفضل على عكس ما يتوقع الكثيرون. هنا نحن لا ندافع عن ترمب، إنما نقدم تحليلاً يرتكز على رؤية ديناميكية لأزمة العالم وتحركاته القادمة، نرجو ألا تخلف الأقدار فيه توقعاتنا الحذرة خصوصاً مع تصريحاته الصادمة بشأن القضية الفلسطينية. خلاصة ما نؤكده أن العالم الآن حولنا كما تتناوشه المخاوف والتوقعات، أيضاً يموج بأفكار جديدة ربما تفتح آفاقاً لتعاون أرحب ونظام عالمي أكثر عقلانية وعدالة وإنسانية. وليس صحيحاً ما يروج بأننا إزاء صعود متوقع لليمين المتطرف، فالأفكار القديمة والتقليدية باتت أقرب للأفول والانسحاب، والعالم الجديد لن يرحب إلا بالوافدين بأفكار ورؤى وسياسات جديدة تنقذ العالم المأزوم من عثراته، ودليلي من فرنسا حيث الجولة الأخيرة من الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين والوسط الفرنسي، التي جرت الأحد الماضي لاختيار المرشح الرئاسي، وقد فاز فيها رئيس الوزراء الأسبق، فرانسوا فيون، أمام منافسه عمدة مدينة "بوردو" آلان جوبيه، كما أظهر استطلاع لمؤسسة هاريس انتر أكتيف، أن فرانسوا فيون، سيهزم بسهولة الزعيمة اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، في انتخابات الرئاسة التي تجرى في مايو المقبل على الأقل بـ 67 % من الأصوات مقابل 33 % للوبان. خرج ساركوزي، كما كان متوقعاً، من الانتخابات التمهيدية، وربما من الحياة السياسية كلياً، بينما يتخبّط اليسار في وضع صعب وهشّ. ذلك أن فيون كان الوحيد الذي طرح أفكاراً جديدة وكسر الرتابة والتقليدية وقدم رؤية مغايرة لما تعتنقه فرنسا هولاند وساركوزي وجوبيه، فهو يرى من الضروري التعامل مع الجيش السوري ومع موسكو، "اللذين يحاربان الإرهاب فعلاً"، وقتال تنظيم "داعش" بالاشتراك مع المعسكر الذي يواجهه فعلاً، وأنه لابد من مواجهة جماعات الإسلام السياسي المتطرف ومحاسبة السعودية وقطر وكل الدول الداعمة له. إنها أفكار جديدة تشكل موجة جديدة تتواكب مع ما يقوله ترمب وبوتين والصين ومصر وقارن عبارته البليغة: "لا يمكن لفرنسا أن تتحمل تراجعها، إنها تريد الحقيقة والعمل، سأضطلع بتحدي غير تقليدي لـفرنسا، بقول الحقيقة وتغيير برمجتها تمامًا." العالم إذن في طريقه للتغير بما يطرحه قادة موعودون من رؤى وسياسات مغايرة ومستجدة، وهو نفسه ما يراه ترمب.
الحدث الثاني: هو حرائق الوهم والنصب في إسرائيل، وهي أيضاً فكرة جديدة لابتزاز العالم وجذب تعاطفه مرة أخرى مع إسرائيل بإدعاء هولوكوست جديدة هم صنعوها ليلصقوها بالفلسطينيين الذين شملتهم كارثة الحريق ودمرت زراعتهم ومنازلهم واعتقال العشرات وتهجير الآلاف منهم. إسرائيل تفكر وتخطط وتناور وتكذب وتنصب، لكنها في النهاية تحاول أن تغير قواعد اللعبة لتكسب دعما وأرضا واهتماما عالمياً وابتزاز. حسناً صنعنا بالمساعدة التي تثبت أن مصر دولة محورية في إقليمها، وكان ينبغي أن ننتبه للعبة ونفضحها ونطلب تحقيقاً دولياً حولها. أليست لدينا نحن أيضاً أفكار جديدة ومعالجات مختلفة؟
أما الحدث الثالث المؤسف هو المفارقة التي كشفت تهافت النخبة المصرية وضيق الأفق الإعلامي وهشاشة بنيته الفكرية حتى بدى إعلامنا مذعوراً مستفزاً من فيلم تافه لا يمكن أن ينال من قيمة جيشنا الوطني، امتلأت جرائدنا وقضائياتنا بحشد كبير روج لفيلم عبيط لدويلة خارج التاريخ فروجنا للفيلم وقدمنا له جمهوراً يتابعه حتى بدواعي الفضول وإرضاء حاسة النميمة، إنه إعلام كما الدبة التي تقتل صاحبها. ويالها من مهزلة أن تتحول آلتنا الإعلامية إلى رد فعل تحركه "الجزيرة" وصبية قطر التوافه، فتبدو مصر الكبرى العريقة مستفزة أمام قزم بلا معنى مثل قطر وحاكمها المراهق، إذ ليس من الحكمة كما يقول كونفوشيوس أن تستخدم مدفعاً لتقتل بعوضة. إن من أذاع أغنية عبيطة تشتم قطر بألفاظ نابية لم يسئ لقطر إنما أساء لمصر.
خلاصة القول أننا امام عالم يتغير ونظام عالمي جديد يتشكل، ومصر في القلب منه، وليست في مبعدة عن مطبخه، وراجعوا أقوال ترمب عن مصر والسيسي وتصريحات فيون عن مصر والإخوان لتعرفوا أننا أمام واقع جديد مصر تجلس فيه على الطاولة في استعداد للعب أوراقها التي نرجو أن تؤديها باحتراف وفكر وأداء جديدين ورجال حول الرئيس أكثر كفاءة وقدرة. مصر قادمة رغم كل ما ترونه من عثرات ومشاكل شريطة أن نستعد وأن تستيقظ النخبة قبل الحكومة التي تبدو بلا حول ولاقوة وكأنها أعفت نفسها من التفكير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قوة مصر الحقيقية
ركاش يناه ( 2016 / 12 / 1 - 17:54 )


قوة مصر الحقيقية
__________

سقط سهوا من التحليل عنصر الثروة البشرية .. 100 مليون مواطن ، منهم 80 مليون تحت خط الفقر .. فى العشوائيات و القرى المُعدمة و الشوارع .. يفتك بهم الجهل و الفقر و المرض

معا ، و بتعليم و تحريض الازهر ، و مبادئ الاخوان و السلفيين الإرهابية ... سنقود العالم .. و نجلس على الطاولة ذات الاربع كراسى ... مع امريكا و روسيا و الصين

دى مصيبة سودة يا جدعان !

....

اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا